hkima

Share to Social Media

كان يا ما كان، في مكان بعيد عن ضجيج العالم، عاشت فتاة تُدعى سمية.
لم تكن غنية، ولا مشهورة، لكنها كانت تملك شيئًا أغلى من كلّ ذلك: قلبًا واسعًا كالسّماء، دافئًا كحضن الأم، وحالمًا لا يهدأ.

منذ طفولتها، كانت تُطعم القطط الضّالة من لقمتها، وتجمع بقايا العظام للكلاب المشرّدة، وكأنها تُطعم إخوتها.
كانت تتحدث إليهم كأنهم بشر، تهمس لهم بأسرارها الصغيرة، وتشكو لهم ما لم تستطع قوله لأحد.

وكان حلمها الكبير أن تصبح شرطية، لا لتحمل سلاحًا، بل لتحمي الأرواح الصامتة…
تلك التي لا تملك لسانًا تشتكي به، ولا عينًا تبكي بها.

وفي خيالها، كانت تتخيّل دارًا عظيمة، كبيرة كقلوب الأمهات، فيها أسِرّة صغيرة من الصوف، وأوانٍ من الحليب، وبطانيات دافئة، وموسيقى هادئة…
وكانت تُسمّيها: "دار الأمان".

وذات صباح شتوي، حين كانت تمشي وحدها في الطريق الضبابي، سمعت مواء قطّة صغير تحت عربة مهجورة.
اقتربت منها، وانحنت لتطمئن عليه، فرفعت رأسها نحوها وقالت:
"أخيرًا… سمعتي صوتي."

تجمّدت سمية في مكانها.
تلفّتت حولها، ظنّت أن أحدًا يمازحها… لكن لم يكن هناك أحد.

نظرت إلى القطّة، فسمعتها بوضوح تقول:
"أنتِ من ننتظرها… أنتِ من ستقوديننا إلى الأمان."

ومن ذلك اليوم، تغيّر كل شيء.
أصبحت سمية قادرة على سماع همسات القطط، وصرخات الكلاب، وآهات الطيور...
أصبحت لسانًا يتحدث عنهم، وقلبًا يحسّ بهم، وبيتًا يحتضنهم.

لكن لم تكن تعلم أن هذه الموهبة، ستحملها إلى مغامرات أعظم، وخطر أكبر...
وأن هناك قوى لا تريد لهذا "الجيش الصامت" أن ينهض.
بعدها ذهبت سمية وأحضرت طعامًا للقطة الصغيرة،
كانت تبحث عن مكان دافئ لتضعها فيه وتُطعمها براحة.

وعندما قدّمت لها الطعام، وجلست تُطمئنها بحنان،
همّت سمية بالوقوف للعودة إلى البيت…
لكن القطة نظرت إليها بعينين دامعتين وقالت بصوت خافت:

"لا تتركيني هنا… إنني خائفة. أمي ليست موجودة."

توقفت سمية فجأة، والتفتت إليها وعيناها تغرقان بالدموع.
دون تردد، حملتها إلى حضنها الدافئ، وضمّتها كما لو أنها جزء من روحها،
ثم عادت بها إلى البيت، ورحّبت بها كأم تحتضن طفلتها.

حمّمتها بلُطف، ولفّتها بقطعة قماش دافئة،
ثم نامت بجانبها في سريرها، لأول مرة وهي تشعر أن هناك من يحتاجها فعلاً.

لكن ما لم تكن تعلمه سمية،
هو أن ما فعلته مع هذه القطة...
كان بداية لحياة لم تكن تتخيلها أبدًا.
استيقظت سمية في الصباح، والشمس تتسلّل من بين الستائر بلطف.
رفعت الغطاء ببطء، ووجدت القطة الصغيرة نائمة فوق صدرها، تتنفس بهدوء وكأنها وُلدت من جديد.

ابتسمت، وقبل أن تنهض، سمعت صوتًا داخل رأسها… لم يكن كالحلم، ولا كالهذيان.

"أنا اسمي نيمو… شكرًا لأنك أنقذتني."

فتحت عينيها بسرعة، ونظرت نحو القطة.

– "هل... هل قلتِ شيئًا؟"

رفعت القطة رأسها، وتمطّت بلطافة ثم نظرت في عيني سمية وقالت:

"نعم، لقد فهمتيني من البارحة. الموهبة استيقظت فيك."

نهضت سمية جالسة، وقلبها يدق بسرعة.

– "أيّ موهبة؟ من أنتِ؟ ولماذا أسمعك؟"

اقتربت القطة منها أكثر وقالت:

"ليس الجميع يسمعنا… فقط من يملك قلبًا نقيًا مثلك.
لقد تم اختيارك، والآن يجب أن تعرفي الحقيقة."

رفّت عينا سمية بدهشة:

– "أيّ حقيقة؟"

صمتت القطة للحظة، ثم قالت:

"أن الحيوانات لا تعيش وحدها… نحن نحمي هذا العالم من أشياء لا ترينها.
لكنّنا الآن في خطر، وقد حان الوقت أن تقودي الجيش الصامت."

شعرت سمية ببرودة تمرّ على جسدها، هل تحلم؟ هل هذا حقيقي؟
لكن في عيني القطة لم يكن هناك شك، فقط نداء…
نداء جديد، أقوى من كل الأحلام.

وقبل أن تسأل سؤالًا آخر…
بدأت تسمع أصواتًا كثيرة تتردّد في ذهنها: نباح، زقزقة، مواء…
كلها تناديها باسمها.

"سمية… سمية… نحتاجك."

وهنا فقط، أدركت أن حياتها القديمة قد انتهت، وأن بابًا سحريًا قد فُتح أمامها…
باب لا عودة منه.
في صباح اليوم التالي، وبينما كانت سمية لا تزال تستوعب ما جرى لها، سمعت صوت بكاء خافت يأتي من خارج المنزل.
اقتربت بخطى مترددة وفتحت الباب… لتجد كلبة صغيرة جدًا، بالكاد تفتح عينيها، تصرخ خوفًا وجوعًا.

أسرعت سمية نحوها، حملتها بذراعيها، وضمّتها إلى صدرها بحنان، تبحث بعينيها عن أثر لأمها أو من تركها هناك.
لمحت من بعيد كلبة كبيرة تتوارى بين الأزقة، وحين التقت عيناها بعيني سمية، سمعت هذه الأخيرة صوتًا غريبًا، حزينًا وعميقًا:

"أنا آسفة… لم أعد قادرة على حمايتها. لا أريد أن تلقى مصير إخوتها الأربعة. أرجوكِ، اعتني بها…"

تجمدت سمية في مكانها، تحدّث نفسها بدهشة:

"هل بدأتُ أسمع صوت الكلاب أيضًا؟!"

حملت الكلبة الصغيرة إلى البيت، وهي لا تزال تحت تأثير الصدمة، وما إن دخلت حتى نظرت إليها القطة نيمو وابتسمت قائلة:

"مرحبا بك في عائلتنا، يا لوزا… لقد جاءت في الوقت المناسب."

نظرت سمية إلى الكلبة الصغيرة في حضنها، ثم همست:

"لوزا… نعم، هذا الاسم يناسبك تمامًا."

في تلك اللحظة، هدأت الكلبة الصغيرة، وكأنها فهمت أنها وُجدت أخيرًا في المكان الذي تنتمي إليه.
لكن سمية لم تكن تعلم أن هذه المخلوقة الصغيرة، الضعيفة، تحمل في قلبها بداية رحلة أخرى… رحلة ستغيّر كل شيء.
مرت أيام قليلة، وسمية تهتم بالكلبة الصغيرة كما لو كانت طفلتها.
أرضعتها بالحليب، ونامت بجانبها، وحرصت على تدفئتها كل ليلة.
نيمو كانت تراقب بصمت، تبتسم أحيانًا، وتتأمل في الرابط الجديد الذي بدأ ينمو بينهما.

ذات صباح، وبينما كانت أشعة الشمس تتسلل عبر نافذة الغرفة، فتحت لوزا عينيها لأول مرة.

نظرت مباشرة إلى سمية، وبدل أن تصدر صوتًا طفوليًا أو نباحًا ضعيفًا،
همست بكلمة واضحة، هادئة… لكنها زلزلت قلب سمية:

"ماما..."

تجمدت سمية في مكانها، لم تصدق ما سمعته.
نظرت إلى نيمو التي قالت بهدوء:

"لقد اخترتك، سمية… منذ لحظة وجدتك."

– "لكنها فقط جرو صغيرة! كيف تنطق؟!"

ابتسمت نيمو وقالت:

"لوزا ليست جروًا عاديًا. هي من سلالة نادرة… وموهبتك أنتِ هي من أيقظت فيها القوة."

شعرت سمية برعشة تسري في جسدها، ثم حضنت لوزا، التي بدأت تلعق خدها برقة.
في تلك اللحظة، لم تكن فقط فتاة وحيوان صغير…
بل كانت بداية أسرة جديدة، تحمل في داخلها شيئًا أعمق من الحب…

كانت بداية عهد جديد.

في الخارج، كانت هناك أعين تراقب…
في الظل، شخص ما همس:
"لقد ظهرت… المنتخبة. اللعبة بدأت."
كبرت لوزا، أصبحت كلبة ذكية ونشيطة ووفية لسمية.
لكن في يوم عادي، وأثناء نزهة بسيطة، وقفت شاحنة ضخمة أمامهما، بداخلها عشرات الكلاب تصرخ طلبًا للنجدة.
نزل رجلان من الشاحنة، يعملان لصالح الدولة، وأمسكا بلوزا رغم صراخ سمية وتوسلاتها.
لم يستمع إليها أحد… واختطفوا لوزا أمام عينيها.

عادت سمية للمنزل وهي منهارة، وروت لنيمو ما حدث.
نيمو أخبرتها بالحقيقة القاسية: هؤلاء الرجال يعملون في إطار قانون قتل الكلاب الضالة بحجة أنها تؤذي الأطفال وتشوّه صورة المدينة.
لكن في الحقيقة، هم فقط اختاروا أسهل طريق: القتل بدل الرحمة.

وقفت سمية وهي تغلي بالغضب، وقالت:
"لا يمكنني ترك لوزا… ولا يمكنني أن أسمح بموت الكلاب الأخرى!"

ابتسمت نيمو وقالت:
"لستِ وحدك… الكلاب والطيور سيساعدوننا."

في تلك الليلة، لم تستطع سمية النوم. كانت الدموع تنهمر من عينيها بصمت، وقلبها يعتصره القلق والخوف على لوزا.
جلست نيمو بجانبها، تحاول أن تواسيها، لكنها كانت تعلم أن الألم أعمق من أن يخففه العزاء.

قالت سمية بصوت مرتجف:
"لوزا ليست مجرد كلبة… إنها ابنتي، رفيقتي، من كبرت أمامي، تفهمني دون كلمات.
لا يمكنني أن أسمح لهم أن يأخذوها، لا يمكن أن أتركها تواجه الموت… ولا أولئك الكلاب الذين كانوا يصرخون طلبًا للنجدة."

رفعت نيمو رأسها وقالت بعينيها اللامعتين:
"سمية، لديكِ قدرة لا يملكها البشر… لديكِ قلب يسمعنا، يشعر بنا.
ولن تكوني وحدك… الطيور، القطط، الكلاب، وحتى أصغر الحشرات، سيساعدونك."

في الصباح، ارتدت سمية ثيابًا بسيطة، ربطت شعرها، وعلّقت سلسلة صغيرة في عنقها، تحمل صورة لوزا وهي صغيرة.
خرجت بخطى ثابتة نحو الحديقة التي اختُطفت منها.
وقفت هناك، أغمضت عينيها، وهمست:

"أنا سمية… الطفلة التي تسمع صوت الحيوان.
أطلب من كل مخلوق صغير، من كل روح حُرمت من الحماية… أن يساعدني في استعادة ابنتي… وإيقاف هذا الظلم."

وفجأة، بدأت الطيور تحوم فوق رأسها، وخرجت قطة من تحت أحد الأرائك، وكلب يلوّح بذيله من بعيد.
حتى الغراب، الذي كانت تخشاه دائمًا، وقف أمامها ونظر في عينيها مباشرة، ثم قال بصوت عميق:

"اتبعيني… أنا أعرف طريق ملجأ الموت."
اتسعت عينا سمية عندما سمعت الغراب يتكلم بوضوح تام. لم تكن قد سمعت من قبل صوت طائر بهذا الوضوح، لكنه كان غاضبًا، حازمًا، وكأنه يعرف تمامًا ماذا يحدث.

قال الغراب وهو يطير قليلًا أمامها:
"أعرف المكان الذي نُقلت إليه الكلاب… ملجأ بعيد عن أعين الناس، في منطقة مهجورة على أطراف الغابة السوداء."

تبعته سمية دون تردد، تحمل في قلبها الخوف والغضب والحب.
على الطريق، انضمت إليهم قطة صغيرة اسمها "زينة"، كانت تعيش بجوار الملجأ سابقًا، وهربت من هناك بعد أن شهدت ما لا يمكن نسيانه.

قالت زينة بصوت حزين:
"كانوا يأخذون الكلاب واحدًا تلو الآخر… نسمع صرخاتهم، ثم يعود الصمت… صمت الموت."

عبرت سمية الغابة، وسط الأشجار العالية والأصوات الغريبة، وكل خطوة تخطوها كانت تُشعل في قلبها تصميمًا أكبر.
وعندما اقتربوا من سياج طويل من الحديد، قال الغراب:

"هنا... خلف هذا السور، يوجد الملجأ… وهناك، لوزا تنتظر."

اختبأت سمية خلف الأشجار، تراقب المكان:
كلاب محبوسة في أقفاص صغيرة، رجال يرتدون سترات رسمية، وآلة ضخمة تصدر أصواتًا مرعبة.
همست نيمو في أذنها:

"لدينا خطة… الطيور ستشغل الحراس، القطط ستفتح الأقفاص، وأنتِ ستبحثين عن لوزا."

رفعت سمية رأسها، ووضعت يدها على صدرها حيث توجد صورة لوزا، ثم همست:

"أنا قادمة، يا صغيرتي…"
كان الليل قد بدأ يُسدل ستاره، والظلام يغطي الملجأ كما يغطي الحزن قلوب الحيوانات خلف القضبان.
كانت سمية تراقب المكان من خلف شجرة، أنفاسها سريعة، لكن عيناها مليئتان بالإصرار.
قال الغراب بصوت حاد:

"الوقت الآن… إن لم نتحرك، سيبدأون بإعدام الدفعة التالية مع الفجر."

أطلقت الطيور صيحات عالية، وبدأت تدور فوق رؤوس الحراس، تهاجمهم بأجنحتها ومنقارها، مما شتت انتباههم.
في نفس الوقت، تسللت القطط بهدوء إلى داخل المقر، وبدأت بخدش أقفال الأقفاص وفتحها بخفة ومهارة.

زحفت سمية من جانب السور حتى وصلت إلى الباب الخلفي، الذي تركه أحد الحراس مفتوحًا وهو يطارد طائرًا.
دخلت مسرعة، وكل ما في بالها اسم واحد فقط: "لوزا…"

صوت نباح خافت أيقظ قلبها. نظرت يمينًا… يسارًا…
ثم سمعت صوتًا ضعيفًا، مألوفًا… كانت لوزا!

وجدتها مرمية في زاوية قفص صغير، عيناها نصف مغلقتين، ترتجف من الخوف والجوع.
صرخت سمية:
"لوزااا!!"
رفعت لوزا رأسها بصعوبة، وحين رأت سمية، أطلقت نباحًا ضعيفًا ممزوجًا بالدموع.

كسرت سمية القفل بقطعة حديد كانت قرب الباب، وفتحت القفص، وضمت لوزا بقوة إلى صدرها.
قالت لها بصوت مرتجف:
"أنا هنا يا حبيبتي… جئتُ من أجلك، ولن أتركك أبدًا."

لكن فجأة، دوى صوت صافرة حادة…
الحراس اكتشفوا الأمر.

انطلقت صفارات الإنذار في كل أرجاء الملجأ، وبدأ الحراس يركضون في كل الاتجاهات وهم يصرخون:
"تسلل! هناك أحد داخل الأقفاص!"

احتضنت سمية لوزا بقوة وركضت بها، تبحث عن مخرج، لكن الباب الذي دخلت منه كان قد أُغلق.
الغراب هبط من السماء مسرعًا، وقال:

"من الجهة الأخرى، هناك مخرج خلفي صغير، نيمو والقطط سيفتحونه لك!"

ركضت سمية وهي تحمل لوزا، والدموع تملأ وجهها. كانت تشعر بدقات قلبها تصرخ أكثر من صوت الإنذار.
في طريقها، رأت عشرات الكلاب تهرب من الأقفاص، بعضها مصاب، بعضها صغير، لكنها كلها حرة الآن.

وصلت إلى الباب الخلفي، وهناك كانت نيمو تقاتل بقوة مع أحد الحراس الصغار، تقفز على وجهه وتخمشه حتى وقع أرضًا.
قالت نيمو بصوت مرتفع:
"هيا سمية، اخرجي!!"

لكن قبل أن تخرج، نظرت سمية خلفها، فرأت كلبًا جريحًا يحاول الزحف للخارج.
وضعت لوزا قرب الباب، وركضت نحو الكلب، حملته فوق كتفيها، وعادت تركض.

نجحت في الخروج… الكلاب تبعتها، القطط ركضت بجانبها، والطيور كانت تغطيها من فوق.
لم يستطع الحراس الإمساك بها، فكل الحيوانات كانت معها… كانت تحميها، كما لو كانت ملكة الغابة.

حين وصلت بعيدًا عن الملجأ، سقطت على الأرض من شدة التعب، لكن لوزا لعقت وجهها بحنان، وقالت بصوت خافت:
"أحبكِ… أمي."
مرت أيام قليلة على عملية الهروب، وعادت سمية للبيت مع لوزا وباقي الكلاب التي نجت من قبضة الموت.
كانت ترعاهم، تنظفهم، تطبب جراحهم، وتنام بينهم كأنها واحدة منهم.

لكن شيئًا في قلبها لم يكن مرتاحًا…
رأت بعينيها الظلم، سمعت صراخ الحيوانات، وشعرت بألمهم.

قالت نيمو ذات صباح وهي تنظر إلى لوزا:
"لا يكفي أن نُنقذهم مرة… يجب أن نوقف هذا الكابوس للأبد."

جلست سمية تُفكر… ثم خطرت لها فكرة عظيمة.
قررت أن تبدأ حملة كبيرة على مواقع التواصل، تحكي فيها ما شاهدته، بصوت الحيوانات، لا بصوت البشر.

بدأت تُسجل مقاطع فيديو وهي تترجم رسائل الكلاب والقطط، وتنشر صورهم قبل وبعد الإنقاذ.
كل يوم كانت تقول جملة جديدة:

"أنا لست كلبًا ضالًا، أنا روح خلقت لأُحَب."
"أنا لا أؤذي الأطفال، أنا أبحث عن من يربّت على رأسي."

تدريجيًا… انتشرت رسائلها.
تواصل معها صحافيون، جمعيات الرفق بالحيوان، وحتى بعض الأطباء البيطريين.
صار الناس يسمّونها في الإنترنت:
"الفتاة التي تتحدث لغة القلوب."

خرجت سمية في أول ظهور إعلامي، كانت خجولة لكنها ثابتة، وقالت أمام الكاميرا:
"الحل ليس في القتل، بل في الرحمة… أعطوهم فرصة للحياة، وسأساعد في تدريبهم، رعايتهم، وتبنّيهم."

في الخلف، كانت لوزا جالسة بهدوء، تراقب أمّها الجديدة، وفخر كبير يلمع في عينيها.
انتشر خبر سمية في كل البلاد، صارت صورتها تُرفع في الشوارع، وأحاديثها تُدرس في المدارس،
حتى أن بعض الأطفال بدؤوا يكتبون رسائل حب وامتنان باسم الحيوانات.

لكن سمية كانت ما تزال تلك الفتاة الهادئة، تجلس مع قططها، تمشط لوزا، وتعد الطعام لجرو صغير تُرك قرب بيتها.
رغم العروض المغرية، والفرص الذهبية، قالت للجميع:

"أنا لا أبيع صوت الحيوانات… أنا فقط أبلّغه."

وفي يوم من الأيام، وصلها ظرف ذهبي، مختوم بشعار المملكة.
فتحت الظرف، فقرأت:

“سمية،
باسم الرحمة والعدل،
نكرّمك على شجاعتك، ونمنحك أرضًا كبيرة لتكون أول مركز وطني لحماية وتدريب الحيوانات،
سيحمل اسمك، ويكون تحت إشرافك، وبكامل حريتك في تسييره.”

دمعت عينا سمية، ورفعت رأسها للسماء، وقالت:
"الحمد لله… الحلم بدأ يتحقق."

ذهبت للمكان الجديد، كانت الأرض واسعة، والشمس تشرق عليها بحنان.
ركضت لوزا بسعادة، وجرت خلفها نيمو، وجاءت الطيور تحلق فوق رؤوسهم، كأنها تحتفل.

وقفت سمية في منتصف الحقل، وضعت يدها على قلبها، وقالت:

"من هنا… تبدأ المملكة الحقيقية.
مملكة من لا يملكون صوتًا، لكن قلوبهم أنقى من البشر."
مرت خمس سنوات على ذلك اليوم الذي وُلدت فيه "مملكة الرحمة"، حيث لا حيوان يُهان، ولا روح تُنسى.

سمية الآن شابة ناضجة، صارت تُدعى في العالم كله "صديقة الأرواح الصامتة".
الملجأ الذي بدأ بأرضٍ فاضية، أصبح قرية حقيقية:
فيها مستشفى بيطري، مدرسة لتدريب الكلاب، حديقة لعب للقطط، وغابة صغيرة تأوي الطيور والحيوانات الجريحة.

لوزا كبرت، وأصبحت قائدة كلاب التدريب، ذكية، وحنونة، وتفهم كل إشارة من سمية دون أن تنطق.
أما نيمو، فقد أصبحت أكثر هدوءًا، تجلس بجانب النافذة وتحكي للقطط الصغيرة قصصًا عن مغامراتهم القديمة.

وفي أحد الأيام، كانت سمية جالسة تكتب في دفتر مذكراتها، حين سمعت طرقًا على الباب.
فتحت، فإذا بطفلة صغيرة تمسك بقط صغير بين يديها، وتقول:

"من فضلك… هو بلا أم، سمعته يقول لي إنه خائف."

ابتسمت سمية، وركعت أمامها، وقالت:
"هل تسمعينهم؟"

هزّت الطفلة رأسها وقالت: "نعم… مثلما تقولين أنتِ."

دمعت عينا سمية، واحتضنتها، وقالت في سرّها:

"ربّيتُ أجيالًا تسمع بقلبها، وهذا أعظم ما يمكن أن أقدمه للعالم."

رفعت رأسها للسماء، ثم قالت بهدوء:

"شكرًا يا رب… من بنت كانت تحلم فقط، إلى امرأة تُحقق أحلام الآخرين."
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.