مجتمعاتنا والفن

مجتمعاتنا والفن :
يعتقد الكثير من السذج ذوي الثقافة الدينية السطحية بأن الأدب و الغناء والفنون عامة ما هي إلا أداة لتحريك الغرائز. فهل -فعلا- وظيفة الفنون تحريك الغرائز، مثل ما يعتقد العامة، وهل الفن ذنب؟
إن الدافع إلى اتخاذ هذا الموقف العدائي تجاه الفنون في مجتمعاتنا هو في الأساس دافع غرائزي؛ لأن المروجين لهذه المغالطة -الخطيرة في نتائجها- لا يرون العالم إلا بمنظور عطشهم. هم يبحثون في كل مكان عن احتياجات أجسادهم،  ليس الغناء والأدب فقط من يشكل خطرا على تخيلاتهم... هذا الصنف من الناس يتعاطون مع الدين أيضا بشكل غرائزي. قد يقرا أحدهم سورة يوسف متلهفا لأن يصل إلى ( وهمت به وهم بها)، ولا يقرأ قوله تعالى ( وانكحوا ما طاب لكم من النساء) إلا مبتورا؛ فلا يقف فكره المشدود إلى إلحاح دواخل نفسه لا على كلمة اليتامى ولا على كلمة العدل... هذا الصنف من المتدينين. هم رهينة إما لغرائزهم، وإما للرهبانية التي ما رعوها حق رعايتها فأدت بهم إلى الشذوذ... كثيرا ما تسمعهم يقولون: ما ضاعت الأندلس إلا بانشغال المسلمين بالشعر والغناء؛ متناسين أن الذين دخلوها قد أسسوا للفنون، ومغفلين الأسباب الحقيقية لضياع السلطان، وكأن الصراع العقائدي، وصراع السلطة سبب هامشي لبلوانا... 
قد أدت بنا هذه النظرة العدائية إلى كل ما هو إنساني. أدت بنا إلى حالة من التشظي النفسي؛ تجد الواحد من هؤلاء يحب --بفطرته- أن يستمع إلى أغنية وتلح عليه نفسه أن يفعل ذلك. لكنه يسمعها بطريقة يحس معها بالذنب... وحتى الفنان نفسه يعيش هذا التشظي؛ فكثيرا ما تسمع أن فلان الفنان تاب. تاب عن ماذا؟! عن الغناء أو الرسم أو حتى عن كتابة الشعر!
إن الأخطر من كل هذا هو أننا بهذا التفكير حيال التأسيس لفن عفن؛ غناء يرتبط بالحاناة, وروايات لا تخرج في مضامينها عن ما تعانيه من كبت، وشعر عبثي... كيف سننتج فنا حقيقيا يوقض فينا ما نحتاج إلى إيقاظه، ونحن ما زلنا متوقفين عند  حالة الصراع المفتعل بين الدين والفن... إن هذه العدائية الجمعية للفنون، وشيطنة الفنان هي التي أدت بنا إلى عصر التفاهة على مستوى الفن ذاته؛ فعلينا إعادة الاعتبار للفن بوصفه خلاصا. لا بوصفه حانة يفر إليها الذين لفظتهم مجتمعاتهم؛ فمتى يكون الشاعر كما كان فارسا، والخطيب كما كان حكيما مصلحا، والمغني كما كان مرهما؟!



مشاركة:
فيسبوك تويتر بنترست واتساب لينكدان

0 تعليقات

اكتب تعليق

مقالات متعلقة

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.