tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

البحث عن الحيوان المفترس
إن القبطان فاراجوت بحار ماهر، كان يبحر وكأنه هو والسفينة كيان واحد. من الواضح أن هذا الرجل إما سيقتل الوحش البحري أو سيقتله الوحش في النهاية، لم يكن باستطاعتي رؤية خيار آخر.
ساور سائر الرجال على متن السفينة الشعور نفسه، لا بد من وضع نهاية لكركدن البحر ذاك. عندما وضع القبطان فاراجوت جائزة مالية تبلغ ألفي دولار لأول رجل يرى الحيوان البحري، شعر البحارة بالحماسة أكثر، كان أكثرهم حماسة رجلًا يدعى نيد لاند. اشتهر نيد بأنه أمير صيد الحيتان بالرماح. كان بمقدوره إلقاء الرمح أفضل من أي شخص آخر؛ لم يؤمن نيد بوجود حوت بهذا الحجم، وكان الرجل الوحيد الذي آمن بذلك على متن السفينة. إذ وجد صعوبة في تصديق أن هناك سفينة من صنع الإنسان بهذا الحجم في البحر، وبالطبع بدا احتمال وجود كركدن البحر مستحيلًا. حاولت أن أغير رأيه، لكنه كان عنيدًا، فقد بدا وجود سفينة من صنع الإنسان هناك أكثر منطقية من وجود حوت من وجهة نظره.
بحث القبطان وطاقم السفينة في مياه المحيط ثلاثة أشهر، لكن مع مرور الوقت شعر الجميع بالسأم، بدا الأمر وكأن الوحش قد اختفى إلى الأبد. لم يتمكن البحارة من إخفاء شعورهم بالإحباط، وبدءوا يتحدثون عن العودة إلى ديارهم، مع ذلك عارض القبطان ذلك. إذا أراد القبطان الحفاظ على وحدة طاقم السفينة، فعليه أن يجري بعض التعديلات سريعًا.
قال القبطان: «امنحوني ثلاثة أيام.» إذا لم يظهر الوحش خلال الأيام الثلاثة القادمة، فستغير السفينة وجهتها وتعود أدراجها.
هذا الأمر زود طاقم السفينة ببصيصٍ من الأمل، إذا لم يعثروا على الوحش البحري، فسيعودون إلى حياتهم الطبيعية على الأقل. تجمع البحارة فوق سطح السفينة مرة أخرى. كانت مجموعة من الرجال تراقب ظهور أي إشارة للوحش على الدوام.
مر يومان، جرب فيهما الرجال كل شيء لجذب الوحش، فقد ألقوا الطعام من فوق المركب إلى المحيط، وخرجت قوارب صغيرة من السفينة لم تترك مكانًا بالمحيط إلا وبحثت فيه، بحث الرجال طوال النهار والليل، دون جدوى.
وفي اليوم الثالث لم يكن أمام القبطان خيار سوى العودة إلى الديار، لم يكن الحوت على مرأى منهم على الإطلاق. حتى إن القبطان فاراجوت أدرك أن الوقت قد حان للعودة إلى الوطن. لكن أثناء تغيير السفينة لوجهتها، تغير معها حظ البحارة. دوى صوت عالٍ وسط الصمت، كان صوت نيد لاند، الشخص الوحيد الذي لا يعتقد في وجود الوحش على متن السفينة، وكانت الكلمات التي صاح بها جعلت كل من في السفينة يأتي مهرولًا للمشاهدة.
أصدر القبطان فاراجوت أوامره بالتوقف، أبطأت السفينة حتى توقفت، وأخذت تهتز برقة مع حركة الأمواج. تفحصت الظلام، وتساءلت كيف تمكن ذلك الرجل من رؤية أي شيء. خفق قلبي وكأنه سيتوقف، لكن نيد لم يكن مخطئًا، رأينا جميعًا الشيء الذي أشار نحوه. وقد أضاء البحر بوهج غريب، أخذ الضوء فوق سطح الماء شكلًا بيضاويًّا، وشعرنا بدفء قادم من أسفل المياه.
حاول أحد الربابين تقليل أهمية ذلك الشيء بلغة علمية.
أجبت: «كلا، انظر! انظر! إنه يتحرك! إنه يتقدم للأمام والخلف. إنه يندفع نحونا!»
علت صيحة مدوية بين الحشد.
قال القبطان: «صمتًا! تحرك في الاتجاه المعاكس! يجب أن نعود!»
امتثل الطاقم للأوامر وتحركت السفينة بعيدًا عن ذلك المخلوق.
لكن الحيوان البحري انطلق في اتجاهنا بسرعة أكبر. حبسنا أنفاسنا أثناء انتظارنا لإدراك الوحش لنا. دعوت الله في صمت، لن تنجو سفينة أبراهام لينكولن من أي هجوم من حيوان بهذا الحجم.
وفجأة اختفى الضوء، فشعرنا بشيء من الارتياح. لكن بعد ذلك ظهر الوحش على الجهة الأخرى، وكأنه انزلق من أسفل السفينة. توقعنا اصطدام الحيوان البحري بنا في أي لحظة، بدلًا من ذلك انطلق المخلوق الضخم بعيدًا عنا دون الانقضاض علينا.
ظهر على وجه القبطان علامات الذهول وعدم التصديق.
قال لي: «سيد آروناكس، لقد شُل عقلي عن التفكير.»
أجبت بسؤال أعرف إجابته بالفعل: «أتصدق الآن أنه حيوان طبيعي؟»
أجاب القبطان: «أصدق بالفعل، يبدو كأنه كركدن بحر كهربي عملاق.»
أضفت: «أعتقد أن ليس هناك شيء سيردعه أقل من توربيد»
«أجل، بهذه القوة، لا بد أنه أبشع مخلوق خلق. يجب أن نكون على أهبة الاستعداد.»
أمضى البحارة الليلة وهم يراقبون البحر بحثًا عن أي إشارة لوجود الحيوان البحري. انطفأ الضوء المنبعث من الوحش منتصف الليل تقريبًا. وفي غضون ساعة، بدأ صفير مدوٍّ، بحلول الصباح، أثار الحيوان البحري غضب طاقم السفينة، فقد حاولوا صيده بالرماح وإطلاق النيران عليه، لكن يبدو أن جهودهم لم تؤذ الحيوان البحري على الإطلاق.
بدا أن الهجوم على الحيوان أثناء ساعات النهار عديم الفائدة؛ إذ نادرًا ما ظهر الحيوان فوق سطح الماء. وعندما نراه بالفعل كنا نبعد عنه مسافة كبيرة. عندما حل الليل أصبح الجو عاصفًا والمياه مضطربة، سمحت لنا الأنوار التي أضاءت حول الحيوان البحري تضييق الخناق عليه بسهولة أكثر. أراد القبطان الفتك بالحيوان، أطلق الطاقم عدة رصاصات نحو الحيوان. وقف نيد وهو يراقب الأمر ماسكًا رمحه، وقفت بجواره بجانب السفينة، وأنا أدعو الله أن نرى الوحش. وعندما وجد نيد الفرصة سانحة له للمرة الأولى، ألقى رمحه باتجاه الحيوان. أمسكت بسور السفينة، محاولًا مقاومة الأمواج التي يتسبب فيها الحيوان الضخم. اصطدم الرمح بشيء صلب وتسبب في حدوث حركة قوية في المياه، مما أدى إلى سقوط بعض الرجال وسقوطي من فوق المركب إلى البحر قبل أن أدرك حتى ماذا يحدث.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.