ndaebrahimth

شارك على مواقع التواصل

الفصل الأول

كلمات ساطعة

بعد يوم مليء باللعب، وفعل الكثير من الأمور الجنونية، انتهى اليوم بقبلة وضمة دافئة من أمه، وقالت له: هيا بنا يا صغيري نذهب حتى أضعك في الفراش؛ لترتاح قليلا. هز برأسه وأمسك بيديها وذهبا سويا في هدوء، وقال لأمه بنبرة صوت هادئة بعد أن استلقى في الفراش: ماما، ردت: نعم يا صغيري. فقال: أنت كبيرة صحيح؟، فضحكت أمه وقالت: نعم كما ترى، فسألها والبراءة تملأ عينيه: متى سأكون مثلك؟، أجابته: مع مرور الوقت يكبر المرء وينضج، فأجابها متعجبًا: وما هو النضوج؟، قالت له: ربما جميعا نتقدم في العمر، ولكن ليس الجميع ينضج معه تفكيره، فالنضوج يا بني، أن يكون المرء واعيا لكل ما يحدث حوله، أن يتصرف بحكمة، أن يعقل الأمور قبل أن يتفوه بكلمة ولا يستسلم لآراء الآخرين، لكل منا شخصيته، وتجاربه، وعلمه، وقدرته على التفكير والتواصل مع الآخرين، يجب أن تنضج كل هذه الأمور مع الشخص أثناء تقدمه في العمر، وليس العمر دليلًا على أن هذا الشخص ناضج أم لا، هناك أطفال صغار عقولهم أكبر من أعمارهم، وهناك كبار؛ عقولهم أدنى من عمرهم، فالتقدم في العمر هو حالة بيولوجية لا  أكثر، وإنما دواخلنا نحن من نتحكم بها، ولكن لما تريد أن تكبر؟، كنت أريد أن أكبر حتى أسافر إلى أرض الحروف، وأكون أول من يكتشفها، وأكتب عنها الكثير من كتب المغامرات، ولكن بما أنك قلت إن أعمارنا ليست مقياسًا؛ فسوف أسافر كل يوم ليلا، وأكتب عن مغامراتي كل يوم، ضحكت أمه، وقالت: لا بد أنها ستكون مغامرة رائعة للغاية، فأجابها: بكل تأكيد، (القاف) كل يوم تخبرني أن أذهب معها، وأنا أقول لها لا أستطيع لأني مازلت صغيرًا، ولكن اليوم قد أصبحت ناضجًا ويمكننى السفر معها، أدركت الأم أن ابنها آسر يمتلك مخيلة خصبة للغاية، ولديه موهبة عظيمة، وتنبأت له بمستقبل مشرق، وطبعت قبلة على وجهه، وقالت له تصبح على خير، فقال لها: تصبحين على خير يا أمي، هل يمكن أن تطفئي النور معك، و تغلقي الباب قبل رحيلك، فأجابته بكل تأكيد .

وما إن خرجت أمه من الغرفة وأغلقت الباب، فتح درج الخزانة بجواره ليخرج كشاف نور صغير، قد اختاره كهدية في عيد ميلاده السادس، وفتح الكشاف ووجهه نحو الجدار الذي قد رسم عليه حروف اللغة العربية (لغة الضاد) كلها بخط كبير وملون، كانت قد رسمتها أمه حتى تتثبت لديه أشكالها وأسماؤها قبل هذا الوقت عندما كان في عمر أصغر، فأمه لم تكن تعلم أن وضع الحروف العربية على جدران غرفته سيجعله يرتبط بها ارتباطا وثيقا، ويبيت ويمسي معها، ويذهب إلى عالمها ليلا، ويمكث النهار يدون ما تعلمه منها، طفل صغير وخيال خصب، وحروف العربية، وقاف تخرج له من الجدار في كل ليلة عندما يوجه كشاف الضوء نحوها لتطلب منه السفر والترحال إلى أرضها معه، ليكون سفير العربية في أرضه وحاميها.


1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.