hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

عندما تلقَّى القبطان جيريلو تعليمات باصطحاب سفينة الِمدفعية الجديدة التي تحمل اسم
إلى باداما عند فرع باتيمو المتشعِّب من نهر جواراماديما، ومساعدة « بنجامين كونستانت »
السكان في مكافحة وباء النمل، ساوره الشك في أن السلطات تسْخر منه؛ فلقد كانت ترقيته
في العمل رومانسيةً وغير مألوفة؛ إذ لعبت مشاعر سيدة برازيلية بارزة وعَيْنَا القبطان
مُهينتين « أوه فوتورو » و « دياريو » الصافيتان اللامعتان دورًا في العملية، وكانت صحيفتا
على نحو يُرثى له في تعليقاتهما. شعر جيريلو أن هذه المَهمة ستفتح الباب من جديد
للتعامل معه دونما احترام.
لقد كان كريوليٍّا برتغالي الأصل، وكانت تصوراته عن الآداب والانضباط برتغالية
صِرفة، ولم يفتح قلبَه إلا لهولرويد، ذلك المهندس المُنتمي إلى مقاطعة لانكشر الذي جاء
معه على متن السفينة ليدرِّبه على استخدام اللغة الإنجليزية؛ حيث كان القبطان لا يُجيد
نطق بعضالحروف.
إن هدفهم من ذلك أن يجعلوني أبدو سخيفًا! ما الذي يمكن للمرء » : قال القبطان
«. فعله تجاه النمل؟! النمل يأتي ويذهب
إنهم يقولون إن هذا النمل لا يذهب. ذلك قول الشاب الأسود الذي » : قال هولرويد
«… قلت عنه إنه سامبو
«. زامبو؛ هذا يعني أنه هجين الدم »
«! سامبو. لقد قال إن الناس يذهبون »
لا مفر من وقوع هذه الأمور. ما » : دخن القبطان فيضيق لبعضالوقت، ثم قال أخيرًا
هذا؟ فأوبئة النمل وما شابه ذلك هي إرادة الرب. لقد كان يوجد وباء في ترينيداد؛ ذلك النمل
الصغير الذي يحمل أوراق الشجر، وكل ثمار البرتقال وكل ثمار المانجو! ما أهمية ذلك؟
إمبراطورية النمل
أحيانًا تدخل جيوشالنمل إلى البيوت لتحارب نوعًا مختلفًا من النمل. فتغادر المنزل لينظفه
النمل، ثم تعود مرة أخرى لتجد المنزل نظيفًا كأنه جديد! فلا صراصير أو براغيث على
«. الأرضية
«. ذلك الشاب الأسود يقول إنه نوع مختلف من النمل » : فقال هولرويد
هز القبطان كتفيه، وأخذ يدخن مانحًا اهتمامه للسيجارة.
عزيزي هولرويد، ما الذي يُفترض أن أفعله مع » : ثم فتح الموضوع من جديد قائلًا
«؟ هذا النمل اللعين
لكنه في فترة ما بعد الظهيرة، ارتدى زيَّه الرسمي «. هذا أمر سخيف » : فكر القبطان
الكامل واتجه إلى الشاطئ، وعادت البرطمانات والصناديق إلى السفينة، وعاد هو إلى القارب
في أعقابها. جلسهولرويد على سطح السفينة في برودة المساء، وأخذ يدخن بشراهة ويتأمل
البرازيل في إعجاب. لقد كانوا يُبحرون في نهر الأمازون منذ ستة أيام، وكانوا على بُعد مِئات
الأميال من المحيط، وكان الأفق شرقه وغربه يشبه البحر، وصوب الجنوب لم يكن يوجد
سوى جزيرةٍ ذات ضفة رملية عليها بعض فروع الشجيرات. كانت المياه تجري دائمًا
كأنها مصرف، فقد كانت تعجُّ بالقاذورات، ويحركها التماسيح والطيور الحائمة، ويُغذيها
مصدر لا ينفد من جذوع الشجر؛ وملأت المخلفات — تلك المخلفات المندفعة — نفَسَه.
كانت بلدة أليمكير ذات الكنيسة الصغيرة، ومخازن المنازل ذات الأسقف المصنوعة من
القش، والحُطام الباهت الذي يعود لأيام أكثر ازدهارًا، تبدو كأنها شيء صغير ضائع في
هذه الطبيعة القفرة، كانت مثلَ العملة المعدِنية الملقاة في الصحراء الشاسعة. كان القبطان
شابٍّا، وكانت هذه أول مرة يرى فيها المناطق الاستوائية، لقد جاء مباشرةً من إنجلترا حيث
الطبيعة المحدودة والمنبوذة والمستنزَفة، إلى تمام الاستسلام، واكتشف فجأة تفاهة الإنسان.
على مدار ستة أيام كانا يبحران قادمَيْن من البحر عبر قنوات مهجورة، وكان الإنسان فيها
نادرًا مثل الفراشة النادرة. فيومًا يرى المرء قاربًا؛ ويومًا آخر يرى محطة بعيدة؛ وفي اليوم
التالي لا يرى بشرًا مطلقًا. لقد بدأ يدرك أن الإنسان حيوان نادر أيضًا لا يملك سوى سيطرة
محفوفة بالمخاطر على هذه الأرض.
أدرك ذلك بمزيد من الوضوح مع مرور الأيام، وسلك طريقًا متعرجًا إلى فرع باتيمو
بصحبة هذا القائد المميز الذي كان يمتلك مِدفعًا كبيرًا، وكان محظورًا عليه إهدار ذخيرته.
كان هولرويد يتعلم الإسبانية بجهد كبير، لكنه كان لا يزال يتعلم زمن المضارع البسيط،
وفي مرحلة التحدث الأساسية. والشخصالآخر الذي لديه كلمات إنجليزية كان زنجيٍّا يوقد

المحرك البخاري، وينطق كل الكلمات على نحو خاطئ. أما نائب القائد، واسمه دا كونيا،
فكان برتغاليٍّا يتحدث الفرنسية، لكنها فرنسية مختلفة عن الفرنسية التي تعلمها هولرويد
في ساوثبورت، وكان حديثهما مقتصرًا على المجاملات ونقاشات بسيطة عن الطقس. كان
الطقس، مثل كل شيء آخر في هذا العالم الجديد المدهش، طقسًا ليس له علاقة بالإنسان؛
فقد كان حارٍّا ليلًا ونهارًا، وبخار الهواء تفوح منه رائحة الزرع المتعفن، فقد كانت الرياح
بخارًا ساخنًا، وبدا أن التماسيح والنمل والثعابين والقرود تتساءل عما يفعله الإنسان في
ذلك الجو الذي لا متعة في شمسه ولا برودة في ليله. فقد كان ارتداء الملابسلا يُحتمل، لكن
إلقاءها جانبًا يعني التعرضللَفْحة الشمسنهارًا، وتعريضجزء كبير للبعوضليلًا، وكان
الجلوس على ظهر السفينة نهارًا يعني العمى من وهج الشمس، والجلوس بالأسفل يعني
الاختناق. وأثناء النهار كانت تأتي حشرات معينة شديدة الذكاء، وتُلحقضررًا بالغًا براحة
اليد والكاحل. ولما كان القبطان جيريلو بمنزلة الشيء الوحيد الذي يصرف انتباه هولرويد
عن هذه العذابات الجسدية، فقد أصبح مملٍّا على نحو رهيب؛ إذ كان يروي القصة البسيطة
المتمثلة في مشاعر قلبه كلَّ يوم. كانت تلك القصة عن سلسلة من النساء المجهولات، وكان
يرويها بتكرار كمن يُحصيأذكاره على مِسبحته. وفي بعض الأحيان كان يقترح ممارسة
الرياضة، فيصوِّبان على التماسيح، وفي مرات نادرة كانا يجدان بعضالتجمعات البشرية
بين الأشجار المهجورة، فيمكثان يومًا أو بعض يوم، ويحتسيان الشراب ويجلسان، وفي
إحدى الليالي كانا يرقصان مع البنات الكريولية، اللاتي وجدْن اللغة الإسبانية الركيكة التي
يتحدث بها هولرويد، والتي تخلو من زمن الماضي أو المستقبل، كافية لتلبية أغراضهن.
لكن لم تكن تلك الأمور تعدو كونها محضبصيصنور على الطريق الرَّمادي الطويل إلى
النهر المتدفق، الذي على امتداده ظلت محركات السفينة تخفق. وفي مؤخرة السفينة، وربما
في مقدمتها، كانت قِنينة الخمر، ذلك الإله الوثني الليبرالي المتجسد، هي مصدر الغواية.
إلا أن جيريلو عرف المزيد والمزيد من الأشياء عن النمل في تلك الأماكن التي توقف
فيها، وأصبح مهتمٍّا بمَهمته.
إنه نوع جديد من النمل، لا بد أن نكون — ماذا يمكنني أن أقول؟ — علماءَ » : فقال
في النمل؟ إن حجمه كبير. خمسة سنتيمترات! بعضها أكبر! هذا سخف. إننا مثل القردة؛
«. فنحن مبعوثون لالتقاط الحشرات … لكنها تلتهم البلد
افترض أنه فجأة حدثت مشكلات في أوروبا، أنا الآن هنا، وقريبًا » : وصاح في سخط
«! سأكون أعلى نهر ريو نيجرو، ويصبح مِدفعي عديمَ الفائدة

وعالج ركبته وأخذ يفكر قائلًا:
هؤلاء الناس الذين كانوا في المرقص، لقد تدهور حالهم، لقد فقدوا كل ما يمتلكون. »
جاء النمل إلى منازلهم في ظهيرة يوم ما، وهرب الجميع. أنت تعلم أنه عندما يأتي النمل
فلا بد للمرء، أو قل لا بد للجميع، من الهرب فيهيمن النمل على منازلهم. إذا بقيتَ بمنزلك
فسوف يلتهمك. أفهمت؟ تسود حالة من الفوضى، تسمع من يقول النمل رَحل، ومن يقول
«… النمل لا يزال بالمكان، ثم يدلف أحدهم إلى داخل المنزل ليجد النمل مترصدًا به
«؟ أيتجمع عليه »
يعضُّه؛ فيخرج فورًا مرة أخرى … يصيح ويجري، ويتجه صوب النهر. أرأيت؟ »
توقف جيريلو، وصوَّب عينيه الصافيتين نحو وجه «. فينزل الماء ويُغرِق النمل، نعم
لقد تُوفيِّ أحدهم في تلك الليلة، كما لو كان » : هولرويد، ورَبَت على ركبته ببَراجمه وقال
«. قد لدغه ثعبان
«؟ هل تسمم … من النمل »
من يدري؟ ربما عضَّه بشدة … عندما التحقت بالخدمة » : هز جيريلو كتفيه قائلًا
العسكرية التحقت بها لأحارب الرجال. وهذه الأشياء — أقصد هذا النمل — تأتي وتذهب.
«. هذا أمر لا شأن للرجال به
وبعد ذلك تحدَّث مرارًا وتكرارًا عن النمل مع هولرويد، وكلما سنحت لهم فرصة
التوجه صوب أي تجمع بشري صغير في هذه المياه الشاسعة، وضوء الشمس الساطع،
« ساوبا » والأشجار البعيدة، تمكن هولرويد بفضل تزايد معرفته باللغة، من إدراك كلمة
الرائجة التي تُهيمن تمامًا على اللغة بأكملها.
لقد فهم أن النمل كان يصير شيئًا مثيرًا للاهتمام، وكلما اقترب منه أصبح أكثر إثارة.
تخلى جيريلو عن موضوعاته القديمة على نحو يكاد يكون مفاجئًا، وأصبح ذلك الملازم
البرتغالي شخصية حوارية؛ فعرف بعض الأمور عن النمل قاطع الأوراق، ووسع معرفته.
وفي بعض الأحيان كان جيريلو يترجم ما سيقوله لهولرويد. فحكى له عن النمل العامل
الصغير الذي يحتشد ويقاتل، وعن النمل العامل الكبير الذي يقود ويحكم، وكيف أن ذلك
النمل الكبير يزحف دائمًا إلى الرقبة، وكيف تسحب عضَّته الدم. وسرد له كيف يقطع النمل
الأوراق، ويصنع أسرَّة من الفُطريات، وكيف تصل مساكنه في كاراكاس أحيانًا إلى مِئات
الياردات. قضىالرجال الثلاثة يومين في مناقشة ما إذا كان للنمل عيون، واحتدم النقاش
على نحو خطير في ظهيرة اليوم التالي، وأنقذ هولرويد الموقف عندما أبحر صوبَ الشاطئ

في قارب، وأمسك بالنمل وشاهده. وأخذ بعض أنواع النمل وعاد، وكان لبعضها عيون،
وبعضها الآخر لم يكن له عيون. وتناقشوا أيضًا فيما إذا كان النمل يعضأم يلدغ؟
هذا النمل لديه عيون » : فقال جيريلو بعد جمع المعلومات من أحد أكواخ الضيافة
كبيرة. فهو لا يجري على عمًى مثلما يفعل معظم النمل. كلا! إنه يقف في الأركان ويراقب
«. ما تفعل
«؟ وهل يلدغ » : فسأله هولرويد
لا أعرف ما الذي يمكن للناس » : وأخذ يفكر ثم قال «. نعم، يلدغ. يوجد سُم في اللدغة »
«. فعله حِيال ذلك النمل. فهو يأتي ويذهب
«. لكن ذلك النمل لا يذهب »
«. سوف يذهب » : فقال جيريلو
وأمام تاماندو كان يوجد ساحل خفيضطويل، يمتد لثمانية أميال، وهو غير مأهول
بالسكان، ثم ظهر مجمع النهر الرئيسي بفرع باتيمو على نحو يشبه البحيرة الكبيرة، ثم
أصبحت الغابة أقرب، وأصبحت في النهاية بالغة القرب. وتغيرت طبيعة القناة، وكثرت
بواسطة حبل، في تلك « بنجامين كونستانت » جذوع الأشجار الملقاة في المياه، ورست السفينة
الليلة، تحت ظلال الأشجار الداكنة. ولأول مرة منذ أيام كثيرة يهبُّ بعضالبرودة، وجلس
هولرويد وجيريلو لوقت متأخر يدخنان السيجار، ويستمتعان بهذا الإحساساللذيذ. وكان
بال جيريلو مشغولًا كليٍّا بالنمل، وما يمكنه فعله. وقرر في النهاية أن ينام، ورقد على مرتبة
على سطح السفينة، ولما أعجزت الحَيرة ذلك الرجل، الذي بدا نائمًا بالفعل، كانت كلماته
ماذا يمكن للمرء أن يفعل مع هذا النمل؟ … الأمر برُمَّته » : الأخيرة أنه تساءل في يأسقائلًا
«. سخيف
وترك هولرويد يحكُّ راحتيه الملدوغتين، ويتأمل وحيدًا.
جلس على سور السفينة، وأخذ يستمع للتغيرات القليلة في تنفس جيريلو إلى أن غَط
سريعًا في النوم، ثم سُلب لُبه بدوَّامة النهر وصوتِ تلاطم أمواجه، وأعاد إليه إحساس
الاتساع الذي تزايد داخله منذ أن ترك بارا لأول مرة وجاء إلى النهر. ولم تُظهر السفينة
سوى ضوء ضئيل، وفي البداية سُمع القليل من الكلام ثم خيَّم الصمت. وأشاح بناظرَيه
عن الحدود السوداء المظلمة لأجزاء التشغيل الوسطى في السفينة الحربية، ونظر إلى الضفة
حيث غموضالغابات الأسود الجارف، الذي يُنيره بين الحين والآخر حشرات اليراع المضيئة،
ولا يخلو مطلقًا من همهمة الأنشطة الغريبة والغامضة …

كانت هذه الأرض الشاسعة الخالية من البشر هي ما يدهشه ويقهره. لقد علم أن
السماوات خالية من البشر، وأن النجوم عبارة عن نقاط صغيرة في فضاء شاسع مذهل؛
وعلم أن المحيط هائل ولا يمكن ترويضه، لكنه في إنجلترا كان يعتقد أن الأرض مِلك
الإنسان. في إنجلترا الأرض بالفعل مِلك الإنسان؛ فالأشياء البرِّية تعيش في كَبَد، وتنمو
على أراضٍمستأجَرة؛ فالطرق والأسوار موجودة في كل مكان، ويطبَّق نظام أمني صارم.
على الخريطة أيضًا يملك الإنسان الأرض، وكلها ملونة لتوضيح مِلكيته لها، في تناقض
واضح مع الزرقة العالمية المستقلة للبحر. لقد كان من المسلَّمات بالنسبة له أنه سيأتي يوم
ستنتشرفيه قطارات الترام الخفيفة، والطرق الجيدة، والنظام الأمني المنظم، في كل مكان،
في الأرضالمحروثة والمستنبَتة. إلا أنه في ريب الآن من ذلك.
كانت الغابة لا نهاية لها، وبدت لا تُقهر، وبدا الإنسان دخيلًا نادرًا محفوفًا بالمخاطر.
كان المرء يسافر لأميال وسطصراع ثابت وصامت بين الأشجار العملاقة، التي تلتفُّ حولَها
النباتات المتسلقة الخانقة، والزهور ذات العبير القوي. وبينما كانت كل الأرجاء مسكونة
بالتماسيح والترسة وأنواع لا تُعد ولا تُحصىمن الطيور والحشرات، التي بدت كأنها تعيش
في مسكنها الطبيعي الذي لا بديل لها عنه، كان الإنسان في أفضل الأحيان يجد موطئ قَدم
فوق أرض خالية من الأشجار، ويكافح الأعشاب الضارَّة والوحوش والحشرات، على ذلك
الموطئ الصغير، ويقع فريسةً للثعابين والوحوش والحشرات والحمَّى، وسرعان ما يُزاح
بعيدًا عن المكان. وفي كثير من الأماكن على امتداد النهر كان الإنسان يُطرد على نحو واضح.
وتلك الجدران ،« كاسا » وأكد هذا الدرسذلك الجدول المهجور أو ذلك النهر الذي حفظ اسم
البيضاء المتهدمة، وذاك البرج المحطم. لقد كان أسد الجبال واليغور هما الأسياد هنا …
من كانوا الأسياد الحقيقيين؟
من المؤكد أنه يوجد على بُعد أميال قليلة داخل هذه الغابة عدد من النمل يفوق عدد
البشر في العالم أجمع! بدت هذه الفكرة جديدة كليٍّا لهولرويد؛ ففي غضون عدة آلاف
من السنين ارتقى البشر من البربرية إلى مرحلة من الحضارة، جعلتهم يشعرون أنهم
أسياد المستقبل وأسياد الأرض! لكن ما الذي سيمنع النمل من التطور أيضًا؟ فهذا النمل،
المعروف عنه أنه يعيش في مجتمعات صغيرة مكونة من بضعة آلاف من الأفراد، لم يبذل
جهودًا حثيثةً تجاه العالم الأكبر. لكنه لديه لغة ويتمتع بالذكاء! لماذا ستتوقف الأمور عند
هذا الحد، في حين أن البشر لم يتوقفوا عند حد المرحلة البربرية؟ افترضْأن النمل بدأ على
الفور تخزين المعرفة مثلما فعل البشر عن طريق الكتب والسجلات، وبدءوا يستخدمون
الأسلحة، ويُكوِّنون الإمبراطوريات العظمى، ويشنُّون حربًا مُدبرة ومنظمة، فما العمل؟

تذكَّر المعلومات التي جمعها جيريلو عن ذلك النمل الذي يقترب منه، فهذا النمل
يستخدم سمٍّا مثل سم الثعابين، وأفراده يطيعون القادة الأكبر مثلما يفعل النمل قاطع
الأوراق. لقد كان من النوع اللاحم، وأينما ذهب مكث …
كانت الغابة ساكنة، وكان الماء يرتطم بالجانب دون توقف. وكان يحوم حول الِمصباح
الموجود فوق رأسه دوامة من العُثِّ البغيضلا تُصدر صوتًا.
ثم «؟ ما الذي يمكن للمرء فعله » : نهض جيريلو في الظلام وتنهَّد. وتمتم متسائلًا
تقلَّب، وسكن مرةً أخرى.
واستفاق هولرويد من تأملاته التي أصبحت مشئومة بسبب طنين بعوضة
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.