إهداء
إلى مَن كلله الله بالهيبة والوقار، إلى من علمني العطاء دونما انتظار، إلى مَن أحمل اسمه بكل افتخار، إلى أبي -رحمه الله-: يا مَن أفتقدك في هذه اللحظات، يا من يرتعش قلبي لذكراك، يا من أودعتني لله، على روحك الطاهرة السلام.
وإلى أمي: حكمتي وعلمي، أدبي وحلمي، طريقي المستقيم، ينبوع الصبر والتفاؤل والأمل.
إلى أخوتي وأَخواتي: سندي بعد الله ورفقاء دربي في هذه الحياة، فمن دونكم ما كنت وصلت لما أنا فيه وعليه من العلم، بمواقفكم النبيلة التي منحتموني إياها، يا من كنتم تضيئون لي الطريق للوصول إلى قمم العلم، وتساندونني في أشد اللحظات، أحبكم حبًّا لو مر على أرضٍ قاحلةٍ لتفجرت منها ينابيع المحبة.
"ترحال للنصوص، وتداخُل نصيٌّ، ففي فضاء نص معين تتقاطع وتتنافى ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى"
جوليا كرستيفا
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شهدت حركة النقد الأدبي في أوائل القرن العشرين، نموًّا معرفيًّا متسارعًا، انسجامًا مع المناخ العام، الذي أفرزته الثورة المعرفية بمصطلحاتها الجديدة، ورؤاها المتعددة، فقد شهد هذا القرن ولادة العديد من المناهج والنظريات النقدية، التي سعت جاهدة للبحث عن تقنيات مجدية في التعامل مع النصوص الأدبية؛ تحليلًا وقراءةً وتأويلًا.
وبما أن التناص هو: "قانون النصوص جميعًا" وأن "كل نص هو تناص" كما يقول "بارت"؛ لأن النص الجديد يقوم بفهم وتمثل وتحويل النصوص التي سبقته، لذا فهو لا يستطيع الخلاص من الوقوع في شرك جدلية القراءة-الكتابة التي تعد مرجعية الإنتاج النصي، وتحدد علاقة النص الجديد مع النصوص الأخرى التي تفاعل معها، ولا يمكننا الكشف عن طبيعة هذه العلاقة إلا عن طريق التناص.
والتناص في تعريفه الأدبي: ظاهرة نقدية تستخدم في النصوص الأدبية، وهو قيام الكاتب بالاقتباس أو الاستشهاد أو الاستقطاع أو السرقة من نصوص أو من أفكار كاتب آخر من دون علمه، أو عمل إحالات إليها بحيث تنصهر النصوص، وتتداخل، وتذوب الحدود بينها، وتندمج لتشكل نصًّا جديدًا متوحدًا ومتكاملًا، غنيًّا وحافلًا بالمعاني والدلالات، وبهذا تضيع الملكية النصية، ولا يعود النص الجديد يحمل فكرًا أحاديًّا للكاتب بل يصبح محتويًا على فكرٍ يتأرجح بين الفكر الأصلي وفكر النص المستشهد به، يقول رولان بارت: (ليس هناك ملكية للنص أو أبوة نصية لأنّ الكتّاب والمبدعين يعيدون ما قاله السابقون بصيغ مختلفة، فالنص الأدبي يدخل في شجرة نسب عريقة وممتدة، فهو لا يأتي من فراغ، ولا يفضي إلى فراغ). وهذا هو ما يسمى التناص في الوقت الحاضر، والسرقة الأدبية في النقد العربي القديم. وقد وضّح مفهومَ مصطلح التناص (Intertextuality) عام 1966 العالمُ الروسي ميخائيل باختين ولكنه ظهر بشكل أوضح على يد جوليا كريستيفا.
وبعد هذا فقد رأت الدراسة أن تفيد من هذه الطروحات النظرية الغربية وكذلك العربية، وذلك لتقديمها لقراءة تحليلية لمنجز الشاعرة أشجان هندي الشعري؛ في ضوء نظرية التناص.
فأشجان هندي، تُعد من رواد الأدب والشعر في المملكة العربية السعودية، الذين أفرزتهم العقلية الثقافية السعودية؛ لما اجتمع لها من ثقافة، وعمق تجربة، وبُعد في الرؤية، والعمل الأكاديمي في مجال النقد الأدبي.
جاءت أهمية الدراسة، لكوْنها تحاول أن تقدم دلالةً قويةً، وإشارات أكيدة على ثراء نص أشجان الشعري، واحتوائه على نصوص متعددة، وطاقات إبداعية، وإيحاءات كثيرة، فضلًا عن نهوض فكري وثقافي واسعيْن، بالإضافة إلى الإفادة من ثقافات الأدباء الآخرين، ولا سيما طرائقهم في قراءة النص الأدبي؛ والقارئ العربي بحاجة إلى تعميق مفهوم التناص وتأصيله، فلعل التناص عند أشجان هندي يفتح آفاقًا لقارئ شعرها، وذلك من خلال رصد بعض النماذج، وتقديم قراءة لها من وجهة نظر التحليل التناصي.
هدفت هذه الدراسة إلى رصد مصادر التناص في شعر أشجان هندي، والكشف عن آليات استدعاء النصوص، والاقتباسات الشعرية التي اعتمدت عليها أشجان في مخزونها الثقافي الأدبي، ومن الأهداف:
1) حاولت الدراسة، أن تقارب بين مفهوم التناص حديثًا، مع بعض المفاهيم المشابهة له في التراث النقدي العربي.
2) حاولت الدراسة، أن تعرف الكيفية التي تلقى بها بعض النقاد العرب مفهوم التناص.
3) حاولت، أن تقف على التناص، ومصادره، وآلية استحضاره في شعر أشجان، من خلال رصد بعض النماذج.
4) تعد هذه الدراسة هي الأولى - في حدود علم الباحثة - التي درست شعر أشجان هندي وفقًا للدراسات الحديثة، خاصة ظاهرة التناص.
وهذه الدراسة هي نقدية، فقد حاولت الوصول إلى إجابات متوسلةً المنهج النقدي التحليلي، مستعينةً بأدوات التحليل وآلياته؛ لكشف التفاعل النصي في نصوص الشاعرة، ولا توجد -في حدود علم الباحثة- أية دراسات سابقة تناولت شعر أشجان في ضوء مفهوم التناص، باستثناء دراسة لكنها غير مستوفاة للدكتور سعد البازعي في كتابه إحالات القصيدة، وقد جاءت الشاعرة أشجان هندي ضمن مجموعة كبيرة من الشعراء لم يفرد لها المؤلف دراسة مستقلة.
وكذلك دراسة الباحث تيسير عباس الشريف، (كلية معارف الوحي- ماليزيا-2016م)، والتي كانت بعنوان "شاعرية النص الأنثوي في شعر أشجان هندي"، ولكنها دراسة أسلوبية بلاغية.