"تِبْر"
مصر..
تحديدًا في حي الدقي قبل غروب الشمس.
المكان مكتظٌ بالبشر عند قرب المبنى الذي يسكن فيه، كأن الحكومة قررت رفع الرواتب لكل من يقف في تلك البقعة فقط، أو ربما قرروا أن يثوروا على الحكومة في تلك البقعة نفسها، يمكن أن يكون هو من ضمن هؤلاء البشر المكتظين أو منعزلًا منذ ذلك اليوم في شقته لا يهمه ما يحدث بالخارج.. قطعتُ أفواج البشر الذين لم يتركوا مساحةً للتنفس حتى رأيته.
عاري الصدر، على ذراعيه وصدره آثار جروح غائرة، وعلى صدره آثار لحروق دائرية صغيرة أعتقد أنها سجائر، وشعره صُبغ بحمرة دمائه، اجتمعتْ في عيني الدموع ونظرتُ إلى مَن حوله بخوف، مشهد مخيف وما يخيفك أكثر كثرة الناس حوله كأنهم النحل يتهافتون على زجاجٍ من العسل، لم أكن أعرف أن الناس يحبون رؤية الدماء أو شم رائحته.
أسمع من يقول: ربما كان له نشاطٌ سياسيٌّ لم يتحمل تعذيبهم فعندما عاد قرر الانتحار. وآخر يقول: أنا أسكن في الطابق العلوي وكنت أسمع صراخه بعد منتصف الليل أعتقد أنه كان يمارس سحرًا وهذه آثار جن -والعياذ بالله-.
لكن أنا الوحيدة من كنت أعرف لماذا انتحر، وسبب تلك الجروح والحروق، لم يكتفِ "هلال" بجلد روحه المعذبة بل قرر الانتقام من جسده.. من كل خلية وافقتْ على لمسي.. من كل خلية احتكتْ بإحدى خلاياي، وربما انتهى به المطاف بأن ينتحر ليريح نفسه من كل ذلك التعذيب، كان إلقاء نفسه من شقته موتة رحيمة به على كل حال.
- أكنتِ تعرفينه؟
نظرتُ إلى صاحب الصوت الخشن وإلى جثة هلال، هززت رأسي نافية ثم انصرفت من وسط الزحام.
مات هلال لأنه رأى أكثر من اللازم.. لأنه عاش أكثر من اللازم.. لأنه أخطأ أكثر من اللازم.
مات هلال وأنا هنا أشاهد جثمانه المصبوغ بالدماء وللعجب أنني من كنت أريه كل ذلك.
لعبتُ في خصلات شعري البرتقالية وأنا أهمس بحزن:
- كم كنت هشًّا يا هلال!
***