darbovar

شارك على مواقع التواصل

بعد لقاء الصدفة ذلك اللقاء الذي جمعني بك بعد الغياب المباغت الذي أعلنته خرجت من المقهى أجر أذيال خيبتي الكبيرة أتحسر وجعا وقهرا أتلوى ألما بعد أن كنت اعتدت الحياة دونك عدت إليَّ وأيقظتِ في قلبي شيئًا من حنين الماضي.
عدت متوجها إلى منزلي وفي طريق عودتي ذهبت إلى البقالة المجاورة لمنزلي وطلبت علبتي سجائر من أجل ألا أخرج من منزلي.
قال لي البقال:
_أستاذ بدي اسألك ابني أخذ شهادة بكلوريا هي السنه وأنا رغبان إني أسجلوا بكليه الحقوق بتنصحي بهاد الشي كونوا أنت ما شاء الله عليك من أكبر محاميي ها البلد، وموظف بشركة الها قيمتها على مستوى العالم العربي أو على مستوى العالم بأسره.
_ليك ما بدي أكذب عليك وقلك الحقوق سهلة أنت الحق رغبة ابنك وشوف شوا حلموا لا تنخدع بالمراكز ولا بأي شيء ممكن يدخل ابنك معهد رسم ويكون هاد حلموا ويحقق نجاح اكتر مني بالمحاماة.
لهيك لا تضغط على ابنك وخليه يسجل بالفرع إلي هو بدو ياه نصيحه مني إلك.
خرجت من عنده وأنا أحدث نفسي لديه ثقة كبيرة في شخص هو لا يعلم كم هذا الشخص الرصين الذي يقف أمامه أنه يعاني الفشل وهو معذب في مجال عمله نصحته نصيحه منبعها القلب لأني لا أرغب في أن أرى شباب هذا الوطن الذي نزف كثيرا وهجر أغلب أبنائه إلى الخارج أن يدمر أكثر؛ فأنا أعتز بوطنيتي وانتمائي إلى هذه الدولة والتي نفخر بها كونها صمدت في وجه الإرهاب لسنوات طوال.
دخلت إلى المنزل وأغلقت الباب خلفي وكأن قد حل المساء وإذا بهاتفي يرن برقم غير معروف.
لم ارغب في أن أرى من هذا الذي يتصل بي لكن هناك شيء ما في داخلي حثني كثيرا على أن استجيب لهذه المكالمة
_ألو.........
_ما زلت كما أنت بطريقة ردك على الهاتف بنفس نبرة الصوت الحزين الذي يضفي لحنا رائعا على من سمع صوتك
_لم يعد في القلب شيء سوى الحزن بغرار ما سبق من أيام
_هل أستطيع رؤيتك عمر؟
لماذا؟ لم يعد هناك شيء نتكلم به بعد ذلك الكم الهائل من الوعود التي قطعناها سويًا ونكستي وناطحتي بها إلى اللا شيء
_لكن يا عمر هناك شيء أرغب في قوله لك، ولدي شيء مهم يجب أن أعطيك إياه.
_طيف تستطيعين قول ما تشائين على الهاتف والشيء الذي تريدين إعطائي إياه مبارك لك بهِ.
_لكني أحب النظر إلى عينيك والحديث معك فبهما طمأنينتي وكأنها كالنبيذ لي يجعلاني أشعر بالسكر والتكلم بما لا أرضى البوح به مما يجول في خاطري ويدغدغ عقلي.
لقد احتسيت خمر حبك لدرجة الجنون واوصلني غدرك لدرجة أني كنت أحتاج إلى مصحة للأمراض العقلية، يا سيدتي لا أرغب بالخوض في بحر لا طاقة لي للإبحار به مجددا فإني لا قوة لي لقد أنهكني الخوض فيه من قبل ومعك أنت بالتحديد.
_عمر
_إني أنتظرك في نفس المكان الذي اعتدنا الجلوس به في كل مرة في ذلك المقهى الذي تعرفه.
لم تسمح لي بأن أنطق ولو بحرف واحد انهيت المكالمة قبل أن أجيبك بالرفض ورحلت.
تركت ذلك الكتاب الذي كنت للتو قد بدأت بقراءته وتوجهت إلى المطبخ من أجل أن أعد فنجان قهوة احتسيه بمرارة الخسارة التي خسرتها.
عدت إلى مكتبي من أجل أن أكمل عملي اشعلت سيجارة وبدأت بشرب القهوة وأدخن وأمعن النظر في تلك الأوراق المكدسة أمامي دون تركيز فلقد كنت شريد الذهن في تلك القصة التي انتهت وعادت للحياة من جديد.
لا أعلم كيف شعرت بتعب مفاجئ ولم أشعر بنفسي إلا بعد بضع ساعات وقد نمت على طاولة مكتبي.
***
شتاءُ ٢٠١٩
انتهى الليل، وبدأ الفجر بالبزوغ، وبدأت أشعة الشمس بالوصول إليَّ تدريجيا من تلك النافذة التي تطل على حديقة جميلة وبدأت أستمع واستمتع بتلك الأصوات؛ أصوات الطيور التي تغرد وتتغنى ببزوغ شمس يوم جميل مشمس رائع.
استيقظت وأنا أعبث بشعري الأسود الداكن ذهبت إلى المطبخ وبدأت في إعداد قهوتي، غسلت وجهي وعدت حاملا معي فنجان قهوة وعلبة سجائر وجلست على كرسي مكتبي مجددا من أجل متابعة عملي.
بدأت أقلب تلك الأوراق المكدسة أمامي وأنا في حيرة من أمري بأي ورقة ابدأ وبعد ساعتين او أكثر انهيت ذلك العمل الذي أنهكني وأتعبني لمدة أيام.
نظرت إلى ساعتي ووقفت على قدماي وتوجهت إلى غرفة نومي وقمت بتبديل ملابسي، ارتديت بنطال أسود اللون مع قميص أبيض وارتديت ذلك المعطف الأسود وساعة اليد التي لم تفارق معصمي منذ أكثر من عامين ونصف هذه الساعة التي كانت بمثابة الهوى لي.
دلفت خارجا من المنزل أهيم على وجهي في الشوارع دون أي تعب أو ملل وأثناء سيري رن هاتفي.
ألو..
هل أنت على استعداد بأن تذهب إلى تلك الكافتيريا فأنا بانتظارك هناك.
لقد سبق وأن قلت لك يا سيدتي لا جدوى من أن نلتقي مجددا فالذي هدمتيه لن يكون عامرًا كما كان فلقد أضناني كثرة العمل الشاق على إعادة إعماره لكن كان هناك صد ورفض من قبلك أنت.
وتهون عليك كل تلك الأيام التي قضيناها سوية!
لا، لكني سأكتفي بألمي وسأنزوي بمعزل عنك في واقعي وسأكتفي بك حلما لأنك في الواقع غدارة.
إني أنتظرك ولا مجال لدي للمجادلة أكثر من ذلك هلم أليَّ إني أنتظرك على أحر من الجمر.
لقد عشت في غيابك على الجمر نفسه، لقد عانيت لدرجة أني لم أعد أثق بأي أنثى تقوم بإلقاء الوعود الكاذبة شمالا ويمينًا.
إني أنتظرك وأرجو ألا يطول انتظاري.
إني الآن في طريقي إليك انتظري.
سأنتظر لكن أتمنى ألا يطول هذا الانتظار أكثر من ذلك.
لن تنتظري كما كنت أنتظرك من قبل لا تقلقي، فلقد انتظرتك عمرًا فوق العمر الذي كنت أحياه.
كنت أمشي في شوارع دمشق حين أتاني ذلك الاتصال وعلى الرغم من أني لم أكن أرغب بالذهاب إلى تلك الكافتيريا ومقابلتك مرة أخرى إلا أن هناك شيء ما دفعني إلى أن أذهب لأنني قد أشبعت منك وجعا ولا زلت أسأل نفسي لماذا الذين أشبعناهم حبا قد أشبعونا وجعا؟
بإشارة من يدي تقف بجانبي سيارة أجرة صعدت بها وقلت للسائق خذني إلى مقهى النوفرة هل تعرفه؟ أجابني بكل برود
بالطبع أعرفه.
كان سائق التاكسي شاب في مقتبل العمر لربما كان طالب جامعي يعمل كسائق تاكسي من أجل إكمال دراسته أو كان عسكريا في أثناء راحته من الحراسة يعمل على هذه التكسي من أجل كسب المال لأن العساكر في هذا الوطن قد دمر مستقبلهم حالهم كحال الكثير من الشباب في سورية في ظل هذه الظروف الراهنة.
لم أتحدث مع سائق التكسي أبدًا!
بعد قليل وصلنا بالقرب من ذلك المقهى سرت قليلا ودخلت من الباب وإذا بالجميع في ذلك المقهى ينظرون إليّ ربما بسبب أناقتي المعتادة أو ربما بسبب عطري الذي على ما أعتقد قد فاح في أرجاء ذلك المقهى وقد طغى على رائحه التبغ والمعسل.
فجميع من في المقهى من الجنس اللطيف هكذا رأت عيناي، ولكني عندما رأيتك نسيت الجميع؛ متأنقة جذابة أنت حتى في ضحكتك تلك التي أطلقتها لي عندما رأيتني تبدين بأجمل حلة لك وعندما رأيتك تذكرت تلك الأيام التي مضت وقد قلت لك وقبل أن أسألك عن حالك:
أحيانا أفكر ماذا لو أننا اكتفينا باللحظة الأولى حين التقينا كالغرباء بالكاد نعرف اسمائنا وبعض أشياء كنا نكتبها هنا وهناك.
لماذا تبادلنا أسرارنا وشؤوننا الصغيرة وتفاصيلنا التي لا يعرفها أحد؟
لماذا وصلنا للعمق من الشعور حتى أصبح الخلاص صعبا جدا؟ هذا إن لم يصل إلى مرحلة المستحيل لماذا؟
لأني عندما شاهدتك للمرة الأولى أخذت شهيقا دون زفير حبست أنفاسي إلى نهاية الممر وأغمضت عيناي عندما كنت أموت حبا بكِ، ورغبت إلى أن أصل إلى هذا العمق الذي كنت أنت لا تريد الوصول إليه.
جلست على الكرسي المقابل لك وسألتك كيف حالك؟
مشتاقة لك بلهفة وجنون.
أما أنا فمشتاق لذلك الإنسان الذي كان يغمر الجميع حبا وشوقا وقد كانت ضحكته دواء للقلوب الموجوعة.
ماذا تشربين طيف؟
فنجان من القهوة.
جاء النادل إلينا وطلبت منه فنجانين من القهوة ومكعب سكر واحد ومنفضة سجائر.
أخرجت علبة السجائر من جيبي وأشعلت سيجارة وبدأت قبلها بالكلام.
ما هذا الأمر الطارئ الذي أحضرتني من أجله بهذه السرعة؟ أحدث أمر جلل لاستدعائي بهذا الشكل الفوضوي؟
لا لم يحدث شيء لكني أريد أن أتحدث معك قليلا لأني أتلهف لك بجنون، لقد اشتقتك رغم حضورك الباهت هنا الآن والذي كأنك لست بموجود.
ضحكة طويلة خرجت من ثغري....
أنا تعبت من كل شيء تعبت من الماضي الجميل تعبت من التفكير، لقد اتعبتني أنت بغيابك المباغت.
كنت أريد لقصة حبنا أن تسطر بالدم لكنها سطرت بأنهار من الدموع الدامية كنت أريدها أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه لما بها من الصدق والإخلاص والتفاني من أجل الحبيب لما بها من الإيثار والغيرة والتسامح لكن أنت قتلت حلمي الذي كنت احلمه.
لم أقتل ذلك الحلم لكني قتلت نفسي، إني يا عمر أحبك وما زلت أحبك رغم قصتك هذه.
عندما رأيتك للمرة الأولى هنا في هذه الكافتيريا ورأيتك للمرة الثانية والتي كانت هي سبب في تغيري في كل شيء هناك في الجامعة شعرت بأن القدر قد أرسلك لي هدية من السماء أعجبت بك وطفت الكون بحثا عنك إلى أن وجدتك، وصارحتك بحبي لك وإعجابي الشديد بك واستمرت لقاءاتنا إلى أن تبادلنا الحب وهذا الشيء دفعني إلى الجنون، لقد عشقتك بجنون عشقتك بشكل لم تعهده البشرية من قبل ولن يرى له مثيل في جميع الأزمان لقد سبقت عنترة في حبه أتسمعين بقصة مجنون ليلى لقد تجاوزته بكثير في حبي لك، وأنت ماذا قدمت لي؟ قدمتِ لي الخيبات خيبة تلو الأخر، والانكسار، والدموع، والوجع، والآهات، والحرمان، ولكنك علمتني شيئا رائعًا ألا وهو عدم الثقة بجنس النساء مرة أخرى، لقد تلقيت درسًا جميلًا منكِ في هذا الشيء، ولن أعيد هذه الخطيئة مرة أخرى، لن أحب بعد اليوم بصدق ما بقي قلبي ينبض.
لكنك لم تعلم ما هو الدافع الذي جعل مني ما جعل وما سبب التغير المفاجئ الذي طرأ على حياتنا والذي بسببه أجبرتني الظروف لأن أرحل وأغادر الوطن إلى حقبة أوطان تتقاذفنِ الأيام كيفما شاءت كتقاذف الموج في البحار وتلعب بي الأيام كالكرة كيفما أرادت، وقد كنت أتمنى أن أجد بها وطني لكني لم أجد شيء فلقد كنت أنت الوطن وأنتَ الحب والحياة، وأنت السعادة والروح، وأنتَ الوطن والمستقر، وأنتَ الغربة والمنفى.
جاءني هاتف أثناء حديثنا من الشركة يريدوني على أسرع وقت ممكن.
أعتذر منك طيف أريد الذهاب لأمر أجهله.
خرجت مسرعا الخطى وأشرعت بوابة المقهى وبوابة القلب الكبير، مغادرًا عالم أحلامك وأحلامي ولأخط نفسي بمرارة في عالم الحقيقة الذي نحياه.
تركتك تلملمين ما تبقى من أثري وأثر عطري مع قليل من رائحه التبغ الذي شربته في غضون ربع ساعة من الزمن
ولقد رحلت أنتِ تجرين خيبتك كما كنت تجرين أحلامك فيما مضى.
أوليس أنتِ من ابتعدتِ؟ وجعلت القلب اللين يقسو ويصبح كحجر الصوان في صلابته وقسوته.
من أين جئت بكل هذه القوة والقسوة
من اللحظة التي ضحكت فيها بدل أن أبكي؟
***
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.