hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

استيقظ كاهن كنيسة دنكيرك القديمة في الساعة الخامسة من اليوم الثاني عشر من مايو
في أحد أعوام القرن التاسع عشر ليؤدِّي كعادته قداسًا بسيطًا دون جوقة مرتلين لصالح
بعضالآثمين التائبين.
كان الكاهن مرتديًا ملابسَ الكهنةِ الرسميةَ وعلى وشْك التوجُّه إلى المذبَح عندما دخل
رجلٌ غرفة المقدسات فرِحًا وخائفًا في الوقت نفسه. كان بحَّارًا يبلغ من العمر ستين عامًا
تقريبًا، لكنه كان لا يزال مفعمًا بالحيوية والقوة، وتبدو عليه الصراحة والأمانة.
«. سيدي الكاهن، تمهَّل لحظةً من فضلك » : قال
«؟ ماذا تريد في هذا الصباح الباكر يا جون كورنبوت » : فسأله الكاهن
«! ماذا أريد؟ أريد أن أعانقك في واقع الأمر »
«… حسنًا، بعد القداس الذي ستحضره »
القداس؟ أتظن أنك ستقول القداس الآن، وأنني » : أجاب البحَّار العجوز وهو يضحك
«؟ سأدعك تفعل ذلك
«… ولماذا لا أقوله؟ أفصِحْ عن قصدك؛ فالجرس الثالث قد دقَّ » : فسأله الكاهن
سواء أدقَّ أم لم يدق، فإنه سوفيدق اليوم مراتٍ كثيرة يا سيدي » : ردَّ جون كورنبوت
«! الكاهن؛ لأنك وعدتني أن تبارك بيديك زواجَ ابني لويس من ابنة أختي ماري
«. لقد وصل إذًا » : فقال الكاهن فرِحًا
تقريبًا وصل، لقد تلقَّت سفينتنا إشارةً من خفر » : فأجاب كورنبوت وهو يفرك يديه
«!« جون أردي » السواحل عندشروق الشمس، سفينتنا التي سمَّيتَها بنفسك اسمًا جميلًا هو
أهنئك من كل قلبي يا كورنبوت. أنا » : قال الكاهن وهو يخلع حُلَّة القداس والشال
أتذكَّر اتفاقنا. سيأخذ كاهنٌ آخَر مكاني، وأنا سأضع نفسي تحت أمرك استعدادًا لوصول
«. ابنك العزيز
وأعدك ألا يجعلك تصوم طويلًا. لقد نشرتَ بالفعل إعلانات الزواج، » : أجاب البحَّار
وسيكون عليك تطهيره من الخطايا التي ربما يكون قد ارتكبها بين السماء والماء في المحيط
الشمالي. لقد خطرت لي فكرة جيدة تمثَّلت في أن أجعل الاحتفال بالزواج في يوم وصول
«. ابني لويس، بحيث يغادر السفينة متوجهًا إلى الكنيسة مباشرةً
«. اذهب إذًا يا كورنبوت وجهِّز كلَّشيء »
«! سأنطلق يا سيدي الكاهن. طاب صباحك »
أسرع البحَّار بخطوات عَجِلة إلى منزله الذي يفتخر به كثيرًا، ذلك المنزل الواقع على
رصيف الميناء الذي يمكن من عنده رؤية المحيط الشمالي.
كان كورنبوت قد جمع أثناء حياته المهنية مبلغًا محترمًا؛ فبعد أن أمضىفترة طويلة
في قيادة سفن أحد مُلَّاك السفن الأثرياء في لو هافر، استقر في بلدته الأم؛ حيث أمر ببناء
على نفقته الخاصة. وقامت السفينة بالعديد من الرحلات البحرية « جون أردي » السفينة
الناجحة في الشمال، ولطالما وجدت صفقات بيع جيدة لحمولتها من الخشب والحديد
والقار. وبعد ذلك تخلَّى جون كورنبوت عن قيادة السفينة وسلَّمها لابنه لويس، ذلك البحَّار
الماهر صاحب الثلاثين ربيعًا الذي يعتبره كلُّ قباطين السواحل البحَّار الأكثر جرأة في
دنكيرك.
كان لويس كورنبوت متعلقًا تعلُّقًا شديدًا بماري ابنة عمته التي كانت تجد غيابه
طويلًا جدٍّا ومرهقًا. كانت ماري فتاة فلمنكية جميلة في العشرين من عمرها، يجري في
عروقها بعض الدماء الهولندية. وعندما كانت أمُّها على فراش الموت أوصت أخاها جون
كورنبوت بالعناية بالصغيرة. وأحب البحَّار العجوز الشجاع الطفلةَ كما لو كانت ابنته،
ورأى في ارتباطها المقترح بابنه لويس مصدرًا لسعادة حقيقية ودائمة.
كان وصول السفينة، التي أصبحت قبالة الساحل بالفعل، إيذانًا بإتمام صفقة عمل
التي غادرت « جون أردي » مهمة يتوقع جون كورنبوت من ورائها أرباحًا كبيرة؛ فالسفينة
منذ ثلاثة أشهر قد عادت أخيرًا من بودو على الساحل الغربي للنرويج، وقامت برحلة
بحريةسريعة من هناك.
عند العودة إلى المنزل، وجد جون كورنبوت المنزل كله في حالة نشاط. وكانت ماري
ذات الوجه المشرق قد ارتدت فستان الزفاف.
«! أتمنَّى ألا تصل السفينة قبل أن نجهز » : وقالت
أسرعي ياصغيرتي؛ فالرياح شمالية والسفينة تبحرسريعًا، » : فأجاب جون كورنبوت
«. كما تعلمين، عندما تطلق لنفسها العِنان
«؟ هل أخبرت أصدقاءنا » : سألته ماري
«. نعم أخبرتهم »
«؟ وكاتب العدل والكاهن »
«. اطمئني، أنت فقط مَن يبقينا منتظرين »
وفي تلك اللحظة دخل كليربوه الصديق القديم.
حسنًا أيها العجوز كورنبوت. يا له من حظ! لقد وصلت سفينتك في » : وصاح قائلًا
«! الوقت نفسه الذي قررت فيه الحكومة التعاقدَ على كمية كبيرة من الخشب للبحرية
«؟ وماذا يعني لي ذلك؟ وما شأني أنا بالحكومة » : فردَّ جون كورنبوت
أنت ترى يا سيد كليربوه أننا لا يشغلنا سوى أمر واحد، ألا وهو عودة » : قالت ماري
«. لويس
«… أنا لا أجادل في ذلك، لكن … باختصار … صفقة الخشب هذه » : فأجاب كليربوه
وأنت » : فقاطع جون كورنبوت التاجر مصافحًا يده كما لو كان سيسحقها قائلًا
«. ستحضرالزفاف
«… صفقة الخشب »
ومع كل أصدقائنا العاملين في الأرض والعاملين في البحر يا كليربوه. لقد أعلمت »
«. الجميع، وسأدعو كل طاقم السفينة
«؟ وهل سنذهب وننتظرهم على رصيف الميناء » : تساءلت ماري
بالطبع سنذهب، سنسير في صف مثاني تتقدمنا آلات » : فأجاب جون كورنبوت
«. الكمان
سرعان ما وصل الضيوف الذين دعاهم جون كورنبوت، ولم يتخلف أي منهم عن
الحضور رغم أن الوقت كان مبكرًا جدٍّا. وباركوا جميعًا للبحار العجوز الأمين الذي
يحبونه. في الوقت نفسه، غيَّرت ماري التي كانت جاثية على ركبتيها صلواتها إلى صلاة
شكر، وسرعان ما عادت لرفقة الضيوف متأنقةً ورائعة؛ وقبَّلتها جميع النساء، بينما
صافحها الرجال بحماسة، ثم أعطى جون كورنبوت إشارة المغادرة.
كان من الغريب رؤية هذا الحشد المبتهج يشق طريقه في الغروب صوب البحر. وكان
نبأ وصول السفينة قد انتشر في الميناء، وأطل الكثير من الرءوس المرتدية قبَّعات النوم
من النوافذ ومن الأبواب شبه المفتوحة، وقدَّم الناس المجاملات الصادقة وإشارات التحية
اللطيفة من كل حَدَب وصوب.
وصل الحشد إلى رصيف الميناء وسط حفلة من المديح والمباركات. كان الطقسرائعًا،
وبدت الشمس كما لو كانت مشارِكةً في الاحتفال، وهبَّت رياح شمالية كوَّنت زَبدًا في
الأمواج، وشقَّت بعض قوارب الصيد التي فردت قلوعها استعدادًا لمغادرة الميناء عباب
البحر بسرعتها بين حواجز الأمواج.
كان الرصيفان البحريان في دنكيرك يمتدان إلى مسافة بعيدة في البحر. وشغل حفل
الزفافكامل نطاق الرصيف الشمالي، وسرعان ما وصل إلى منزلصغير موجود على طرف
بسرعة ناشرةً « جون أردي » الرصيف يسكنه مدير الميناء. اشتدت الرياح، وسارت السفينة
أشرعتها السفلية والخلفية والأرجوحية والوسطى والعلوية. كانت البهجة تعم بوضوح
سطح السفينة كما هي الحال على الأرض. وكان جون كورنبوت الذي أمسك بمنظار في
يده يرد في ابتهاج على أسئلة أصدقائه.
انظروا إلى سفينتي! إنها نظيفة وثابتة كما لو كانت أشرعتها قد جُهِّزت » : صاح قائلًا
«! في دنكيرك! لم يُصبْها أدنىضرر، ولا ينقصها حبل واحد
«؟ هل ترى ابنك القبطان » : سأله أحدهم
«! لا، ليس بعدُ. إنه مشغول في عمله »
«؟ لماذا لم يرفع عَلَمه » : سأل كليربوه
«. لا أعلم يا صديقي القديم. لا شك أن عنده سببًا لذلك »
أريد أن أكون » : وأردفت «؟ أتأذن لي بمنظارك يا عمي » : قالت ماري وهي تأخذ المنظار
«. أول مَن يراه
«! لكنه ابني أيضًا يا آنسة »
لقد كان ابنك طوال ثلاثين عامًا، وأصبح خطيبي منذ عامين » : فأجابته الفتاةضاحكةً
«! فقط
واضحة الآن بالكامل. وكان الطاقم جاهزًا لإلقاء « جون أردي » أصبحت السفينة
المرساة، وقصرت الأشرعة السفلية، وأصبح من الممكن التعرُّف على البحارة الموجودين بين
الأشرعة والصواري. ولم تتمكَّن ماري أو جون كورنبوت بعدُ من التلويح بالأيدي إلى قبطان
السفينة.
«. حسنًا، ها هو نائب الربان أندريه فازلينج » : صاح كليربوه
«. وها هو النجَّار فيديل ميزون » : وقال آخَر
محيِّيًا البحَّار المذكور. «. وصديقنا بينيلون » : وقال ثالث
على مسافة تعادل طول ثلاثة أحبال من الشاطئ عندما « جون أردي » كانت السفينة
رفعت راية سوداء على صاري السفينة. كان ثمة حالة حداد على متن السفينة!
استحوذت رجفة الرعب على الحشد وعلى قلب الفتاة الصغيرة.
وتأرجحت السفينةُ في حزن نحو الميناء، وخيَّم الصمت الفاتر على متن السفينة،
وسرعان ما جاوزت نهاية الرصيفالبحري. وأسرعت ماري وجون كورنبوت وكل الأصدقاء
إلى المكان الذي رست عنده، وسرعان ما وجدوا أنفسهم على متنها.
«! ولدي » : لم يستطِع جون كورنبوت إلا أن يتفوَّه بكلمة واحدة هي
فأشار البحَّارة ورءوسهم مكشوفة إلى راية الحِدَاد.
أطلقت ماريصرخة أسى، وسقطت بين ذراعي العجوز كورنبوت.
لكن لويس كورنبوت، خطيب ماري، ،« جون أردي » لقد أعاد أندريه فازلينج السفينة
لم يكن على متنها
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.