Darebhar

شارك على مواقع التواصل

إهداء
إلى كل حروف النون والهاء والتاء
لن أذكر اليوم أسماء
فإهدائي إلى سكان الأرض والسماء
وأسماك البحر وعطور المساء
إهداء إلى كل النساء
أحمد أبو سباق







لقطات على الديوان
دائمًا ما تكون المقدمات هي المفتاح لخوارزميات النصوص الأدبية ولكنها لم تكن قط مفتاحًا لأعماق ذوات النفس. ولذا أتحدث معك عزيزي القارئ عن بعض ملامح شخصية الكاتب مع بعض المختارات من نصوصه..
فحين نتحدث عن الشعر يجب على الجميع مراعاة قدسية المشاعر الإنسانية، فكنا نجتمع في المجالس الأدبية ونجلس في وقار لنستمتع بواقع التجربة الشعرية لكل شاعر يقدم نصه، فكل جملة تُفصح عن سرّ كامنٍ من أسرار النفس البشرية. ومن واقع طبيعة أني شاعر درستُ في كلية دار العلوم أن أميل إلى الشعر العمودي المُحافظ، فمن طبيعة الدراعمة عدم الانحياز لأي نمط شعري دون القصيدة العمودية الكلاسيكية النمطية.
ولكن مع دراستي لقصيدة النثر أو الشعر الحر أو المرسل، أدركتُ أن القصيدة النثرية قادرة هي أيضًا أن تحمل تجربة شعرية حقيقية وكان لعظمة النثر أن نزل القرآن الكريم نثرًا فتحدى الله به العرب وكان سرًا من أسرار الإعجاز البياني والبلاغي مع عدم التزامه بالوزن. ومع أن لغتنا العربية هي لغة بيانية موزونة، وأقل ما يقال أن الوزن يجعل الأذن اكثر استقبالًا للألفاظ عن غيرها.
فحين نتحدث عن شاعر إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنىً فنقول الشاعر " أحمد أبو سباق "هذا الإنسان الذي ما قال شعرًا إلا وقد هوتْ دموعه تجسيدًا واقعيًا لصدق الحالة الشعورية ما دام الشعر من الشعور، فهو الشاعر الذي يتحدث عن الحب والهجر والفراق والصبر وحق الأخوة واستعطاف المحبوبة وتذكيرها بالذي كان بينهما من حب، والذي دائمًا يرى نفسه وحيدًا رغم جميع من حوله ليغوص بنا في أعماق المرأة دون قارب إلا الشعر..
فهو ينتمي بشعره إلى مدرسة الشعر الحر وهو أحد أنواع الشعر العالمي والعربي الأكثر انتشارًا، بدأ يأخذ شكله منذ نهاية القرن التاسع عشر في العالم وفي الثلاثينيات من القرن الماضي في الوطن العربي.
أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى «الشعر الحر». وما زال الجدل مفتوحًا حتى الآن بين تيار من الأدباء والنقاد يرى أن الشعر الحر يختلف عن قصيدة النثر، فهو شعر موزون لكنه متحرر من عدد التفعيلات التي تحدد شطر البيت في الشعر الخليلي ويمثل هذا التيار" نازك الملائكة " وغيرها، وبين من يرى أن النثر أو قصيدة النثر بحد ذاتها هي الشعر الحر لأنه متحرر من أي قالب أو وزن أو بحر.
ولعل الأدبية أن نقول التأثير الأكبر كان للبيئة والجانب الاجتماعي والعوامل المؤثرة في تشكيل شخصية الشاعر وميوله الأدبية، فكان لأحمد أبو سباق الحظ الوفير عن غيره من سكان المناطق النائية في الصعيد، فقد وُلِدَ في سوهاج- مركز البلينا لأسرة ذات شرف وانتماء لآل بيت رسول الله صلوات الله عليه، فحمل الأصل والشرف.
فقد نشأ يتيمَ الأب زاهدًا مع نفسه وأعباء الحياة وتحدى كل الأحوال ليسجل أسرار وجدانه وما يجول بسريرته شعرًا. فقد اكتفى بالثانوية العامة الأزهرية وترك الجامعة للسعي والإنفاق على نفسه وأسرته وهكذا كان أغلب العظماء والأدباء، فكم من ألقاب يحملها أصحابها دون جدوى منها ولا فائدة.
وقد انتقل صغيرًا إلى حي "منشأة ناصر" حيثُ الحياة في القاهرة وزحامها والانفتاح الثقافي، فنشأ بين أحيائها القديمة، بين ساحة الحسين والأزهر والمعز والسيدة زينب، فذهب يشترى الكتب ويقرأها في سن مبكرة على سعة في ثقافة أكاديمية ومبدأ فريد فاختار لنفسه الحرية مع كل حرفٍ يكتبه. فكل نسيج لُغوي هو مشاعر إنسانية مصاغة على ورقٍ أصمٍّ، فهو الغيور في حبّه حين نراه يقول:
أحبك غيورًا
اغضب
كغضب الزمان على المكان
كغضبِ
الليل على النهار
كغضب
الموج في البحار
كثورة بركانٍ هائل
اغضب لحبكَ
حين تغار
وهنا تتضح الشخصية الصعيدية بحميتها وعصبتيها والغضب والغيرة على من يُحب، كما نراهُ يرسم لنا لوحة رائعة من القيود والمستحيل في لقاء المحبوبة ليتخذَ في خياله عالمًا خاصًا، فكل ثورة لمشاعره أصبحت حِممًا بركانية تذيب كل المشاعر الباردة والتحديات من حوله ليضم بين ضلعيهِ الحبيبة الأزلية حين قال:
ثارَ البُركانُ
بين الجليد
فذابَ ما بنا من
جُمودْ
ونادت لنا المشاعرُ
لنحيا
معًا
بالخلودْ!
فنراهُ هو الواقع والخيال والحالم والخائف والقوي والضعيف، كالصغير الذي يبحث عن أحضان من يحنو عليه. وهو المُحب الحالم بطيف المحبوبة والتي لم تغب قط عن خياله ولا عن روحه والذي يشتاق لروحها جسدًا متوحدًا معه بكل مشاعر الحب حين يضمها إلى صدره والذي يطفئ نار شوقه ويخمد لهيب حنينه.
أخشى إن
أفقت
أحيا بكابوسٍ
دائمْ
ففي البيتِ
أبحث عن حضورك..
وفي الحجرةِ أبحث عن
عطورك..
في الليلِ أبحثُ عن
نهودك
وفي الأحلام أبحث عن
وجهكِ..
ويمر الشاعر في حياته والصراع بين مصاعب الحياة وغربة النفس بلحظات القوة والانكسار أحيانًا ليرسم المستحيل بحبر من ذهب حين قال:
قد يُقتلُ يومًا
ضوءُ الشمسْ
بشعاعِ الشمعةِ
والكبريت!
والحب بقلبي
وليدٌ
لوليد..
رضيعٌ لرضيعْ
لو يحبو يومًا
سيضيعْ..
فما أجمل تلك الصورة العبقرية في رسم المستحيل وكيفَ يصوره بالشمس والحيز الأزلي الثابت لسنن الحياة النمطية وكيف لمثل حلمه أن يقتل المستحيل ويقف ليتجرع نخب النصر في بصيص من الأمل في إقناع الذات بسهولة النصر وكسب التحدي..
ليجعل من حبهِ دِينًا هو نبيّه ورسوله وكل أتباعه في عالمه الصغير ويجعل من العشق والأشواق مغفرةً تُهدى لمن أحبّ فقط..
قوانين العشق والغرام
كلها عنك وإليك تُسنْ
وإحكام القبلة والأحضان
وتلاوة أبياتِ العشقِ
لنرتلَ آياتِ الغفرانْ
كما نراه يتشكى هجر المحبوبة وعدم الشعور بما يشعر به من ألم الأشواق فيصورها كأنها لوحة زيتية شكلها فنان مجهول الهُويّة والتي اكتشفها صدفة أثناء رحلة الصراع والتحدّي، والذي يمارسه هزلًا ويعبر عن أن تلك الدماء التي تصل لقلبها ما هي إلا دماء متجمدة المشاعر خرساء عن التعبير!
أَعْشِقُ لَوحَةً
هي إحدى اكتِشَافَاتِي
الهَزَليّةْ
ما أنتِ إلا لوحةٌ تشكيليةٌ
تسيرُ في ألوانِها
دِماءٌ
متجمدةٌ!
ثم يتجه بنا نحو واقعية مفرطة وغربة الأهل والأخوّة والوحدة التي يعاني منها في رحلته الأزلية حين قال في "النيل منها":
والنيل يمر ببلاد أخوة
لكن غرباء!
فكيف تكون الأخوة دون الرحمة والوصال والمحبة فما منه إلا يحمل سيفه على كاهله ويلوح وحيدًا في وجه الشمسِ فيرى الأخوة دون رحمة كالعاهرة في الملاهي الليلية فيراها فضيلةً في ثوبها العاري فيصورها برجولة مؤنثةٍ عاهرة، فالإنسان دون شفقة لا يستحق أن يكون إنسانًا قَط!
يزعمون أنه رجلٌ
وأيقنُ
أنه أنثى بأثداءْ
تلدُ وترضعْ
تغتصب وترجمْ
ويُفعلُ بها
ما لا تشاء
فتاريخك يشهد لك
بالغيرة..
بالحسرة
وكذلك
رب السماء!
وفي كل لحظة انكسار لا يجد له مرفأ إلا هذه الوسادة والليل وما أحن من الليل على الغُرباء والشعر لتدفئة قلبه من الأوجاع!
ويرافقني الوَحيُ
بليلي
أبحر معه إليها فوق الأوراقْ
مجدافي
أقلامي
شراعي
مِحبرتي!
تحملني أمواج شتاءْ!
ونراه يصنع لنفسهِ حبيبة يحاورها في ظلمات الوحدة وغربة النفس الشاعرة فيجدها رغم كل ما يقدمه من تضحيات تقابله بالصد فيقول:
في أي مدارس الحب
تعلمتِ الحبّ؟
وإلى أي المذاهبِ
شرعكِ ينتمي؟
كيف يكون الحب عندكِ؟
هجرٌ وشقاءٌ!!
تتساقط مشاعر أنثاكِ
وجسدي
لن يسعى لإنقاذكْ
فهل أشعلُ نارًا
بجثماني
كي أنقذَ بعضَ أنثاكِ!
تبيعي الدفء
بجمودكِ
وتهرب عيناكِ بمرآتي..
ثم يبحر بنا مرة ثانية في محيطات النساء وقلب المحبوبة دون خارطةٍ لأي الشطئان يطفو فؤاده مع واقعية ذوبان العمر دون جدوى في اللقاء ولكن الأمل لديه أقوى من المستحيل بكثير حين قال:
لا أملك درعًا يحميني
من بطش سيوف الحرمان
أجهلُ
ما بقيَ من العمرِ!
فرحًا أو حزنًا قد كان..
...
قدرٌ مكتوبٌ
أن أعبرَ
فوقَ غداكِ
بلا خذلانْ!
ثم يعود من جديد لليأس من كل شيء مع وجود الأمل واليقين واليأس أيضًا في حالة إدراكية فقد يكون البعد أحيانًا سبيلًا للحفاظ على من أحببت..
أعتذر لكِ
في غيابك
أعتذر لكِ
عن غيابي!
فهي ليست رغبتي
إنما هي نوبة غباءْ
فخيل إليَّ أنه في البعاد
أستمد طاقتي للبقاء
وهكذا نكون أمام تجربة فريدة من الشعر مع بساطة الألفاظ وعمق التجربة لديه فكان أحمد أبو سباق شاعرًا إنسانًا في واقع تجربته المنفردة حيث كان المبحر الوحيد في محيط قلب المرأة والفارس الذي يحارب بالشوق أجل الحرية ليطلق العنان لحروفه ويرتفع بها عن كل قيد ويعلن عن بقاء الأمل واللقاء دائمًا بقلبه.
إسلام الهواري

صانع الكلمات
هي إجابةُ سؤالٍ كان يُطرح عليّ
من أين تأتي تلك الكلمات؟
كان يُطرح من امرأة
يتطابق ويتشابه في المعنى
وفي النطق وفي الدهشة
والقلة كانت للرجال
فأجبت بارتجال..
كل حروف اللغة بين أيديكم
لكن الخامات وسر التركيبات
والمزج والدمج والخلط بيدي
في مصنع الكلمات
لا تصنع الثياب
لأتزين بها وحدي
لا تصنع الأثاثات
لأستريح عليها وحدي
ولا المركبات لأصل
بها إلى النجوم وحدي
في مصنع الكلمات
لا تصنع القيود
ولا الطلقات
في مصنع الكلمات
لا تصنع النظارات المعتمة
فلن تجد فيه
آلاف العاملين والعاملات
فكل آلاته أديرها
ببصمة صوتي
ولمسة يدي
ببصمة وجهي
وزمرة دمي
أفكاري كانت تهيم فوق
رأسي بالآفاق
وعلمتها كيف تحبو
كيف تمشي
كيف تبطش بالأعناق
خامات مصنعي تصدر إليّ
من مشاعر وأحاسيس
من حولي
أستمد طاقاته من أسرار
وكمائن النفس
أترجم تلك المشاعر
وأجبر تلك الكسور
أناقش تلك القضية
وأساعد في الحلول
أعبر بها البحور
وأُنشئ لها الجسور
يقول هو..
هي تقول..
والكل من فعلي
يثور.
أصنع لكم
النار
والنور
أطلق سراح الكلمات
فوق السطور.
تدورني
رحى الهموم
بشوقي
وعشقي بلا غرور
لتقرأه مقالًا
وتنار به المنابر
قد تسمعه
غنوة
وتراه شعارًا لثورة..
مبعوثة دبلوماسية بالعصر الجاهلي
أوصيكِ بتقوى الله في خلقه
إذا أقبلتِ أو أدبرتِ

أوصيكِ بتقوى الله في النساء
إذا تكلمتِ أو ضحكتِ
إذا رقصتِ أو بكيتِ
فبني جنسي في العشق أُميون
لا يقرأون النساء ولا يكتبون
وأنتِ قصيدة شعر حرة
تعلو لها الكلمات
وتنحني إعجاب

قد يأكلونك نية
ويشربونكِ مرة بلا عتاب
فهم شوهوا المرأة استعباد
بحمقٍ وجهلٍ
وظلمٍ واغتراب
وادّعوا أنها أقرب للشيطان
تشبه العقرب والبوم والغراب
بقبيلتنا النساء تحمل كل عام
ولا تلد إلا ذئاب
لا تُعاشر إلا من خيال ظل
أو أشجار السراب
فإن رأيتِ وليد ذئب
ترضعه النعاج فلا تعجبِ
وإن رأيتِ فراخ النسور

تأكلها الذباب فلا تعجبِ
واحذري أن تخبريهم بأنكِ
في الحاضر تُعبدين
وفوق المعابد والمتاحف
وظهور الرجال تُرسمين
وأنهم ملّكوكِ وأمّروكِ على
الفل والعشق والياسمين
فأنتِ في العصر الجاهلي
مركب لكل راكب وجار وبحار
شعلةٌ توقد بالنهار
وسُبة وسببٌ لكل عار
تُوأدي في الصباح
وتؤكَلي في المساء

تُعلق المرأة في القبيلة
من ثديها وتحرم الصراخ والبكاء
فرفقًا ببنات حواء
فهن ضحايا الرجال والصحراء
مجددًا لن أغيب
أنساني اُنسك صخب الحياة
تركض عقاربها بلا أزناب
لا أخشى لدغة ندم
ولا أهاب سوط عذاب
الوقت تقبل مني الرشوة
وتكرر فعلي لهذا الذنب
طمعًا وطلبًا بقرب
لغنوةٍ تحيي ما بالقلب
أفتدي وجودك عندي
بالأمراء والشعراء والأصحاب
قد غبتُ يومًا عنكِ غباء
فعذرًا مرضتُ بالأشواق
فعلُ الندامةِ مكسور
وما بلغتي تُكسر الأفعال
عند قدميكِ بكيتُ أسفًا
فهل قبلتِ الاعتذار؟
مجددًا عنكِ لن أغيب
وعدًا إليكِ لن أغيب
في انتظار.... موعد
ما بين الشرفة والمدخل
أترقبكِ بمطر أو شمس

أنتظر نداءً يهمس اسمي
أو طرق أنامل ينذر عشقي

الطريق أرقبه شوقًا يشتعل
ينتظر إخماد خطوكِ المفتعل

الوقت يثقل كاحلي

وجفوني تحارب في كسل
أنا والنوم قاتلا لقاءك
حقيقة كونكِ قادمة
أو طيف زائر بالمنام

والحقيقة كانت القاسمة
حضورك قبل الموعد المتفق

أتيتكِ باكرًا
باكرًا أقولها ساخرًا
قد مت انتظارًا منذ دهر

ما كنت أعلم أن انتظاركِ قهر
وأن الوقت دونكِ يحبو

ومعكِ يجنح يطير
مرحبًا بكِ

وأهلًا وسهلًا بالعصافير
دعوة للمبيت على صدري
ما تحت معطفكِ يستعطفكِ
يطلب بعطف
دفئي فلا تشبعه المعاطف

فوق صدري حشائش
تشتهيكِ لجزها

تدعو نهدكِ للترنح
والقفز فوق أرضها

تدعو فهداكِ للتدحرج
والقفز فوقها

بين أصابع يدي مسافات
تشكو هجرها

فدعي أصابعكِ الطويلة
تشتبك لتعتاد وصلها

فإن أنفي ومسام جلدي
لعبير عطركِ تبتغي

والعبق والعرق كلون الخمر
كشراب النبيذ أشتهي
أما تعبتِ من كثرة الوقوف

للمدح والذم والعتاب

والسكر الذائب على شفتيكِ
يهم بالرحيل يهدد بالبعاد

فإلى صدري الذي أسكنتكِ إياه
أدعوكِ للمبيت.. والذب عن نجواه

صدري الذي ملكتكِ أرضه
وما نبتت به إلا حشائش صبري

على أنغام اسمك ينبض القلب
فآن لكِ القرب منه واليقين

هي دعوة للسجود على صدري
أدعو بها طيلة العمر في عبادة

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.