إنَّ الحركات الحربية التي قام بها الإمبراطور حول درسد جرَتْ تحت سَيْلٍ من المطر لم
يَدَعْ منفذًا إلى بدَنِه، فوَصَل درسد كأنَّه قربة ماء من رأسه إلى قدمه، وانتابتْه قُشَعْرِيرةٌ
وحُمَّى وقَيْءٌ كثير، وبعد النوم والدفء والعَرَق نهض في الغد مستريحًا.
وقد زعم بعْضُ مَن لا تُنكَر شهادتُهم أنَّ لاعتلالِ الإمبراطور سببًا آخَر هو سوء
الهضْم بعد أكلةٍ فيها قليل من الثوم لم تحتَمِلْها معدتُه، فظنَّ نفسَه مسمومًا وعاد
أدراجه تاركًا إلى المارشال مونيه وسان سير مهمة اللحاق بالجنرال فاندام ومساعدته،
على أنَّ الجنرال فاندام لم يتقدَّم إلَّا على أمل أن يتبعه الإمبراطور عن كثب، فرُجوعُ
الإمبراطور إلى درسد قبل أن ينتهي من حملته حوَّل النصر إلى انكسار.
ومن ذلك اليوم قلبَ له الدهرُ ظهرَ الْمِجَنِّ، وصارتْ كلُّ خطوةٍ منه مزلقًا للخيبة
ومنحدرًا للفشل، فاستَوْلى اليأسُ على الإمبراطور، وتوارَى كوكبُ آمالِه خلفَ ضبابٍ من
الأكدار والمخاوف، واستحكم التردُّد منه فبَقِي شهرًا في درسد لا يأتي بحركة.
وفي ٧ أكتوبر غادَرَ درسد إلى دوبن فوَصَلَها في ١٠ منه، وأقام في القصر الصغير
يومين وهو مستلقٍ على ظهرِه حاضرٌ كغائبٍ، وأمامه أكداس التلغرافات لم تُقرَأ، بل لم
تُفَضَّ، وقد رآه الماجور أودلين قبل معركة ليبزيك بأيام حزينًا خامل الهمة، فاتر النظر،
وقد شمل السكوت ما حولَه حتى غرفة انتظاره التي كانتْ من قبل تُشْبِه حصان ترواده
لازدحام الخلق فيها.
وكان المارشال ناي ورفقاؤه معارضين له في الهجوم على برلين، فاختار ليبزيك
وقام بالهجوم في ٦ أكتوبر، ولكنه في اليوم الثاني شعر بعودة أوجاع المعدة واشتدادها
قد يحتمل رأسي الألم، وأمَّا » : فانطرح على مقعدٍ وهو يَئِنُّ من الألم ويردِّد في نفسه
فعرض عليه الدوق دي فيسانس أن يدعو إيفان، فرفض الإمبراطور ،« جسمي فلا
حول سرير الإمبراطور
معركة ليبزيك.
وقال: إنَّ خيمة الملك شفَّافة كالزجاج، ولا بد من خروجي ليَبقَى كلٌّ في موقِفه؛ لأن
العدوَّ قريبٌ مِنَّا، وطالتِ المحادثة بينهما على هذا النحو: ولكنك يا مولاي مريضٌ ويداك
مُلْتَهِبتان من الحُمَّى، فأسترحِمُك أن تأخُذَ لنفسك بعض الراحة.
– لا، لا يمكن أبدًا، إنَّ الواجب يقضي عليَّ أن أكون واقفًا مستعدٍّا.
– اسمح لي إذنْ أن أدعوَ إيفان.
– إيَّاك أن تفعل، إذا مَرِضَ جنديٌّ أعطيتُه إذنًا بالدخول إلى المستشفى، فمَن
يعطيني أنا الإذن؟! ثم تنهَّد تنهُّدًا عميقًا وأحنى رأسه، وبعد قليل مدَّ يدَه إليه وشدَّها
بلطف قائلًا: الأمر بسيط كما ترى فلا تَدَعْ أحدًا يدخل عليَّ وإنِّي أشعر بالتحسُّن، ثم
قام مستندًا إلى ذراعه ومشى خطوات في الخيمة وهو يقول: أنا أحسن أيها العزيز.
ولم يمضِ على هذا الحادث نصف ساعة حتى كان نابوليون ممتطيًا جوادَه مُحاطًا
بقُوَّاده يُلقِي أوامرَه يمينًا وشمالًا، وما جرى بعد ذلك من ضياع ثمرة النصر بسبب
خيانة بعضالفِرَق ونقْصالذخيرة معروفٌ ولا محلَّ لذكره هنا، وقد قال أحد المؤرِّخين:
إن نابوليون في معركة ليبزيك قد أتى بما يفوق طاقة البشر، فتغلَّب على الخيانة وحالة »
«. الأرض، وتفوَّق العدوُّ بالعدد