في ١٦ فبراير سنة ١٨١٥ ودَّع الإمبراطور أمَّه وشقيقتَه البرنسس بونس وترك
قصرَه الحقير مُحاطًا برجال السُّلْطة والسُّكان الذين هرعوا لتوديعه، وركب البحر قاصِدًا
شطوط فرنسا فوَصَلها في أول مارس.
حول سرير الإمبراطور
وكان أمامَه طريقان: طريق بروفانس وكلُّها أخطار لبُغْض السُّكان وشدة عدائهم
له، وطريق الألب وكلُّها أمانٌ لكثرة مُحبِّيه ومُريديه فلم يَسَعْه التردُّدُ في الاختيار.
ولا يزال في قرية سان فاليه القائمة على قمة الجبل من فوق مدينة كراس تذكار
خطي لمرور نابوليون في تلك الناحية واستراحته حينًا مع جيشه الصغير قبل مواجهته
الأقدار.
ويُقال إنَّه في كراس كانتْ باديةً عليه سيماءُ الضعف والألم، حتى كان لا يقوى
على الركوب ويتجافاه ما أمْكن، فأحضر له برتران مركبة كبيرة قطع فيها شوطًا من
الطريق ثم تركها؛ لأنَّه أراد أن يَظهَر للشعب راكبًا، وربَّما كان سبب هذا الألم تشنج
المثانة الذي كان ينتابه حينًا بعد حين، أو أنَّه كان مصابًا بالبواسير.
كارولين مورات أخت نابوليون.
ولا نُحاوِل اتباع الإمبراطور في مشيته الظافرة نحو العرش، بل نكتفي أن نذكر
للقارئ ما بقِيَ مجهولًا عن الكثيرين، وهو أن كرنوبل كانتْ مفتاح نصره، ولو لم تفتحْ
له أبوابَها لعادَ بالخيبة والفشل، وهو مَدين بأكثر نجاحِه لإخلاص طبيبٍ من أتباعه
كان ينتمي إلى هذه المدينة، فإنَّه شجَّع نابوليون وبشَّره بما يُكِنُّه مواطنوه له من الحب
والعبادة، كما أنَّه سبَقَه إليها ومهَّد له الطريق بإقناع المتردِّدين واستمالة الكارِهين، حتى
إذا جاء المساء كانتِ النشرات تتطاير في الشوارع مُحيِّيةً الإمبراطور، فلم يَبْقَ للضباط
والجنود من سبيل إلى المقاومة أمام هذا التيار، ولم يَنْسَ نابوليون فضْل الرجل فخصَّه
في وصيته الأخيرة بمائة ألف فرنك، ووكَّل إليه والبارون لاراي توزيع ٢٠٠ ألف فرنك
على الأحياء من جنود واترلو