أنا متفقٌ معك تمامًا في أنّ هذه هي المقدمة التي لا يقرؤها أحد (الكلمتين الحشو اللي لا بد منهم)، ولكني اعتبرتهم جزءًا مهمًا جدًا من الكتاب، فلو سمحت أكمل القراءة لأنها ستساعدنا سويًا لكي نبدأ رحلة كشف ما يتحدث عنه هذا الكتاب.
وقبل أن تتفاجأ بالكلام الفارغ الذي يحتويه "وأنت لسه ممكن ترجعه للراجل وتاخد فلوسك ويا دار ما دخلك شر"
من فترة طويلة وأنا أكتب لمجرد الكتابة ولم يكن أبدًا في يومٍ ما لغرض النشر، ربما كنت فقط أحاول إخراج طاقة مكبوتة بداخلي، أو أحاول الرد على تساؤلات كثيرة تدور بداخل عقلي، في بعض الأوقات عن تحليلات سياسية أو اجتماعية عن مشاهدات وخواطر أو عن رؤية نقدية ساخرة.
وقد حاولت كثيرًا أن أصنف ما أكتبه ولم أجد له تصنيفًا محددًا لكنني استطعت فقط وصفه بأنه رؤية مختلفة.
عن الكون والأفلاك والزمان والمكان، عن الأديان والحياة الروحية وفهمنا لها، وعن الإنسان و"حواديته الكتير أوي".
وقد كان لي بعض التجارب البسيطة في نشر كتابات مثل الكثيرين على صفحتي على الفيس بوك، كانت مجرد تعليقات على موضوعات على الساحة في وقت حدوثها، وفي يوم رد عليّ في تعليق فيسبوكي صديق لي، وأحب جدًا أن أذكر اسمه، وهو الأستاذ أشرف زهران.
"قال لي: أحلي حاجه في كلامك إنه دايمًا بره الصندوق"، ورغم أنّه كان مجرد تعليق مثل علامات الإعجاب وخلافه إلا أنّه استوقفني جدًا، وفكرت فيه كثيرًا، وأعتقد أنني بدأت من هذا اليوم أهتم بما أكتب وأجمعه في مفكرات وورق.
وفي النهاية أعتقد أن هذا التعليق البسيط كان السبب الرئيس في تفكيري في نشر كتاباتي.
أنا لا أدعي الموهبة أو أنني فيلسوف العصر، لكن رأيت أنَّ من حقي مثل كلّ إنسانٍ أن تصبح له رؤية مختلفة، وأن يفكر بطريقة جديدة وغير مألوفة و"بره الصندوق".
أخبرتك أنني لا أدعي على الإطلاق بأني فيلسوف، ولكن دعنا نتوقف هنا لحظة.. ونقطة نظام، لنطرح سؤالًا بسيطًا.. من هو الفيلسوف؟
"على طول إنت دلوقتي اترسم في ذهنك صورة الراجل أبو دقن بيضا طويلة ولابس شويه هلاهيل وقاعد على قمة جبل يتأمل الفراغ الكوني"، حسنًا ما رأيك أن نخرج عن المألوف قليلًا، على سبيل المثال "الست أم أحمد" وهي تجلس على موقد من الطين منذ مئات السنين تخبز لأولادها وأحفادها وتتجاذب الحديث مع باقي سيدات القرية ببساطة، وتبتكر بضع كلمات من حكمة السنين، وترددها خلفها صديقاتها لتصبح فيما بعد "مَثل شعبي"، ألم تكن "أم أحمد" فيلسوفة!
و"عم مدبولي" الرجل الطاعن في السن الذي لم يتلقَ يومًا أي تعليم، ولكنه رأى من الدنيا الكثير، وفي إحدى جلساته مع أقرانه وهو يعطيهم نصائحه من خبرته في الحياة كان هو الآخر فيلسوفًا!
الفلاسفة ليس بالضرورة أن يكونوا "خواجات"، ولا أصحاب علم ومعرفة وماجيستر ودكتوراه في المنطق والفلسفة وعلم الاجتماع، أنتَ أيضًا عندما مررت بموقف صعب ونطقت ببعض الكلمات نقلها عنك أشخاصٌ آخرون و"اتضرب بيهم المثل"، كنت فيلسوفًا.
كنت فيلسوفًا لأنّك فكرت بطريقة جديدة ومختلفة، وعندما استمع الناس لما قلته، ببساطة قالوا: "إيه ده... هو إحنا إزاي ما خطرش على بالنا، عمرنا ما فهمناها بالشكل ده".
ودائمًا وبمنتهى البساطة، وبدون نظريات ولا كتب ولا بحور علم وتأمل تولد الفلسفة من رحم التجربة والخبرة والتفكير بطريقة مختلفة، أنا وأنت أيضًا نتأمل طوال الوقت، في جلوسك أمام موج البحر أو حتى في سفر طويل أمام نافذة القطار أو الطائرة.
أرسطو وسقراط وأفلاطون كانوا مجرد بشر مثلنا تمامًا، ولم يكن منهم بروفيسير ولا حمل أحد منهم "شهادة التوجيهيه"، لم يكن حتى قد وجدت الدرجات العلمية ولا الجامعات ومراكز الدراسات والأكاديميات البحثية، كل ما كان لديهم هو الرؤية المختلفة.
حتى إن مصطلح (أكاديمية) ذاته قد اشتق من البستان الذي كان يجلس فيه أفلاطون يتحدث مع تلاميذه، والذي كان يتوسطه تمثالٌ لبطلٍ إغريقي قديم اسمه أكاديموس!
وهذا على وجه التحديد هو ما أدعي أنني أملكه، أو هذا ما أخبروني به، التفكير بطريقة ورؤية مختلفة عن المألوف، تشبه قليلًا أن تستقل طائرة وتحلق على ارتفاع عالٍ ومن ثمَّ تعيد مشاهدة الحدث من هذا الارتفاع، وتعيد تقييم ما رأيته حين كنت على الأرض، فحينها ترى الأمور أوضح وترى الصورة كاملة.
قد أكون فقط نفضت التراب عن المشهد المعتاد.
ولذلك فإن هذا الكتاب يتناول مجموعة من الرؤى المختلفة وغير المترابطة في موضوعاتها لكن بالأسلوب نفسه، والهدف نفسه... نفض التراب.
منها الغريب والمجنون ومنها السهل الممتنع، منها ما يدفعك للتفكير، ومنها ما قد يترك بسمة على وجهك، ومنها ما قد يخيفك ويقشعر له جسدك.
أتمنى أن أستطيع مساعدتك في الخروج من جمود الحياة، وأن يتيح لك هذا الكتاب استراحة قصيرة من الضغوط والمسؤوليات، وتشاهد معي الأمور بنظرة مختلفة، وهما مجرد كلمتين.. "بره الصندوق".