ALMULTAQA2020

شارك على مواقع التواصل

بعد انتهاء الاجتماع لملمت أوراقها، وضعتها في حقيبتها وبنظرة تملؤها الأسى والعناد في آنٍ واحد ودعت زملائها, رمقت ذلك الشخص البدين الذي يجلس على رأس ترابيزة الاجتماعات بنظرةٍ حادة, نظرة يغمرها التحدي والإصرار, نظرة لا تخبره سوى كلمة واحدة, كلمة ظلت تتردد في أُذنها تطغى على جميع حواسها, تحجِب عنها أصوات جميع الموجودين بالغرفة, كلمة ظلت تتردد, سأعود.... سأعود مرةً أخرى، ولكن ليس هنا ... ليس على هذا الكرسي ..... سأعود وسوف ترى.
- نجوى: يلا يا بنتي عشان نلحق نروح قبل الزحمة، انتي هتباتي هنا ولا إيه؟
- سهام: ها..... حاضر، يلا بينا
عادت إلى مكتبها في الطابق الثاني من المبنى, ذلك المكان الذي طالما أعتبرته جزءاً من حياتها .
بَدَأَتْ بإفراغ محتويات الأدراج, لملمت أوراقها في الحقيبة، ظلت تتأمل جدران الغرفة كأنها تحدثها, تخبرها كم كانت دافئة ومحتوية, كم ستشتاق إليها بعد اليوم.... كيف سيمر يومها بدون أن تراها مرةً أخرى.
أمسكت بالبرواز الذي طالما وضعته أمام عينيها على المكتب, سرحت في صاحب الصورة وكأنه أمامها وبين يديها.
كيف ستخبره بالأمر؟ وما وَقْعُ الخبر على أذنيه؟ وما هى الخطوة التالية؟
زحام من الأفكار والتساؤلات يجول بخاطرها بلا إجابات أو حلول.
نزلت هذه المرة على الدَرَج، تودع المكان شبراً شبراً, وصلَت إلى باب السيارة لا تسمع أحداً, عينيها لا تفارق المبنى وأذنها لا تسمع سوى كلمة واحدة ... سأعود .
أفاقت على صوت الكلاكس, نظرت إلى نجوى وهى تشير إليها بالركوب, فتحت الباب وجلست بجوارها وأسندت رأسها على الكرسي, وانطلقا وسَط الزِحام .
********
مِن خلف زجاج السيارة تجلس شاردة, تَحِيدُ بوجهها ناحية الطريق, صحراء رملية يتوسطها بعض البنايات التي لازالت تحت الإنشاء. عينين لامعتين تحبسان موجٌ من الدموع, كما اعتادت ألا تظهر ضعيفةً واهنةً إلا أمامه, ذلك الشخص الوحيد الذي لا تخجل أن تظهر بجميع أشكال شخصيتها إلا وهى معه, ذلك الشخص الذي أخبرها ذات يومٍ أن مثلك لا يجب أن يبكي يوماً, فدموعك قِطَعٌ من ألماس لا يجب أنْ تبعثريها هكذا, تذكرت تلك الكلمات فزادت ضيقتها و أوشك ذلك المنجم الدفين في عينيها على الإنفجار, لا تَعِي شيئاً مِن حولها لا تشعر بشئ, لا زمان ولا مكان وكأنها ذهبت فى رحلة فضائية انعدمت فيها كل مسببات الحياة, تشعر بالاحتضار بداخلها, ولكن لا يبدو عليها شيئاً ظاهرياً فهى كما هى متماسكة، ثابتة، كأن شيئاً لم يكن. تذكرت تلك الكلمات التي طالما شعرت بأنها المقصودة بها, ذلك المشهد السينمائي من فيلمها المفضل "الشموع السوداء", لا تدري حقاً أهو فيلمها المفضل أم حياتها البائسة.
" الوجع مبيتحكيش... كل اللي بنفضفض بيه ده مش الوجع الحقيقي ده شوية كلام على الوش مجرد عنوان لإحساسك, لكن الوجع الحقيقي بيبقى جوا أوي مابيعرفهوش غير ربنا وبس... ومابيهداش غير بلطفه ".
وكأن صاحب تلك الكلمات هو رفيق دربها, ذلك الشاعر الكفيف الذي وصف مشوار حياتها في هذا المشهد الصغير, وجع داخلي لا يشعر به أحد سوى الله . لماذا لا تدوم الفرحة طويلاً، لماذا دائماً التعب والشقاء، لماذا تتبدل الأيام دوماً إلى آلام ؟
"إذا كان هذا يا رب قدرُنا...... فلطفِك بنا"
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.