mahmoudfekrey

شارك على مواقع التواصل

(خريف) ٦ أكتوبر 2030

هدوء غامض.. ظلام دامس.. أصوات مرتفعة.. صوت أنفاس خارجة من كل اتجاه.. برد قارص وكأنها ثلاجة موتى.. إنه اليوم الثالث والثلاثون من كسوف الشمس المعتم كليًّا، ولا يعلمون متى تنتهى هذه الظاهرة التي اجتاحت العالم بعد وجود انفجار نووي مدوٍّ لأحد المفاعلات الذرية في ألمانيا، والذي راح ضحيته الكثير والكثير من شعوب العالم، أصبح  العالم كتلةً من الظلام، البشر مُهدَّدون بالموت، تتوالى عليهم الجوائح والأمراض ليقل عددهم بصورة غير مسبوقة من قبل، ترى الجثث في جميع أنحاء المدينة، والكل يخشى لمسها أو دفنها، ظلَّت الحالة تزداد سوءًا، والجميع يمكث في البيوت ينتظر وفاته في سُبات، فقد خرجت الأمور عن السيطرة، وأصبح عالمًا بلا ملامح، فليعِش مَن يعيش وليمُت مَن يمُت.. ليسأل "هارون" نفسه:

- ماذا حدث؟ ماذا تغيَّر؟ ماذا فعلوا بنا؟ هل هو قضاء الله وابتلائه؟ أم لعنة مُدمِّرة ومُدبَّرة؟ هل اقترب فناء البشر؟ أما ماذا؟

الكل ملهيٌّ في عالمه الافتراضي يلهو وينتظر دوره في الموت إمَّا حقيقيًّا أو افتراضيًّا، لقد أصبحنا مثل الـ (روبوت) والدُّمية المتحركة، صارت حياةً نمطيةً يحركونها بأصابعهم، لقد صدق "جورجمان" في كلماته حينما قال:

"سوف تدخلون إلى عالمنا قريبًا، سوف ترون بأعيننا وتفكرون بعقولنا وتنفذون بإرادتنا".

ها هي حقيقة العالم وكأنها ألعاب جرافيك والبُعد الثالث.. أصبحنا محركات واليد الخفية مجهولة، عقولنا فارغة خاصةً بعد أن قاموا بذرع شريحة إلكترونية داخل الأذن تتصل بالعصب الحسي للمخ تتصل بعالمك الافتراضي بما يُسمَّى "الأفاتار" يستطيع تسجيل أحلامك وذكرياتك، أصبحت التكنولوجيا جزءًا من أجسادنا، حياتنا أصبحت كالفيديو جيم.

 نهض هارون واستيقظ رغم كل ذلك.. رغم كل ما رآه من أحداثٍ لم يتحمَّلها عقل بشرٍ من أسرارٍ جعلته مثل الصامت العاجز عن قول الحقيقة والبوح بأسرارها.. فلقد أصبح الوضع أكثر غموضًا.

استعدَّ هارون للذهاب إلى عمله، فقد أصبح العالم مملًّا، مرَّت العديد من السنوات على واقعه الهَرِم وإخفائه القلادة وحرقه للبردية، أخفى السر ليظل ساترًا على أسرار النائمين، كانت تُراوده الكثير من الأحلام المرعبة، فلم ينسَ ذلك الحُلم الأخير بعد سحقه جورجمان ووقوفه أمام شخصٍ ممسوخ العينين يتوعَّد له بالظهور وكشف المستور، ويقول له:

- لم يتبقَّ الكثير من الوقت.

فهو لم ينسَ تلك الكلمات التي أصابت شخصيته بالغموض والاكتئاب، لم يعد مجالًا للشك بأنَّ هناك أمرًا يُجهَّز أو يُعَد.

خرج هارون وقبل أن يخرج ارتدى ساعته الإلكترونية التي أصبحت جزءًا من شخصيته وعالمه الافتراضي، فبدونها لم يستطِع التحرك أو التعرُّف عليه، أصبح مثل السجين المتتبَّع، فهي تحتوي على شفرة بها كل معلوماته، الكل يرتديها إجبارًا، فقد أصبحت شخصيته في شفرة صغيرة تتحكَّم في وجوده.

نظر إلى ساعته ليعرف الوقت (٩ صباحًا - درجة الحرارة ١١ مئوية - ضربات القلب ٩٢ في الدقيقة) ضربات القلب متسارعة من برودة الجو، لم يكن خريفًا عاديًّا، بل كان خريفًا بطعم الشتاء القارص.

خرج من بيته مرتديًا معطفًا أسود ذاهبًا إلى عمله يرمق الشوارع والليل المظلم في التاسعة صباحًا، لكن ثمَّة أمر عجيب.. هذا الصباح أصبح ليلًا، والليل أصبح أكثر ظلمةً، متى تزول تلك الظاهرة؟ إنَّ رائحة الموت تفوح العالم.

دخل هارون مكتبه، فقد أصبح رئيسًا لقسم المعاينات والاكتشافات، وثبتت جدراته وأمانته وكفاءته في الكثير من المواقف، دخل وألقى التحية:

- صباح الخير يا عم أحمد.

- صباح الخير أستاذ هارون.

- إيه في جديد يا عم أحمد؟

- أه يا أستاذ هارون، المدير عايزك.

- تمام يا عم أحمد، اشرب الفنجان الحلو من إيديك وادخلُّه على طول.

- تحت أمرك أستاذ هارون.

- اتفضَّل يا عم أحمد.

"جلس هارون على مكتبه منتظرًا فنجان القهوة لاستقبال ما هو قادم هذا اليوم، وأثناء انتظاره ارتدى هارون نظارته الذكية المتصلة بالعالم الافتراضي الجديد؛ ليتصفح أمور العالم وآخر الأخبار، فأصبح كل شيء داخل تلك النظارة الغريبة، فالعالم يكمن فيها وتحت أعينك بمجرد التفكير بذهنك بأمرٍ ما تجده أمام عينيك في غمضة عين، إنها تكنولوجيا ذات طابع إبليسي تبهرك لتغيبك عن الواقع الحقيقي.

أخذ هارون يبحث عن آخر الأخبار، وبمجرد التفكير بكلمة “News” تُفتَح له أخبار العالم، وأثناء بحثه وجد خبرًا عجيبًا:

"منظمةSCP : العثور في شرق السودان على بعض بقايا حيوانات مُحنَّطة حمضها النووي يجمع ما بين الحيوان والإنسان".

نظر هارون إلى ذلك الخبر الغريب ولفت انتباهه تحديدًا منظمةSCP ، فتلك المنظمة المعروفة بالغموض وبعمل تجارب غريبة الشكل على البشر والحيوانات، حيثُ تحوي أسرارًا لا حصر لها من السرية والغموض.

نظر هارون إلى ذلك الخبر في دهشة وإلى الصورة المرفقة بالخبر، حيثُ وجد في الصورة جسد إنسان ذي رأس كائن أشبه بكلب أو وحش مخيف.

وأثناء تركيزه وجد صوتًا ينادي:
2 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

خريف بطعم الشتاء
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.