ضوضاء ضوضاء ضوضاء!!
الا يكفي العالم مرضه وألمه وإبتلائه بجيران متطفلين مزعجين يهتمون بتفاصيل الكوارث التي تَحِلُ علي رأسه تباعًا اكثر منه نفسه، ليستيقظ علي هذه الضوضاء في هذه الساعه؟ الا يكفي الألم المستعر في صدره وانقباضات قلبه الغير مستقره؟ الا يكفي انه خرج البارحه من المستشفي بعد حجز دام شهر؟ الا يكفي انه لم يغمض له جفن منذ عدة ايام ؟ الا يكفي انه مازال علي قيد الحياة بصعوبه ؟
فكر متألمًا "يا الله، فقط خذني إليكَ وارحمني، الحياه علي وجه البسيطة لم تعد تستهويني، فقط خذني إليكَ وخلصني."
لا يعلم اي ضوضاء هذه التي تحدث بالخارج لكن الامر لا يبشر بالخير ، يبدو انه سيحصل علي جيران جُدد ، ولكم تمني ان يكون اعتقاده خاطئًا ،فلقد ضاق ذرعًا بالجيران المزعجين.
استمر الضجيج لمدة ساعتين، بقي خلالهما مستيقظًا يحدق في بقعة سوداء مجهولة المصدر في سقف غُرفته ، وتسائل كيف ان الممرضه التي تنام علي الاريكة القريبه منه لم تستيقظ خلال كل هذا ، كيف تؤتمن هذه علي حياته ؟
أخيرًا هدئت الأصوات ، لكن آبي عقله ان يهدأ ، يرغب في النوم بشده ، لكن عقله يرفض ذاك.
بقي مستيقظًا لساعتين أخرتين حتي استيقظت ممرضته التي اعتقد لوهله انها ماتت او ماشابه،
خاطبته بصوت نعس:
"سيد كارتر ، متي استيقظت ؟"
رد بصوتٍ واهن ضعيف "فقط منذ مده. "
"لماذا لم توقظني لأري ان كُنت تحتاج شيئًا ؟"
"لم يبدُ الأمر ضروريًا. " قال بإبتسامه ، لم يكن ليحرجها قائلًا بأنها كانت نائمة مثل الدب الاشهب في الشتاء ، لا تستيقظ مهما حاول إيقاظها " علي اي حال ، هل يمكنكِ من فضلكِ اعطائي حقنه منومه، انا حقًا احتاج اليها. "
"اجل بالطبع ، دعنا نقيس مؤشراتكَ الحيويه اولا. "
مرت عدة ايام لم تتحسن فيها حالته ولو قليلًا ،بل فقط تزداد سوءًا. اكدت له ممرضته خلال تلك الايام شكوكه بإنتقال جيران جُدد الي المنزل المجاور لهم. قرر الا يكترث فهو لن يعيش طويلًا ليتعامل معهم علي اي حال.
كل يوم يمر يشعر فيه بالخواء اكثر من اليوم الذي قبله ، اعتاد علي الالم لدرجة ان الامر لم يعد يجذب انتباهه الا قليلًا حين يشتد به الالم لدرجة الموت، حرفيًا.
كان الدعاء شغله الشاغل ، كان يدعو ويدعو ويدعو ، لا لأن يشفي ، بل لكي يموت وتنتهي هذه المهزلة المتمثلة في معاناته ، حفظ الدعوات عن ظهر قلب ، دعا وصلي حتي البكاء، لكن لم يجدي الامر ، كان يستيقظ ويجد نفسه مازال في سريره، صحبة الالم والاجهزه ذات الصوت العالي المزعج ، تسائل لماذا ، لماذا لا يستجيب الله لدعواته ؟ يعلم ان ايً كان ما يختاره الله لنا هو الافضل ، فهو مؤمن ، ولولا ايمانه بلطف الله لكان قد قرر الانتحار منذ أمد بعيد، هو مؤمن ، لكنه فقط لا يعلم كيف بحق خالق السماوات يكون هذا هو خيره.
اخرجه من صوت افكاره اليوميه المصاحبه له صوت ممرضته "ماذا هناك؟"
"لا اعلم سيدي وجدتُ هذه الرسالة علي نافذتكَ، انها موجهه لكَ."
"رسالة علي النافذة ؟ مِن مَن ؟"
"لا ادري ، هل اقرأها لكَ ؟"
"كلا ، شكرًا ، استطيع قرائتها بنفسي. "
هو لم يصب بالشلل بعد ولم يتوقف عقله عن العمل بعد ، مازال يستطيع القراءة.
كانت تلك المره الاولي التي يثير فيها شئ اهتمامه منذ زمن طويل.