عروسة الجبل الفصل الأول: الليلة المشؤومة في إحدى قرى صعيد مصر، قرية ريفية بسيطة، بيوتها من الطوب اللبن متراصة جنب بعضها البعض... مظاهر الفرح مالية المكان، أنوار متعلقة على البيوت، والزغاريد شغالة في كل حتة، من بيت معين كانت طالعة أصوات الأغاني الشعبية بصوت عالي، والشباب بره البيت بيرقصوا بالعصيان على أنغام المطرب الشعبي... كل ده علشان النهاردة فرح (خديجة) بنت شيخ المسجد الكبير، الشيخ عماد، على ( حسن ) ابن عمدة القرية الحج ( فرج )... أما جوه البيت، الدنيا كانت مولعة... الستات قاعدين بيغنوا، بيزغرطوا، وفرحانين، والمطربة الشعبية قاعدة على الدكة، ماسكة الطَبلة وبتطبل بحماس وهي بتغني. في وسطهم كانت قاعدة الحاجة صفية، أم خديجة، جنب عمتها، وعينيها بتلمع من الفرحة، بتزغرط زي أي أم فرحانة ببنتها. بس وسط الفرحة، عمتها مالت عليها وهمست في ودنها بكلمة واحدة... كلمة كانت كفيلة إنها تمسح كل الفرحة من وش الحاجة صفية! فجأة قامت من مكانها بسرعة وراحت على أوضة بنتها، وهي حاسة بغصة في قلبها، فيه حاجة غلط! أول ما وصلت للأوضة، ندهت على بنتها... مفيش رد! فتحت الباب بسرعة، وبصت جوه... مفيش حد! استغربت جدًا! يعني هتكون راحت فين؟! بصت حواليها بسرعة، لقت هدومها مرمية على الأرض، المكياج لسه على التسريحة، كل حاجة مكانها، بس خديجة مش هنا! عينيها جات على الشباك... الشباك كان مفتوح! والشباك ده بيطل على الأرض الزراعية اللي جنب البيت! قلبها وقع في رجلها، قربت ناحية الشباك وهي بتكتم نفسها، حاسة إن فيه مصيبة بتحصل! أول ما وصلت، عينها وقعت على حاجة خلتها تحس ببرودة غريبة ماشية في عروقها... حتة من قماشة فستان فرح بنتها كانت متعلقة في الشباك!!! ضربات قلبها عليت، جسمها بدأ يترعش، عينيها اتسعت بصدمة، وحطت إيديها على صدرها وهي بتنهج، وشها كان متوجه ناحية الجبل... الجبل الملعون! الجبل اللي كل أهل القرية عارفين قصته، واللعنة اللي بتصحى فيه كل سنة بعد أول بدر! اللعنة اللي بتاخد "عروس الجبل"! وفي اللحظة دي، خرج من الجبل نور أحمر قوي... ومعاه صرخة، صرخة شيطان! القرية كلها اهتزت! الستات في البيت وقفوا عن الرقص، عن الغنا، عن كل حاجة... وشوشهم تقلبت في لحظة من الفرح للرعب! مفيش ولا صوت طالع غير لهاث الستات، ودقات قلوبهم اللي كانت بتخبط في صدورهم بخوف! كلهم عارفين إيه معنى الصرخة دي... "اللعنة رجعت تاخد عروس جديدة!" الحاجة صفية خرجت تجري بره الأوضة... كان عندها أمل، حتى لو ضعيف، إن بنتها ممكن تكون لسه بخير! لما وصلت للساحة، لقت الستات واقفين متجمدين في أماكنهم، عيونهم كلها مرعوبة، بعضهم بيبصوا لبعض، وبعضهم باصص للأرض وكأنهم مش قادرين يواجهوا الحقيقة! لكن الحاجة صفية مقدرتش تستحمل الصدمة أكتر من كده... خرجت بره البيت تدور على الشيخ عماد! أول ما طلعت بره، الدنيا كانت سودا... الأنوار اللي كانت مالية الشوارع طفت فجأة، القرية كلها غارقة في الضلمة! ومكان الفرح والزغاريد، كان فيه صراخ... صراخ بشري مخلوط بصوت شيطان الجبل! الحاجة صفية فضلت تصرخ، تنادي على الشيخ عماد بصوت عالي، بس صوتها كان بيتوه وسط الضوضاء. وبعد لحظات، ظهر في الضلمة نور المشاعل... أهالي القرية خرجوا، كلهم ماسكين مشاعل في أيديهم، ووسطهم كان الشيخ عماد! جري عليها وهو بيهتف: "خديجة؟! بخير؟!" الحاجة صفية كانت بتنهج وهي بتصرخ: "مش في أوضتها! لقيت حتة من فستانها على الشباك! يا لهوي، يا خراب بيتي، يا بنتي... يا خديجة!" عين الشيخ عماد اتسعت بصدمة، ومسك المشعل بقوة، ثم قال بصوت مرتعش: "لازم نلحقها قبل ما الشيطان ياخدها قربان ليه!" وفي لحظة، شباب ورجالة القرية اتجمعوا، كلهم متجهين ناحية الأرض الزراعية، ناحية الجبل الملعون! المشاعل كانت بتنور الطريق في الضلمة الحالكة، والنار كانت بترقص في الهوا، ووشوش الناس كانت متوترة، قلوبهم بتدق بسرعة، وأفكارهم مليانة رعب... وفجأة، وسط الضلمة، ارتفع صوت من وسط الشباب، صوت بيتردد بصوت عالي: "هنا... هنا لقيناها!" الجميع جري ناحية الصوت، والشيخ عماد كان في المقدمة، المشعل في إيده بيتهز من كتر الجري، ونوره كان بينعكس على العشب المبلل بندى الليل... لكنه انعكس على حاجة تانية! فستان أبيض ممزق... مغطى بالدم! الشيخ عماد وقف مكانه، المشعل وقع من إيده على الأرض، وعينيه كانت مثبتة على المشهد المرعب قدامه! "خديجة!" كانت مرمية على الأرض، جسمها متيبس، وعينيها مفتوحة على الآخر، باصة ناحية الجبل... كأنها كانت شايفة حاجة هناك! حاجة مرعبة! بوقها كان مفتوح كأنها ماتت وهي بتصرخ، وعلى رقبتها... كان فيه وشم غامض، بيتوهج باللون الأحمر!... وفي اللحظة دي... الشيخ عماد وقع جنبها، جثة هامدة! عارف إن الجبل أخد اللي كان عايزه... وعارف إن اللعنة لسه مخلصتش!
قبل اختفاء خديجة بأسبوع كانت خديجة قاعدة في أوضتها بعد نص الليل، بتكتب الحاجات اللي ناقصاها علشان بكرة هتنزل هي والحاجة صفية تجيبهم، الفرح ما بقاش فاضل عليه غير أسبوع. بعد ما خلصت، قفلت النور وراحت على سريرها، فردت جسمها وبصّت للسقف، سرحت في حياتها اللي مستنياها بعد الجواز، وسألت نفسها: يا ترى هبقى مبسوطة؟ هعيش الحياة اللي بحلم بيها؟ دعت ربنا يرزقها بالسعادة والأولاد. مش عارفة سرحت قد إيه، بس اللي فاوقها من شرودها كان صوت خبط منتظم على شباك الأوضة. الصوت كان واضح... تك تك تك، خفيف بس مستمر. قامت من مكانها بخوف، الخبط جاي من الشباك اللي بيطل على الأرض الزراعية، حاجة مش طبيعية. قربت وهي متوترة، قلبها بدأ يدق بسرعة، ومدت إيديها تفتح الشباك... لكن في اللحظة دي، جسمها كله اتسمر مكانه، عرق سخن نزل من وشها، إحساس بتقل رهيب، كأن رجليها مش قادرة تشيلها، وضربات قلبها بتزيد، بتزيد لدرجة إنها حست إنه هيقف. عيون... عيون حمرا بتبرق في الضلمة من ورا الشباك! في اللحظة دي، خديجة وقعت على الأرض مغشي عليها. ... فاقت بعد فترة مش عارفة عدّى قد إيه، بس جسمها لسه تقيل، نفسها متلاحق، وضربات قلبها لسه سريعة. حاولت تسند على الأرض علشان تقعد، وبعد كذا محاولة قدرت. بصّت حواليها بخوف، كل حاجة شكلها طبيعي، لكن عقلها بيصرخ: أنا شفت عيون حمرا؟ ولا كنت بحلم؟ وقفت بعد معافرة، بصّت للشباك وهي مرعوبة إنها تلاقي العيون دي تاني، لكنها ما لقيتش حاجة. قربت أكتر، فتحت الشباك، بصّت للأرض الزراعية، كل حاجة هادية، السكون مغطي المكان. حاولت تهدي نفسها: أكيد كنت بحلم... قفلت الشباك ولفت علشان ترجع تنام. لكن... رجليها تقلّت على الأرض، كأنها مقيدة بسلاسل! حاولت تتحرك، لكن جسمها تصلّب، عنيها اتسعت بالرعب... العيون الحمرا كانت هناك، قريبة منها، بتلمع في الظلمة! بس المرة دي... قدرت تشوف صاحبها! كان شخص... أو مش شخص؟ جسمه متغطي بشوال أسود، شكله مش واضح، بس العيون الحمرا بتخترق روحها! الكائن ده رفع إيديه، مسك راسها من ورا، قرب وشه من ودنها وهمس بكلمة واحدة بصوت بارد... صوت خلاها تحس إن الدم اتجمد في عروقها! "إنتي ليا أنا بس... محدش هاخدك مني، يا خديجة." في اللحظة دي، خديجة صرخت، ووقعت على الأرض من الصدمة!... على صوت صرخة خديجة، الحاجة صفية جَت جري على أوضة بنتها، فتحت الباب ولقيت الأوضة بتسبح في بحر من الضلمة، فتحت النور ولفت بعينيها على الأوضة، لكن مالقيتش بنتها؟! لكن بعد لحظات، لمحت جسمها اللي مرمي على الأرض! أول ما شافت منظرها، طلعت تجري عليها وهي مصدومة… ركعت على الأرض، ورفعت إيديها وفضلت تهز فيها، لكن للأسف ماكانتش بتفوق… ولما جَسَّت جسمها، لقيت حرارتها عالية جدًا… وفي اللحظة دي شهقت وهي بتخبط بإيديها على صدرها وصرخت باسم الشيخ عماد علشان ييجي يلحقها… على صوت صرختها، جه الشيخ عماد جري… ولما بقى جنبها وشاف بنته مرمية على الأرض، قال بخوف: _ مال البِتّ، حصلها إيه؟! انطقي!! ردت الحاجة صفية بنبرة صوت متلعثمة: _ معرفش… أنا جريت على صوت صرختها… البت مابتفوقش، وجسمها قايد نار!!! أول ما سمع الشيخ عماد الكلمات دي من الحاجة صفية، حط إيديه على بوقها وقال لها وهو بيهمس: _ اكتمي بوقك… مش عايز مخلوق يعرف باللي حصل. قالها وساب الأوضة وجري.. وبعد دقائق، رجع ومعاه ست من خدم البيت اللي بيساعدوا الحاجة صفية.. قال لها الشيخ عماد في اللحظة دي: _ شوفي البِتّ فيها إيه، وأوعيكي حد يسمع باللي بيحصل هنا، فاهمة؟! ردت الخدامة: _ أمرك يا سيدنا الشيخ. شالتها الست دي من على الأرض وراحت بيها على السرير، وبعد ما فردت جسم خديجة على السرير، بدأت تجس نبضها، وفي اللحظة دي قالت: _ حمى… جسمها قايد نار… عايزة مية ساقعة وقماشة. أول ما سمعت الحاجة صفية الكلمات دي، جريت بخوف وتوتر.. وبعد لحظات رجعت وفي إيديها المية الساقعة والقماشة… ادتهم للخدامة، وبدورها بدأت تحط القماش في المية الساقعة وحطتها بعدها على جبهة خديجة… صرخة شقّت سكون الأوضة!! صرخة خرجت من خديجة، رجّت الأوضة… صرخة خلت الخدامة تنتفض ويقع منها المية والقماشة… صرخة خلت الحاجة صفية والشيخ عماد يتنفضوا من الخضة!!!... الأمر ما توقَّفش على كده… خديجة بعد الصرخة دي، عينيها برقت على الآخر، وبقت بيضا تمامًا… قامت تقعد، وبدأت تتنفض… جسمها بيتنفض كأنها صابها صرع… العيون بتراقب المشهد… عيون كلها خوف من اللي حصل لخديجة…. فجأة، جسم خديجة استكان تمامًا، وهديت من حالة التشنج… وفي اللحظة دي، لفت براسها ناحية الشباك وبرقت بعينيها… وهنا بدأت تهذي بكلمات غريبة ومش مفهومة للشيخ عماد والحاجة صفية والخدامة اللي كانوا مذهولين من اللي بيحصل… قالت خديجة بصوت غريب وكلمات متقطعة: _ العيون الحمرا… الشباك… الراجل أبو شوال… هو قالي محدش هياخدك مني؟! وبعد الكلمات دي، صرخت صرخة عالية، وبعدها تقلّت وعينيها غمضت، وجسمها اترمى على السرير وفقدت الوعي!!... المشهد ده مكانش مفهوم، لكن نظرة غريبة من الشيخ (عماد) ناحية شباك الأوضة، وتحديدًا للجبل… وبعدها لف برأسه وبصّ لخديجة، وهمس بجملة بنبرة غير مسموعة: _ المدفون زمان لازم يظهر للنور!!!! بعد اللي حصل لخديجة، فضلت راقدة على السرير، ما بتتحركش… كأنها في غيبوبة. كانت بتفوق كل ليلة في نفس التوقيت—نص الليل—على صرخة مرعبة، كأنها خارجة من كابوس بشع! كانت بتحلم بنفس المشهد كل ليلة… بتلاقي نفسها واقفة قدام مدخل كهف مظلم، جنبها شخص غامض لابس قناع أسود، مخبي ملامحه تمامًا، وما كانش باين منه غير عيون حمرا بتلمع في الظلام! كان بيمسك إيدها، وإيدُه كانت سخنة جدًا، سخونة مؤلمة لدرجة إنها كانت تصرخ وتحاول تشد إيدها، لكنه كان بيضغط عليها أكتر، لحد ما تستسلم، وتمشي معاه جوه الكهف. الممر كان ضلمة حالكة، وكان طويل جدًا… كانت مشيتهم فيه بطيئة، كأنهم بيغرقوا في العتمة، لحد ما وصلوا لساحة واسعة، جدرانها كلها منقوش عليها رموز غامضة… رموز وأشكال مخيفة لكائنات غير بشرية. لكن أكتر حاجة شدت انتباه خديجة، كان العرش اللي في نهاية الساحة—كرسي ضخم على شكل حيّة، منقوش عليه نفس الرموز المرعبة! وفجأة… صرخت خديجة بكل قوتها! في لحظة، ظهر كائن بشع… شيطان مرعب لدرجة يستحيل وصفه! كان ضخم، أسود بالكامل، رأسه على شكل حيّة عملاقة، وفي وسط جمجمته قرنين ضخمين زي قرون التيس. بمجرد ما ظهر، أطلق صرخة رجت جدران المكان، وكأن الكهف كله بيتزلزل! لكن الغريب… الشخصية اللي كانت مع خديجة ما تحركتش، ما خافتش، بالعكس… كان واقف ثابت وهادئ، بل وكان مبتسم! الشيطان كان مستمر في صرخاته اللي بتخلي المكان يهتز، لكن الشخص الغامض اتحرك بهدوء ناحية أحد الجدران، اللي كان عليه نفس رمز الشيطان—الجسم الأسود، الرأس الحيّة، والقرنين التيس! مد إيده، ولمس النقش… فجأة، الحائط تفتح! دخل إيده وسحب منه كتاب أسود ضخم، كان عليه نفس رمز الشيطان، وتحته مكتوب اسم: "بعلا". فتح الكتاب، وبدأ يقرأ منه… كلمات غريبة، بلغة مش مفهومة، لكنها كانت بتغيّر كل حاجة حواليه! كل ما صوته بيعلى، الشيطان بيصرخ أكتر، الأرض بتتهز أكتر، وعينين الشخص الغامض كانت بتحمر أكتر وأكتر، صوته بدأ يتغيّر… بقي صوت شيطاني، عميق، مش ممكن يكون صوت إنسان! استمر في التلاوة، لحد ما الشيطان العملاق فجأة… اتحوّل لدخان أسود! الدخان بدأ يلف في المكان بسرعة، وبعدين اتجه بكل عنف ناحية الشخص الغامض… واخترق جسمه!! مجرد ما الدخان اخترقه، جسمه بدأ يرتعش بعنف، وعينينه اسودت بالكامل… لحظات، وفجأة… سكن تمامًا! وقف على رجله بهدوء، وهو ماسك الكتاب، وبإيد بطيئة، شال القناع عن وشه… لفّ ناحيتها… وأول ما خديجة شافته، عينيها وسعت بصدمة، وبرعب مرتعش همست: "إنت… إزاي؟! انت… ميت!! إنت… شيطان؟!" ابتسم ابتسامة شيطانية ساخرة، واتجه ناحيتها بهدوء… فتح الكتاب مرة تانية، وقرأ منها كلمة واحدة بلغة غريبة، مجرد ما نطقها… خديجة حسّت بجسمها كله بيتكتّف في مكانه! ما بقتش قادرة تتحرك… كأنها وقعت تحت سيطرة شيء خفي! الشخص الغامض مسك إيدها، ومشى بيها ناحية العرش، قعد عليه، وسحبها جنبه… وقبل ما تغمض عينيها من الرعب، همس لها بابتسامة مرعبة:
"فرحنا… هيكون فرح أسطوري!!!"..
تابعوا الفصل الجاي... لما الجبل ينطق، والسر المدفون يبتدي يتكشف!"
#عروسة_الجبل
#راوي_الظلام