قصة قصيرة
نورهان عبد المعبود
عاد معتز من عمله مرهق , ف عمله ك ضابط شرطه لا يوفر له الراحه الكافيه ولا الوقت الكافى ليعيش حياته كشخص عادى .
دخل منزله فوجده هادئ و مظلم كعادته , ستائره مغلقه و جوانبه صامته , وكان السكون يسكن المكان بدلا من اهله .
خلع حذاءه و وضعه فى مكانه المخصص لتجنب المشادات مع زوجته ,ولكن حرصه انتهى عندما وصل الى اول مقعد يمكنه ان يلقى عليه ملابسه , بحث بعينيه عن زوجته فلم يجد لها اثرنظر فى ساعته ف اذا بها التاسعه اي انه موعد برنامجها النسائي الاذاعى المفضل , لم يرغب فى قطع طقسها اليلى فى متابعه برنامجها , فجلس فى مكانه يدخن سجارته دون ان يصدر صوت , حتى ان زوجته لم تنتبه لقدومه .
لم يمر خمس دقائق حتى رن هاتف معتز الخاص بالعمل , ف عرف ان الواجب يناديه و ليس امامه الا ان يلبي النداء , كالعاده كان بلاغ يوجب عليه النزول فورا , ارتدى ملابسه مسرعا وغادر على الفور و لم تنتبه له زوجته , غادر كما اتى و كانه سراب .
فور وصوله موقع الحادث كان المعمل الجنائى قد اعد تقريره المبدئي و بدء فى سرد تفاصيله عليه كالاتى:
انثى فى العقد الثانى, مجهولة الهويه, توفيت منذ اكثر من 48 ساعه عن طريق الخنق بكيس بلااستيكى , مع وجود شق طولى ف كلا ساعدى الضحيه يصل الى العظام .
بعد نقل الجثه الى مصلحة الطب الشرعى بدء معتز فى عمل التحريات و التحقيق فى القضيه و بالطبع المطالبه بتفريغ جميع الكاميرات حول الشارع الذى وجدت فيه الجثه .
كانت ليله طويله على معتز و كل فريق عمله , لم تنتهى الا بنتهاء اليل , و عاد كل منهم الى منزله . كان منزل معتز كما هو لم يتغير به بشئ منذ ان غادره غير ان زوجته نامت فى سريرها و تركت هاتفها يعمل بجوارها كعادتها , اقترب معتز واغلق هاتفها و اعاده مكانه ف استيقظت فزعه فور توقف الصوت امسك معتزيدها ليطمئنها حتى نامت , جلس يتاملها و يشعر بالحزن لحالها , كيف اصبحت زوجته وحيده الى هذا الحد الذي يجعلها تترك هاتفها يعمل حتى تنام على صوته لخوفها من صوت السكون حولها , متى اصيبت بهذا الكم من الذبول و الصمت و الهدوء , لقد كانت شخصيه هادئه منذ ان تعرف عليها و لكن بعد زواجهم اصبح هدوءها سجن تحبس نفسها بداخله ولا تسمح له بالاقتراب منه ,كان هو الصديق الوحيد فى حياتها , ولكنه اصبح الان مجرد زائر يعود لمنزله لنوم و الراحه فقط ,شعر بالذنب نحوها ولكن هذا الشعور كان مثله مثل غيره شعور يؤلمنا لفتره حتى ننساه فلا نجعل منه حافز ليغيرنا او دافع للاصلاح , وكاننا اعتادنا الشعور بالالم و الذنب حتى ادمناهم .
فى صباح اليوم التالى كان اول شئ سال عنه معتز هو تقرير تغريغ الكاميرات الخاصه بقضية الامس , لكن التقرير لم يقدم له اى معلومه اذ لم يكن فى الشارع اى كاميرات الا كاميرتين فى اوله و اخرى فى نهايته . لم تعرض سوى سيارات تدخل الشارع او تخرج منه فقط .
بعد مرور اقل من اسبوع تلقى معتز بلاغ اخر عن جثه لها نفس المواصفات الجنائيه مع اختلاف طريقة القتل التى كانت عن طريق جرح قطعى بالعنق مع وجود نفس الشق الطولى على الساعدين .
قبل ان يطلق معتز حكمه على انه يواجه قاتل متسلسل , لا يترك اثر او دليل ورائه , تلقى البلاغ الثالث عن الجثه الثالثه التى لم تختلف عن سابقتها الا فى طريقه القتل, التى تبينها الطب الشرعى انها جرعه زائده من المخدرات .
كلما مر الوقت اكثر كانت عدد الضحايات اكثر ,و كانت صعوبة الموقف تزداد سوء , حيث اصبح الامر قضية راى عام , و اصبح الناس سخافون من السفاح الذى يقتل النساء خاصة و يشق سواعدهم , حاول معتز جاهدا ايجاد رابط بين الضحايا و لكن لم يجد شئ واحد يجمعهم , غير انهم نساء فى اعمار مختلفه , يقتلن بطريقه وحشيه و يلقى بجثثهم فى شوارع و اماكن مهجوره لا توجد بها كاميرات . عكف معتز امام الشاشات يشاهد تسجيلات الكاميرات الخاصه بكل القضايا مرار و تكرارا حتى ظن انه اصبح يحفظهم , و فجاءه ظهرت معلومه صغيره لم ينتبه لها من قبل و هى سياره فضية الون تمر فى جميع الفديوهات و دائما ما تستغرق وقت اطول من المعتاد لتخرج من الشارعو كانها تقف فى المنتصف , زاد شك معتز بصاحب السياره وطلب التحرى عنها , بعد قليل اتاه الرد ان السياره هى سيارة طبيبه نفسيه تدعى همس الشاذلى , قرر معتز زيارة الدكتوره بصفه وديه , لان ما يملك من تسجيلات لا يعتبر دليل ادانه .
كان الانطباع الاول الذي اخذه معتز من اجواء العياده و طرازها و الفخامه الباديه على كل ديكوراتها و تفاصيلها , اوحى له بانه سيقابل طبيبه نفسيه متقدمه فى العمر لها شعر ابيض مرفوع وانف نحيلة تحمل نظارة كبيره ترتدى ملابس رسميه و تضع عطر فاخر , تاكد حدسه فور دخوله المكتب بشان عطرها الفاخر و لكنه تفاجئ بشابه تصغر كثير فى السن تلك التى كان يتوقعها , كانت ترتدى ملابس عاديه كالتى ترتديها النساء غالبا فى خروجاتها اليوميه , لم تكلف نفسها عناء رفع شعرها القصير بل تركته حرا يداعب وجهها بل ايضا صبغته بلون كستنائي اضاف لبشرتها الخمريه جمال خاص , كان لقاء سريع اعطته خلاله الطبيبه مبرر لكل مره كانت تمر فى احد الشوارع ف تظهر فى كاميرته , كانت مبرراتها قويه ومقنعه بنسبة لاى شخص اخر الا معتز الذي يملك حدس شرطى لا يخطئ ابدا . لم يستطع معتز ان يمسك دليل واحد ضدها . لذا غادر مكتبها و هو فى موقف صعب حيث انه عاد الى نقطة البدايه من جديد فلا مشتبه به الان يمكنه مطاردته .
كان الضغط يزداد يوما بعد يوم مع ازدياد عدد الضحايا وانقلاب الراى العام على الحكومه , لعدم وجود حتى مشتبه به الى الان .
كان معتز يتعرض لضغط الكافى الذي يجعله لا يعود للمبيت فى منزله حتى , وكانت زوجته تكتفى بالمكالمات المتقطعه للاطمئنان عليه , لم يكن هناك شئ يساعد معتز على الوصول للقاتل , لا بصمات , لا ادوات جريمه ولا علاقه تربط الضحايا , لا شئ مشترك غير تلك السياره الخاصه ب همس , كان شئ داخلى يسيطر على تفكيره ب انها لم تكن مجرد صدفه .
بعد مرور ايام من السهر و التفكير المتواصل قرر معتز ان يعود الى منزله لتبديل ملابسه و كالعاده كان المنزل هادئ , لا يكسر سكونه سوى صوت هاتف زوجته التى تركته يعمل على وسادتها اثناء نومها لتانس به فى وحدتها , تعجب معتز من نومها فى هذا الوقت ف هو موعد برنامجها المفضل , اقترب ليطفئ الهاتف , و لكن جذبه ذلك الشعر الكستنائى القصير و الانف الحاده و الملامح المالوفه , و جلس يستمع الى البرنامج حيث تتصل النساء لتشكى همومها وضعفها و تطلب الحل من المذيعه التى غيرت اسمها فجاءه ليصبح لميس , هنا تاكد الشك فى قلب معتز ولكنه احتاج الى دليل قوى للادانه , فلا يمكنه ان يدينها لانها تقدم برنامج اذاعى بغير اسمها , لذا قرر التحرى عنها و عن ماضيها لعله يجد اجابه او طرف خيط يعينه .
كان المجهود الذي بذله معتز فى تلك الايام التاليه هو ما اوصله الى القبض على الدكتوره همس , بعد ان جمع الخيوط لينسج دليله الخاص ب ان جميع الضحايا كانوا من المتصلين ببرنامجها و ايضا من المترددين على عيادتها النفسيه او كما زعمت ايضا فهى تنتحل شخصية الدكتوره همس , بل انها كانت احدى مرضاها التى غدرت بها و قتلتها وانتحلت شخصيتها و قدمت برنامج اذاعى ب اسم مستعار حتى تصل الى غايتها فتستمع الى قصص النساء البائسه , و ترى انهم ضعفاء لا يستحقون العيش لانهم لم يدافعوا عن نفسهم لذا اكتفت بمكالمه واحده لتحدد ضحيتها ف تستدرجها الى عيادتها النفسيه بحجة المساعده , فتقوم بتخدير الضحيه و قتلهم بطرق بشعه , تعمدت فيها القسوه حتى تضلل الشرطه ان الفاعل قد يكون امراءه .
امراءه تجردت من كل معانى الرحمه و الرقه و الانوثه و نصبت نفسها قاضى يحكم على بقية النساء بالموت ان شعرن بالضعف او الانكسار .
كانت نهايتها متوقعه و حكم الاعدام فى انتظارها .
كانت صدمت زوجة معتز كافيه لتدرك ان ليس كل ما تراه خلف الشاشات حقيقي و يمكنك تصديقه ودعمه , و ان هناك عالم اخر يعيش فيه اشخاص يستحقون ان نتخلص من وحدتنا القاتله و عزلتنا المريحه لاجلهم , لنشاركهم حياه قد تسلب منا فى غفله , وان السوشيال ميديا قد تصنع لنا عالما وهميا يدمر عالمنا الحقيقي , فهناك كل شئ يعاد اما حياتنا الواقعيه فلا تعاد ولا تعاش الا مرة واحده .