قبل بزوغ الفجر، كان أنور قد استيقظ من نومه القصير على الأرض الباردة في زاوية المنزل الضيقة. لم يكن لديه وقت للراحة، فالشارع ينتظره، وأكوام القمامة تنتظر من يجمعها. رفع كيسه الأسود الكبير، شعور بالثقل يضغط على كتفيه الصغيرتين، لكنه لم يتوقف. كل خطوة كان يشعر بثقل العالم كله على ظهره، ومع ذلك كان يحاول أن يحافظ على توازن نفسه، وعلى ابتسامة باهتة تخفي بحرًا من الألم.
بدأ رحلته في الأزقة الضيقة، حيث تختلط الروائح الكريهة للقمامة مع رائحة الخبز القديم المتروك على الأرصفة. كل صندوق مهمل، كل كيس ممزق، كان بالنسبة له كنزًا صغيرًا. التقط البلاستيك، الحديد، قطع الورق، وكل ما يمكن بيعه بثمن زهيد. وبين كل هذا، كانت عينيه تبحث عن وجوه الناس، تحاول أن ترى نظرة اهتمام أو عطف، لكنها كانت دائمًا تتصادم مع اللامبالاة والسخرية.
أحد المارة مرّ بجانبه وهو يضحك ساخرًا:
"يا ولدي، ألا تتعب من جمع الزبالة؟"
أنور لم يرد، اكتفى بالنظر إلى الأرض ومتابعة مهمته الصامتة. لم يكن لديه طاقة للكلمات، ولم يكن يملك من يسمعه سوى صمت نفسه.
في لحظات نادرة، عندما يخف ضجيج الشارع، يرفع رأسه إلى السماء الرمادية، يتمنى لو أن هناك من يرى جهده، من يشعر به. يغمض عينيه للحظة، يحاول أن يتذكر ضحكات الأطفال الآخرين ولعبهم في الحدائق، ويشعر بوخز شديد في قلبه لأنه لم يعرف لحظة راحة أو أمان.
ومع مرور الوقت، يبدأ النهار في الارتفاع، الشمس تضرب على وجهه الصغير، ولكن التعب لم يتركه. ومع كل قطعة يجمعها، يشعر بثقل الحياة، وبوحدة لا يعرفها إلا من عاش وحيدًا منذ نعومة أظافره.