الحبيب عبدالجليل المسلمي

شارك على مواقع التواصل

قصة قصيرة
الحبيب عبد الجليل المسلمي
زمّارة العيد

منذ اربعين سنة أهداني أخي الأكبر "زمارة" بمناسبة عيد الفطر اشتراها لي خصيصا من سوق القرية. وللزمارة في ذلك العهد قيمة ومكانة مرموقة بين هدايا العيد. انقضت أيام العيد وقد شبعت تزميرا وعدت إلى مدرستي بعد أن دسست الزمارة في المحفظة.
داخل الفصل وبينما كان الجميع منصتا للمعلم وهو يشرح قيمة العدل والانسانية لدى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب ومآثره كنت أفكر في زمّارتي هل مازالت صالحة أم كسرت أثناء الزحام للدخول إلى ساحة المدرسة. لم أكن مهتمّا لما يجري في القسم ولست أدري كيف دسست يدي في المحفظة أتلمس زمارتي وبدون تفكير سحبتها متخفيا بزميلي الطويل الجالس امامي. وبدون تفكير في العواقب خطرت لي فكرة تجربتها. قربتها من فمي ونفخت نفخة هزت أركان الفصل وتوجهت كل الأنظار إليّ وصاح المعلم مصدوما: من المجنون الذي زمّر.
طبعا توجهت كل الأصابع نحوي وأخرجني المعلم من عنقي وأداة الجريمة في يدي. وجذب عصاة غليظة ثم تراجع وقال لي: اذهب  هناك الى حائط الساحة المواجه للفصل وزمّر بزمارتك لآخر الحصة. وعقابك سيكون مضاعفا إذا توقفت عن التزمير من الآن لآخر الحصة. وكلف زميلا يجلس قرب النافذة بمراقبتي إن كنت سأتوقف ولو للحظة عن التزمير. غادرت القاعة واتجهت نحو الحائط المقابل وبدأت أزمّر. فلقد بدا لي العقاب بسيطا وأهون بكثير مما كنت أنتظر من العصا الغليظة.
مرّت دقائق وأنا أزمّر وزميلي يرقبني من بعيد.
تعبت أوداجي وتشنجت. أحسست بإرهاق شديد. كادت تنقطع أنفاسي. وكلما حاولت التوقف رفع زميلي المراقب إصبعه ليعلم المعلم. كدت أفقد الوعي. توقفت قليلا لاسترد شيئا من قواي فما كان من مراقبي أن صاح: سيدي ... سيدي لقد توقف عن التزمير.
غضب منه المعلم لمقاطعة درسه وأمره بالخروج حذوي وتسجيل عدد التوقفات التي ساقوم بها.
جاء بمحفظته حذوي وهو يأمرني أن أزمر. فرمقته بنظرة حادة وإشارة وعيد بيدي.
وبدون تفكير  اخذت أعزف بالزمارة  شبه لحن شعبي ذي ايقاعات خفيفة  وكان القصد  تهكما من زميلي. فما كان منه الا ان جذب محفظته واخذ يدربك عليها ويطبل حسب ايقاعات اللحن.
مرت الحصّة سريعا وأنا أزمًر وهو يطبّل.
الى الآن وبعد أربعين سنة مازلنا وما تفارقنا: أنا أزمر وهو يطبل.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

زمارة العيد
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.