Horof

شارك على مواقع التواصل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله الذي يسر لنا التكليف، ونهانا عن التكلف والتحريف، أحمده حمدًا يليق بمقام ألوهيته، ويجدر بجلال ربوبيته، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، عدد ما سطرت الأقلام كتبًا، وقذفت السماوات شهبًا، وغيبت الأيام حقبًا، أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا..
وأصلي وأسلم على من أرسله ربه ليبين للناس ما نُزل إليهم من ربهم، وليكون لهم هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، اللهم صل عليه صلاة تبلغه في قبره، وتقدره حق قدره، وصلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين وبعد...
فإن قضية "التفسير النفسي للإلحاد المعاصر"، من أَوْلى القضايا بالدراسة؛ حيث إن الإلحاد ـالذي يعني إنكار وجود الله، والقول بأن الكون وُجد بلا خالق أو أن المادة الأزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق- في ذات الوقت ـ أمر كان له بعض اللمحات القديمة ولكنه تبلور في صورة فكرة في العصر الأوروبي الحديث بصورة خاصة. ولقد كانت مؤهلات الإلحاد كلها قائمة في أوروبا منذ النهضة الأوروبية الحديثة إلى اليوم، فكان لابد من وقفة لدراسة هذا الأمر الذي لا مثيل له من قبل في كل جاهليات التاريخ.
وإذا كنا نتكلم عن الأسباب فيجدر بنا أن نذكر أن الكنيسة الأوروبية ـ بممارستها وطغيانها على مدار أكثر من ثمانية قرون ـ هي المسؤول الأول عن ذلك لأنها هي التي أدت إلى جعل العلم بديلًا عن الدين، وجعل السبب الظاهر بديلًا عن السبب الحقيقي، وجعل الطبيعة بديلًا عن الله.. فالعلم في وضعه الطبيعي ليس بديلًا عن الدين، إنما هو نافذة من نوافذ المعرفة التي تؤدي في النهاية إلى المعرفة الحقة بالله، ومن ثَمَّ إلى إخلاص العبادة له، حين يدرك العقل البشري عظمة الخلق ويطلع على أسراره العجيبة التي تحير الألباب.
ومواصلةً لرحلة الدكتوراة؛ المرحلة التي يبدأ فيها الطالب في تسليط الضوء على نتاج الرحلة العلمية، حيث يلزم بتحرير بحث يختار موضوعه بنفسه، فكان اختياري عن موضوع "الإلحاد" الذي فتك بأصحاب العقول فكيف بغيرهم من الشباب المبتعدين عن الدين والذين يسهل التلبيس عليهم، فأحببت أن يكون بحثي في هذا الموضوع أملًا في عودة الضال إلى جادة الصواب، وأسأل الله جل في علاه أن يتقبله بقبول حسن، وأن ينفع به، إنه سميع مجيب.

أ - أهمية الموضوع:

إن أهمية أي موضوع تنبثق مما يُبحث فيه، ولا شك أن الأبحاث المتعلقة بالإلحاد هي من أهم العلوم، وذلك لأنها لُب عقيدة المسلم، فإذا فسدت العقيدة، فسد ما بعدها، قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23].
والإلحاد إحدى الظواهر الغريبة عن المجتمع المسلم، وهي ظاهرة لها أسباب متعددة من أهمها: الانفتاح الثقافي والإعلامي على المجتمعات الملحدة، مع ضعف الوازع الديني لدى طوائف من المجتمع المسلم، والغربة التي يعيشها المسلمون عن دينهم، فتلاقي هذه الشبهات ضعفًا في بعض النفوس، فتُصاب بعض العقول في المجتمعات المسلمة بأفكار الملحدين.
وكون هذا البحث يتناول موضوعا مهمًا يجب التنبيه عليه، وهو وقوع الكثير في فتنة الإلحاد في العصر الحديث وأثره النفسي بغير علم ولا دراية، فشطح العقل، وساء الفهم، والله المستعان.

ب - أسباب اختيار الموضوع:

1 - لقد ظل موضوع الإلحاد يشدني كلما أبحرت قارئةً في كتب التوحيد، ولكن كانت ثمة أمور تعترضني أثناء القراءة، فيشمئز منها الطبع، فكنت أتمنى أن يفكر الإنسان بعقله لا سيما أهل العلم والعلماء، الذين يشاهدون قدرة الله وعظمته في كل ما حولهم، قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌﱠ{ [فاطر: 28]..
2 – المساهمة في الذود عن حياض التوحيد، وذلك بالمشاركة وتسليط الضوء على ما يخرج منه، وما يلتبس على البعض من العامة.
3 – كون هذا الموضوع سيدفعني للبحث الجاد والمتعمق في كتب التوحيد، وكذلك ما كُتب عن الإلحاد من قِبل العلماء والمختصين.
4 – التدليس على الكثير من العامة من الناس باسم الدورات التدريبية على يد مدربين من الدعاة وقعوا في فخ اليوجا والتأمل والطاقة وغيرها مما يوقع في الشرك والإلحاد، وبدأوا في تحريك الناس لها جهلًا.
5 – رغبتي الشديدة في إزاحة هذه العقائد الباطلة التي تُخرج من الملّة عن ضعاف النفوس.
فالحرب شرسة، فبينما نُحاول حماية شبابنا من فخ الإلحاد، نجد هناك ثمة مؤسسات عالمية ترعى الإلحاد وترعى الملحدين منها مثلًا:
"التحالف الدولي للملاحدة"( )، رابطة الملاحدة.
كذلك "مؤسسة ريتشارد دوكنز لدعم العقل والعلم"( )، وكذلك "الرابطة الدولية لغير المتدينين والملحدين"( )، حتى إن بعضها تعطي مساعدات مالية كبيرة، ومهما يكن من هيئات ومؤسسات وشخصيات ودول تدعم الإلحاد وتسوق له، فإن الأهم هو رصد ما يقدمونه من شبهات يزخرفون بها هذا الباطل، فالإلحاد في النهاية موقف فكري من الدين، معاداة لوجود إله للكون، أو هكذا يسوق له على أنه موقف فكري ناضج ومتقدم على ما سواه من الخرافات والأوهام.

ج - الدراسات السابقة للموضوع:

الحق أنني وجدت الكثيرين من الغيورين على الدين والذين تكلموا في الإلحاد، ولقد اطلعت أيضًا على الكثير من الكتب، وكم كانت دهشتي عندما وجدت كتبًا لغير المسلمين تتناول الإلحاد والملحدين بالدراسة وبيان مآلهم، فرأيت أننا -نحن المسلمينـ أولى بالتصدي لهذا البلاء الذي بدأ ينتشر بشكل مخيف، وينمو بين شبابنا، فوجدت العديد من الكتب التي تتحدث عن الإلحاد، والتي كان الجميع ينبه على خطورته وهم بين مكثر ومقل، منها:
1 – كانت دراسات الدكتور عمرو شريف في تفشي ظاهرة الإلحاد ويتّضح ذلك من خلال كتاب "خرافة الإلحاد"، ففي كتاب خرافة الإلحاد وضّح الكاتب: أن الإلحاد الغربي المعاصر غزا عقول شبابنا، فصرنا نلتقي بهذا الفكر في الجامعات والمدارس والتجمعات الشبابية والإعلام، ولخطورة القضية بدأ الكتاب بتحديد العلاقة الحقيقية بين الإله والعلم هل هي صراع أم وفاق؟ ثم تصدى لآراء أعمدة الإلحاد في الغرب مثل ريتشارد دوكنز، وختم الدكتور شريف المنهج الواجب اتباعه للخروج من مستنقع الإلحاد.
2 – كتاب "مليشيا الإلحاد" للأستاذ: عبدالله العجيري حيث يعتبر من الملامسين لظاهرة الإلحاد المعاصر، ويُعدُّ هذا الكتاب مدخلًا موجزًا للتعريف بالظاهرة الإلحاديَّة الجديدة، وأهم الأسئلة التي يطرحها، والقضايا التي يثيرها، وأسباب انتشاره وأبرز مظاهره، والواجب على العلماء والدعاة فعله لمواجهة تلك الظاهرة التي تفشت في المجتمع.
3 – كتاب "المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات" للدكتور غالب علي عواجي، وقد بدأ المؤلف موسوعته العقدية بالحديث عن المذاهب الفكرية وآثارها السيئة على الأمة الإسلامية، فعرَّف في بداية الأمر بالمذاهب الفكرية وسبب إطلاق هذه التسمية، ثم تحدث عن أهمية دراسة هذه المذاهب والتأليف فيها، وعن الآثار السيئة للمذاهب الفكرية التي انتشرت في ربوع العالم الإسلامي، امتاز كتاب الدكتور عواجي بتسلسل منطقي، في عرضه للمذاهب الفكرية المعاصرة موضوع الكتاب، حيث بدأ المؤلف بالحديث عن التنصير، وهو رأس كل فساد دخل إلى بلادنا، لكن المؤلف هنا أغفل الليبرالية وكان من الضروري الالتفات لها؛ لما لها من الأثر الكبير في عالمنا المعاصر، وكذلك لم يُعرج على الحداثة وما يليها من أفكار.
4 – كتاب "إيمان فاقد الأب" للكاتب: بول فيتز حيث يسلط الضوء على الملحدين من واقع نفسي، فكانت فكرة الكتاب تتمحور حول أن هناك من قد يجد صعوبة في الإيمان بالإله نتيجة لظروف خاصَّة سابقة أو حالية إلا أن له الإرادة الحُرَّة بلا شك، ففي هذا الكتاب يفتح لنا الكاتب زاوية جديدة عن دوافع الإلحاد، وذلك بالتركيز على المشكلات النفسية لدى المُلحد، وخصوصًا -مشكلة الأب- كما سمَّاها، ومدى تعلُّق مرض التوحُّد بالإلحاد، ففي نظر الكاتب أن فرضية الأب المعيب، وفرضية التعلق غير الآمن، عندما يؤخذان معًا تطرحان أن كل ما قد يضعف أو يؤذي علاقة الطفل بوالده أو أبويه سيؤدي عمومًا إلى جعله عرضة خلال البلوغ للإلحاد أو الكفر أو لمعتقدات روحانية خالية من إله، وقد يقوم المُلحد بنشر الإلحاد الناتج عن حالة نفسية معينة فيتحول ما هو شخصي إلى سياسي، ويصبح الإلحاد ظاهرة اجتماعية لها عواملها الأخرى التي تزيد من انتشارها.

د - جديد الدراسة:

الدراسات السابقة التي تناولت الإلحاد كثيرة، من حيث النشأة والتاريخ، وتعريف الإلحاد وبعض الدراسات التي أُجريت حوله وما تمخض في عصرنا الحاضر من مسميات وحركات فلسفية ومذهبية، وإن كان الإلحاد هو كالنبت الشيطاني الذي لا يُعرف له تاريخ محدد لبدايته، ولكن بالتحري والاستقصاء وما يتضح من دلائل استطاع الباحثون وضع تقريب لنشأته وتاريخه، فالملاحدة الجدد الذين يتبنون الإلحاد المعاصر ينطلقون من حجج تبدو علمية ومن إطار يبدو نظريًّا، لينشروا نزعة أخلاقية يدعون من خلالها أن الإنسان يمكن أن يكون صاحب أخلاق مثلى دون حاجة للدين، أو للإيمان بوجود إله، وأن "فرضية الله" هي فرضية علمية صحيحة حيث لها تأثيرات في العالم الفيزيائي وكأي فرضية أخرى يمكن إثباتها أو دحضها، أما الملاحدة السابقون فيذهبون إلى أن العلم غير قادر على التعامل مع "مفهوم الله" ولم يتطرقوا للناحية النفسية في إلحادهم.
فكان اختياري لدراسة الإلحاد من منظور نفسي مُعاصر، حيث نكاد نُجزم أن الإلحاد هو نتاج ظاهرة مرضية، وأن إلحادهم ناتج عن خلل في فطرتهم وتركيبتهم النفسية، لأنه خارج عن الفطرة السليمة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها، ولقد تم تطبيق نظرية الكاتب "بول فيتز" في كتابه إيمان فاقد الأب على كل من القصيمي وأدهم وتحليل ظاهرة الإلحاد من خلالهم.

هـ - مصاعب الدراسة:

هناك خلط كثير عند العامة من غير علماء الدين على التفريق بين الشرك والكفر والإلحاد، فيضعون الكل في مرتبة واحدة، فلزم التبيين والتفصيل حتى يتضح الفرق بينهم، ثم نوضح أن الإلحاد هو نتاج خلل في الفطرة، أدى ذلك إلى خلل عقدي في العقيدة.
ومن وازع ديني وحبي لله ورسوله وحرصي وغيرتي كباحثة على شبابنا المسلم من الوقوع في فخ الإلحاد؛ كان لزامًا عليَّ أن أخوض هذا المعترك، وأُبيّن حقيقة الإلحاد في عصرنا اليوم، هل هو نتاج قناعة من الملحد أو نتاج خلل نفسي أدى بالتّبعيّة إلى خلل عقيدي؟

الفصل الأول:
العلاقة بين الشرك والكفر والإلحاد:
ويشتمل على ثلاث مباحث:
المبحث الأول: الشرك، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم الشرك.
المطلب الثاني: أقسام الشرك.
المبحث الثاني: الكفر، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم الكفر.
المطلب الثاني: بيان أقسامه وأنواع كل قسم.
المبحث الثالث: الإلحاد وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مفهوم الإلحاد في القرآن الكريم والسنّة النبوية.
المطلب الثاني: نشأة الإلحاد، ومراحل تطوره.
المطلب الثالث: أسباب الإلحاد، وأقسامه.

الفصل الثاني:
دور بعض النظريات الفلسفية في نشر الإلحاد:
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الدهرية والداروينية، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الدهرية، ونشأتهم، واعتقادهم.
المطلب الثاني: نقد النظرية الداروينية.
المبحث الثاني: الشيوعية والليبرالية، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الشيوعية؛ تاريخها، ومبادؤها، وموقف الإسلام منها.
المطلب الثاني: الليبرالية؛ نشأتها، وحقيقتها.
المبحث الثالث: العلمانية والماسونية، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: العلمانية؛ نشأتـها، ومبادؤها.
المطلب الثاني: الماسونية؛ نشأتها، ومراحل تطورها.

الفصل الثالث:
الإلحاد النفسي وأثره في نفس الملحد، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الإلحاد النفسي، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم الإلحاد النفسي، وصُوره وأسبابه.
المطلب الثاني: الاضطراب النفسي للملحد.
المبحث الثاني: المخطط النفسي للإلحاد المعاصر، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم الإلحاد المعاصر.
المطلب الثاني: سمات الإلحاد المعاصر وأنواعه.
المبحث الثالث: نظرية التقصير الأبوي عند بول فيتز، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: نظرية الأبوة الناقصة عند بول فيتز.
المطلب الثاني: تطبيق نظرية فيتز كنموذج على القصيمي وأدهم.

الفصل الرابع:
رؤية معاصرة لنقد الإلحاد
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الرد على الإلحاد، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: فرسان الرد على الإلحاد.
المطلب الثاني: الأدلة على نفي الإلحاد.
المبحث الثاني: الاستدلال على وجود الله، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الطريق إلى الله
المطلب الثاني: الإلحاد والإيمان؛ وجهًا لوجه.
المبحث الثالث: أثر الإلحاد على الفرد والمجتمع:
المطلب الأول: أضرار الإلحاد على الفرد والمجتمع.
المطلب الثاني: طرق العلاج والمواجهة.
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا لبيان المقصود، إنه خير مسؤول.

تمهيد

من أبرز المشكلات المعاصرة الإلحاد، وهو الكفر بالله والميل عن طريق أهل الإيمان والرشد، وظهور التكذيب بالبعث والجنة والنار وتكريس الحياة كلها للدنيا فقط، والإلحاد اليوم ظاهرة عالمية فالعالم الغربي في أوروبا وأمريكا، وإن كان وارثًا في الظاهر للعقيدة النصرانية التي تؤمن بالبعث والجنة والنار إلا أنه ترك هذه العقيدة الآن وأصبح إيمان الناس هناك بالحياة الدنيا فقط، وأصبحت الكنيسة مجرد تراث وأثر من آثار الماضي، ولا تشكل في حياة الناس وعقولهم إلا شيئًا تافهًا، وأصبح الإلحاد هو الدين الرسمي المنصوص عليه في كل دساتير البلدان الأوروبية والأمريكية، ويعبر عن ذلك بالعلمانية تارة والديمقراطية تارة والليبرالية تارة أخرى.
وفي الشرق تقوم أكبر دولة على الإلحاد وهي الدولة الروسية التي تحمل العقيدة الشيوعية، التي من بنودها رفض الغيب كله والقول إن الحياة مادة فقط، وأن صراع الإنسان في هذه الحياة إنما هو من أجل العيش والبقاء فقط، وأما الدول الأخرى فبالرغم من أنه كان ينتشر فيها أديان تقوم على بعض العقائد كالهندوسية ( ) والبوذية ( ).


( ) - الهندوسية أقدم ديانة وثنية حية وثالث أكبر ديانة في العالم بعد المسيحية والإسلام، يعتنقها معظم سكان القارة الهندية الذين يقدرون بنحو 800 مليون نسمة، تعود أصولها إلى عصور ما قبل التاريخ، ويعني اسمها «أولئك الذين يعيشون في رحاب نهر الهندوس». وتتكون من مجموعة من العقائد والثقافات والديانات، وتؤمن الهندوسية بفكرة تناسخ الأرواح، فإذا مات الجسد، خرجت منه الروح لتحلّ في جسد آخر. وحياة الإنسان أو الحيوان، ما هي إلا فترة تقضيها الروح في هذا الجسد أو ذاك. تنتقل روح الإنسان السعيد إلى جسم سعيد بعد موت الجسم الأول، وليس بالضرورة انتقال الروح إلى إنسان آخر، فقد تنتقل الروح إلى حيوان أو حشرة وهي ديانة تحرم أكل اللحوم. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط4 دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، 1420هـ (2/ 833).
( ) - البوذية هي ديانة دارميَّة وتعتبر من الديانات الرئيسية في العالم، حيث تعتبر رابع أكبر ديانة في العالم بعد المسيحية والإسلام والهندوسية. ويصل تعداد أتباعها إلى أكثر من 520 مليون نسمة، أي أكثر من 7% من سكان العالم. ويعرف أتباعها باسم البوذيين؛ وجذر كلمة بوذية تأتي من كلمة البوذية نسبة إلى مؤسسها غوتاما بودا،



والكونفوشيوسية( ) إلا أن هذه الأديان اختفت الآن تقريبًا أمام مد الإلحاد الغربي والحياة العصرية.
وبالرغم من أن العالم الإسلامي ما زال يتمسك نوعًا ما بالإسلام ويقر بالتوحيد ويؤمن بالبعث والجنة والنار، إلا أن موجة الإلحاد العارمة تطغى عليه من بعض جوانبه، وتشكك أبناءه في دينهم وعقيدتهم، ونذكر بعض آثار الإلحاد في حياة الإنسان ومنها القلق والحيرة والاضطراب والصراع النفسي؛ وذلك أن داخل كل إنسان منا فطرة تلح عليه، وأسئلة تتحرك في صدره: لماذا خُلقنا؟ ومن خَلقنا؟ وإلى أين نسير؟ وإذا كانت زحمة الحياة، وشغلها الشاغل يصرف الإنسان أحيانًا عن الإمعان في جواب مثل هذه الأسئلة، والبحث عن سر الحياة والكون فإن الإنسان يصطدم كثيرًا بمواقف وهزّات تحمله حملًا على التفكير في هذا السؤال.
ومن آثار الإلحاد الأنانية وحب الذات، إذ كانت النتيجة الحتمية للقلق النفسي والخوف من الأيام هي اتجاه الإنسان نحو الفردية والأنانية، ومن آثار الإلحاد فقد الوازع والنزوع إلى الإجرام، لأن الإلحاد لا يربي الضمير، ولا يخوف الإنسان من إله قوي قادر يراقب تصرفاته وأعماله في هذه الأرض، فإن الملحد ينشأ غليظ القلب عديم الإحساس، قد فقد الوازع الذي يردعه عن الظلم ويأمره بالإحسان والرحمة.
ومن آثار الإلحاد هدم النظام الأسري لأن للإلحاد آثارًا مدمرة في الحياة الاجتماعية للإنسان، فالبعد عن الله سبحانه وتعالى لم يكن من آثار تدميره النفسية البشرية فقط، وإنما كان من لوازم ذلك تدمير المجتمع الإنسان وتفكيكه، وذلك أن نظام الاجتماع البشري لا يكون صالحًا سليمًا إلا إذا كانت اللبنات التي تشكل هذا النظام صالحة سليمة، وإذا فسدت هذه اللبنات فسد تبعًا لذلك النظام الاجتماعي بأسره


وهي أقرب إلى فلسفة الحياة منها إلى الدِّين حيث لا تؤمن بإله، وتقوم على التَّجرُّد والزُّهد تخلُّصًا من الشهوات والألم وطريقًا إلى الفناء التَّام، وتقول بالتَّناسخ ومبدأ السببيَّة، وتنكر البعث والحساب. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2/ 802).
( ) - الكونفوشيوسية ديانة أهل الصين، وهي ترجع إلى الفيلسوف كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعيًا إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية، التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفًا إليها جانبًا من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم. وهي تقوم على عبادة إله السماء أو الإله الأعظم، وتقديس الملائكة، وعبادة أرواح الآباء والأجداد. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2/ 821).






0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.