Za7makotab

شارك على مواقع التواصل


أ‌- نبذة عن الأديب علي بن أحمد النعمي ونتاجه الأدبي وسيرته في العمل الصحفي.
ب-لمحة تاريخية عن نشأة فن المقالة في الأدب السعودي الحديث ولدى أدباء منطقة جازان.




أ-نبذة عن الأديب عليّ بن أحمد النعميّ،
ونتاجه الأدبي، وسيرته في العمل الصحفي

نشأته وحياته العلمية والعملية:
ولد الأديب والشاعر عَليّ بن أحمد النِّعْميّ في ضَمَد عام 1356هـ"، وضمد تابعة لمِنطقة جازان جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وقد تلقَّى تعليمه الأوَّلِيّ بها، وواجه ظروفًا صعبة أجبرته على التنقل كثيرًا بين محافظات وقرى المِنطقة، في وقت كانت فيه وسائل المواصلات شحيحة؛ وبالرغم من تلك الصعوبات والظروف المتراكمة ظل صامدًا ومواصلًا تعليمه الذي انطلق من الكتاتيب؛ إذ التقى في أول مشواره التعليمي عام 1372هـ/ 1373هـ بالشيخَ عبدَالله القَرعاوي الذي طلب إليه مشاركة الشيخ عبد الله بن مصلح في التدريس في قرية الحرجة آنذاك، ولكنه لم يُطل المكوث بها، وتوجه إلى ضَمَد ليتعلم على يد الشيخ هادي بن علي مطيع عندما التحق بمعهد ضَمَد العلمي، ولم يمكث به طويلًا؛ إذ تحول إلى معهد صامِطة العلمي عام 1374هـ؛ ولظروف خاصة انقطع عن التعليم، وعاد إليه عام 1376هـ، ثم انتقل إلى المعهد العلمي بالأحساء عام 1380هـ/1381هـ، حتى أتمّ المرحلة الثانوية عام 1382هـ.
حصل النعمي على الشهادة الجامعية في تخصص اللغة العربية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1387هـ، بالإضافة إلى دبلوم الإدارة المدرسية عام 1389هـ؛ ومِن ثَمَّ عمل مدرسًا بمتوسطة ضَمَد، ثم وكيلًا لها، ثم مديرًا لمتوسطة البديع والقرفي حتى أحيل للتقاعد عام 1416هـ، وقد كرّمته كلية المعلمين بجازان تقديرًا لجهوده في التربية والتعليم .

حراكه ونشاطه الأدبي:
كان النعمي على اتصال وثيق بالحياة الأدبية والثقافية، ويراقب عن كثب حراكها الصاخب والمتنوع؛ ولذا كانت طموحاته كبيرة في احتضان مواهب المبدعين وتنظيمها تحت سقف واحد، ومن ذلك دعوته إلى إقامة نادٍ أدبيٍّ في قريته ضَمَد سنة 1391هـ ، ولكنه لم يصمد طويلًا بسبب الظروف المادية، وتأتي فكرته هذه قبل إنشاء الأندية الأدبية في المملكة عامة، وفي جازان خاصة عام 1395هـ؛ حيث كان أحد مؤسسي ناديها الأدبي ورئيس لجنة الشعر؛ ولذا قال عنه حجاب الحازمي: "لم يكن اختيارنا له بسبب كبر سنه؛ بل لأنه يُعد من أغزر شعراء جيله إنتاجًا، وأمتنهم سياجًا، وأطولهم نفسًا، يمتلك نواصي القوافي، وتهرول نحوه عرائس الشعر".
أثمر حراك النعمي الأدبي عن نيله كثيرا من الجوائز وشهادات الشكر والتقدير، نظير مشاركاته الفاعلة في عدد من الأمسيات الشعرية واللقاءات الفكرية المتنوعة داخل المملكة وخارجها، فهو "يحمل الميدالية الذهبية من مهرجان الشباب العربي الثالث، الذي أقيم في العراق في العاصمة بغداد في تموز 1977م، كما أنّه مثّل المملكة في مهرجان الشعر العربي لدول الخليج العربية، الذي انعقد في الرياض عام 1408هـ، بالإضافة إلى تمثيله إياها في الملتقى الشعري لدول الخليج في معرض الكتاب بسلطنة عمان عام 1992م .

مؤلفاته الشعرية:
نظم الأديب علي النعمي قصائد كثيرة، ولكنه نشرها في الصحف والمجلات، غير أن طباعتها في دواوين شعرية أمر تأخر كثيرا في أثناء حياته، إذ كان صدور أول ديوان له عام 1405هـ.
وأهم دواوينه الشعرية التي أصدرها في حياته ما يأتي:
- ديوان: الحب ومنى الحلم، (نادي جازان الأدبي) ، 1405هـ.
-ديوان: الرحيل للأعماق، (نادي جازان الأدبي) ، 1406هـ.
-ديوان: الأرض والعشق، (دار الفيصل الثقافية) ، الرياض، 1406هـ.
- ديوان: جراح قلب، (نادي جازان الأدبي)، 1409هـ.
- ديوان: لعينَي لؤلؤة الخليج، (نادي جازان الأدبي) ، 1413هـ.
- ديوان: النغم الحزين، (نادي الباحة الأدبي) ، 1421هـ.
- ديوان: قسمات وملامح، (نادي جازان الأدبي) ، 1423هـ.
- ديوان: الوطن الأرض الحب الكبير، (نادي المنطقة الشرقية) ، 1424هـ.
ولم تكن تلك الدواوين تمثل كل ما كتبه النعمي من شعر، فقد عُرف بغزارة نتاجه؛ ولذا أنشئت لجنةٌ عَقِب وفاته لجمع قصائده غير المنشورة وتنقيحها ومراجعتها وشرح الغريب منها؛ فأصدرتْ كتابًا بعنوان (ما لم يُنشر من شعر النعمي) اشتمل على عدد (230) قصيدة ومقطوعة في (526) صفحة .
سيرته الصحفية:
عمل النعمي في الصحافة محررًا وكاتبًا، فضلًا عن عمله سكرتيرًا صحفيًّا، وقد تدرج في العمل الصحفي، فكانت بدايته الصحفية إبّان دراسته في المعهد العلمي بالأحساء؛ إذ أصدر صحيفتين حائطيتين هما: (التاج) و(الضياء) عام 1382هـ، ليجد التشجيع من أساتذته، ومن هنا كانت الانطلاقة إلى عالم الصحافة، وعَقِب تخرجه في المعهد عام 1382هـ توجّه إلى الرياض لإكمال دراسته الجامعية، وهناك التقى كثيرا من رجالات الصحافة والأدب والشعر؛ لتشكل تلك المرحلة نقلة نوعية في حياته أسهمت في انفتاحه الثقافي والفكري والنقدي.
وخاض النعمي غمار المشاركة في صحافة الأفراد والمؤسسات عندما عمل مندوبًا صحفيًّا، ومع شغفه وإصراره أصبح كاتبًا، ثم مع نضج خبرته تبوَّأ منصب السكرتارية التحريرية في مجلة اليمامة، فضلًا عن كتابة الأعمدة، وكان تنقله بين عدد من الصحف كاتبًا ومندوبًا قد أكسبه احترام رؤساء التحرير، وبجوار عمله التحريري كتب المقالة الأدبية بمختلف أشكالها متنوعة المواضيع، ومتعددة المضامين، حيث بدأ العمل محررًا مع بداية عهد صحافة الأفراد عام 1384/1385هـ في مؤسسة اليمامة، وكان ينشر معها نصوصًا ومقالات في صحيفة المدينة، إلى جانب عمله مراسلًا لنشرة الاقتصاد السعودي لسيف الدين عاشور- يرحمه الله - الذي كان يرأس تحرير مجلة قافلة الزيت، ومع بداية عهد صحافة المؤسسات، كانت أولى زاوية ثابتة له بعنوان (سوانح) بصحيفة الدعوة الأسبوعية، ثم انتقل فترة قصيرة -حوالي شهرين- لصحيفة الجزيرة، وكان يكتب زاوية اسمها (بالمناسبة)، ثم كانت عودته لمؤسسة اليمامة مرة ثانية (1385/1386هـ)، وفي الوقت نفسه يكتب مقالات في الرياض (مؤسسة اليمامة)، ثم عمل مراسلًا من مدينة الرياض لصحيفة البلاد (1387هـ)،وكان يعمل في أكثر من صحيفة في الوقت نفسه إلى نهاية عام 1389هـ ، ثم استمر بعدها في العمل الصحفي خلال فترات الإجازات إلى نهاية عام 1392هـ ؛إذ تناوب مع عدة محررين في كتابة زاوية (أوراق محرر) بصحيفة الرياض، ولم ينقطع في علاقته بالصحافة، مقتصرًا على نشر نصوصه الشعرية"( ).
بلغ عدد مقالات النعمي التي وقفتُ عليها في كتاب (سوانح) اثنتين وخمسين مقالةً، نُشرت على فترات متفاوتة في الفترة من: 1382هـ حتى 1389هـ.
دراسة نتاجه الأدبي:
دُرِس شعره أكاديميًّا مرتين في جامعة أم القرى: الرسالة الأولى بعنوان (علي بن أحمد النعمي - حياته وشعره)، وهي رسالة ماجستير بكلية اللغة العربية عام 1424هـ، للباحث/ أحمد بن عبد الله الصم، وهي دراسة موضوعية وفنية، والرسالة الأخرى بعنوان (توظيف العناصر المسرحية والقصصية في شعر علي النعمي)، وهي رسالة ماجستير للباحث/ صالح الزهراني عام 1434هـ -1435هـ، بالإضافة إلى بعض المقالات التي تناولت نتاجه الأدبي والصحفي، ومنها: مقال أدبي بعنوان: (قراءة وتأملات في أدب النعمي) للدكتور محمد حبيبي،وكذلك مقال أدبي بعنوان: (مطالعات في تجربة النعمي الصحفية في عقد التسعينات الهجرية - الآفاق الموضوعية) للدكتور خالد بن ربيع شافعي.
وفي آخر حياته لازم المستشفى كثيرا في صراع مع بعض الأمراض إلى أن توفي - رحمه الله - في يوم الثلاثاء الرابع من شهر ربيع الآخر عام 1430هـ المُوافق للحادي والثلاثين من شهر مارس عام 2009م في مستشفى الملك فهد بجازان، عن عمر يناهز الرابعة والسبعين .


ب- لمحة تاريخية عن نشأة المقالة
في الأدب السعودي، ولدى أدباء جازان

مفهوم المقالة في اللغة والاصطلاح:
المقالة لغةً:
مأخوذة من القول؛ أي: الكلام الذي يتلفظ به اللسان، والمتتبع لتلك اللفظة في المعاجم اللغوية يرى بوضوح ارتباط دلالتها اللغوية بالقول؛ إذ جاءت في لسان العرب " قال يقول قولا وقيلا وقولة ومقالا ومقالة" ، وجاءت في (القاموس المحيط) بمعنى: "الكلام، أو كل لفظ مُدِلٌّ به اللسان"، ووردت في (المعجم الوسيط) بمعنًى مولَّد يشير إلى "القول والمذهب"، وإلى جانب هذا المعنى وردت بمعنى آخر مُحْدَث هو "بحث قصير في العلم أو الأدب أو السياسة أو الاجتماع، يُنشر في صحيفة أو مجلة"، كذلك يشير لفظ المقالة في الذكر الحكيم إلى القول: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾ ، وورَد مدلول المقالة عند القدماء على نحوٍ ما يشير إلى القول أيضًا، كما في معلقة النابغة الذبياني وهو يعتذر إلى النعمان بن المنذر؛ إذ يقول:
مقالة أن قد قلت: سوف أنالُهُ *** وذلك من تلقاءِ مثلِك رائعُ
ومما سبق نستطيع أن نقول: إنَّ المقال أو المقالة في المعاجم اللغوية: لفظٌ فصيح بمعنى القول، وأنَّ له أصلا في لغة العرب.
المقالة اصطلاحًا:
للمقالة تعريفات كثيرة في بطون الكتب الأدبية وقف عليها أغلب نقاد المقالة، منها أنها: "تأليف أدبي قصير يدور حول موضوع معين أو فكرة رئيسة، ويكون نثرًا كالمعتاد، ويغلب عليه الطابع الفكري أو التفسيري".
وعرَّفها عبد العزيز عتيق بقوله: " قطعة من النثر الفني يتحدث فيها الكاتب بنفسه، ويحكي تجربة مارسها، أو حادثًا وقع له، أو خاطرًا خطر له في موضوع من الموضوعات ".
وعرَّفها نبيل حداد بقوله: "إنشاءٌ نثري قصير يتناول موضوعًا واحدًا غالبًا، كُتبت بطريقة لا تخضع لنظام معين؛ بل تتبع هوى الكاتب وذوقه"، وبالرغم من كثرة تلك التعريفات للمقالة يعد القاسم المشترك بينها واضح، وهو أن المقالة تدور حول موضوع معين وتُكتب نثرًا، وتَجمع بين التناول الذاتي والموضوعي.
ويرى بعض النقاد أن ثَمَّةَ مواصفات ينبغي أن يسير عليها كاتب المقالة؛ حيث رأوا "أن الكاتب ملزَم بالتفكير فيما يريد أن يكتب قبل أن يتناول القلم، ويسير في موضوعه سيرًا منطقيًّا متجنبًا الفضول، ومركزًا فكره في النقط الرئيسة"؛ ومعنى ذلك أن "المقال ليس حشدًا للمعلومات، وليس كل هدفه أن ينقل المعرفة، بل لا بد إلى جانب ذلك أن يكون مشوقًا؛ ولا يكون المقال كذلك حتى يعطينا من شخصية الكاتب بمقدار ما يعطينا من الموضوع ذاته، فشخصية الكاتب لا بد أن تبرز في مقالِهِ لا في أسلوبه فحسب؛ بل في طريقة تناوله للموضوع وعرضه إياه، ثم في العنصر الذاتي الذي يضيفه الكاتب من خبرته الشخصية وممارسته للحياة العامة".
ويرى الباحث أن المقالة بوصفها جنسًا نثريًّا متنوع الألوان على اتصال بالجماهير- لا تقتصر على ذاتية الكاتب، بل يتعداها الكاتب إلى الموضوعية في التعبير عن آراء الآخرين.





نشأة المقالة في الأدب الغربي:
مرت المقالة الأوروبية الحديثة بمراحل عدة أسهمت في وجودها وتطورها؛ لتخرج في جلبابها الحديث في القرن السادس عشر الميلادي، ولم يكن ذلك التكوين محضَ مصادفة في بادئ الأمر؛ إذ "تُجمع مراجع التاريخ الأدبي على أن المقالة الحديثة عرفت سبيلها إلى الحياة في الآداب الأوروبية على يد الكاتب الفرنسي (ميشيل دي مونتين)" الذي ابتدأ كتابة مقالاته حوالي عام 1571م , وفي القرن الثامن عشر" أصبحت المقالة فنًّا أدبيًّا قائمًا بذاته على يد (ريتشارد ستيل) و(جوزيف إديسون)، ولقد حفل القرن التاسع عشر بنخبة من الكتاب الذين تمردوا على قواعد أسلافهم في المقالة وأحلوا مكانها أسسًا جديدة تختلف في مضمونها ومحتواها عن ذي قبل؛ إذ تجاوزت المقالة في موضوعاتها حياة المدن والأزياء وعادات الناس وسلوكهم وأخلاقهم إلى مختلف الموضوعات، وأصبح الكاتب يسجل ما يروقه من صور، ويعنّ له من أفكار، معتمدا على سعة ثقافته، ومدى إدراكه واتصاله بالحياة العامة، فضلا عن انصرافه عن الأساليب القديمة في صياغة المقالة وعزوفه عن الاستشهاد بالتاريخ القديم وجوامع الكلم. واعتمدوا على شواهدهم التي استمدوها من تجاربهم الخاصة، ومن قراءاتهم بأسلوب بسيط خال من التكلف، ومن أشهر هؤلاء الكتاب (شارلس لام)، و(لي هنت)، و(هزلت)، ثم راج هذا الفن لاحقًا في القارة الأوروبية بعد ذيوع وسائل النشر كالصحافة والمجلات" .
نشأة المقالة في الأدب العربي:
اختلف النقاد حول نشأة المقالة في أدبنا العربي إلى قسمين: فمنهم من يرى بأن المقالة لم تكن من الفنون المجهولة إذ إنها قديمة العهود، وتجسدت في الرسائل الإخوانية والأخلاقية - وما تدور عليه من تصوير ومسامرة وتفكُّه وعتاب ونصح- نماذج جيدة لبعض أنواع المقالة.
وأصحاب هذا الرأي عادوا إلى التراث الأدبي القديم، واستشهدوا برسائل الجاحظ، وابن المقفع، وعبد الحميد الكاتب، وغيرها من الرسائل التي يرون أنها توازي المقالة في قالبها الحديث.
وأما القسم الثاني الذي يرى أن المقالة فن حديث فقد ربط أنصاره ظهور فن المقالة بصفحات الجرائد؛ وذلك لأنه نشأ في ظلها وترعرع في أحضانها، بعد أن فرضته ضرورات الحياة ومتطلبات العصر، وهو يخاطب جموع الأمة دون تعمق ، حيث استقبل الأدب العربي الحديث المقالة الأدبية من خلال منافذ الاتصال الثقافية بالغرب في القرن التاسع عشر الميلادي؛ "وبذلك يكون المقال قد دخل حياتنا الأدبية بعد أن أخذ في الآداب الأوروبية وضعه الحديث".
ومع مطلع القرن العشرين تطورت المقالة الأدبية، " فتنوعت الأساليب في كل نوع طبقا لطبيعة المقال من جهة، ولطبيعة الموضوع المتناول من جهة أخرى"؛ إذ تحررت من قيود السجع والبديع على يد نخبة من الكتاب مثل:" لطفي السيد، وطه حسين، ومحمد السباعي، والعقاد وغيرهم".
وتعد المقالة الأدبية ببنائها الفني الحديث مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنشأة الصحافة؛ إذ برزت على صفحاتها، فضلًا عن سرعة انتشارها، ومخاطبتها أغلب شرائح المجتمع.

نشأة المقالة في الأدب السعودي:
1- المقالة قبل عصر النهضة الأدبية في الجزيرة العربية
شهدت الجزيرة العربية نشاطًا نثريًّا في القرنين: الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، سبق ظهور المقالة الأدبية متمثلًا في بعض الفنون النثرية: "كالمقالة الدينية، والرسائل، والتقريضات والإجازات، ومقدمات الكتب"
وغلب على نتاج هذا العصر السجع، وميل أغلب الكتاب إلى التكلف الممقوت؛ ذلك أنهم لم يتحرروا من الديباجة البديعية، وظلوا متمسكين بها فترة من الزمن؛ وذلك لمكانة السجع والبديع في نفوسهم، وما يمثله من أهمية بالغة.
ولم تعرف المقالة بسماتها الحديثة خلال هذه الفترة؛ حيث ظل النثر الأدبي مقصورًا على الأنواع التقليدية حتى دخول الصحافة للحجاز؛ وذلك في العهد التركي عام 1326هـ .
2- المقالة في العهد التركي من عام 1326إلى 1334هـ:
تعد صحيفة الحجاز أول جريدة عثمانية رسمية صدرت في هذه البلاد، بتاريخ: 8/10/1326هـ الموافق: 3/11/1908م؛ لتخلق المواءمة بين نشوء فن المقالة وتوأمته مع الصحافة، وبهذا هيّأت البدايات الأولى للمقالة الأدبية على صفحاتها.
وتنوعت آراء النقاد عن أثر الصحافة في العهد التركي، فمنهم من يرى أن قرّاء هذه الصحف المتنوعة تعرضوا لتأثير فكري جديد ، ومنهم من وصف المقالة بأنها كانت في هذا الطور بدائية فجّة، تنوء بالتكلف والرهق ، ومنهم من عزا أسلوب الصحافة في العهد التركي إلى التقليد الساذَج مع جعله خطوة أولى في تاريخ النثر الأدبي، وخاصة المقالة .
حيث تعد الصحافة وعاء للمقالة بأنواعها، لا سيما أن هذه الفترة شهدت صدور عدد من الصحف، ولكن لم تحظ المقالة الأدبية بنصيب وافر من الاهتمام؛ ومِن ثَمَّ قلَّ أثرها الأدبي، ولكنها ظلت تمثل الانطلاقة بوصفها فنًّا حديثًا رغم محدودية القيمة الأدبية لها.
3- المقالة في العهد الهاشمي من عام 1334هـ إلى عام 1343هـ:
صدر عدد من الصحف "في العهد الهاشمي الممتد من التاسع من شعبان سنة 1334هـ، إلى الرابع من ربيع الأول من عام 1343هـ"، وظهرت جريدة القبلة في عددها الأول عام 15/10/1334هـ ، وأسهمت هذه الصحيفة وما تلاها من صحف في نمو فن المقالة وتطوره مقارنة بالعهد التركي؛ وذلك لأثرها في النهضة الأدبية، أو التهيئة للبعث الأدبي الجديد الذي نما وترعرع بعد صحيفة (أم القرى) ( )، ومن أبرز كتّاب المقالة في هذه المرحلة: "فؤاد الخطيب، والكاتب المكي محمد بن سعيد.
ولم يختلف أسلوب المقالة في العهد الهاشمي كثيرًا عن العهد التركي؛ إذ لم تكن سماتها الفنية واضحة؛ لأن الصراعات السياسية امتدت، واستمرت الأوضاع مضطربة، إلا أن المقالة السياسية بدأ وميضها في الظهور، وإن كان ذلك على حساب المقالة الأدبية التي هُمشت بالرغم من بزوغ ملامحها؛ وفي ضوء ذلك يمكن أن نعد الحقبة الهاشمية هي الخطوة الأولى التي مهدت للنهضة الأدبية الحديثة، وهذا قبل ضم الحجاز للحكم السعودي عام 1343هـ .
4- المقالة في العهد السعودي:
المرحلة الأولى- المقالة في عهد صحافة الأفراد من عام: 1343هـ إلى 1383هـ:
تعد المراحل التي سبقت صحيفة أم القرى بمنزلة الإرهاصات الأولى للمقالة الأدبية السعودية، رغم إجهاضها نتيجة عدم استقرار الأوضاع السياسية؛ ولذا لم يكتب لها النجاح، ولكن النشأة الأدبية لهذا الفن بدأت فعليًّا في "أواخر 1924م الموافق 15/5/1343هـ، حين أنشئت صحيفة أم القرى"؛ إذ عدّ أغلب الباحثين "جريدة أم القرى مولدًا للأدب الحديث في هذه البلاد، وبدءًا لمسيرة أدبية وفكرية"؛ ومِن ثَمَّ تلا ذلك عدد من الصحف في هذه المرحلة وثَبَتْ بفن المقالة الأدبية إلى أوج عطائها، و"كان أصحابها هم أدباء البلاد كتابها وشعراؤها، وكان لهذه الصحف الفضل الكبير على الأدب والأدباء، وفن المقالة بوجه عام".
وقد واكب هذه اليقظة بروز عدد من الكتّاب الشباب لم تنشأ كتاباتهم من فراغ، فكان لها الأثر الكبير في نهضة البلاد، ومنهم: أحمد العربي، وأحمد السباعي، ومحمد سرور الصبان، وحمزة شحاتة، ومحمد حسن عواد، ومحمود عارف، وعزيز ضياء، وحسين سرحان...، وغيرهم.
ولذلك شهدت فترة صحافة الأفراد تحولات جذرية في مسيرة المقالة السعودية؛ فزادت الكفاءة الأدبية، وأصدرت الكتب المقالية؛ بل تعددت دوافع الكتابة، و"لم تقتصر المقالات على الجانب الإصلاحي فحسب؛ بل مسّت مسائل في صميم الأدب".
وعند تتبع هذه المرحلة التأسيسية تتضح السمة الإنشائية التي تعتمد على حشد الألفاظ المؤثرة والجمل الرنانة والحماسة المفرطة ، ومن الممكن أن نقول: "إن عز المقالة وازدهارها كان من نتاج هذا الطور، فهو الذي رفع مكانتها، وهو الذي أوجد الأقلام وغذاها ودربها".
ويُعد الاستقرار السياسي عاملًا مهمًّا أسفر عنه تعدد المَناحي العلمية والثقافية؛ إذ زاد عدد الصحف والمجلات التي أثمرت الإلمام الفني بأصول الكتابة المقالية، وتطور الأسلوب الأدبي؛ ولذا تخلصت المقالة الأدبية من الركاكة والعُجمة ومحسنات البديع، فضلًا عن تميزها بالعمق والشمولية بالرغم من كثرة المعارك الأدبية وتشعب النقد الذي كان كفيلًا بالقضاء على هذه الفترة الثرية .


0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.