tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

{ الطائر الجريح }

أمريم أنت البتول فلا يمسها بشر
أم أنت نجم في السماء غني له القمر
أم أنت أمل في الفضا يحلو له السهر
بل أنت لحن في العلا يشدوا به الطير

كان عمر شاب له سمت وهيئه , وسيم , يكاد يشرق وجهه بالنور , يحبه من رآه لأول وهلة ، قد تخرج من كلية الإعلام بتقدير جيد جدا . وكان أديبا يحب كتابة القصص ، بارعا في اللغة العرببه ، له بريق في عينيه من شدة ذكائه ، حافظا لكتاب الله ، وحفظه لكتاب الله قد أثري فكره وعقله وفتح قلبه علي الدنيا . وكان يعشق الطبيعه , ذو خيال جامح , وشعله من الطموح لا تنطفئ جذوتها .
نشأ وترعرع في إحدى القري ذات جمال طبيعي حيث الماء والخضرة والسماء الصافيه والنسيم العليل الذي يخلو من تلوث المدينه والضوضاء والصخب . والذي ينشأ في مثل هذه الطبيعه الخلابه تعكس الطبيعه علي نفسه الرحمه والهدوء وعشق الجمال وحب الخير والحس المرهف . وهكذا كان عمر وزاد علي أقرانه بتفتح عقله وتفكيره وروحانيته المتصله بالسماء ، أي أنه شاب ذو بصيره متقده في الأمور وعواقبها ، قد أنار الله له قلبه وروحه ، يري مالا يراه الأخرون من أصحاب الأرواح المنطمسه والغرقي في حب الذات والوله والولع بحب الماده وتقديسهم لها .
لكن عمر لم تكن المادة لتشغله وتأخذه من روحه المضيئه المتصله بخالق المادة وخالق الكون العظيم . وقد تعرض عمر للظلم من عمه الذي تزوج بأمه بعد وفاة والده وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره ، واستولي عمه علي كل أملاك أبيه من الأراضي والعقارات وغيرها ، وكان عمه يعامله بطريقه مستفزه ومتسلطه وكم كان يضربه وهو صغير ويعنفه ويقسو عليه ، فلما بلغ مبلغ الشباب كان يطرده من البيت كثيرا .
وكان عمر يصبر عليه حتي ينتهي من دراسته ويعتمد علي نفسه حتي يستطيع تحصيل رزقه ليرحل بعيدا عن عمه ، وهذا ماحدث فعلا فبمجرد تخرجه من الجامعه حمل متاعه وودع أمه وفر من وجه عمه ذلك الظالم وإنطلق إلي القاهره ، وكانت أمه قد أعطته ثلاثون ألفا من الجنيهات كانت قد إدخرتها لهذا اليوم بدون أن يعلم بها عم عمر وإلا كان قد إستولي عليها .
وقالت لعمر : يابني أعلم أن عمك قد ظلمك وكاد أن يحطم حياتك لولا صبرك وإصرارك وتوكلك علي الله ، يابني قد إدخرت لك هذا المبلغ من وراء عمك حتي تبدأ به حياتك وتبني به مستقبلك ، صحيح أن هذا مبلغ ليس بكبير ولكنه أيضا ليس بصغير فخذه ياعمر فستحتاج هذا المبلغ لتؤجر به مكان تسكن فيه فإني قد سمعت أن السكن غالي جدا بالقاهره ، وتعيش بالباقي حتي تحصل علي فرصة عمل وأدعوا الله أن يوفقك ويسدد خطاك ويرزقك وينصرك علي عدوك وييسر لك طريق الخير ويغلق أمامك أبواب الشر ، ولا تنسي ياولدي أن ترسل إلي بأخبارك أولا بأول .
ودمعت عين والدته فمسح عمر دمعة أمه بيده وقبلها وسلم عليها ثم مضي في طريقه إلي القاهرة ، وهو يكره الظلم كرها شديدا مما حدث له من عمه ومن سوء معاملته وإستيلائه علي ميراثه من أبيه ، وودع قريته التي يعيش فيها والحبيبه إلي نفسه ، هذه البلده التي عاش فيها حتي أصبحت شيئا لا يمكن الإستغناء عنه ، وكأنها قطعه من لحمه ودمه وذكره ذلك بقول رسول الله صل الله عليه وسلم وهو خارج من مكة _ والله إنك أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت ..
فكان خروجه منها مضطرا بمثابة السلخ من الجلد ، كان شديدا عصيبا علي نفسه ، وجرت الدمعه علي خده ثم مشي إلي محطة القطار . حتي وصل إلي القاهرة فقال عمر لنفسه عندما وصل إلي القاهرة : إن أول شئ أفعله أن أبحث عن مسجد لأصلي فيه صلاة الظهر والعصر . فصلي عمر ودعا الله أن يوفقه وييسرله أمره ، ثم خرج من المسجد وإشتري طعاما وجلس علي أحد المقاهي ليأكل ، وبعدما فرغ من طعامه وشرابه ، سأل صاحب المقهي عن سمسار عقارات كي يدله علي شقه يسكن فيها . فدله صاحب المقهي علي سمسار فأخذه السمسار ودله علي شقه في حدائق المعادي ، وأعجب عمر بالشقه وتعاقد مع صاحب المنزل . ووضع متاعه ثم نزل ليشتري مايلزمه من أثاث وغيره .
واستقر عمر في حدائق المعادي ولما بلغت الساعه الثانية عشر مساءآ وكان عمر مجهدا جدا من عناء السفر والبحث عن شقه وشراء الأثاث ، فإرتمي علي سريره ليأخذ قسطا من الراحه .
ونام عمر واستيقظ في الثامنه وخرج ليبحث عن عمل في أي جريدة ، ومر علي كل المكاتب وكان يظن أن البحث عن عمل شئ هين ، ولكنه ظل يبحث قرابه شهر كامل ويسأل وهو لايجد مكانا له بين الصحفيين ، حتي كان في أحد الليالي عائدا متأخرا إلي سكنه وكان يحب أن يمشي في شوارع القاهرة ، ومر بشارع مظلم والساعه الثانية ليلا وهو يمشي في هذا الشارع المظلم رأي موقفا غريبا حيث رأي شاب يتعرض لفتاه ويحاول أن يعتدي عليها ، والفتاه مظهرها يدل علي أنها من أسرة محترمه ، وغضب عمر لهذا المنظر وانطلق مسرعا بأخلاق أهل القرية وبأصالة نفسه وتدينه وحبه للخير وكراهته للظلم .

انطلق عمر وتصدي لهذا الشاب المنحرف ، ولكن هذا الشاب المعتدي علي الفتاه أخرج سكينا وطعن عمر ولكن من فضل الله جائت الطعنه في كتفه ، وفر الشاب المجرم هاربا ، ووقع عمر علي الأرض وهو ينزف ، فأوقفت الفتاه سيارة وساعدها السائق علي حمله إلي المستشفي ، حتي وصل إلي المستشفي وإطمأنت الفتاه علي عمر وقال الطبيب لعمر : يمكنك الخروج الآن .
وخرج عمر من المستشفي وصمم عمر أن يوصل الفتاه إلي منزلها رغم جرحه ، وسألته الفتاه عن اسمه ورقم تليفونه المحمول ، وعرف أيضا أن اسمها شيماء وهي صحفيه في جريدة الأهرام واضطرها عملها أن تتأخر خارج المنزل . وأخبرها عمر بأنه خريج إعلام وهو يبحث عن عن عمل ووعدته شيماء بأنها ستحاول أن تجد له فرصة عمل بالجريدة التي تعمل بها .
وقال لها عمر : ماذا كنتي ستفعلين إن لم يرسلني القدر إليك في هذه الليله مع هذا الشاب المجرم ، وأنت عادة ما تتأخرين في عملك .
قالت شيماء : كنت سأتصل بأبي لواء الشرطه واسمه اللواء إبراهيم يحي ولكنك قمت بالواجب وأكثر وضحيت من أجلي وأثبت لي بما لايدع مجالا للشك أنك علي خلق ودين .
عمر : هذا ما يستدعيه الواجب ولم أكن لأتأخر عن نصرة فتاة محترمه مثلك ، يدل شكلها ومظهرها أنها من أسرة طيبه ومحترمه .
شيماء : الآن قد وصلنا إلي المنزل ياعمر . تعال لأعرفك بوالدي فإنه رجل طيب جدا وستحبه ، وهو أيضا سيعجب بك .
عمر : لا ياشيماء الوقت متأخر وهو الآن نائما ولا يصح ذلك .
شيماء : لقد اتصلت به عندما كنت في المستشفي وأخبرته ماحدث وهو الآن ينتظرني وينتظرك معي ، ولن ينام حتي أعود إلي المنزل .

عمر : أبلغيه سلامي وسأعود لأسلم عليه غدا إن شاء الله في التاسعه مساءا .
وانصرف عمر عائدا إلي سكنه في حدائق المعادي وهو يفكر في ماحدث في هذه الليله ، وهل ياتري أرسل له القدر شيماء لتكون له الأمل في فرصة عمل وخاصة أنها صحفيه . وأرسلها أيضا لتكون الحبيبه وهي من هي في جمالها وعلمها وأسرتها وذكائها .
ثم رد عمر علي نفسه قال : مالك ياعمر يبدوا أنك وقعت في هذا الذي يسمونه الحب ، ما أظنك إلا قد سحرتك شيماء بعينيها الخضراوان وضحكتها ذات النغمه الشجيه ، مالك ياعمر ومال هؤلاء الناس أنت لست من مستواهم ولا من قدرهم .
ثم دخل عمر شقته وهو مجهد جدا فقد كانت ليله ويالها من ليله كان القدر يحرك خيوط أحداثها ، ترى فى أي إتجاه سيقذف بي القدر بعد ماحدث .

وأسرع عمر إلي النوم والراحه وكأنه يستعجل الوقت حتي تصل الساعه إلي التاسعه غدا إن شاء الله . واستيقظ عمر من نومه وظل طوال النهار ينتظر في لهفة وشوق التاسعه حتي يذهب إلي منزل شيماء ، ومر عليه هذا اليوم كأنه سنه كامله ، وهذا مايحدث دائما لأي إنسان ينتظر ويتلهف وتشتاق نفسه لشئ يحبه ، وبلغت الساعه التاسعه مساءا وإرتدي عمر أفضل مايملك وتطيب بأفضل الطيب ثم طار الطائر وهو يرفرف بجناحيه ويغرد بصوته . وأسرع بسرعه البرق الخاطف وكأن الأرض تطوي أمامه طيا حتي وصل إلي منزل الحبيبه وهي لنفسه الطبيبه ومن قلبه قريبه ولكنها مازالت بعيدة المنال يعد مابين النجوم في الشماء والحصا علي الأرض .
ورن جرس الباب وفتحت شيماء ولم تفتح الباب فقط ولكنها فتحت قلبها أيضا بإبتسامه رائعه ما أجملها وما أحسن إستقبالها ورقة لسانها وعذوبته ، فلو أن الدنيا كلها أعدت إستقبالا واحتفالا بعمر مافعلت به وماطرب بها طربه بإبتسامه شيماء ، كأن الدنيا كلها إبتسمت له ، وكأن الروح عادت جسده ، وسرى الدم في عروقه فسلم عليها وأذنت له بالدخول ، وسلم علي أبيها اللواء /إبراهيم يحيي .
قال اللواء لعمر : يابني أشكرك شكرا جزيلا علي تجاوز هذه المحنه والتصدي لهذا الشاب المنحرف ، وتعرضك للأذي من أجل إبنتي من دون معرفة سابقه .
قال عمر : ياسيدي أنا لم أفعل شيئا وإن كنت فعلت شيئا فهذا ما يمليه علي الواجب ، ومن يتخلي عن شيماء تلك الفتاه التي يدل مظهرها علي أنها من أسرة كريمه طيبه . وأنا يا عمي علي إستعداد أن أضحي بأكثر من ذلك إن إستدعت الضروره ذلك .
اللواء : إنك شاب طيب القلب ياعمر ويبدوا من مظهرك أنك ذو أصل وعلي درجة من التعلم والأخلاق الحميده .
شيماء : يا أبي إن عمر خريج إعلام بتقدير جيد جدا ويبحث عن فرصة عمل في الصحافه ، ولقد حاولت اليوم مع رئيس التحرير وظللت ألح عليه وأذكر له صفات عمر العظيمه ، حتي أني ذكرت له موقف عمر معي ليلة البارحه ، فلما سمع بما جري حتي وافق أن يقابل عمر حتي يتعرف عليه ويمنحه فرصة عمل بالجريدة . وقال لي أن أخبرك يا عمر أن تحضر أوراق التخرج وتذهب لمقابلته في العاشرة صباحا غدا إن شاء الله ، وأتمني لك يا عمر كل التوفيق والخير . وأنا سأكون إن شاء الله معك في مقابلة رئيس التحرير واطمئن .
عمر : شكرا لك يا شيماء كم أنا فرح بهذا الخبر السعيد فمنذ فترة طويلة وأنا أسعي جاهدا حتي أجد الفرصه السانحه للعمل ، وخاصة في مجال دراستي وتخصصي ، ولقد إستجاب الله دعائي وعوضني عن أسرتي والظلم الذي تعرضت له من عمي ( زوج أمي ) عوضني بكم يا شيماء أنت واللواء إبراهيم أبيك ، أشعر الآن وكأنه والدي وأستاذي ، وأسال الله أن يعينني علي رد هذا الجميل الذي قمتم به من أجلي .

اللواء إبراهيم : يا ولدي أنت تستحق كل خير ، ولقد توسمت فيك النبل والصدق من أول وهلة رأيتك فيها ، ولكن يا ولدي أخبرني ما موضوع عمك هذا الذي هو زوج أمك ، وكيف سقاك كأس الظلم في صغرك وأيام شبابك ؟
وحكي له عمر قصة عمه معه وكيف إستولي علي ميراثه من أبيه من الأرض والعقارات وتزوج بأمه وليته إكتفي بذلك ، بل كان يقسوا علي ويعرضني للإهانه والضرب وقد يصل الأمر إلي الطرد خارج المنزل ، وقصي عليه عمر كيف أنه صبر حتي تخرج من الجامعه ، وبمجرد أن تخرج غادر المنزل الذي فيه عمه ليتمكن من بناء مستقبله .
شيماء : لقد تعرضت للظلم والقسوة في حياتك وصبرت كثيرا ياعمر ، ولا تحزن علي الماضي وإبدء من الآن فآني أشعر بأنك ستحقق كل أحلامك وسيبدلك الله سعادة وفرحا جزاء صبرك علي عمك وظلمه .
عمر : في أي صفحة تكتبين يا أستاذه شيماء في جريدة الأهرام .
شيماء : في صفحة الحوادث .
عمر : إنه مجال خصب للكتابه ، وما يحدث في المجتمع الآن خير شاهد ، ومن المؤكد أنك تبدعين في إيصال الخبر والنصيحه للناس يا أستاذه شيماء .
شيماء : وستكون أنت كذلك إن شاء الله ، بل أفضل من ذلك .
اللواء إبراهيم : ولو إحتجت لأي شئ إتصل بي ياعمر وسأساعدك بقدر ما أستطيع .
عمر : شكرا لك يا سيادة اللواء وجزاك الله خيرا أنت والأستاذه شيماء ، وآن الأوان لأن أنصرف حتي أستعد للقاء رئيس التحرير غدا إن شاء الله .
اللواء إبراهيم : ولم العجلة يا ولدي .

عمر : إطمئن ياعمي سيكون بيننا لقاءات كثيره إن شاء الله .
اللواء إبراهيم : بالتأكيد ياعمر .
وسلم عمر علي شيماء وعلي سيادة اللواء ثم مضي إلي منزله وهو يكاد يطير فرحا ، أولا للقائه باللواء وابنته الجميله شيماء والتعرف علي هذه الأسرة الطيبة ، وثانيا للقائه غدا آن شاء الله برئيس التحرير ، فهو يمشي علي الأرض ولكنه يشعر من شدة فرحته أنه يطير في الهواء وكأنه لمس القمر بيديه ، بل وكأنه عانقه .
وشعر عمر بأن الدنيا قد ابتسمت له أخيرا وأن القدر يعده ليحتل مكانه في المجتمع ليكون في خدمة وطنه ونفسه وليصدع بكلمة الحق دون خوف ولا رهبة من أحد . وعزم في نفسه أن يتصدي للظلم وينصر الخير وأهله وأن يعمل ذلك لا يبتغي الأجر من أحد إلا من الله ، وهذا اليوم الذي ينتظره منذ فترة طويلة ، وقد أقبل اليوم الموعود لا يفصله عنه سوي ساعات الليل .
وتذكر عمر بيتا من الشعر فأخذ يردده في نفسه :
كان حلما فخاطرا فإحتمالا
ثم أضحي حقيقة لا خيالا
وتذكر عمر شيماء فقال في نفسه من أي سماء ومن أي جنة من جنان الله أتت إلي هذه الشيماء الطيبة الأديبه الرقيقه ، وكأنها نسمة من نسمات السحر أو نفحة من نفحات العبير أو كأنها مصباح أهداني إياه القدر كي يضئ لي طريقي ويمنحني النور في ظلمات حياتي .
آه لو تمكنت من الزواج منها ووافقت ووافق اللواء ساعتها تكتمل الفرحة ، ويغرد الطير من حولي ، وأدخل جنة الدنيا قبل جنة الأخره ، وأنا علي إستعداد يومئذ أن أصنع المعجزات ، فما أدري والله أي سحر يسحر قلب هذا المخلوق . هذا الإنسان هذا الأدمي أي سحر يفعل به هذا الحب وماذا يصنع حين يجد المرأه المناسبه الجميله الذكية في الوقت المناسب .
إنه يبعث في الإنسان الأمل ويدب فيه السعادة وتسري في عروقه طاقه جباره للإنجاز وتحقيق الأحلام ، وبدون هذا الحب ولأ أتخيل الإنسان بدونه تكون حياته جافة قاسية ولا أبالغ أن أقول ما أشبه حياة من لا يحب من أجل الزواج ما أشبه حياته بحياة الجماد صلبة لا حياة فيها ، هامدة لا نبض بها ولا أحلام ولا طموح .
إن هذا الحب سر من أسرار الله أودعه الله في قلوب الخلق ليبعث فيها الحياه والأمل والفرحه حتي تستطيع أن تواصل مشوار الحياه وتتغلب علي العقبات وتصنع المعجزات وتسطر التاريخ .
ثم سكت عمر قليلا وقال لنفسه : لا تمني النفس ياعمر وتحلق بخيالك في الأفق فتعلو ثم تعلو ثم يصدمك الواقع بغير ذلك لقدر الله فتسقط من علوك الشاهق وخيالك الجامح ، فيكون ألم السقوط شديد .
من أنت ياعمر ومن هم ، أخي أن قدموا لك مساعدة ومعونة مرة من المرات تتطاول برأسك لتكون بمحاذاة رؤوس هؤلاء الناس الكرماء ، ثم ورد خاطرا أخر في نفسه ولم لا وليس مع الحب سلطان ولا منزله وتتساوي الرؤوس كلها معه .

والسلطان يكون للحب وحده علي القلوب ، والفكر يذهب بعمر يمينا ويسارا وذهابا وإيابا حتي وصل إلي مسكنه فدخل وكان مجهدا ليس من العمل ، ولكن من كثرة التفكير ، فأخلد إلي النوم واستيقظ مبكرا وصلي الفجر ودعا في صلاته أن يوفقه الله في مقابلته مع رئيس التحرير للحصول علي فرصة عمل في الجريدة . واستجاب رب العالمين دعاء عمر ، فما أن بلغت العاشرة وقابل رئيس التحرير وكانت شيماء معه حيث ذهب ، فما هي إلا دقائق وقد أعجب رئيس التحرير بشخصية عمر وتفكيره وأخلاقه وأصدر أمرا بتعيينه صحفيا في قسم الحوادث مع شيماء ، وإجتمع شمل الأحبه في مكان واحد ومكتب واحد وهدف واحد .
وأثبت عمر كفاءه نادرة وبراعة فائقه وعينا ساهره تبحث عن الحدث وتسابق إلي مكانه الزمن وتدون المحن وتكشف الأسرار والملابسات وتبين الحقيقه وترفع الشبهه ، وكانت شيماء تدفعه من الخلف ليتقدم إلي الأمام وتكشف له أسرار المهنه وتنصحه بعلو الهمه وصدق الكلمه حتي يتبوأ مكانه مميزه بين أقرانه وزملائه من الصحفيين ، وكان عمر بحق مثلا رائعا للصحفي المخلص في عمله والمتفاني فيه والمؤدي حق الله ثم من بعد ذلك حق الوطن .
وأرسل عمر خطابا بالبريد إلي أمه يخبرها بخبر حصوله علي وظيفة صحفي وتوفيق الله له في العمل ، ففرحت أمه فرحا شديدا ، ولكن حدثت المفاجأه التي لم يتوقعها عمر ولم تكن في الحسبان ، تري هذه المفاجأه سعيدة أم حزينه ؟ هذا ما سنعرفه في الفصل القادم ....

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.