مرقوم، ملعون، درب المجون.
ثلاث كلمات تُركت منحوتة على جدار قبر مفتوح لا يستطيع أحد إغلاقه، حتى اشتهر في القرية الصغيرة التي تقع في إحدى قرى الصعيد البعيد بذلك.
وكلما تحمس أحدهم وأغلقه وُجد في اليوم التالي مفتوحًا كما كان.
لأجيال وأجيال لم يسلم ذلك القبر من الأحاديث والأقاويل والقصص الواهية التي نُسجت بخصوصه.
البعض قال إنه يخص يهوديًا عاش قديمًا واشتغل بالسحر وتسخير الجان، والبعض يقول إنه قبر امرأة باغية باعت نفسها للشيطان فأبى القبر أن يواريها ويسترها، وآخرون ينسجون قصصًا هم أبطالها وأجدادهم، يصدق من يصدق ويكذبها من شاء.
الأرض التي فيها القبر تخص عجوزًا غريب الأطوار يعيش وحده في بيتٍ قديمٍ أغلبه من الخشب والطوب الأحمر مكون من طابقين يتواجد بعيدًا على أطراف القرية.
لا يعرف العجوز أي شيء في دنياه سوى وصية.
وصية توارثها عن أبيه وأجداده، لا تعبث بالأرض، لا تبنِ فوقها، مرقوم ملعون درب المجون.
عاش وحيدًا يزرع حول بيته ما يكفيه وينزل القرية للضرورة القصوى، منبوذ من الجميع برغبته في الانعزال والابتعاد، الأخير في أسرته ولم يتزوج وينجب ولم يتبق أحد في أقاربه وكأنَّ الزمن يتلذذ في فنائهم وموتهم بطرقٍ غريبةٍ وحوادث أغرب، حتى من مات فيهم بدون حادثة أو بشكلٍ مريبٍ مات صغيرًا في السن وقبل أن يتزوج وينجب.
عاش العجوز سني حياته منفذًا للوصية الغريبة دون تفكير أو محاولة معرفة السبب إلى أن جاء اليوم الذي بدأ فيه كل شئ.
- مات العجوز، ودُفنت وصيته معه، ومات السر الذي لم يعرفه هو ولا غيره، فقط تتوارثه الأجيال من عائلته العريقة التي حاربها الزمن وانتصر أخيرًا بموت آخرهم.
مرَّت الأيام إلى أن قرر أحد الأشخاص ويُدعى دياب الاستيلاء على أرض العجوز بوضع اليد، مدعيًا أنه من أحد أقاربه وأنه الوريث الوحيد له بعد مماته، ولأنه لم يكن هناك أي من أقاربه أحياء ليكذب قوله، فقد استولى على البيت القديم وقطعة الأرض التي بها القبر، وبعد أن كان أصغر وأفقر فرد في عائلته وبين أشقائه السبعة أصبح له بيت واسع بحديقة كاملة بخلاف الأرض التي بها القبر المفتوح.
وأول قرار له بعد الاستيلاء، هو حفر أرض القبر بأكملها تمهيدًا للبناء عليها، لم يعنه أبدًا ما قيل بخصوص القبر والأرض، لم تمنعه ألف أسطورة عما يشغل باله.
أحضر دياب الجرارات وقام بحفر الأرض وسط ذهول تام من أبناء القرية الذين تابعوا القبر وما يحدث فيه.
- بالتأكيد سنستيقظ صباحًا لنجد قبرًا جديدًا.
- كل شيء إلا القبر يا دياب، احذر.
ضحك دياب وسخر منهم.
- لا يوجد شيء مفتوح سوى رأسك الفارغ يا خلف.
في الصباح توهجت الكلمات المحفورة على حائط القبر بلون الدم، لم يرجع القبر لحالته ولم تعد الجدران كما كانت.
ولكن صرخ دياب فجرًا حين حُفر على رأسه بين عينيه رقم واحد.
قام ومسح الدماء عن وجهه.
احمرت عيناه بلون قرمزي ووقف أمام المرآة، لم يدر ما يُفعل به ولا حجم ما أصابه.
مرقوم، ملعون، درب المجون.
علم دياب أنَّ لعنة القبر أصابته، ولكنه لم يتخيل أبدًا ما هي تلك اللعنة وما الذي سيحدث في الأيام القادمة، مدَّ يده ليتلمس وجهه ما بين عينيه وفكر مليًا كيف سيداري الرقم المكتوب، في النهاية هداه تفكيره لأن يقوم بتلوين الرقم وكأنه وشم قام هو برسمه كما يشاء.
خرج ليرى حال القبر وهل عاد كما كان مثل ما قال له أخوه خلف أم لا؟ فوجد أنَّ كل شيء فعله لازال موجودًا والقبر المفتوح أصبح أسطورة ومن الماضي، فرح دياب بكسبه الرهان أمام خلف، وابتسم حين وقف أمام أهل القرية ليقول لهم إنَّ لعنة القبر المفتوح زالت بموت العجوز وأنه هو من أزال الشر وأنه حتمًا كان العجوز ساحرًا ويحتاج للقبر مفتوحًا دائمًا ليمارس أعمال السحر الخاصة به. ظنَّ دياب أن الجزاء كان فقط كتابة رقم واحد على جبهته وأنَّ كل شيء دُفن مع القبر وانتهى.
في المساء كانت زيارة مفاجئة بين أخ وأخيه.
- كيف حالك يا خلف، تفضل البيت بيتك.
- نعم هو كذلك.
- ماذا تقصد؟
- ألم تقل أنَّ العجوز قريب لك؟ ما دام قريبك فهو قريبي أنا أيضًا.
- ولماذا تورث أنت وباقي إخوتك لا؟ جميعكم حذرتوني من اللعنة الخاصة بالقبر والعجوز، ماذا تغير؟ أم انتظرت كي يطمئن قلبك أولًا أن لا ضرر؟
- لا يريد إخوتك أي شيء من هذا الميراث، لا يوجد سواي يا دياب، نتشارك حتى أكون لك صديق لا عدو.
- حسنًا نتشارك، ولكن لابد أن تعرف شيئًا ما أولًا.
- خير؟
- الرقم الذي في وجهي ليس وشمًا، لست أنا من رسمته.
- ما هو إذن؟
- الرقم في وجهي ظهر الفجر، كأنَّ أحدًا ما أمسك مسمارًا غليظًا وكتب به، تريد المشاركة لا بأس، ولكن نكتب عقودًا بيننا بذلك.
- بالتأكيد أحد ما فعلها بك، زال القبر بكلماته وزالت كل آثاره يا دياب، ألم تكن أنت البطل؟
نظر إليه دياب وكأنه على علم بأنَّ شيئًا لم يزل وأنَّ القادم سيكون صعبًا.
في أقل من ساعة أحضر خلف ملابسه وزوجته راضية ليعيشا مع دياب في البيت القديم، وعلى الرغم من رفض دياب لذلك إلا أنه كان مجبرًا على الموافقة، واختار خلف غرفة كبيرة له ولزوجته ليقيم فيها.
في الصباح استيقظ دياب على صوت صراخ قادم من حجرة خلف، وقبل أن يتوجه ليعرف سبب الصراخ توقف أمام النافذة وسمع كلمات لم يفهم معظمها.
........ قبر مفتوح، حصد الروح، قبر بقبر..........
مرقوم، ملعون، درب المجون.
ارتعبت أوصاله وتوجه لحجرة خلف وطرق الباب ليفتح له خلف، وقد حُفر على وجهه ما بين عينيه رقم ٢.
نظر دياب لأخيه والدم يسيل على وجهه ثم نظر لزوجته المذعورة التي لم تدع شيئًا إلا وصرخت واستغاثت به.
- وكأنه شخص آخر، حان الوقت يا خلف، تراجع يا أخي.
تحول دياب فجأة لقبرِ مفتوح، أمسك صدره بيديه الاثنتين ليشقه وتظهر حفرة سوداء بداخله عميقة ليس لها قرار وكبيرة تكفي لابتلاع راضية التي ظلت تصرخ حتى دخلت بأكملها في قبر دياب ثم أغلق دياب نفسه وانتهت الصرخات.
صرخ خلف:
- راضية، راضية، ماذا فعلت يا دياب؟
- انظر وراءك يا خلف.
نظر خلف وراءه ليجد عينيه تتلونان بلون الدم ومكتوب على المرآة، مرقوم، ملعون، درب المجون
- هذه المرة لست وحدي، أصابتك اللعنة معي يا خلف.
- وما هي اللعنة يا أخي؟
- لا أعلم، كل ما أعرفه أنني أشعر براضية داخلي، وكأنني أكلت روحها يا خلف.
- ماذا سنفعل عندما يسأل عنها أهلها؟
- سنستبق السؤال نحن، اذهب إليهم وتحدث كأنَّ شجارًا ما حدث بينكم وتركت لك المنزل وانصرفت.
- سنكذب عليهم؟
- هل لديك حل آخر؟
طأطأ خلف رأسه.
توجه دياب لبيت راضية مع خلف الذي حذا حذو أخيه وقام بتلوين رقم ٢ على جبينه وكأنه وشم قام برسمه.
- أنا آسف يا أبي، فقد أغضبت راضية، ولكن أرجوك اسمح لها بالرجوع معي للمنزل، أنا هنا كي أرضيها ونعود لبيتنا.
ارتبك الأب الذي ظنَّ أنَّ ابنته تركت بيت زوجها لمكان آخر سوى بيت والدها، لم يشأ أن يعترف له أنها ليست بالبيت، ادّعى أنها مازالت غاضبة منه وأنَّ عليه تركها فترة بمنزله ليصفى الحال بينهم لعله يكسب بعضًا من الوقت ويبحث عنها.
- اتركها لي يومين كي ترتاح يا خلف وسأوصلها بنفسي لبيتها.
- حسنًا، لا أستطيع رفض طلب لك يا أبي، أنتظرك وأنتظر عودتها.
زفر الرجل زفرة عميقة وبدأ في الاتصال بكل معارفه ومعارف ابنته لعلَّه يجدها قبل أن ينتشر عنها خبر هروبها من بيتها وتُنسج حولها الأقاويل.
- سأذهب للأرض للعمل فيها يا خلف، هل تود المجيء؟
- كلا، سأذهب للمنزل لأبحث عن دليل يفسر لنا ما نمر به.
ذهب خلف ولم يترك قطعة من المنزل إلا وقام بتفتيشها على أمل أن يجد ما يريح قلبه ويثلج صدره، دون جدوى.
وأثناء جلوسه في الغرفة الصغيرة التي كان ينام فيها العجوز لاحظ وجود جدار من جدران الغرفة عليه ورق حائط مختلف وجديد دون غيره وقف أمام الحائط وأحضر حديدة كبيرة وقام بنزع الورق وتكسير طبقة من الجدار.
لم يجد أي شيء، جلس على طرف سرير العجوز وكان التعب أحلّ به لينظر أمامه ويجد شظايا من العظام تتساقط من الجدار، شظايا صغيرة بحجم إصبع اليد وكأنها مهضومة، كانت ممزوجة بسائل أشبه باللعاب.
أمسك بالحديدة وكلما قام بتكسير قطعة من الجدار وجد السائل اللزج الممزوج بشظايا العظام وقطع من اللحم أيضًا حتى وجد أجزاء من ثوب راضية زوجته وسط كومة العظام واللحم.
فزع خلف مما رأى وبدأ في نوبة صراخ لم تتوقف إلا حين دخل عليه دياب وأمسك به.
- ما بك يا خلف؟ لماذا تصرخ؟
أشار خلف على الجدار دون أن ينطق وللحظة اختفى كل شيء وعاد الجدار كما كان وكأنه شيئًا لم يكن.
- راضية، راضية هنا وراء الجدران يا دياب.
- ألن ننتهي من راضية وسيرتها؟ لا يوجد شيء في الجدران، هيا معي لدينا الكثير من العمل بالأرض.
نهض خلف ليذهب مع دياب، ما إن أدار دياب ظهره للحائط حتى عاد الجدار تراب على الأرض دون شظايا العظام، التفت دياب وفتح فمه ليخرج قطعة من العظام كانت قد علقت في أسنانه، ثم رماها وابتسم وأكمل طريقه.
- لست أدري كم مرة سأبتلعك يا راضية؟
في المساء جلس الأخوان يتناولان الطعام، رنَّ هاتف دياب ليتلقى بعض اتصالات من العمال ويشرف على العمل والبناء.
ثم رنَّ هاتفه دون رقم.
- الو.....
- القبر يطلب المزيد، نفذ.
احمرّت عين دياب وخلف في وقتٍ واحدٍ.
أغلق دياب الهاتف ونظر لأخيه.
- هيا يا خلف.
انطلق دياب وخلف في جوف الليل بأعينهما القرمزية بين القبور، حيث هدوء الموتى الذين لا ينطقون، يبتلعون ما يجدانه أمامهما من كلاب وقطط وحتى الجرذان، إلى أن وقف الاثنان أمام رجل عجوز أعمى يسكن المقابر كان جالسًا أمام عِشة صغيرة يحتمي ويعيش فيها، نظر دياب لخلف، الذي تسابق معه لابتلاع العجوز وكل منهما فتح صدره القبري ليجذب الرجل تجاهه، حتى أنَّ من قوة جذب كلا منهما له، انقسم العجوز نصفين وكل أخ نال ما نال منه، ثم انتهى وعادت عيونهما لطبيعتها وأُغلقت صدورهما.
ما إن التفت خلف وراءه حتى شعر بحركة خفيفة، نظر لدياب.
- لسنا وحدنا.
- من هناك؟ اظهر نفسك وإلا.....
فجأة ظهر فتى صغير كان يعيش مع العجوز ولا أهل له سوى الرجل الذي تبناه طفلا وعاشا سويًا.
- لن أقول أي شيء يا دياب، لن أتحدث مع أحد، لن أقول إنَّ لعنة القبر مازالت موجودة.
- أنت قبر يا دياب، وانا لست خائفًا منك، طوال عمري أعيش مع الأموات.
- كم عمرك على كلماتك هذه؟
- عندي ١٦ عامًا.
- تعال معي، ما اسمك؟
- أسمي أحمد.
عاد دياب برفقة أخيه وأحمد معهما للبيت، لسببِ ما شعر دياب أنَّ أحمد لديه الكثير ليقوله، ربما علم عن اللعنة وربما كان لديه إجابة.
- الآن أبلغني، ماذا تعرف عما نحن فيه؟
- لا شيء، لكن أبي الذي ابتلعتوه كان يبلغني أنَّ للقبر حارسًا وبموته ستظهر شرور القبر الحقيقية.
- من تقصد؟ العجوز صاحب البيت والأرض؟
- آخر نسله من الحراس، لم تكن لتبني على الأرض، من يبني على الأرض تصيبه اللعنة.
- ولماذا لم تصب اللعنة العمال العاملين بالأرض؟
- القبر يختار ملاكه، وأنت مالك يا دياب لست عاملا.
- صدقت، القبر يختار ملاكه، وأنا اخترتك يا أحمد.
- ماذا تقصد؟
مدَّ دياب يده على جبين أحمد يلمسها وكأنه يكتب الرقم ٣.
- أنا لست دياب يا أحمد... أنا أبا الحاج دياب، هل تفهم؟
فجأة تحولت عين أحمد للون القرمزي وبدمعة على خده نزلت.
- حسنًا يا أبي الحاج دياب.
في الصباح استيقظ دياب على صوت طرق شديد على الباب، فتح ليجد والد راضية واقفًا.
- اتفضل يا حاج بيومي، ماذا تشرب؟
- لست هنا كي أشرب يا دياب.
- لماذا حضرت إذن؟
- أين ابنتي؟ أين راضية؟
- نعم؟ ألم تقل إنها لديك؟ نحن من نسألك هذا السؤال؟
- أنت تعلم جيدًا أنت وأخوك أنها لم تكن عندي، أنا سألت كل معارفها ومعارفنا، بحثت في كل مكان، لا يوجد ثقب إلا وبحثت فيه، وفي النهاية سألت وعلمت أنها كانت هنا ليلة اختفائها، أين ذهبت راضية يا دياب وإلا سأذهب للشرطة وأخبرهم أنك قتلتها.
- قتلتها؟ الآن أنت تخرّف ولا تدري مع من تتكلم.
حضر خلف الذي وقف جانب دياب وبدأ بالحديث:
- اهدأ يا أبي، هيا للداخل نفكر سويًا أين يمكن أن تكون.
- أنا أعلم ابنتي جيدًا، لا يمكن أن تكون هربت مع أي شخصِ كان.
- لم يقل أحد هذا أبدًا، أين الشاي يا أحمد؟
دخل الحج بيومي وخلف ودياب الذي كان ينظر حوله ليتأكد أنَّ الحاج بيومي أتى وحده وأنَّ أحدًا لم يتبعه
في لحظات كان الحاج بيومي لا أثر له على الإطلاق.
في غرفةٍ من غرف البيت القديم، تلك الغرفة التي كان ينام فيها العجوز وعلى جدار معين فيها، سقطت بضع الأحجار لينزل منها شظايا عظام ممزوجة بملابس ممزقة وفردة حذاء استطاعت أن تحافظ على هيئتها كانت تخص الحاج بيومي.
ذهب دياب وخلف لمباشرة البناء ومكث أحمد في البيت يتحسس رقم ٣ على وجهه ويقسم أن يكون نهاية هذا الأمر على يديه، حتى لو كان الآن منهم.
دخل غرفة العجوز لينظف ما وقع من الجدار مثل ما أمره دياب بذلك، وجد أنَّ كل شيء يأتي من فتحة معينة داخل الجدار، كلما حاول إغلاقها فُتحت مجددًا.
- ماذا سيحدث لو هدمت الجدار بأكمله؟
بدأ في تكسير جزء كبير من الجدار، لم يكن هناك أي شيء غير عادي في البداية، إلى أن وجد بيضة صغيرة وسط الجدار.
قام أحمد بكسرها فوجد داخلها بذور صغيرة سوداء، وضعها في كيس صغير ثم في جيبه وأكمل مهمته وتخلص من كل شيء كان موجودًا بالغرفة، حتى أنه تخلص من الأثاث الذي كان ينام عليه العجوز ونظف الغرفة بأكملها.
في المساء عندما رجع دياب ورأى ما فعله أحمد، أثنى عليه كثيرًا وفرح من زوال ذلك الهم الذي كان يظهر بالحائط.
جلس أحمد أمام البيت وفتح الكيس وجد فيه بعض البذور أكبر من غيرها، ثلاث بذور أكبر من غيرها، نظر للبذور وكأن هناك كلمة مكتوبة بخطِ صغير جدًا على كل بذرة، أعاد كل شيء مكانه، في الصباح يبحث في الأمر.
رنَّ هاتف دياب مجددًا وخاطب خلف ليذهبا لصيدٍ جديدٍ.
- هل سيأتي أحمد معنا يا دياب؟
- كلا يا خلف، أحمد مرقوم فقط، لا يملك قوة القبر مثلنا، هو يخدمنا هنا فقط.
في الصباح وبعد ذهاب الأخوان، فتح أحمد الكيس مجددًا ليجد البذور الثلاث أصبحت خمس بذور، وبعض البذور الأصغر حجمًا بغير نقش عليها.
أحضر عدسة مكبرة ليرى المكتوب، وجدها أسماء، كل بذرة عليها اسم، بيومي، راضية، حسيب، محمود، جمال.
- حسيب؟ هذا أبي الحاج حسيب وبيومي هو من قتلوه أمس، كانوا ٣ بذور أصبحوا ٥؟ خمس بذور بخمسة أموات.
- هكذا إذًا، كلما دخل أحد القبر زُرعت له بذرة هنا؟؟ والبذور الصغيرة بالتأكيد هي للكلاب والقطط التي تبتلعها، لابد من محاولة زراعة هذه البذور.
ذهب أحمد لأرض بعيدة على أطراف القرية وأمسك بذرة العجوز حسيب، حفر حفرة عميقة ثم وضع البذرة فيها وغطاها بقليل من التراب وانتظر قليلا.
فجأة اهتزت الأرض حوله، توسعت الحفرة أكثر وأكثر وأعمق فأعمق حتى تحولت لقبرِ مفتوح، وصعد من الأرض أمامه شاهد مكتوب عليه حسيب... وتحتها، لا تعبث بالأرض لا تبني عليها. مرقوم ملعون درب المجون.
الآن فهم أحمد كل شيء، الآن فهم كيف نشأ القبر المفتوح، أحدهم زرع بذرة، بذرة شر وعلم وقتها الناس أنّ الأرض أصبحت ملعونة ولا ينبغي البناء عليها أو العبث بها وقام بحراستها أجداد الرجل وعائلته ليمنع الشر المزروع من التجسد.
- دياب قام بالبناء على القبر أصبح هو القبر نفسه، لابد أن أكون أقوى منه، لابد من هزيمته، لابد أن يعود قبر مرقوم.
- لكن كيف؟ كل تلك البذور ماذا أفعل بها؟ لو زرعتها كلها ستصبح قبورًا مفتوحة، قبور كثيرة بشواهد، قبر يهزم قبرًا، قبر يغلب قبرًا، قبر يبلع.....؟ لابد أن لا يعلم دياب أي شيء عن هذا الكيس، ولابد أن أعرف من يتصل عليه يعطيه الأوامر كل يوم؟
رجع أحمد وقد تغيرت نظراته تمامًا، أصبح أكثر تعاونًا مع دياب وخلف، كعادته خرج دياب في المساء هو وخلف، وأخرج أحمد الكيس ليراقب البذور تزيد، يقينًا هو الأقوى بامتلاكه كل البذور ويومًا ما سيجد الحل والطريقة لهزيمة دياب والانتقام.
في الصباح استيقظ الجميع على أصواتِ عالية لجماعة من الناس واقفين أمام البيت.
فتح دياب البيت ليجد أخاه فؤاد واقفًا..
- كيف حالك يا فؤاد وكيف حال والدتنا؟
- والدتك لم تعد تريدك يا دياب، ولكن إذا عرفت أنك السبب وراء هذا الأمر.
- السبب في ماذا؟
- في القبر الجديد المفتوح، وجده الناس في أرض محروس.
- قبر جديد؟ انتظر سأحضر معكم.
هرع دياب وخلف وفؤاد مع جمع من القرية للقبر المفتوح، قبر حسيب.
- الآن نفس الكلمات مكتوبة على القبر المفتوح، ما العمل؟ كل البلاد المجاورة أصبحت تخاف منّا وكل من له طفل اختفى أو بنت أصبح يتحدّث وكأننا السبب وراء هذا.
نطق دياب ردًا على المتحدث..
- لا تخافوا يا أهل البلد، طبعًا جميعكم يعلم أنني أنا من خلصكم من لعنة القبر السابق، ونحن جميعًا نعلم بعضنا البعض، ونعلم من تزوج ممن ومن أنجب من، وليس معقول أن كل من تهرب له بنت يقول قبر ولعنة، القبر تم ردمه وبنيت عليه ولو ظهر غيره سأخلصكم منه، لابد أن يكون لهذه البلد كبير، ومن الآن أنا كبيركم.
نظر فؤاد لدياب وربت على كتفه، طريقك مليء بالأشواك يا أخي فلتحترس.
ثم انصرف فؤاد وتبعه بعض من أهل البلد، اتفق دياب مع محروس صاحب الأرض أن يترك له الأرض بعض من الوقت.
- اذهب وتغدَّ أنت وأهل بيتك يا محروس، وأنا سأنجزلك كل شيء.
رحل الجميع وبقي دياب والقبر وحدهما.
نظر دياب للقبر المفتوح وفرد يداه على مصرعيها وانشق صدره لتظهر حفرته العميقة الشديدة السواد وبدأ يجذب القبر تجاهه التراب والشاهد وكل شيء.
كان القبر المفتوح هو الآخر يحاول جذب دياب، وكأنهما في مسابقة وحرب من ينتصر ويبتلع الآخر هو الفائز.
للحظة ظهر وجه حسيب غاضبًا على الشاهد قبل أن يبتلعه صدر دياب وينتهي كل شيء.
- قبرك ضعيف يا حسيب، قبرك لا يملك هزيمتي.
- لست أنا، ليس عابد المنصوري من تكون نهايته على يد عجوز مثلك.
قالها وأغلق صدره وعادت عينه من اللون القرمزي للونها الطبيعي.
قالها ولم يدرك أنَّ أحمد كان يراقبه وشاهد كل شيء، الآن علم أحمد اسم القبر، الآن علم من يواجه.
عابد المنصوري.....
عاد دياب أكثر قوة بانتصاره على حسيب وتخليص محروس من لعنة أرضه. في المساء لم يرن هاتف دياب ولم يخرج هو وخلف.
- هناك من يبحث وراءنا يا خلف.
- من تقصد يا دياب؟
- لماذا ظهر قبر حسيب؟ أحد ما زرع بذرته، شخص يريد تدميري، من تعتقد يكون فاعلها؟ من علم السر وزرع البذرة؟
- وهل يوجد غيره؟ أكيد أحمد.
- حمد؟ لا لا أعتقد، أحمد أضعف من ذلك بكثير وهو يعلم ماذا يمكنني أن أفعل به.
- بمن تشك؟
- أخوك فؤاد، هل رأيت كيف كان يتحداني بعينه؟
- فؤاد؟ أخوك؟
نظر دياب لخلف وتحولت عينه للون القرمزي، لابد أن تعرف لمن ولاءك يا خلف، لابد أن تعلم أنَّ دياب انتهى، من يجلس أمامك يمتلك قوة قبر ملعون، قبر شخص اعتقد الناس أنَّ شره انتهى بحرقه، لم يعلموا أنَّ اللعنة مازالت مستمرة، لا يعلمون أنا ماذا امتلكت وبماذا يمكنني التضحية به في سبيل أن أكون أقوى.
- دياب، ما نهاية الشر يا دياب؟
- أخوك من بدأ ولابد أن يدفع الثمن.
- ماذا ستفعل؟
- تعال معي.
ذهب دياب لبيت عائلته المكون من ثلاثة طوابق، يعيش فؤاد وولده في الطابق الثاني ووالدته في الأول وباقي الأشقاء ما بين الأول والثالث.
دخل دياب وخلف لفؤاد.
- أهلًا يا دياب، كيف حالك يا خلف؟
- كيف حالك يا أخي، جئت لأقول إنَّ حجتك باطلة، ونجحت في إقفال القبر الثاني، والجميع يحسب لي ألف حساب.
- حجتي باطلة؟ حسنًا.
- طوال حياتك تغير مني يا فؤاد، طوال حياتك أنت المفضل لدى أمي، أخذت حضنها وقلبها وكل شيء، كنت أنا أقل من أملك أي شيء فيكم.
- أنت من ضيعت ورثك من أبوك، الجميع أخذ نفس الحصة.
تدخل خلف بينهم.
- وحّد الله يا فؤاد، اهدأ يا دياب، هيا يا فؤاد أحضر أكوابًا من الشاي، أين ابنك؟
- ينام في حضن جدته، حسنًا سأحضر الشاي.
نهض فؤاد وأدار ظهره لأخيه، لم يعلم أنَّ ثقته الغالية ثمنها حياته.
فتح دياب صدره وابتلع فؤاد وانغلق، ما إن رفع رأسه حتى رأى أمه واقفة مذهولة لا تفهم من الأمر شيئًا فقط تصرخ.
- فؤاد؟ ابني، أين ذهب فؤاد، فليجيب أحد أين فؤاد؟
نظر خلف لدياب وقبل أن ينطق، انقضَّ دياب على أمه فاتحًا قبره بعين قرمزية، تقطر الدماء ندمًا على ما ستفعل.
صاح خلف.
أمك لا يا دياب لا يا دياب.
ولكن الأوان قد فات وابتلع دياب أمه.
- اخفض صوتك يا خلف، اسكت.
- لن أصمت، سأقتلك يا دياب، سأقتلك.
فجأة سمع الاثنان طرق على الباب وأحدهم ينادي على فؤاد.
- افتح يا فؤاد، هل نمت، فؤاد...
نظر دياب لخلف:
- لو فتحت فمك سأقتل العائلة كلها، وسأقتلك أنت أيضًا.
- يا فؤاد افتح ولدك يبكي ويريدك، فؤاد.
انتظر خلف ودياب رحيل أخيهما بعد يأسه من استجابة فؤاد له، ثم رحلا من البيت.
في البيت القديم جلس أحمد يعد البذور ويراقب زيادتها، قرأ اسم فؤاد وحَميدة ثم ابتسم، نظر لفنجان الشاي أمامه ثم سرح قليلًا.. القطة أكلت أولادها.
ضحك ضحكة عالية ودخل غرفته ليفعل ما يفعل دائمًا، الانتظار والمراقبة.
عاد دياب وخلف الذي كان قد انهار وفقد أعصابه.
- في البداية راضية وقبلت هذا، أنا لم أكن أحبها ولولا والدتك كنت طلقتها من وقتٍ طويلٍ، قتلت فؤاد وأطاعك قلبك تقتل أمك يا دياب؟؟ أمك.
- كم مرة سأقول لا وجود لدياب وخلف، الأوامر أوامر عابد، عابد فقط.
- ماذا تعني؟؟ هو من يكلمك يعطيك الأوامر؟
- نعم، عابد من يعطي الأوامر، عابد هو المسيطر، وقريبًا لن يكون لك وجود مثل دياب، الآن هيا لنرى ما هي مهامنا، لا تتركني يا خلف وأنا في حاجة إليك.
نظر له خلف ولأول مرة يضمر له الشر وينوي التخلص منه.
راقب أحمد كعادته ما حدث بين الأشقاء بصمت، في الصباح أوصى دياب أحمد بتنظيف غرفته وباقي البيت.
- أوامرك يا حاج دياب.
بدأ أحمد في تنظيف غرفة دياب وتفتيشها على أمل أن يجد أي شيء يساعده في مهمته، فوجد هاتفًا ليس عليه أرقام سوى رقم دياب، ولا سجل مكالمات سوى محادثات مع دياب، لا صور، لا شيء مسجل سوى رسالة صوتية:
- القبر يطلب المزيد، نفذ.
أعاد أحمد كل شيء مكانه.
- دياب يأمر نفسه، دياب يستغل أخاه، دياب هو الشيطان، لا أحد يأمره.
نسخ أحمد الرسالة على هاتفه وقام بالاتصال بخلف.
- عم خلف أريدك وحدك في موضوع مهم، لو موافق سأقابلك في أرض محروس بعد ساعة، سلام.
بعد ساعة كان خلف في انتظار أحمد الذي قام بتشغيل الرسالة الصوتية أمامه، بالتأكيد تعرف خلف على صوت دياب.
- معنى ذلك أن لا أحد يتحكم بدياب أو بي؟
- الحاج دياب هو الذي يتحكم بك يا عم خلف، لا شر سوى شره، صحيح هو أخذ كل القوة وامتلكها، ولكن دماء من رحلوا بيده هو.
- ماذا نفعل، كيف نوقفه؟
- بيدك الأمر، لا يوجد سواك من يستطيع إيقافه.
- قصدك؟
- لا يوجد سوى وقوفك أمامه، وأنت أقوى منه أنا أعلم.
- نظر خلف لأحمد نظرة ارتياح وموافقة.
ونظر أحمد لخلف نظر مكر وخبث ودهاء.
بعد انصراف خلف أخرج أحمد البذور من جيبه، الغالب مصيره معكم أنتم، لابد من الأخذ بثأركم.
في المساء دخل خلف على دياب فجأة وبعين قرمزية وصدر مفتوح نادى باسمه.
- دياب.
التفت دياب لخلف، وقد ابتعد عنه خطوات للوراء، لم يكن خائفًا منه، بل كان خائفًا عليه أن يخسره،
- لا تفعل يا خلف، ليس لي سواك يقف معي.
اقترب خلف من دياب أكثر مرددًا كلمات أحمد.
- قبر يغلب قبرًا، قبر يأكل قبرًا، قبر يبلع قبرًا.
- لا يا خلف، لا يا خلف، أنا أخوك لا تفعل.
- قبر يغلب قبرًا، قبر يأكل قبرًا، قبر يبلع قبرًا.
- استيقظ يا خلف، اعقل قلت لك لا تفعل أرجوك.
- قبر يغلب قبرًا، قبر يأكل قبرًا، قبر يبلع قبرًا
بكت عين دياب الجاحدة قبل أن تتحول للون القرمزي ويفتح صدره ليدافع عن نفسه ويحاول جذب خلف والتخلص منه وسلب قوته ولعنته، قوة ولعنة عاش خلف فيها رغمًا عنه، لم يطلبها يومًا ولم يسع لها مثل دياب، وآن أوانها أن تنتهي على يد دياب أخيه.
انتصر دياب على أخيه ثم خارت قواه وجلس أرضًا ودمعت عيناه ندمًا على فقدان خلف.
دخل أحمد في هدوء.
- هل تشرب شيئًا يا أبي دياب؟
- أحمد؟ لا أريد شيئًا، سأرحل لأنام.
فتح أحمد البذور وأمسك ببذرة خلف، خسارة اعتقدت أنك تستطيع الفوز عليه.
لأيام لم يظهر دياب ولم يغادر منزله، وقام أحمد بكافة طلباته حتى يتعافى ويقف مرة أخرى على قدميه، أحل به ضعف ووهن فوجد أحمد بجواره ليواسيه ويستند دياب على كتفه.
كسب أحمد ثقة دياب فيه حتى ظنَّ دياب في بعض الأوقات أنه بالفعل ابنه وكان يخاطبه على ذلك.
- اليوم أريد منك خدمة يا أحمد.
- أمرك يا أبي.
- أنا أريدك معي، تكون لي سندًا، أب وابنه معًا، طوال حياتي مكروه ووحيد لا أحد يحبني، الناس كلها بعيدة عني، كنت أتمنى لو أوقفت أحدهم لأسأله سؤالًا واحدًا فقط، لماذا؟
- طوال حياتي لا يوجد أحد أحبني حتى راضية، في اليوم الذي قررت اختيارها فيه وجدت أمي تخطبها لأخي خلف، دائمًا أنا الخيار الأخير، الشيء المتبقي الذي لم يختره أحد، ولو وقع في قرعة أحدهم تجده حزينًا بائسًا.
- القوة التي أملكها لا حد لها ولا نهاية، وكلما قتلت ازدادت قوتي وأصبحت لا أُقهر، أنا لا أريد مالًا ولا أرضًا، أنا لابد أن أكون قويًا والناس تخافني، لابد أن يتمنوا صداقتي، أنا أعلم أنني مكروه، لا أريد أن أكون مكروهًا وضعيفًا.
- ماذا تريد مني يا أبي؟
- أريدك أن تكون خلف، أريدك معي، تصبح رقم ٢
- تريدني أن أقتل معك يا أبي؟
- سأعطيك القوة معي يا أحمد.
مدَّ دياب يده ناحية صدر أحمد ليصرخ أحمد من الألم، جسده الضعيف كأنه احترق وتفَّحم صدره موضع يد دياب، نظر أحمد بعين قرمزية لدياب ووقع أرضًا ثم وقف من جديد، وقد تحول صدره لقبر مثل خلف ودياب.
نظر دياب بين عين أحمد.
- الآن أنت رقم ٢، الآن أصبحت أقوى، الآن أنا أيضًا أقوى، هل توافق أن تخرج معي مثلما فعل خلف؟
- اتركني يومين يا أبي، يومين وسأكون مستعدًا.
- حسنًا كما تحب.
خرج دياب وحده في هذا اليوم ودمعت عين أحمد لما حدث، ثم أخرج الكيس ليراقب البذور تزيد أمامه.
- نهايتك اقتربت يا أبي، نهايتك اقتربت يا دياب، هؤلاء يكفون، هؤلاء يستطيعون، غدًا نهايتك على يد ابنك أحمد.
في الصباح استيقظ دياب ولم يجد أحمد في البيت، فقط وجد ورقة على المنضدة.
- أنا في الأرض يا أبي، نزلت لهناك، أصبحت أقوى وتحسنت، منتظرك يا أبي.
جهَّز دياب نفسه وحلق شعره وذقنه، ارتدى ملابس جديدة ثم ذهب للأرض، وجد العمال خارجها راحلين.
- إلى أين تذهبون؟
- راحلون يا حاج أحمد أعطانا اليوم إجازة.
شعر دياب بغرابة ودخل الأرض ليجد أحمد واقفًا في المنتصف نظر وراءه وفتح فمه حين وجد أحمد يقف ومن حوله قبور كثيرة بشواهد، كلها مفتوحة، كلها ذُرعت بذورها لتنتقم، راضية ووالدها وفؤاد ووالدته والكثير من الناس ابتلعهم قبر دياب بلا رحمة، وأخيرًا خلف الذي كان يتوسطهم جميعًا.
- أنت يا أحمد؟ أنت من معك البذور، ولكن كيف؟
- وجدت البيضة، وجدتها داخل الجدار، بيضة الشر التي فيها بدأ شر عابد ولعنة القبر المفتوح، وملكتها أنت وملكت ما كان فيها، مات فؤاد وأنت تعتقد أنَّ هو من فتح قبر حسيب، مات فؤاد لأنك لا ترى سوى غيرتك من إخوتك وكرهك لهم.
- تريد قتلي يا أحمد وأنا عاملتك مثل ابن لي؟
- أبي حسيب، الذي قتلته.
- كان يربيك في الترب، في المقابر.
- كانت كل ما يملك، لكنك تحب دائمًا امتلاك ما ليس لك، كذبت على خلف وجعلته يعتقد أنَّ أحدًا ما يجبرك على القتل، الحقيقة أنَّ شرك أكبر من شر عابد الذي احترق وقبره أبى أن يُغلق عليه.
- أنت من وسوست لخلف وجعلته يعصاني؟
- خلف كرهك حين قتلت أمه، اعتقدت أنه يمكنه هزيمتك، ولكنك قتلته.
- نعم، كان ضعيفًا مثلك يا أحمد.
- هذا إن كنت وحدي، إنما أنا لست وحدي.
- تعتمد على تلك القبور تنقذك مني؟
- لا، اعتمد على أهل البلد كلهم يا دياب، أهل البلد جميعهم يحاوطونك، الآن يكونون قد حرقوا البيت وفي طريقهم لهنا كي يحرقوك، نسيت إبلاغك أنني شرحت لهم كل شيء أثناء وقوعك وحزنك على خلف.
- هل جننت، حسنًا أول من يموت هو أنت يا أحمد.
قبل أن يكمل دياب كلامه تحولت عين أحمد للون القرمزي وفتح صدره أمام دياب الذي فتح قبره هو الآخر ليحاول قتل أحمد، نظر أحمد للقبور صائحًا، الآن..
بدأت القبور حولهم تجذب دياب تجاهها لتبتلعه، كل قبر يحاول جذب دياب لينتصر وينتقم لنفسه،
التفت دياب ليحدد من يواجه أولا، وسط الشواهد الكثيرة والأسماء من حوله تلفتت عيناه وتنقلت بينهم، راضية، بيومي، فؤاد، وغيرهم وغيرهم، كل يجذبه ناحيته وكلهم يحاول دياب مقاومته في وقتٍ واحدٍ. ظل يقاوم ويثبت أقدامه في الأرض ويصيح حتى خارت قواه ووقع على ركبته فاتحًا ذراعيه في محاولة بائسة لابتلاع أي منهم.
صرخ دياب ونظر للسماء، فجأة تقطع لأجزاء كثيرة كل قبر نال منه جزء ليهدأ ويرتاح، كل قبر طالب بنصيبه في دياب عدا قبر أمه لم يجذبه ناحيته ولم يضم أيًا من أجزائه، انتهت حكاية دياب وشره ووقف أحمد في المنتصف، وقد بدأ أهل البلد في حرق الأرض بمن فيها، نظر للقبور المفتوحة وخاطبهم.
- هذه اللعنة لابد أن تنتهي، لابد أن أقضي على كل القبور، ساعدوني ولا تقاوموا كي نرتاح جميعًا.
بدأ أحمد بجذب القبور ليبتلعها ويحويها صدره، ذلك القبر الذي أبى أن يأذي أي برىء، وظل للنهاية يقاوم فتنة الشر والتملك.
أُغلقت القبور جميعها ولم يتبق سوى قبر أحمد ورقمه.
نظر حوله في كل الاتجاهات وقد أحاطت به النيران، ثم نظر لأهل البلد وردد.
مرقوم، ملعون، درب المجون، وأغلق عينه للأبد.
تمت