عَيْنٌ تُهَاجِرُ؛ لِكَسْبِ لُقْمَتِهَا، تَسِيْرُ فِيْ طَرِيْقٍ بَيْنَ مَدَيْنَتِهَا ومَقْصِدِهَا، لَمَحَتْ -عَنْ بُعْدٍ- قَافِلَةً تَسْبِقُهَا، فَنَادَتْ عَلِيْهِمْ -وَالسَّلَامُ يَمْلَؤُهَا-
وَقَالَتْ بِلُطْفٍ: أَسِيْرُ مَعَكُمْ فِيْ سَلَامٍ حَتَّىْ الْبِلَادِ مَقْصِدِنَا.
لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ أَّنَّ الْمَالَ غَايَتُهُمْ، فَنَظَرُوْا إِلَى الْمَاَلِ الَّذِيْ مَعَهَا، وَقَالَوْا: هَاتِهِ، تَسِيْرِيْ مَعَنَا.
فَقَالَتْ: الْمَالُ مَالِيْ، وَبِهِ أَعْمَلُ، وَلَا أُبَالِيْ مِنَ السَّيْرِ مَعَكُمْ.
وَاسْتَدَارَتِ الْعَيْنُ، وَسَارَتْ فِيْ طَرِيْقِهَا بِمُفْرَدِهَا، وَلَكِنْ كَانَ الَغَدْرُ قَدَرُهَا، لَحِقُوْا بِهَا، وَقَطَعُوْا رَأْسَهَا، وَسَرَقُوْا أَمْوَالَهَا.
الْمَشْهَدُ هُنَا: (عَيْنٌ تُكَافِحُ، وَالنَّجَاحُ مَقْصِدُهَا).
قَطَعُوْا الطَّرِيْقَ، وَقَطَعُوْا مَقْصِدَهَا، فَأَفَاقَتْ لِتَجِدَ نَفْسَهَا هَمْزَةً مُلْقَاةً عَلَى الْأَرْضِ لَا طَرِيْقَ لَهَا، وَلَا هَدَفًا.
وَلَكِنَّ الْهَمْزَةَ بِالْقُوَّةِ تَنْفَجِرُ، وَسُرْعَانَ مَا بَدَأَتْ رِحْلَةَ الْبَحْثِ، وَبَدَأَتْ تُفَكِّرُ فِيْ أَلِفٍ تُكَمِّلُهَا.
وَبَدَأَتِ السَّيْرَ، مَمْلُوْءَةَ الْعَزْمِ مَقْطُوْعَةَ الْجَسَدِ.
سَارَتْ أَمْيَالًا وَأَمْيَالًا؛ لِتَبْحَثَ عَنْ وَصْلِهَا، الطَّرِيْقُ عَسِيْرُةٌ، وَرَأْسُهَا يَنْدَمِلُ، فَقَدَتِ الْأَمَلَ، وَفَقَدَتِ الْوَعْيَ، الرُّؤْيَةُ سَوْدَاءُ، وَلَا وُجُوْدَ لِلْهَدَفِ.
فَتَحَتْ عَيْنَيْهَا، وَالسَّمَاءُ فَوْقَهَا تَجْرِيْ، وَنَظَرَتْ لِتَجِدَهَا هِيَ الَّتِيْ تَجْرِيْ
لَامٌ حَمَلَتْهَا فِيْ قَلْبِهَا، وَبِهَا تَجْرِيْ، فَقَالَتِ الْهَمْزَةُ: يَا لَامَ الْوَصْلِ وَالْهَدَفِ، أَتَحْمِلِيْنَنِيْ لِمَقْصِدِيْ؟
قَالَتِ اللَّامُ: الْكَافُ مَقْصِدِيْ وَبِكِ يَكْتَمِلُ.
فَكَافُ الْكَمَالِ بَهَمْزَةٍ، وَاللَّامُ تُكَمِّلُهَا.
فَكَافُ الْكَمَالِ بِالْهَمْزَةِ تَكْتَمِلُ، وَقُوَّتُكَ تُوْصِلُنِيْ.
فَقَالَتِ الْهَمْزَةُ: وَبَعَدَ أَنْ تَصِلِيْ؟
قَالَتِ اللَّامُ: لَكِ طَرِيْقُكِ الَّذِيْ يُوْصِلُكِ.
وَاِرْتَدَتِ الْكَافُ ثَوْبَ الْكَمَالِ، وَأَلْقَتِ الْهَمْزَةَ.
الْمَشْهَدُ هُنَا: (هَمْزَةٌ مُلْقَاةٌ، وَالْيَأْسُ يَمْلَؤُهَا). وَلَكِنْ بِالْقُوَّةِ الْهَمْزَةُ تَنْفَجِرُ، وَسُرْعَانَ مَا بَدَأَتْ رِحْلَةَ الْبَحْثِ.
بَحَثَتْ وَبَحَثَتْ، وَفَقَدَتِ الْأَمَلَ، وَفَقَدَتِ الشَّغَفَ، وَتَاهَ مَقْصِدُهَا.
مَرَّتْ بِجَانِبِهَا أَلِفُ الْوَصْلِ، وَالْحِيْرَةُ تَمْلَؤُهَا.
نَادَتْ عَلَيْهَا، وَقَالَتْ: يَا أَلِفُ، بِكِ أَكْتَمِلُ.
أَجَابَتِ الْأَلِفُ: أَصِلُ الطَّرِيْقَ، وَلَا أَحَدَ يَهْتَمُّ.
فأَجَابَتِ الْهَمْزَةُ: اِقْطَعِي الطَّرِيْقَ؛ الْكُلُّ يَلْتَفِتُ.
ضَحِكَتِ الْأَلِفُ، بِكِ أَقْطَعُهُ.
وَسَارَا أَمْيَالًا وَالْقَطْعُ غَايَتُهُمَا، وَحَانَ وَقْتُ السّيْرِ فِي الْوَسَطِ
الْأَلِفُ النِّصْفُ غَايَتُهُ؛ حَتَّىْ يُقَالَ حَرْفٌ صَحِيْحٌ، فَأَلْقَتِ الْهَمْزَةَ.
الْمَشْهَدُ هُنَا: (هَمْزَةٌ مُلْقَاةٌ وَالْيَأَسُ يَمْلَؤُهَا). وَلَكِنْ بِالْقُوَّةِ الْهَمْزَةُ تَنْفَجِرُ، وَسُرْعَانَ مَا بَدَأَتْ رِحْلَةَ الْبَحْثِ،
وَاِنْعَدَمَتِ الثِّقَةُ، وَانْعَدَمَ الشَّغَفُ، وَلَكِنْ الْهَمْزَةُ القُوَّةُ تَمْلَؤُهَا، وَتَبْحَثُ عَنِ الْوَصْلِ.
وَجَلَسَتْ تُشَاهِدُ خُطُوَاتِ أَخَوَاتِهَا، فَمَرَّتِ الْوَاوُ عَلَى الْأرْضِ تَلْتَفُّ، وَنَادَتْ عَلَيْهَا: بِكِ أَكْتَمِلُ.
وَوَقَفَتِ الْوَاوُ، وَصَعَدَتِ الْهَمْزَةُ، وَلَكِنَّ الْوَاوَ الْحَرَكَةُ غَايَتُهَا، وَالْهَمْزَةُ تُقَيِّدُهَا أَلْقَتِ الْهَمْزَةَ وَبَدَأَتِ الْحَرَكَةَ.
الْمَشْهَدُ هُنَا: (هَمْزَةٌ مُلْقَاةٌ وَالْيَأَسُ يَمْلَؤُهَا). وَلَكِنْ بِالْقُوَّةِ الْهَمْزَةُ تَنْفَجِرُ وَسُرْعَانَ مَا بَدَأَتْ رِحْلَةَ الْبَحْثِ،
يَاءٌ تُغَنِّيْ، وَالْقَلْبُ يَنْسَجِمُ، بِصَوْتٍ عَذْبٍ، وَالْمَشَاعِرُ تَنْبَعِثُ، وَنَظَرَتْ لِلْهَمْزَةِ بِعَيْنِ الشَّفَقَةِ، وَحَمَلَتْهَا، وَبَدَأْتِ السَّيْرَ، بَقَلْبٍ رَحِيْمٍ تُدَلِّلُهَا.
وَقَالَتْ لَهَا: أَيْنَ مَقْصِدُكِ وَأَنَا أُوْصِلُكِ؟
فَأَجَابَتِ الْهَمْزَةُ: طَرِيْقٌ قَرِيْبَةٌ فِيْ نِهَايَةِ الطَّرَفِ.
الْمَشْهَدُ هُنَا: (هَمْزَةٌ مَقْطُوْعَةُ الْجَسَدِ). وَلَكِنْ بِالْقُوَّةِ الْهَمْزَةُ تَنْفَجِرُ، لَا فَقَدَتِ الْأَمَلَ، وَلَا أَوْقَفَتِ السَّعْيَ، وَوَصَلَتْ لِغَايَتِهَا، وَضَرَبَتِ الْمَثَلَ بِالْقُوَّةِ وَالْأَمَلِ.