في البندقية — طريق أخرى
(يدخل عطيل وياجو وخدم بمشاعل)
ياجو : لقد تعوّدت القتل في الحروب ولكنني ما زلت أخشى تحميل ضميري إزهاق روح عن عمد وتعوزني في بعض الأحيان مثل هذه الاستباحة لخدمة نفسي،
على أنني عزمت تسع مرار أو عشر مرار على إيلاج نصلتي في ذلك الشيخ هنا تحت الأضلاع ولكن …
عطيل : كان خيرًا أن تجري الأمور كما هي الآن.
ياجو : والخير ما جرى. غير أن الرجل ثرثر ما شاء وطعن طعنًا مستفزًا في حق عليائكم بحيث إنني على قلة تقواي لم أكد أطيق الصبر على ما يقول. لكن ألا يتفضل مولاي ويخبرني هل تم القران؟ إن ذلك الشيخ الذي لقبه الشعب بالكريم محبوب حبًا جمًا وله في المجلس صوت أقوى مرتين من صوت الدوج ففي وسعه أن يضطرك إلى الطلاق أو أن يحول دون مرامك بكل المكايد والمشاكسات التي يستمد أسبابها من القانون بما له من المقدرة والبأس.
عطيل : ليفعل ما يشاؤه حنقه. إن جلائل الخدم التي خدمت بها هذه البلاد لأبلغ في الشفاعة لي من شكاياته في الإضرار بي … وسيعلم القوم مني — عندما يبيح الشرف الافتخار — أني سليل بيت من البيوت المالكة وأن أعمالي تقف موقفها العالي بجانب أعتى المناصب التي يبلغها بالتوفيق أمثالي. واعلم يا ياجو أنني لولا شغفي بديدمونه التي سحرت لبي لما رضيت بكنوز البحار بدلًا من حريتي وبداوتي اللتين لا يحدهما حد ثابت ولا تحصرهما دائرة ضائقة. انظر انظر. ما تلك الأنوار القادمة نحونا من هناك؟
ياجو : هذا والدها استيقظ وجاء مع أقاربه. أولى لك أن تدخل.
عطيل : كلا يجب أن يروني بحقيقتي كما تظهرها لهم أخلاقي وألقابي وطهارة ذمتي. أتظنهم إياهم؟
ياجو : يبين لي أن القوم غيرهم.
(يدخل كاسيو وبعض ضباط بمشاعل)
عطيل : خدم الدوج … وملازمي … طاب ليلكم يا أصدقائي جميعًا. ما ورائكم؟
كاسبو : الدوج يهدي إليك تحياته ويرغب في حضورك حالًا وألا تبطيء عنه دقيقة واحدة.
عطيل : في أي شأن تظن؟
كاسيو : إن صدق ظني فهو شأن مخصوص بقبرس ويظهر أنه عاجل لأن السفائن أرسلت في هذا الليل اثني عشر رائدا متتابعين، وكثير من المستشارين أوقظوا وهم الآن مجتمعون في حضرة الدوج وقد التمسوك في منزلك بإلحاح فلما لم يحدث بعثوا ثلاثة أرهاط من الجند للبحث عنك.
عطيل : من التوفيق أن تكون أنت الذي لقيتني سأدخل هذا البيت مهلة كلمة تقال ثم أصحبكم.
(يخرج)
كاسيو : حامل العلم ما يفعل القائد هنا؟
ياجو : كأنني به غنم في هذه الليلة سفينة من السفن الكبرى مشحونة بالخيرات فإذا أُقرت له فقد أصاب الثروة الخالدة.
كاسيو : لم أفهم ما تعني.
ياجو : تزوج.
كاسيو : ممن؟
ياجو : تزوج من. (يدخل عطيل) هيا بنا أيها القائد أنمضي؟
عطيل : نمضي ولا عائق.
كاسيو : أرى جماعة أخرى قادمة في طلبك.
ياجو : هذا برابنسيو حذار أيها القائد. إنه لينوي شرًا.
(يدخل برابنسيو وردريجو وضباط بمشاعل وأسلحة)
عطيل : قفوا هنا.
ردريجو : هذا هو المغربي يا سيدي.
برابنسيو : أوقعوا به. هذا اللص.
ياجو : عليّ بك يا ردريجو. قرنك٨ أنا يا سيدي.
عطيل : أغمدوا سيوفكم اللامعة لأن الندى ينزل عليها الصدأ. يا سيدي الجليل إن شيخوختك لأصلح للأمر من سلاحك.
برابنسيو : أنت أيها السارق الخسيس؟ أين أودعت ابنتي. سحرتها يا رجل النار وأستشهد على جنايتك بأولي الألباب. أكانت لولا السحر فتاة بتلك الرقة وذلك الجمال. فتاة ناعمة كل النعيم. آنفة من الزواج إلى حد أنها لم ترض بواحد من أغنى وأجمل شبان أمتنا بعلًا لها. تتعرض للسخرية العامة بخروجها عن وصاية أبيها والتجائها إلى صدر أسود دهني كصدرك
الذي يدعو إلى الخوف لا إلى السرور؟ ليحكم الناس بيننا. أليس واضحًا وضوح البداهة أنك رقيتها برقى سيئة وأنك خدعت طفولتها بعقاقير أو معادن تهيج الشهوة البدنية؟ سأضع هذه المسألة تحت البحث لأنها معقولة بل يلمسها الفكر لمسًا. فأنا قابض عليك إذن ومتهمك بإفساد أخلاق العذارى وباستعمال صنائع محرمة وغير مباحة قانونيًا. خذوا بتلابيبه. وإذا قاومكم فأخضعوه وعليه نتائج ما يصيبه.
عطيل : أثنوا أيديكم. لو رضيت القتال ما احتجت إلى داع يدعوني إليه إلى أين تريد أن أذهب للإجابة عما تتهمني به؟
برابنسيو : إلى السجن حتى ينقضي الزمن الذي عينه القانون وسير القضاء فتسأل.
عطيل : إذا أطعتك فيما تريد فكيف أستطيع تلبية طلب الدوج وهذه رسله بجانبي جاءت تدعوني إليه لأمر ذي بال في الحكومة.
ضابط أول : هذا حق يا أيها السيد الجليل. إن الدوج في مفاوضة وأنا واثق من أنه بعث في استدعاء ذاتك الشريفة.
برابنسيو : أية مفاوضة ليست من المسائل التافهة — سيعلمها الدوج نفسه وسائر إخواني من أركان الدولة ويشاطرونني مّي مما لَحِقَ بي من الإهانة كأنه لحق بهم أنفسهم وإلا فإنه لو أُبيح ارتكاب أمثال هذه الجرائم لأصبح الأرقّاء والوثنيون أولياء الأمر فينا.