في مساء الرابع من مارس، عام ألف وتسعمائة وسبعة وثلاثين ميلاديٍّا، كرَّسالسيد دانيال
ويبستر وانلي ساعات عدة للانتهاء من تزيُّنه المُتقَن، وما إن انتهى من مهمَّته هذه حتى
وقف أمام المرآة وألقى نظرة متفحصة على نتيجة عمله الفني الصبور.
بدا راضيًا عما يراه؛ ففي زجاج المرآة رأى شابٍّا وسيمًا يبلغ من العمر ثلاثين عامًا،
طوله أقل قليلًا من المتوسط، يرتدي زي سهرة مثاليٍّا. كان وجهه بيضاويٍّا، وبشرته ناعمة،
وملامحه دقيقة. وكانت عظام وجنته البارزة، والارتفاع الطفيففي ركني عينيه الخارجيين،
وشفته العليا الرفيعة التي يعلوها شارب رفيع لكنْ ذو سَمت أرستقراطي، وأصابع يديه
المُستدقَّة الأطراف، وقدماه الصغيرتان بشكل ملحوظ، والموضوعتان الليلة داخل حذاء
جلدي أحمر مصقول؛ كانت هذه كلها موروثات لا تخطئها عين لأصله المنغولي الخالص.
وقد تدلَّى شعر أسود كثيف طويل، مُمَشَّطٌ إلى الوراء من جبهته، في غزارة على رقبته
وكتفيه. والْتمع عددٌ من الأوسمة الأنيقة على صدر معطفه الأسود المصنوع من الجوخ،
وكانت أطراف البنطال القصير مربوطة إلى الركبتين بشرائط قرمزية اللون، بينما كانت
الجوارب مصنوعة من الحرير المشجر. كان وجه السيد وانلي يشع بالحصافة والذكاء، وقد
وقف أمام المرآة برشاقة.
جذب حديث خافِت مميَّز، يملأ الغرفة لكنه بدا وكأنه لا يصدر عن بقعة محددة
منها، انتباه السيد وانلي. وعلى الفور تعرَّف على صوت صديقه السيد والسينجهام براون.
«؟ ما أخبار موعدنا يا صديقي العزيز »
ابنة السيناتور
هكذا رد السيد وانلي من دون أن يدير وجهه عن المرآة، وأضاف: «. الوقت يداهمنا »
«. حريٌّ بك أن تأتي إليَّ مباشرة »
وفي غضون دقائق قليلة انفتحت الستائر الموضوعة عند مدخل شقة السيد وانلي على
نحو مباغت، ودلف السيد والسينجهام براون. وتصافح الصديقان في حرارة.
هكذا تساءل الوافد في مرح، «؟ كيف حال النائب المبجَّل عن مقاطعة لوس أنجلوس »
وما الجديد في حفل واشنطن؟ أرى أنك جاهز للانتصار الليلة، ما هذا كله؟ » : مُضيفًا
«! شرائط قرمزية وجورب حريري مشجر! آهٍ يا وانلي، كنت أظن أنك كبرت على هذا الطيش
ظهر قدر يسير للغاية من حُمرة الخجل على خدَّي السيد دانيال ويبستر وانلي، الذي
«؟ هل الجو بارد الليلة » : تساءل مُغيرًا الموضوع
شديد البرودة. أتعجب كيف أن الثلج لم يتساقط لديكم هنا؛ فهي تمطر » : رد صديقه
ثلجًا في نيويورك، وكان ارتفاع الثلج منذ لحظاتٍ ثلاثَ بوصاتٍ على الأقل حين ركبتُ
«. الأنبوب الهوائي
اسحب مقعدًا مريحًا إلى جوار المدفأة الكهربائية. يجب أن تطرد مناخ » : قال المنغولي
نيويورك من مفاصلك لو كنت تريد أن ترقص الفالس جيدًا. إن نساء واشنطن قاسيات
«. في الحُكم على هذا الأمر
دفع السيد والسينجهام براون مقعدًا مريحًا نحو كرة من البلاتين اللامع موضوعة
فوق قاعدة بلورية في منتصف الغرفة. ضغط زرٍّا فضيٍّا في أسفل القاعدة، وبدأت الكرة
المعدنية تتوهج على نحو ساطع، وتسلل دفء لطيف إلى أرجاء الغرفة. قال السيد
وهو يمد كلتا ذراعيه كي يلتقط الحرارة من «. هذا شعور طيب » : والسينجهام براون
المدفأة الكهربائية.
بالمناسبة، أنت لم تفسِّرلي بعدُ موضوع الشرائط القرمزية. ما » : ثم واصل حديثه قائلًا
الذي سيقوله ناخبوك لو رأوك على هذه الصورة—وأنت الخطيب الحماسيالمفوَّه في منطقة
منحدر المحيط الهادئ، والطالب المُراعي لأصول إدارة الدولة التقدمية، ودعامة أقصىاليسار
وأملهم، والشوكة المغروزة في خاصرة المحافظين النباتيين، والشخصالمبغوضمن طرف
الزمرة الهندوأوروبية كلها — وأنت ترتدي شرائط على الركبتين وجوارب مشجرة، وكأنك
«… رجل كهف بدائي في حفلٍ راقٍ بهارلم، أو
قاطع السيد براون نفسه مُصدرًا ضحكة صافية ودودة.
بدا السيد وانلي منزعجًا؛ فلم يردَّ على سخرية صديقه، وألقى نظرة خاطفة على
ركبتيه في المرآة، ثم ذهب إلى أحد جوانب الغرفة، حيث أخذ شريطًا لا نهائيٍّا من الورق،
يبلغ عرضه ثلاث أقدام، يتدفق ببطء من بين بكرتين عديمتي الصوت ويسقط في طيات
أنيقة داخل سلة من الخيزران موضوعة على الأرضية كي تتلقاه. أحنى السيد وانلي رأسه
علىشريط الورق العريضوراح يقرأ باهتمام.
«؟ أظن أنك تقرأ صحيفة ذا كونتِمبورانيوس نيوز » : قال رفيقه
كلا، أفضِّل قراءة ذا إنترمينابل إنتليجنسر؛ فصحيفة ذا » : رد السيد وانلي
كونتِمبورانيوسنيوز موافقة لأسلوب تفكيري بدرجة كبيرة. وما الذي يدفع رجلًا حصيفًا
إلى أن يقرأ ما يكتبه أعضاء حزبه؟ من الأحكم أن تظل مطَّلعًا على ما يفكر فيه خصومك
«. السياسيون ويقولونه
«؟ هل وجدت أيشيء عن حدث الليلة »
لقد بدأ الحفل، وصار مبنى الكابيتول مزدحمًا بالفعل. دعني » : قال السيد وانلي
أثرياء الأمة وجميلاتها وفرسانها » : ثم واصل الحديث وهو يقرأ بصوت مرتفع «. لأرى
وأذكى عقولها، مجتمعون جميعًا كي يُضفوا بريقًا غير مسبوق على حفل الافتتاح، والنجاحُ
«. الساحقُ للإدارة الجديدة مضمون بما لا يدع مجالًا للشك
«. ذلك منطق مشجع » : قال السيد براون
لقد دخل الرئيس تريمبلي توٍّا إلى القاعة المقببة، ترافقه زوجته الجميلة الأنيقة، »
ويصحبه نائب الرئيس السابق رايلي، والسيدة حرمه، وابنته الآنسة نورا رايلي، وهذه
المجموعة الشهيرة هي بالطبع محط أنظار الجميع. تسود أعلى درجات المودة بين رجال
الدولة من شتى الأطياف. ولمرة واحدة تبدو الخصومة السياسية وكأنها نُحِّيَت جانبًا مع
الملابس التي يرتديها الجميع في حياتهم اليومية. يبدو جليٍّا بين الضيوف بعضٌ من أبرز
رجال المعارضة. بل إن الجنرال كونج، مرشح الحزب النباتي المنغولي المهزوم، يشق طريقه
الآن عبر القاعة، مستندًا إلى ذراع السفير الصيني، عاقدًا العزم على تقديم أطيب الأمنيات
إلى خصمه الفائز. لا وجود لأي مشاعر استياء أو عداوة على ملامحه ذات الطابع الآسيوي
«. القوي
يستطيع بطل معركة شايان أن » : علَّق السيد وانلي وهو يرفع عينيه عن الصحيفة
«. يتحلى برحابة الصدر
هذا حقيقي. لقد حسم المقاتل العجوز النبيل إلى الأبد » : قال السيد براون في دفء
«. مسألة المساواة بين الأعراق. ما كانت الرئاسة لتضيف شيئًا إليه
إن زينة النساء ساحرة. وأبرز ما يجذب أنظار المراسلين » : واصل السيد وانلي القراءة
ذلك الذيل المصنوع من ريش الطاوس الذي تضعه الأميرة هوشيدا، بلونه البنفسجي
«… الزاهي
كفاك؛ فسنذهب ونرى بأنفسنا بعد لحظات. هلَّا تكرمت بإعطائي » : قال السيد براون
«. بعضالطعام؟ أشعر وكأنني لم أتناول شيئًا منذ أسبوعين
أخرج السيد وانلي المبجَّل من جيب معطفهصندوقًا ذهبيٍّاصغيرًا، بيضاوي الشكل، ثم
ضغط على زنبرك فانفتح الغطاء، ثم ناول الصندوق لصديقه. كان الصندوق يحوي عددًا
من الأقراصالرمادية الصغيرة، لا يزيد حجمها على حجم حبة البازلاء. أمسك السيد براون
هكذا أشُبع جوعي. » : بأحد الأقراصبين إصبعيه السبابة والإبهام، ثم وضعه في فمه. وقال
أو إذا استعرْتُ لغة خطباء المعارضة فسأقول إنني هكذا أسلم نفسي إلى هذه الممارسة
«. الدنيئة المنحطة، التي تخرِّب المجتمع بشكله الحالي، وتخالف قوانين الطبيعة عينها
لم يكن السيد وانلي يعيره أي انتباه؛ كان يحدق مرة أخرى بلهفة في أعمدة صحيفة
الوزير كويمبي » : ذا إنترمينابل إنتليجنسر. وعلى نحو بدا لا إراديٍّا قرأ بصوت مرتفع
والسيدة حرمه، وكونت شنيك، والسفير النمساوي، والسيدة هويت والآنستان هويت من
نيويورك، والسيناتور نيوتن من ماساتشوستس، الذي سبَّب وصوله برفقة ابنته الجميلة
«… ضجة كبيرة
توقَّف للحظة، وتلعثم إذ أدرك أنصديقه كان يتفحصه باهتمام. تصنَّع عدم الاهتمام
السيناتور نيوتن من ماساتشوستس، الذيسبَّب وصوله برفقة » : وشرع في استئنافالقراءة
«… ابنته الجميلة
أعتقد يا صديقي العزيز أنه حان وقت » : قال السيد والسينجهام براون وهو يبتسم
«. ذهابنا إلى مبنى الكابيتول