أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

Share to Social Media


تتميز العلاقة الزوجية الناجحة ببعض السمات والتي سوف نتاولها وهي كالاتي

1- الإحترام المتبادل
ومن المؤكد أنه لا يختلف اثنان على أنه لا حياة زوجية بدون احترام. ويتمثل هذا الاحترام في احترام الخصوصية، احترام أهل الزوج أو الزوجة، الإحترام أثناء الحوار فلا يهين فيها أحد الزوجين الآخر بالألفاظ والتصرفات، احترام ومراعاة المشاعر.
فالاحترام هو سر استمرار ونجاح العلاقة الزوجية، ودوام الألفة بين الزوجين؛ فاهتمام الزوجة وتقديرها لزوجها وكذلك احترام الزوج لزوجته هو دليل الحب بينهم.. وكلا الزوجين يحتاج للحب والدعم النفسي من التقدير والاهتمام.
ومن دلائل الاحترام بين الزوجين الاستماع الجيد، وتقدير نفسية الآخر؛ فمثلاً إذا ما أخفق طرف فى أمر ما لا يتصيد الطرف الآخر الأخطاء له، فهذا يزيد البعد والجفاء بينهم.. وعدم السخرية والاستهزاء بتصرفات الآخر، وعدم رفع الصوت وقطع الكلام، وانتقاده ومعاملته كطفل صغير.. وفى غياب أحد الزوجين لا يجب الحديث عن الآخر إلا بكل خير.
ولاشك أن انتقاص طرف لطرف آخر، أو ممارسة التسلط عليه، أو إهانته أمام الأبناء، له مخاطر على تماسك الأسرة؛ حيث يقل الاحترام ويتفلت البيت.. فلا تسمح الأم بكلام الأبناء فى حق أبيهم، حفاظاً على هيبته فى نفوس أبنائه.. وكذلك لا يسمح الأب بكلام الأبناء فى حق أمهم حتى وإن أخطأت؛ فاحترام الزوجة وتقديرها أمام أبنائها من سمات الرجولة، ومن شروط تماسك البيت وترسيخ الاحترام فيه بين كل أطرافه.
وعلى الزوجة احترام مشاعر زوجها، واحترام خصوصياته فى العمل ومع أصدقائه وأهله، وتقدير ما يحب وما يكره؛ فالزوج الذى لا يجد الاحترام فى بيته يكره هذا البيت، ولا يحب أن يقضي فيه أوقاته؛ فينصرف عن زوجته إلى الآخرين كالأهل والأصدقاء، لأنه يشعر بالاحترام معهم.
ولعل طاعة الزوجة لزوجها هى فى الحقيقة غاية الاحترام له، ومن أسباب الألفة والمودة بينهما.. ومن أهم دلائل الاحترام بين الزوجين أيضًا، احترام الأهل؛ فيجب أن تعلم الزوجة أن زوجها لا ينفصل عن أهله، وكذلك الزوج عليه احترام أهل زوجته.. وينعكس الاحترام المتبادل بين الزوجين على تصرفات الآخرين معهما؛ فنجد كلا الزوجين محطَّ أنظار الآخرين، يقدّرونهما ويحترمونهما.
وللتنشئة الاجتماعية دورها الكبير في ترسيخ هذا الاحترام؛ فلن يأتي احترام كلا الزوجين بعضهما لبعض بين عشية وضحاها، ولكنها ثقافة يجب غرسها فى الأبناء منذ الصغر؛ فتعويد الصغار الاحترام، كاحترام الوالدين واحترام الكبار من الأهل والجيران واحترام المعلم، وكل مظاهر الاحترام فى البيت والشارع والمدرسة، تترك أثراً طيباً وسلوكاً حسناً لدى الأبناء، ويعتبرونه قيمة جميلة تعزز شخصيتهم وتمنحهم التقدير من الآخرين.
ولا يُلقَّن الاحترام للنشء بالكلام النظري، ولكنهم يرونه في والدين يحترم كل منهما الآخر فى البيت.. حتى فى وقت المشاكل الزوجية الطبيعية الموجودة فى كل بيت، يجب أن يتسم النقاش بالاحترام والإنصات والتفهم؛ لأن الاحترام هو حجر الأساس لحل النزاعات، ويجب التمسك به وقت النزاع؛ لأنه أكبر مثال لتعليم الأطفال كيفية التعامل مع الآخرين وقت الخلاف بطريقة محترمة تظهر احترام الآخر وتقديره..
فاحترام كلا الزوجين لبعضهما البعض هو تربية عملية للأبناء، من خلال رؤيتهم لنموذج حي وقدوة صالحة.

2- التكافؤ
التكافؤ لا يعني التطابق وأن يكون كل زوج نسخة من الآخر، بل معناه امتلاك الحد الأدنى من التقارب في مجالات الحياة المختلفة مما يسمح لكل طرف تفهُّم الآخر بشكل أكبر. فالفجوات الثقافية والاجتماعية بين الزوجين قد تدمر الزواج ولا تسمح بدخول الحب، أما التكافؤ فهو يحقق تناغم في العلاقة الزوجية الذي بدوره يخلق الحب بعد الزواج ويقويه مما يساعد على استمراره.
أن التكافؤ الاجتماعي ليس له أهمية في إنجاح العلاقة، مدللاً على ذلك بكم كبير من الزيجات اعتمد على التكافؤ وفشل، في الوقت الذي غاب هذا الشرط عن حالات أخرى ونجحت لوجود الحب والتفاهم بين الطرفين. ويشير إلى أن زواج الصالونات القائم على فكرة التكافؤ الاجتماعي في بعض الأحيان يفشل؛ لأنه خالٍ من المشاعر والأحاسيس، فالفيصل هو الحب لنجاح الأسرة وقيام علاقة زوجية سعيدة.

شروط العلاقة الزوجية الناجحة
1-الحب المتبادل، والنضج النفسي والعاطفي والانفعالي للطرفين.
حيث أن هناك شخصيات لا تصلح للزواج كونها غير مكتملة النضج النفسي والعاطفي، ومن ثم لا تستطيع مثل تلك الشخصيات الزواج وأن تقيم أسرة سعيدة. أما عن تأثير الزواج غير المتكافئ في الأسرة والأطفال فقال: إنه في حال وجود الحب والنضج والتفاهم بين الطرفين لن تحدث أي مشكلات أو آثار سلبية تؤثر في الأطفال، ويصبح جو الأسرة هادئًا وأفرادها متفاهمين والعلاقات بداخلها حميمة، ومن ثم تستطيع الأسرة أن تخلق أطفالاً أسوياء.

2- وجود التكافؤ الاجتماعي بين الزوجين.
لكي تستمر الحياة الزوجية وتنجح لابد من وجود تكافؤ، مؤكدًا أن من آثار عدم وجوده ازدياد معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة، والتي بدورها تكلّف المجتمع أموالاً طائلة، ومن الملفت للنظر إلى أنه في حال استمرار الأسرة غير المتكافئة دون طلاق فإنها ستكون أسرة ليس بينها روابط قوية.
وهذا يشير الي حتمية وجود تكافؤ بين الطرفين من حيث المستوى التعليمي والاقتصادي والاجتماعي، فقد حثّ الإسلام على ضرورة أن تعيش الفتاة، عندما تتزوج، في نفس المستوى الذي كانت تعيشه في بيت والدها. وقال الفقهاء: إذا كانت المرأة لا تخدم في بيت أهلها فلابد للزوج أن يكفل لها خادمة. ومن الأهمية أيضًا وجود تكافؤ ديني؛ باعتبار الدين أهم أسس السعادة الزوجية.
وفي هذا الصدد تعزي أهمية فترة الخطوبة بين الشاب والفتاة، وهي قضية مهمة أغفلتها مجتمعاتنا العربية، موضحًا أن أهميتها تكمن في أنه في حال اكتشاف عدم تكافؤ الطرفين أثناء الخطبة فلابد من فسخها؛ لتجنب المشكلات التي قد تحدث بعد الزواج.
أنه إذا وجد التكافؤ العقلي والديني بين الطرفين وجدت الحياة الزوجية السعيدة والناجحة.
إن الدين الإسلامي لم يحثّ على ضرورة التكافؤ المادي والاجتماعي، بل شدّد على ضرورة التكافؤ الديني، واختيار أصحاب الدين، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"، ولذا فإن من أهم معايير اختيار شريك الحياة هو الدين والتكافؤ الديني بين الزوجين. أما عن تمسّك الآباء بضرورة وجود التكافؤ الاقتصادي والاجتماعي؛ فلم ينص فقه الدين الإسلامي على هذا النوع من التكافؤ كشرط من الشروط التي يجب توافرها لقيام الزواج.
ولعلماء الاجتماع وجهة نظر أخرى، حيث يرى أن التكافؤ مطلوب بين الزوجين لكن ليس التكافؤ المطلق، ويقول: هناك أشياء مشروط فيها التكافؤ مثل الدين والثقافة والعمل وكلها أسس مطلوبة، حيث إن التباين بين الزوجين في المستوى الوظيفي مثلاً قد يؤدي إلى انهيار الأسرة والأطفال، كما لابد للزواج أن يقوم على التقارب الفكري والتعليمي والثقافي بين الزوجين، إلا أنه ليس من الضروري أن يكون متوفرًا في المستوى الاقتصادي والمادي.

3- التدين هو المعيار الأساسي والأهم لاختيار شريك الحياة
لأن الشخص الذي يعرف الله، يراعي القيم والأخلاقيات، معتبرًا أن تمسّك الآباء بفكرة التكافؤ الاجتماعي من حيث المستوى الاقتصادي والمادي بات أمرًا غير واقعي في عصر الإنترنت، فالآباء لابد أن يقتصر دورهم على المشورة فقط دون الاختيار والتشبث بالرأي في اختيار شريك الحياة لأبنائهم؛ لأن الذي يتزوج هو الشاب والفتاة وليس الآباء. كما أن التكافؤ التعليمي والثقافي أهم بكثير من التكافؤ الاجتماعي؛ لأن اختلاف لغة الحوار والثقافة بين الزوجين يؤثر تأثيرًا سلبيًا في الأسرة ويؤدي إلى تفككها ويؤثر في الأطفال وفي التنشئة الاجتماعية لهم بل قد يدمرهم نفسيًا، ويخلق العديد من المشكلات داخل الأسرة.

4- الحوار الدائم بين الزوجين
كيف يُمكن أن ينشأ الحب في ظل علاقة صامتة؟ إن تبادل الحوار بين الزوجين حول الأمور العادية والشخصية وحول علاقتهما وكيف ينظران إلى حياتهما في المستقبل وما يطمحان إليه. كل ذلك يعمل على التقارب بين الزوجين ومحاولة كل طرف إرضاء الآخر. تتواصل علاقتهما تحت سقف واحد لسبب ما قد يكون الأطفال، أو الحفاظ على الشكل الاجتماعي أمام العائلة، وهذا هو الطلاق العاطفي: شراكة تحت سقف واحد بين الزوجين. ورغم وجودهما في مساحة مكانية واحدة فإن هناك مسافة شاسعة بينهما تمنع الاندماج النفسي، فالحكاية قاسية: التفاصيل لبيوت مفتوحة على خواء المشاعر والصمت المطبق، وانعدام المودة والرحمة اللتين ترتكز عليهما الحياة الزوجية الصحية والصحيحة.
كيف يؤثر الانفصال العاطفي على الصغار؟ وكيف يفقدهم الود في التعامل مع الآخرين، ويؤدي بهم للحدة والقسوة ورفض التواصل؟ فتوريث الفراغ العاطفي للأبناء تحصيل حاصل لانفصام العلاقة بين الأبوين، بما يؤثر سلبا على علاقة الأخوة بين الأبناء ويذهب بهم مستقبلا للعيش نحو نمط حياة أبويهم الجاف والخاوي عاطفياً. ولهذا تأثير مجتمعي غير إيجابي.

"قد تكون الضغوط والمشاكل المادية من أهم أسباب الطلاق العاطفي، فضغوط الحياة والأعباء تجبر كلًا من الزوجين على الانشغال بالنواحي المادية، وكيفية تدبير أمور المنزل وخاصة في ظل وجود طفل له مصاريفه، كما أن ميزانية الشهر وتدبير المنزل من أهم المشاكل التي تجبر الزوج والزوجة على التفكير في نفسهما دون الانتباه للعواطف وما يحتاجه الطرف الآخر".
ويشرح وضعه بحسرة "المشاحنات ازدادت والمتطلبات كثرت وحملتني فوق طاقتي مما أدى للنفور والتشاجر الدائم، وحتى غابت الخصوصية وأصبحت تفاصيل حياتنا الزوجية عرضة لأهلها وتدخلهم المستمر لدرجة غياب الحوار والتفاهم، وكل ذلك أدى للنفور العاطفي الذي يهدد الحياة الزوجية وانعدام الانسجام، وهذه مؤشرات طلاقنا العاطفي وانفصالنا رغم وجود ابننا بحياتنا، لكن لا بد من التحلي بالصبر وتهدئة الامور، فالزواج يحتاج لرجل قوي بكل معنى الكلمة وإنسانة عاقلة واعية لمتطلبات الحياة الزوجية".

5- المشاركة
لا يوجد شخصان في العالم لا تجمع بينهما قواسم مشتركة. بالحوار والتقارب سيكتشف كل طرف ما يمكن أن يشاركه مع الطرف الآخر. يمكن للزوجة أن تشارك زوجها مشاهدة مباراة كرة القدم وتشجيع فريقه المفضل، ويمكن أيضًا للزوج الذهاب مع زوجته أثناء جولة التسوق. كلما زادت فترة القرب والاشتراك سويًا في نفس الشيء، كلما إقترب الحب أيضًا.
كثير من الأزواج بعد مرور بضع سنوات على زواجهم، لا تكاد تسمع منهم إلا الشكوى من شريكهم: لقد كانت حياتُنا الثنائية في السنوات الأولى من زواجنا حلوة ممتعة، كنا نتشارك ونتعاون، نشعر بقرب بعضنا إلى بعض، يلبي بعضنا رغبات بعض، كِلانا يحترم شخصية الآخر واستقلاليتَه في إطار الاحترام والتقدير المتبادل.. إلخ، أما الآن فقد تغيَّر كل شيء؛ العناد، الغرور، الاعتداد بالذات، الابتعاد الوجداني، الإهمال المدمِّر، رفض تقديم المساعدة... إلخ.
هذه هي قصة كثير من الأزواج، وبسببها تجدهم يتجرعون المرارة الأليمة، ويعانون المأساة الحزينة، ثم إما الطلاق، وإما الخيانة، وإما مصابرة الألم والمأساة حتى الموت!
وللأسف فهؤلاء البؤساء لا يدركون أن من أكبر الأسباب التي تُنتج هذه النتيجة المأساوية، وتبلُغ بهم هذه الحال الحزينة: إهمالَهم للمشاركة الفعَّالة في علاقتهم الثنائية!
إن المهم أن ندرك أن الحياة الزواجية السعيدة والممتعة، الناجحة والرائعة، الراسخة والمتماسكة، لا يمكن أبدًا أن يفوز بها شريكان قبل أن يحققا المشاركةَ الفعالة بينهما؛ فهذه الحقيقة تدعمها الحقائق التالية:
• قانون الدين يحتم المشاركة: لأن غرض الدِّين من الزواج هو تعاون الزوجينِ على طاعة الله.
• حقيقة الفطرة تحتم المشاركة: لأن مقصد الفطرة من الزواج هو استكمال فضائلها الرُّوحانية.
• دستور الحب يحتم المشاركة: لأن غاية الحب من الزواج هو أن يشعر الحبيبان بالذوبان والتماهي بينهما.
• قواعد الحياة تحتم المشاركة: لأن حكمة الحياة من الزواج هي إشاعة معاني الفضيلة الجميلة في الواقع.
إذًا فهذه العناصر كلها تحتِّم على الزوجين أن تكون سِمة علاقتهما الثنائية هي المشاركة الفعالة في كل شيء: كبير أو صغير، حتى تترسَّخ فيهما ككل العادات التلقائية؛ ولهذا يكون ثواب الزوجين المحافظين على شعار: "مشاركتنا ضمان نجاحنا وسعادتنا: أن علاقتهما الثنائية تستمر بشكل متواصل، ولكن في مستوى الجمال، الاستقرار، الإثارة، المتعة، العمق.. إلخ، ويكون عقاب الزوجين المهمِلَين لهذا الشعار: أن علاقتهما الثنائية - ربما - تستمر بشكل متواصل، ولكن في مستوى النفور، الاضطراب، البرودة، الضحالة، الجفاف.. إلخ.
الإنسان في الحياة لا يتحرك إلا بدوافع وحوافز، لتحقيق غايات معينة، وبحسب هذه القاعدة الإنسانية، يمكننا أن نفهم أنه يستحيل أن تكون المشاركة الزوجية فعالة، وتؤتي نتائجها الطيبة في حياة الزوجين، قبل أن تستند إلى أربعِ حقائق، وهي:
• وحدة الهدف: الهدف هو الذي يوحِّد جهود الزوجين في سبيل تحصيل السعادة والاستقرار لعلاقتهما الثنائية، وبالتالي يعمل على حملِهما على المشاركة الفعالة لتحقيق هدفهما المقدس: رضا الله، واللقاء في الجنة.

• فهم الشخصية: لا يمكن التعامل مع الإنسان إلا بفهم طبيعة شخصيته، والقيم الكبرى التي تتحكَّم فيها، وبالتالي بقدر ما يفهم الشريكان بعضهما، تكون المشاركة بينهما فعالة جدًّا؛ لأنها تكون مناسبة لطبيعتهما الشخصية.

• وَحْدة المتعة: المتعة تختلف من شخص لآخر بحسب مجموعة من العناصر التي تُشكل شخصيته، والزوجان عندما يحكمهما هدف واحد، لا شك أنه تتوحد المتعة بينهما بما يناسب طبيعة الهدف، وبذلك تكتسب المشاركة بينهما متعة خاصة، عليها طابع شخصيتهما الثنائية.

• قواسم مشتركة: بدون أن تربط بين الزوجين قواسم مشتركة: فكريًّا وعاطفيًّا وأهدافًا، لا يمكن أن يتقدما في سبيل المشاركة الفعالة، فتلك القواسم: رابطة الحب، رابطة الهدف، رابطة الرغبة في البقاء معًا، من أهم أسس المشاركة الفعالة؛ لأن كل طرَف يقدم مشاركته للآخر بحوافز متعددة، ودوافع مختلفة، الغاية منها هو التقارب معه أكثر.
إن تأملاً عميقًا في إيجابيات المشاركة وسلبيات إلغائها من العلاقة الزواجية، كفيلٌ أن يبرهن على هذه الحقيقة؛ وذلك أن:
• المشاركة الفعالة: تُضفي على العلاقة الزواجية معناها وقيمتها وقدسيتها؛ فبالمشاركة الثنائية حول كل شيء يشعر الشريكانِ أن حياتهما بعد الزواج صار لها مذاق آخر، غير أنه لذيذ ممتع، مثير عميق، رائع جميل.

• المشاركة الإيجابية :هي الدليل الصادق لشريك حياتك على أن لديك رغبة قوية نابعة من أعماقِك في إنجاح علاقتك الزواجية به، والاستمرار معه في مستوى الثنائي الأسطوري الرائع، وهذا يشبع في الزوجة غريزةَ الأمان والثِّقة. • المشاركة الإيجابية هي خير وقود للزوج في حياته الخارجية: عمله، علاقاته، طموحاته؛ فهي تملأ نفسَه إشراقًا وتفاؤلاً، وقوة وعزيمة، وبذلك يستطيعُ أن يكون فردًا نافعًا لأمَّتِه في المجتمع.
• المشاركة الراقية: من أهم أسباب تحفيز دوافع شريك الحياة على مزيد من العطاء السخي، وبذل مزيد من الجهد الكبير؛ حفظًا للميثاق الزواجي: بجلب كل ما يرسخه جميلاً في القلب، ودرء كل ما يشوهه قبيحًا في الوجدان.

• المشاركة الجميلة: هي الوسيلة الوحيدة لتفتح عواطف الوجدان وطاقات الروح في الشريك، وبقدر ما يشعر بتفتح مشاعره وعواطفه، يشعُر بقيمته الذاتية في إطار ثنائي جميل.
• المشاركة الرائعة :تحقِّق للزوجين إحدى أعمق الغرائز الفطرية: الجمال، ويتجلى هذا حين يحرصُ زوجان على التسامي من وِهاد الآلية المادية إلى سماء الحيوية المتدفِّقة، فيتحول كل شيء في حِسِّهما وبينهما إلى معنًى جميل، منعش، رائع.

• المشاركة الفعالة :هي بنك المشاعر العاطفية، فمع بعض الهفوات، التحديات.. إلخ، يتمُّ السحب التلقائي من هذا المصرف، فإذا كان ضخمًا، فإن السحب لا يكاد يشعر به الزوجان، وإلا فإن الإفلاس سيشكِّل خطرًا.

• المشاركة البارعة :من أعظمِ الأسباب لتزكية النفس من الأنانية الذميمة؛ لأنها تُشعر صاحبَها بالسماحة، الحب، العطاء، التضحية، وهذا مطلَبٌ دِيني أيضًا.

• المشاركة الراقية: تساهم بشكل فعَّال للغاية في تخفيفِ التوترات الثنائية، كما أنها تعملُ على حمل الطَّرَفين على تجاوز كثير من الأخطاء، والتغاضي عن كثير من الهفوات.

• المشاركة الفعَّالة: مِن أعظم وسائل تربية الأطفال تربية سليمة، بسبب نشوئهم في بيئة سليمة، تسُودها السماحة، ويحفها الحب والتعاون، ويغمرها الحنان والتعاطف والرحمة.
• المشاركة الجميلة: هي أجمل عزاء يقدَّم للنفس، عندما تفشل في مسعاها ولا يتحقق مرادها من أي شيء حرصت على نجاحه؛ إذ إن الرغباتِ قد يفشل المرءُ في تحقيقها، أما المشاركة فتظل آثارها جميلةً في كل الأحوال.

أما سلبيات رفض المشاركة مع شريك الحياة، فيكفي أن نعرفَ أن عدم المشاركة بين الزوجين:
• يُحول العلاقةَ الزواجية إلى كابوس فظيع، وجحيم مهول، يغتال الحب، يحطم الوجدان، يقتُل كل شيء جميل، وكل معنًى نبيل في الشخصية!

• يحرِمُ الزوجين من تحقيق مختلف المقاصد والغايات الموضوعة للزواج، سواء في الاعتبار الدِّيني أم الوجداني أم الاجتماعي!

• يُشيع في فضاء البيت والعلاقة الزواجية أجواءً مشحونة بالتوتر والقلق والأنانية والنفور، بل تتجاوز لتشمل الأطفال أيضًا!

و أخيرًا نقول: إذا كنت ترفض المشاركةَ مع شريك حياتك، وإذا كنت تستبدُّ بالرأي في توجيه علاقتِك به، وإذا كنت تحرص على السيطرة عليه، وإفقادِه الشعور بشخصيته، وضرب سياج من العزلة حوله، فليت شعري لماذا تعتبره شريك حياتك؟! فهذه الكلمة "شريك حياتي" تعني أنك رضيتَ أن يكون هذا الشخص شريكًا لك في كل شيء يخصك، لكي تحقق معه أسمى قدر ممكن من السعادة والانسجام والنجاح.
المشاركة الفعالة والإيجابية لا يمكن أن تؤتيَ ثمراتها الطيبة، إلا أن تكون سمةَ العلاقة الزواجية بشكل دائم ومتواصل في كل شيء، وسنحدد هنا مجالات هذه المشاركة الرائعة:
• المشاركة الإيمانية: تتجلَّى هذه المشاركة في التعاون على طاعة الله ومرضاته، وتذكير الشريك بعدم الاغترار بالحياة الدنيا الزائلة، والاستعداد للآخرة والخلود في الفردوس الأعلى، فمن المفيد أن يحرصَ الزوجانِ على قراءة القرآن معًا، الصلاة معًا، قيام الليل معًا، الصيام معًا، قراءة العلم الشرعي معًا؛ فهذا بالإضافة إلى أنه يعزز أواصرَ الحب والتقارب الوجداني بينهما، فإنه يكسب الزوجين رضا الله، ويستنزل بركاتِه، وقد نبَّه الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى حين قال: ((رحِم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبَتْ نضَح في وجهها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من الليل وصلَّت، وأيقظت زوجها، فإن أبى نضَحَتْ في وجهه الماء))؛ [سنن أبي داود - 1308].

وبهذا تكون المشاركة الإيمانية بين الزوجين سببًا في التنافس على طاعة الله ومرضاته، ويكون الطرَفانِ قدوة لبعضهما بعضًا، على أنك أيها الزوج يجب أن تراعيَ طاقة زوجتك الضعيفة، فلا تكن متشددًا فتنفرَها من الطاعة والعبادة، فذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل وزوجتُه الحبيبة السيدة عائشة رضي الله عنها إلى جانبِه نائمة؛ [صحيح البخاري - 513].
• المشاركة الوجدانية: تتجلَّى هذه المشاركة في تحسيسِ الشريك بالتفهم لاحتياجاته العاطفية، والحرص على تلبيتها وإشباعها بطريقة راقية وجميلة، فمن الجيد أن يهتم الزوجان كثيرًا بالناحية الوجدانية بينهما؛ وذلك من خلال إشباع القِيَم الكبرى لدى كل واحد منهما، وقد سبق أن قلنا: إنها بالنسبة للرجل: القوة - الكفاءة - الإنجاز، وبالنسبة للزوجة: الحب - الجمال - المشاركة؛ فإبداء الزوجة إعجابَها بقوة رجُلها الرائعة، وكفاءته الماهرة، وقدرته على الإنجاز، وتعبيرها بأنه يشبع احتياجات أنوثتها، يشد زوجها إليها بقوة وعمق، وتفنُّن الزوج في أساليب التعبير عن الحب والافتتان بجمالها الساحر، والحضور الدائم معها، لا شك أنه يشُدُّها إليه بقوة، بل يذيب أنوثتها في رجولته الرائعة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على إشباعِ الرغبات العاطفية لزوجاته الطاهرات، من خلال المداعبة الكلامية والعملية.

• المشاركة الحوارية: تتجلَّى هذه المشاركة في فَسْح المجال للزوجة للتحاور حول كل القضايا، سواء الخاصة بالعلاقة الثنائية، أم بالهوايات العامة، أم بالأحداث الخارجية، فعندما يدرك الزوج أن طبيعةَ الزوجة تميل إلى الحوار والكلام التفصيلي، فلا شك أن هذا لن يزعجَه، بل سيحرص على الاستجابة لهذه الرغبة الفطرية فيها؛ لأن المرأة تفكِّر بالكلام، كما أن الرجل يفكر بالصمت، كما أن كثرةَ الحوار والحديث مع الزوجة يتناغم مع عاطفتها الدفاقة، أما الصمت فهو يناسب العقلَ المحتاج للتركيز والهدوء، وعندما يدرك الزوج أن إشراك زوجته في الحوار بمختلف أشكاله ومجالاته يُشعرها بالقيمة والتقدير والاحترام، بل والثقة التي يضمرها لها زوجها في نفسه تجاه عقلِها وأفكارها، فلا شك أنه لن يتوانى عن استغلال الفرص لفتح حوارات معها حول شتى المسائل الخاصة والعامة، وأخيرًا فإن الحوار الدائم مع الزوجة يُشعرها بالأمان النفسي في علاقتها الزواجية؛ لأن ذلك يعني لها أن زوجَها لن يتركَها، ولن يبتعد عنها، وفي المقابل، من المفيد أن يحرص الزوجانِ على الاهتمام بالمجالات الفكرية التي يهتم بها كِلاهما؛ فهذا سببٌ عظيم في تقريب وجهات الرأي، وردم هوَّة الخلافات الفكرية بينهما.

• المشاركة الحميمية: تتجلى هذه المشاركة في التعاون مع الشريك لإحراز المتعة الجسدية في أرقى مستوياتها الممتعة واللذيذة، والحرص على إشراكه في تنميتِها وتطويرها، وتلافي مكامن القصور فيها؛ فقد سبَق أن وضحنا أن فلسفة الجنس والهدف الأرقى منه هو شعور الزوجين بالتماهي والذوبان الرُّوحاني والجسدي في بعضهما، هذه الغاية تقتضي المشاركةَ الفعالة من الطرفين، والاهتمام الإيجابي برغَبات بعضهما بعضًا الجنسية، فكل شخص له شخصية معينة، وبالتالي ميول مختلفة عن الآخرين، ومسارات اللذة التي تُشبع هذه الميول وتلك الشخصية لا يمكن للزوجينِ معرفتُها إلا بالتعاون والمشاركة الراقية، وهذا يكون من خلال الملاحظة الدقيقة، الحوار الصريح حول ما يحب الشريك أكثر، وما يمتعه أعظم، وما ينفِر منه؛ لأنا قلنا: في العلاقة الجنسية لا يمكنك أن تأخذ من اللذة والمتعة إلا بمقدار ما تعطي لشريك الفراش، وبالتالي كلما تفنن الزوجانِ في ممارسة الجنس بينهما، كانت اللذة أعظمَ، والمتعة أحلى، والنشوة أكثر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل على المشاركة الجنسية مع زوجاته ومحاولة التسامي بها إلى مستويات أرقى.

• المشاركة المنزلية: تتجلَّى هذه المشاركة في مساعدة الزوجة في كل ما يخص الأشغال المنزلية، وتقديم الدعم لها بسماحة وسخاء، بل والحرص على تخفيف الضغوط عليها؛ وذلك لأن هذه المشاركة تُدخل على الزوجة سرورًا بالغًا، ومتعة رائقة، تُشعرها بأن زوجها يُقدر تعبها وشقاءها في نظافة البيت، وتحضير الطعام، وتربية الأبناء، كما أنها تُشعرها برقته الحنون، وعاطفته الجياشة، وحبه الكبير لها، عندما تراه يساعدها ويحاول التخفيف عنها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتمُّ بهذه المشاركة مع زوجاته اهتمامًا بالغًا، حتى إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يكلفهن شيئًا من حاجاته يستطيع عمَلَها بنفسه؛ كما أخبرتنا بذلك السيدة عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن عمله في بيته! فقالت: "كان في مِهنة أهله؛ يَخِيط ثوبه، ويخصِفُ نَعْلَه، ويَفْلي ثوبه، ويحلُبُ شاته، ويخدُمُ نفسه"؛ [صحيح البخاري - 6039، السلسلة الصحيحة - 671، صحيح ابن حبان - 1175].
وفي المقابل حين تحرص الزوجةُ على مشاركة زوجها وإظهار التعاطف معه بسبب تعبه وإرهاقه خارج البيت، من خلال توفير أجواء الراحة والهدوء، والحرص على تحضير طعامه ولباسه، وإبداء الفرحة والبسمة البشوش عند عودته، والشوق والتألُّم عند خروجه، فلا شك أن كلَّ هذا يضيف رصيدًا ضخمًا في قلب زوجها لها، على أنكِ أيتها الزوجة الصالحة عندما يشاركك زوجك في أشغال البيت أو تفوضينه للقيام ببعضها، فدعيه يقوم بها بطريقته الخاصة، واكتفِ أنت ببعض التوجيهات العامة فقط، حتى وإن لم يحققِ المهمة كما تريدين أنت، فذلك سيعزِّز ثقتَه بنفسِه، ويبرهن له على مدى ثقتك أنت بمهارتِه.

• المشاركة الأسرية: تتجلى هذه المشاركة في الحرص على التخطيط الثنائي لتدبير النفقات الشهرية، والخطط المستقبلية، وطُرق تنشئة الأطفال، كل هذا في إطار الهدف المقدس الذي يسعى إليه الزوجان: اللقاء في الجنة؛ ولهذا لا مفرَّ للزوجين من المشاركة الأسرية الفعالة، لكي يتحملَ الطرفان عواقبَ اختياراتهما الحياتية؛ إذ ليس من المعقول أن يقرِّرَ أحد الطرفين أمرًا تنعكس آثاره على الأسرة جميعًا، إن إشراك الزوج زوجتَه في تدبير نفقات الأسرة اليومية والشهرية، والتفاهم حول خطط الأسرة المستقبلية، كل هذا يُشعرها بالأهمية والتقدير في وجدان زوجها، والنتيجة هي الحرصُ على ترشيد النفقات بما يتناسب مع مقدرة الزوج المالية، والحرص على اختيار أفضل طرق تربية الأولاد بما ينعكس عليهما وعليهم إيجابيًّا، وهما ينطلِقان في هذه المشاركة من منطلق أن الدنيا فانية زائلة، وأن اللهاثَ خلف سرابِها بُغية توفير المستوى المعيشي الباذخ، ليس إلا حماقة نكراء؛ ولهذا نهى الله عن التبذير؛ لأنه يدفع صاحبَه للغرق في بحر الدنيا، كما أن حِرصَهما على التفاهم على إحسان تنشئة الأولاد بما ينسجم مع تعاليم الشريعة، هو بسبب أن هؤلاء الأولادَ هم أمانة الله لدى الوالدين.

• المشاركة الاجتماعية: تتجلى هذه المشاركة في الاهتمام بعلاقات الشريك الاجتماعية: الأهل، الأصدقاء، ومعرفة مستويات هذه العلاقات، والعمل على ترشيدها لخدمة العلاقة الثنائية ومنفعة الأسرة؛ ذلك لأن الإنسان كائنٌ اجتماعي؛ ولهذا لا يجد مفرًّا من إنشاء علاقات اجتماعية، تُشبِع فيه الجانب الاجتماعي من فطرته، والإنسان بالرغم من الحب الكبير الذي يجمعه مع شريك حياته، فإنه يجد رغبة دفينة في إنشاء علاقات اجتماعية مع أشخاص آخرين من أبناء جنسه: ذكور، إناث، تتجاوز شريكه، غير أن واقع الناس - وقد قلَّ الوازع الديني، وتفشَّى الفساد، وشاعت الفتن - يحتِّم على الزوجين أن يتحاوَرا حول علاقاتهما الاجتماعية المختلفة، بغرض حِفظ حياتهما الأسرية من كل ما قد يسبب لهما الأضرار والمفاسد.
فكم من زوجين أهملا هذه النوع من المشاركة بدعوى: حريتي الشخصية! فكانت العواقب وخيمة جدًّا عليهما معًا.
وكل هذا لا يجب أن يُعدَّ سببًا في حرمان الشريك من أصدقائه ومعارفه الصالحين، بل بالحريِّ أن احترام صداقات وعلاقات الشريك يعزِّزُ الثقة، ويُشعل العاطفة بينهما.

• المشاركة الشخصية: تتجلى هذه المشاركة في تحسيس الشريك بالاهتمام بطموحاته الشخصية، واهتماماته الذاتية، وتقديم مختلف أشكال الدعم والمساندة ليحقق أفضل مستويات النجاح في طموحاته؛ وذلك أن كلَّ إنسان له شخصية خاصة، توجِّهه إلى أهداف معينة، وتميل به إلى تفضيل هوايات على غيرها، والشريك عندما يجد الدَّعمَ من شريكه لتحقيق أهدافه وبلوغ طموحاته، وعندما يجده يشاركُه في هواياته واهتماماته، فلا شك أن هذا يعزِّزُ أواصر الحب بينهما، ويُشعره بالثقة والقوة والأمان؛ فالزوجة الصالحة عندما تجد زوجها عاشقًا لفرع معين من فروع الثقافة والمعرفة، أو هاويًا للعلوم والتكنولوجيا، أو الخدمات الاجتماعية.. إلخ، فإنها تحرصُ على الإلمام بهذه المجالات؛ لكيلا يشعر زوجها بأنها غريبةٌ عنه، وأنه غريب عنها، بل يشعر بالانسجام والتناغم معها، ونفس الشيء مع الزوج، ونحن إذا راجَعْنا تاريخ العظماء والناجحين في مختلف المجالات، سنجد أن هذا الشخص كان مدعومًا بقوةٍ وحب من طرَف زوجته، وإذا كانوا يقولون: وراء كل رجل عظيم امرأةٌ، فنحن نقول: يجب على الزوجة الصالحة أن تكونَ وراء زوجها وبجانبه، فهذا التحفيز والدعم من طرفها له، يعطيه قوةً هائلة وطاقة جبارة للتقدم في مسيرة النجاح بإذن الله.

إن هذه الأنواع من المشاركات الآنفة الذكر، لا شك - كما أثبت الخبراء والواقع - أنها أقوى روابطِ الحب بين الزوجين وتجديده في قلبيهما، وإذابة رُوحيهما في بُوتقة واحدة: بوتقة الجمال والانسجام والتناغم.
من أجل ذلك فإن الزوجينِ الذَّكيين هما اللذانِ يحرصان على استغلال كل الفرص واستثمار كل صغيرة وكبيرة للتعبير عن رُوح المشاركة الجميلة، فما المشاركة بمختلف أشكالها وألوانها إلا تعابير عن الحب، الشوق، الإعجاب، التقدير، ولكن بطريقة مختلفة، وأسلوب متفرد.
غير أن كل ما ذكرناه لا ينبغي أن يُفهم منه أنه دعوة للرجل أو للمرأة أن يسيطر على حياة شريكه بشكل كامل ومطلق، إطلاقًا؛ ذلك لأننا يجب أن ندرك أن محاولةَ السيطرة على الشريك بمثل هذه الطريقة السلبية هي في الحقيقة سعيٌ لخَنْق رُوحه، اغتيال شخصيته، تدمير كل طاقاته الذاتية، التي من الممكن أن يستغلَّها لصالحِ إنجاح العلاقة الزواجية، ولأجل هذا يجب على الزوجين أن يحرِصا على المشاركة الفعالة في كل شيء، ولكن مع إتاحة الفرصة لبعضهما للشعور بالاستقلالية الشخصية؛ فالإنسان بطبيعته يعشق الحرية، يعشق الاستقلال، ويُبغِض جدًّا مَن يحاول أن يحرمَه منهما.
ولهذا نوجِّه الدعوة إلى كل زوج لأن يحترمَ شخصية زوجته، ويحترم طبيعة الأنوثة فيها: فهناك أشياء تحب الأنثى ألا يتدخلَ فيها الرجل، بل تفضِّل منه الإشادة والإعجاب فقط، وهناك أوقات تفضِّل الزوجةُ أن تكون بعيدة عن الرجل - ولو زوجها - منعزلة مع أنوثتها وعاطفتها فقط، أو تريد أن تشعرَ بالانتماء إلى مجتمع الإناث فقط، وتكره أن يتدخل الرجلُ - ولو زوجها - في هذه العزلة الأنثوية، أو هذا المجتمع النسائي.
وأيضًا نوجه الدعوة إلى كل زوجة لأن تحترمَ شخصية زوجها، أن تحترم طبيعة الرجولة فيه: فهناك أشياءُ يحب الرجل ألا تتدخلَ فيها الأنثى، بل ينتظر منها التقديرَ والإطراء والتحفيز.
وهناك أوقات يفضل الزوجُ أن يكون بعيدًا عن الأنثى - ولو زوجته - منعزلاً مع رجولته وعقله فقط، أو يريد أن يشعر بالانتماء إلى مجتمع الذكور فقط، ويكره أن تتدخل الأنثى - ولو زوجته - في هذه العزلةِ الرجولية أو هذا المجتمع الذكوري؛ ولهذا لا زلنا نشدِّدُ على معرفة الفروق الجوهرية بين طبيعة الرجل والمرأة، واحترام الزوجين لها؛ فالحياة الزواجية السعيدة هي تعاونٌ ومشاركة، وليست مغالبة أو سيطرة.
إذًا لتكن حرية واستقلالية ضمن مشاركة ثنائية رائعة ومثيرة وممتعة، ولنتذكر دائمًا قول تشارلس نورتام لي: "لكي تكون هامًّا، كن مهتمًّا"، بل لنتذكر قولَ الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِب لأخيه ما يُحِب لنَفْسِه))؛ [صحيح البخاري - 13].
"ما لم يتمَّ الحفاظُ على رصيد كبير من الثقة من خلال الإيداع المستمر، سيتعرض الزواج للتدهور، وبدلاً من التفهُّم والتواصل الغني والمستمر سيتحول المنزل إلى فندق به شخصان، يحاول كل واحد منهما العيشَ بأساليب حياة مختلفة بكل احترام وتسامح، ويمكن أن تشهد العلاقة المزيد من التدهور لتتحول إلى علاقة عدائية ودفاعية، وتخلق استجابة الهروب أو المواجهة معاركَ لفظية، وصفق الأبواب، ورفض الحديث، وانسحاب عاطفي، ثم الشفقة على النفس، وربما ينتهي الأمر بشنِّ حرب باردة بالمنزل لا يوقفها سوى الأطفال، أو العلاقة الحميمة، أو الضغوط الاجتماعية، أو الحفاظ على الصورة، أو ربما ينتهي الأمر في ساحات المحاكم، حيث تستمر المعارك القانونية التي تدمر الذاتِ لسنوات عديدة، وحيث لا يتوقف الناس عن ذِكر خطايا الزوج السابق، وهذا يحدُثُ في أكثر العلاقات حميمية وثراءً ومتعة وإشباعًا، والتي يمكن أن تنشأ بين شخصينِ على وجه الأرض".
6- التخلي عن الصورة الخيالية للحب
كثيرًا من الأزواج يقعون ضحية الصورة الرومانسية والتصورات المسبقة عن الحب والزواج، فيجدون حياة غير التي قد رسموها وخططوا لها في أذهانهم. وهذا ما أكدته العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية أن معظم المشكلات الزوجية وارتفاع حالات الطلاق ناجمة عن التصورات الخيالية المستندة من المسلسلات والأفلام والقصص والتي تُظهر الأزواج بصورة غير واقعية وكأنهم ملائكة لا يخطئون، في حين تكون الحياة الواقعية مشهد يعج بكل التفاصيل التي لا تشبه تصوراتهم.
وأخيرًا...فإن الحب يمكن أن يأتي وينمو ويقوى بعد الزواج بل ويستمر إلى الأبد. فهذا كله متعلق بإرادة الزوجين وقدرتهما على فهم مشاعرهما الشخصية وإحتواء بعضهما البعض.
ان كنت لا تقيم ذاتك وتقدرها وتدرك قيمتها فكيف يمكن للشريك أن يقدرك؟ ففي العلاقات ما من عامل يلعب دورا أساسيا في تكوين علاقة صحية وأصيلة مثل احترام الذات والإيمان بها، فإن كنت تعتقد بأنك لست جيدا بقدر كاف فكيف لك أن تصدق أنه يمكن لشريك محب ان يختارك؟
تدني وتراجع تقدير الذات من شأنه ان يكون عاملا مخربا في تدمير علاقاتك التي لها امكانات واحتمالات للتطور، وحتى تؤثر سلبا على تسويتها بحيث تصبح علاقة تتوافق فيما تعتقده وتنظر به إلى ذاتك، وهذا الأمر يتفاقم ان كنت تنظر لنفسك بانك أقل من المستوى.
ولكن كيف يؤثر تدني تقدير الذات وينعكس سلبا على العلاقات في الحياة خصوصا تلك التي تحمل جانبا كبير من المشاركة والخصوصية، وهي تشمل الحب والارتباط خصوصا بين البالغين بحسب موقع psychologytoday:
تتوهم وترسم صورة خيالية في هذه الحالة يتخيل الفرد أنه يائس وسيأتي الفارس على حصانه لإنقاذه من الوضع والظروف التي تحيط به وكل شيء سيغدو أفضل. ويتشكل هذا الحنين للفارس من الوقوع في الحب مع خيال الأب وهي تتعاظم مع من فقد أباه، في العلاقة التي يدخلها يشعر أنه مضطر للتمسك بالصورة الخيالية الكاملة كنوع من الحماية، ويحاول أن يجبر الشريك أن يختبر المشاعر المفرطة من الرومانسية، والتي بالطبع على أرض الواقع لا تعمل ولا تجدي نفعا.
واحيانا يكون الشريك صلبا وحنونا ويتفق مع الشروط، ويمنح تلك المحبة التي يحتاجها الطرف الآخر، ولكن المطاف ينتهي به لقلة تقديره لذاته بان يخرب العلاقة باي شكل من الأشكال.
الاختبار، تبدأ باسئلة مثل “كيف يمكن أن تحبني ؟؟، وهولا يحبني..؟” ويكمن تحت مثل هذه الأسئلة الدليل على انعدام الأمن، فانت لا تصدق فكرة ان تكون محبوبا، لذا تختبر الشريك في كل فرصة للتأكد من حبه الذي بالطبع” لا تثق به”. ومن المحتمل ان تقوم بتخريب العلاقة لأنك تعرف أن شريكك سيتركك في نهاية المطاف إن بقيت تختبره وتشكك في مشاعره.
والنهاية ستكون “ألم أخبرك، لا يمكن لأحد ان يحبني”. وتشعر بأسى وندم شديد بعد انتهاء العلاقة لأنك فقدته بهذه الطريقة.
,ولا شك لمن عاني من انفصال الوالدين، أو من علاقة مضطربة بينهما في الصغر، سيكون الحال في علاقاته بان يشعر بانه غير قادر على الثقة بالشريك سواء أدرك ذلك بوعيه أم لا.
وقد تكون مترددا وحتى خائفا من ان تسمح لنفسك في الوقوع بالحب لذا تختر إما التخلي عن هذا الشريك قبل أن يتخلى عنك او لا تتيح لنفسك بان تعمق علاقتك معه، مفضلا الوحدة على التعرض لمثل هذا النوع من الألم والأذى العميق.
كونك مدركا للظروف التي تولد تدني احترام الذات وتركها دون معالجتها فإنك تجد نفسك منجذبا لعلاقات تشعرك بعدم القدرة على الشعور بالأمان. وحين لا يتواجد هذا الشعور فانك تستمر في هذه العلاقة التي تشعرفيها بانعدام الامان لأنها هي العلاقة الوحيدة لتي تشد انتباهك وتنجذب نحوها.
انك على استعداد لربط نفسك مع شخص يعرب عن اهتمامه بك، بغض النظر عن سلوكياته التي قد لا تعجبك وكل هذا لأنك تشعر بانك محظوظ جدا بان لديك شخصا أبدى اهتمامه بك حتى لو لم تكن سعيدا.
كما انك تشعر بفقدان الثقة بالشريك حتى لو كان مخلصا لأنك تفترض الخيانة من الشريك حتى لو كان صادقا ومخلصا وتستمر هذه الدوامة حتى تغدو غير قادرا على الثقة بالشريك وتفتعل دوما اي ظرف حتى تشكك بنزاهته وتصر على انه يكذب طوال الوقت لدرجة تفقد فيها القدرة على الاعتقاد بانه ما من أحد يكذب او يخون وما من شخص يمكن الوثوق به.
هذه الطرق والتصرفات تثري المعرفة وتلفت الانتباه لما يمكن أن يكون خللا في امكانية تواصلك مع الشريك، او في طريقة اختيار العلاقات التي تريد منها أن تكون جدية في حياتك، وهي تعزز قيمة واهمية رفع مستوى احترامك وتقديرك لذاتك.
1 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.