tafrabooks

Share to Social Media

جوناثان يصل القلعة
بينما استمر الركاب في التعوذ برسم علامة الصليب على أجسادهم، ودَّعهم جوناثان وتسلق العربة. كان الليل قد انتصف تقريبًا. تذكر جوناثان كلمات السيدة العجوز، فلم يتمالك إلا أن يرتعد لذكرها بالرغم من الدثار والشاي الساخن اللذين قدمهما له مساعد الكونت. بل زاد ارتعاده عندما سمع عواء الذئاب يدوي من بعيد. كانت الخيول ترتعد هي الأخرى، أو على الأقل كان صهيلها ينمُّ عن خوفها.
وفي تلك اللحظة انقشعت سحابة كانت تحجب ضوء القمر، ليغرق المشهد في ضوء أزرق شاحب خافت. كانت تحيط بهم من كل مكان ذئاب بمخالب بيضاء وألسنة حمراء وأطراف طويلة وشعر أشعث.
وثب جوناثان من مكانه، كم كان مُريعًا أن يعرف أن هذه المخلوقات ظلت على مقربة منه طوال الوقت. لكن مساعد الكونت اكتفى برفع ذراعيه والهمس بشيء للذئاب، فتراجعت على الفور. بعدها، حجبت سحابة ضوء القمر، ومرة أخرى أصبحوا يسيرون في ظلام دامس.
قطعت العربة المسافة المتبقية مرتقيةً الجبل شديد الانحدار لتصل القلعة التي رآها جوناثان حينها وكانت حطام قلعة مقفرة. عبر الجَمع خلال مدخل مقنطر، ودخلوا بهوًا مظلمًا ثم توقفوا.
ترك السائق جوناثان وأمتعته عند الباب الأمامي للقلعة، ودون أن يقول كلمة أخرى أو يعطي أي توجيهات، انسلَّ خارجًا. واختفت العربة في الظلام.
كان الباب الأمامي الضخم مصنوعًا من الخشب، وعليه نقوش دقيقة التفاصيل، لكن جوناثان لم يجد به أي مطرقة أو جرس. عندما تراجع خطوة للخلف ونظر لأعلى نحو نوافذ القلعة الشاهقة المظلمة، لم يرَ أي شعاع ضوء.
في تلك اللحظة، سمع من خلف الباب صوت خطوات تقترب. كانت الخطوات تتبعها أصوات تحريك سلاسل رنانة ومزلاجات ضخمة. انفتح الباب وكان يقف عنده رجل عجوز طويل القامة يرتدي حلة سوداء بالكامل بعينين لامعتين كانتا تبدوان مألوفتين على نحو غريب. كان له حاجبان كثيفان وبشرة شاحبة وشفتان حمراوان فاقع لونهما. وعندما ابتسم، كشفت تلك الشفاه الحمراء عن أسنان عاجية حادة.
قال الرجل بلهجة إنجليزية متمكنة ولكن مفخمة: «مرحبًا بك في قلعتي، أنا الكونت دراكولا.» ومد يده يصافح جوناثان.
أخذ الكونت حقائب جوناثان وأرشده إلى الطريق حيث سارا وسط ممرات مظلمة طويلة، وصعدا العديد من السلالم الحجرية الملتفَّة. وأثناء سيرهما تساءل جوناثان: «أي مغامرة مريعة ستكون هذه؟» ولكن عندما فتح الكونت باب الغرفة التي من المفترض أن يمكث بها جوناثان، شعر جوناثان بشيء من الطمأنينة. رأى هناك نارًا متوهجة ودافئة تتوسط الغرفة وعشاءً طيبًا قد بُسط له على طاولة قريبة.
قال جوناثان يطمئن نفسه: «كان غباءً مني أن أشعر بالخوف، لقد سمحت لشكوك أهل المدينة أن تؤثر في نفسي.» وعلى كل حال، لقد كان محترفًا جاء يؤدي مهمته. لكنه كان أيضًا يتضوَّر جوعًا.
سأل جوناثان الكونت وقد رأى أن مكان الطعام أُعد لشخص واحد: «ألن تتناول العشاء معي؟»
أجاب الكونت: «لا، فأنا لا … أقصد أني قد أكلت بالفعل.»
لكن الكونت مكث برفقة جوناثان وهو يتناول طعامه، وطرح عليه وابلًا من الأسئلة.
سأله مثلًا: «لو أن سفينة دخلت ميناءً إنجليزيًّا، فهل يمكنني تكليف شخص بالذهاب وتلقي شحنة ونقلها إلى المدينة؟»
أجاب جوناثان: «بالطبع، يمكن لشركتي أن ترتب لهذا نيابةً عنك.»
سأله الكونت: «وماذا لو أردت الترتيب لهذا بنفسي، اعذرني، فأنا أثق في أنك ستتفهَّم أنه على المرء أحيانًا أن يدبر شئونه الخاصة، وألا يفشي لأحد بكل تفاصيل عمله.»
أعطى جوناثان الكونت أسماء الشركات التي يمكن أن تتولى القيام بمثل هذه الأمور.
ومع دخول أول شعاع خافت لضوء الصباح من نافذة غرفة جوناثان، هبَّ الكونت واقفًا ودفع مقعده للخلف. وفي مكان ما في الوادي أسفل القلعة كانت الذئاب تعوي من بعيد.
ارتعد جوناثان وقد استحضر صورة المخلوقات المرعبة التي كانت تقف على طول طريق العربة. ولكن الكونت ابتسم، وقال في لهفة: «استمع إليهم، إنهم أبناء الليل.»
زاد ارتعاد جوناثان، ليس لأنه سمع هذا التعليق الغريب فحسب، ولكن عندما رأى شيئًا آخر لم يلحظه إلا في ذلك الوقت؛ يدي الكونت، يغطيهما شعر كثيف غريب، وأظافرهما طويلة مدبَّبة الأطراف وكأنها مخالب.
لكن جوناثان كان يأمل أن تتضح الأمور في الصباح.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.