مقدمة
يرجع مصطلح "الحب الإلهي" إلى القرن الثاني الهجري، فقد كانت الحياة قبل ذلك يحركها عامل "الخوف" من الله ومن عقابه، ونذكر هنا أن "الحسن البصري" (21-110هـ) أبرز ممثلي هذا الطور في حياة الزهاد والعُبَّاد الأوائل، فقد عرف عنه أنه كان يبكي من خوف الله حتى قيل "كأن النار لم تخلق إلا له".
وقال أبو طالب المكي ”إن المحبة أكمل مقامات العارفين … وهي إيثار من الله تعالى لعباده المخلصين”، كما قال الطوسي بأنها هي "حال "لعبد نظر بعينه إلى ما أنعم الله به عليه، ونظر بقلبه إلى قرب الله تعالى منه وعنايته به، وحفظه وكلاءته له، فنظر بإيمانه وحقيقة يقينه إلى ما سبق له من الله تعالى من العناية والهداية وقديم حب الله له، فأحب الله عز وجل".
ومن أشعار رابعة العدوية في الحب الإلهي:
عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك وأغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى وحــبًّــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك
فــأمَّا الــذي هــو حب الهــــوى فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك
فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لـــي ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك
أحبــك حـبـيـن.. حــب الهـــوى وحــبًّــــا لأنــــك أهـــل لـــذاك
وأشتـاق شوقيـن.. شوق النـوى وشـوقًا لقرب الخطــى من حمـاك
فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى فمسـري الدمــوع لطــول نـواك
وأمــا اشتيـــاقي لقـــرب الحمـــى فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك
ولست على الشجو أشكو الهوى رضيت بما شئت لـي فـي هداكـا
يا سروري ومنيتي وعمـادي وأنـيـسـي وعـدتـي ومــرادي
أنت روح الفؤاد أنت رجائـي أنت لي مؤنس وشوقك زادي
أنت لولاك يا حياتي وأنســي مـا تـشـتت في فـسـيـح البـلاد
كم بدت منة، وكم لك عنــدي مـن عـطـاء ونـعـمـة وأيـادي
حبـك الآن بغيتـي ونعـيـمــي وجـلاء لعيـن قلبــي الصـادي
إن تكـن راضيـًا عنـي فإننــي يا منـى القلب قد بـدا إسعـادي
أبيات شعر لابن الفارض في العشق الإلهي
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سر أرق من النسـيم
إذا سرى وأباح طرفي نظرةً أملتها فغدوت معروفًا
وكنت منكرًا فدهشت بين جماله وجلاله
وغدا لسان الحال مني مجهرًا
عندما تعرف روحُك روحي معرفةً تامة
فإن كلا الروحين يتذكر أنهما
كانا روحًا واحدًا في الماضي
أما جلال الدين الرومي فيري أن لهذا الحب مظاهر متعددة واتجاهات مختلفة ومشارب متنوعة، فهو قد يكون متجهًا نحو إنسان، ذكرًا أو أنثى، وقد يكون متجهًا نحو بلد أو وطن، وقد يكون نحو إله أو معبود، أو فكرة معينة، وقد عبَّر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى: "وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحبونَهُمْ كَحب اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حبًّا لِّلَّهِ".
ولا يتحقق الحب إلا إذا شعر المحب بفضل المحبوب عليه، وبانجذاب يدفعه إلى الميل إليه، فكلما كان الفضل أكبر وأقوى، وكلما كان مشبِعًا للحاجات المادية والنفسية للمحب كان أقوى وأعنف؛ لأجل ذلك كان من المفروض أن يكون حب الله تعالى في أعلى الدرجات وأرقاها مرتبة؛ لأن الله تعالى هو المنعم المتفضل، وكل فضلٍ أورث حبًا إنما كان بفضل الله وتوفيقه، لذلك جاء التحذير الرباني من الغفلة عن ذلك، والخلل في ترتيب المحبوبات وتحديد درجاتها، فقال تعالى: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحب إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ".
حب الله مُقدَّم على أي حب
إن حب الله تعالى ينبغي أن يكون الأول لا يتقدمه حب؛ لأن كرمه لا يعلوه كرم، وفضله لا يدانيه فضل. ويزداد حب الله وينمو بدوام التأمل في نعمه واستشعار قيمتها وأهميتها؛ لذلك وردت المئات من آيات القرآن الكريم التي تذكّر الإنسان بآلاء الله تعالى ونعمه ظاهرة وباطنة، وهي نعم لا يمكن عدها وإحصاؤها لكثرتها وعظمتها، فقال تعالى: "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا أن اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ"، وليس ذلك إلا ليثير عند الإنسان مكامن الحب ويفجر في نفسه أشواقه الروحية، ويوجه عاطفته وجهتها الحقيقية، وبهذا الحب يندفع الإنسان نحو طاعة الله تعالى وتنفيذ أوامره بكل فرح وسرور، ورغبة واشتياق، هذه الطاعة التي توصله في النهاية إلى محبة الله تعالى ورضاه، فلا حب أعظم وأرقى وأجمل من الحب المتبادل بين العبد وربه، قال تعالى: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحبونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، وإذا وصل الإنسان إلى هذه الدرجة وصل إلى مرتبة العبودية الحقة، عبودية عنوانها الحب في الله ولذات الله. ولما كان خضوع الإنسان واستسلامه إنما يكون بأحد أمرين، إما بالحب والترغيب، وأما بالخوف والترهيب.
ولنتعرَّف على معنى الحب الإلهي عند الصوفية.
الحب الإلهي عند الصوفية:
محبة الله تعالى
إن محبة الله من أعظم مقامات العبادة، عليها تدور رحى الطاعة والسير إلى الله، لأنها تسوق المؤمن إلى القرب وترغبه في الإقبال على الله، وتجشم المشقة والعناء في سبيل رضا الله والفوز بجنته. قال تعالى في وصف المؤمنين: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحبهُمْ وَيُحبونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ". وفي صحيح البخاري من حديث أنس- - قال رسول الله- : "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدًا لا يحبه إلا للّه، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اللّه كما يكره أن يُلقى في النار"، فمحبة الله يذوق بها العبد حلاوة الإيمان.
ومحبة الله هي إيثار محبة الله على ما سواه بالتزام أمره واجتناب نهيه، واتباع رسوله-- في كل كبير وصغير وسلوك طريق المحبين والتحزب لأهل محبة الله ونصرتهم ومودتهم وصرف المحبة الإيمانية لكل محبوب لله والبعد عن كل ما يسخط الله وينافي محبته، وشرط المحبة لله الإحسان في العمل واتباع الشرع. فلا تصح المحبة ولا تقبل الدعوى من أحد إلا بما يوافقها من العمل الصحيح. أما ادعاء المحبة مع عدم التزام بالشرع فدعوى كاذبة وغرور باطل من جنس أماني أهل الكتاب التي لا تساوي شيئًا عند الله. قال تعالى: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحبونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"، قال بعض السلف: "ادعى قوم على عهد رسول الله أنهم يحبون الله، فأنزل الله هذه الآية". وهذه الآية تسمى عند السلف بآية الامتحان، يمتحن بها كل من يدعي محبة الله، فإن كان متبعًا للسنة كان صادقًا في دعواه، وإن كان مُعرضًا عن السنة كان كاذبًا في دعواه. أما دعوى المؤمن الصادقة لمحبة الله ورسوله فتنفعه بإذن الله ولو قصر في العمل أو منعه عذر ولم يلحق بالمقربين لما ثبت عند الترمذي عن أنس-- قال: قال رسول الله-: "أين السائل عن قيام الساعة؟" فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: "ما أعددت لها؟" قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله-: «المرء مع من أحب وأنت مع من أحببت»، فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا، وهذا محمول على صدقه وإخلاصه واحتسابه المحبة لله ورسوله، واجتماعه معهم في الجنة لا يلزم مشاركتهم في الدرجة والمنزلة.
وأعظم ما يمتحن به العبد في باب المحبة لله ما كان يألفه من دواعي الهوى والنفس الأمارة بالسوء والعوائد السيئة، فإن قدَّمها على محبة الله، وأتبع نفسه إياها، فقد باء بالخسران، وفاته خير عظيم، وإن قدَّم محبة الله عليها واعتزلها وتركها لله، فقد فاز وكان من أهل الفلاح، ولذلك امتحن الله المؤمنين بتقديم محابهم الثماني على محبته والجهاد في سبيله، فقال: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحب إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ". فتارك الصلاة يمتحن بفعل الصلاة، وشارب الخمر يُمتحن بترك الخمر، والزاني يُمتحن بتركه الزنا، وآكل الربا يُمتحن بتركه الربا، والكذاب المفسد بين الناس يُمتحن بتركه النميمة، والمرأة المتبرجة تُمتحن بالحجاب، والفنان يُمتحن بهجر الغناء المثير للغرائز وهكذا.
ولا يمكن أن يخلو قلب المؤمن من أصل محبة الله؛ لأن ركن العبادة الركين المحبة، فما دام قلبه مشتملًا على محبة الله فهو يعبده، ويقبل على طاعته، ويكفر بما دونه من المخلوقين. والمؤمنون يتفاوتون في هذا المقام. قال ابن تيمية: "فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضلًا عظيمًا فمن كان أعظم نصيبًا من ذلك كان أعظم درجة عند الله".
مراتب المؤمنين في المحبة
المرتبة الأولى:
هي كامل المحبة لله تعالى، والالتزام بكل الواجبات والسنن التي أمر بها، والابتعاد عن المحرمات والمكروهات. وهذا حال الأنبياء والأصفياء من هذه الأمة.
المرتبة الثانية:
هي مقتصد المحبة لله تعالى، أي من اقتصد في عمله، وترك المحرمات، وواظب على الواجبات، ولم يتزوَّد من الصالحات. وهذا حال عامة الصالحين.
المرتبة الثالثة:
أي من أنقص في محبة الله، وقصر في فعل الواجبات، وارتكب المحرمات، وأسرف على نفسه بالسيئات. وهذا حال أهل الغفلة والهوى من هذه الأمة.
أما المنافق والكافر فقد خلا قلبه من محبة الله الخالصة، وانصرف حبه للآلهة والأنداد من دون الله، وساووهم بمحبة الله، فأشركهم في محبة الله كما ذمهم الله بذلك بقوله تعالى: "وَمِنَ الناس مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحبونَهُمْ كَحب اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أن الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأن اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ" ويدخل في هذا الباب محبة الكفار والشرك والبدع وإشاعة الفاحشة وأهل الفساد.
أسباب جلب المحبة لله تعالي
وثمة أسباب تجلب المحبة لله عز وجل:
1- إخلاص القصد لله في العبادة.
2- تلاوة كلام الرحمن والتدبر في معانيه.
3- الإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار.
4- المواظبة على الصلوات الخمس في بيوت الله.
5- الإنفاق وبذل المال في مرضاة الله.
6- ملازمة حلق العلم ومجالس الإيمان.
7- مصاحبة الصالحين والبعد عن الفاسقين.
8- الإحسان إلى الخلق والنصح لهم.
9- الصبر والاحتساب على الأقدار المؤلمة والرضا بها.
التقرب إلى الله تعالي
ومن أعظم ما يحقق المحبة للمؤمن كثرة التقرب والتطوع بالصالحات لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة-- قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعـطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والاشتغال بذكره وخدمته، فأوجب له ذلك القرب منه والزلفى لديه. والمحب لله كثير الذكر لمحبوبه وكلام محبوبه. قال بعض السلف: "المحب لله طائر القلب كثير الذكر". وقال خباب بن الأرت لرجل: "تقرَّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرَّب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه" (رواه الحاكم)، وقال ابن مسعود: "من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله" (رواه الطبراني) . وإذا نال العبد محبة الله سدد سمعه وبصره ويده ورجله وأيده بتوفيقه وصانه عن الرذائل، فلا يستعمل جوارحه إلا في المباحات وإذا أحب الله عبدًا حماه من فتنة الدنيا. فعلامة التوفيق في العبد إعراضه عن الدنيا وفراره من فتنتها وخشيته من زخرفها وعلامة الخذلان والحرمان للعبد إقباله على الدنيا وفرحه بها وافتتانه بزخرفها والانغماس في ملذاتها. وليس أضر على قلب المؤمن ودينه من حب الدنيا وأهلهاـ والله العاصم والموفق. والتعرف على صفات الله العلي وأسمائه الحسنى ومحبتها توجب محبة الله ورضاه عن العبد، لما روت عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله-- بعث رجلًا على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: أخبروه بأن الله تعالى يحبه» (متفق عليه). فهنيئًا للسني الموحد في أسماء الله وصفاته الذي يثبت ما أثبته الله لنفسه فهو خليق بمحبة الله، وبئس للجهمي المعطل لأسماء الله وصفاته، فهو خليق بسخط الله ومقته.
موانع تمنع المحبة
وثمة موانع تمنع المحبة وتضعفها:
1- الرياء وإرادة الدنيا في عمل الآخرة.
2- هجر كلام الرحمن والجفاء منه.
3- إضاعة الفرائض والتهاون في فعلها.
4- الغفلة عن ذكر الله.
5- الشح بالمال ومنعه عن ذوي الحاجات والفقراء.
6- الاشتغال بالمعاصي والملاهي الموجبة لسخط الله.
7- مصاحبة أهل الغفلة والفساد.
8- حب النفس وترك النصح للخلق.
9- التسخط والتضجر من الرزايا والمصائب.
والله جل جلاله يحب من شاء من عباده، ويحب من أقوالهم وصفاتهم الحسنة. قال تعالى: "وَاللَّهُ يُحب الصَّابِرِينَ". وقال تعالى: "وَاللَّهُ يُحب الْمُحْسِنِينَ". فالمحبة صفة اختيارية ثابتة لله تعالى على الوجه اللائق به من غير تشبيه ولا تعطيل، فهو سبحانه يحب من شاء متى شاء، والسعيد من نال محبة الله في أرضه وملكوته.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله تعالى يحب فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض». فيا سعادة من فاز بهذه المرتبة الشريفة التي لا تعدلها مرتبة في الدنيا لا مال ولا جاه ولا سلطان. قال هرم بن حيان: "ما أقبل عبد بقلبه على الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه ودهم". ومن كمال محبة الله وتمامها المحبة لله، فيحب المرء عملًا وقولًا وهيئة وزمانًا ومكانًا معينًا لأجل محبة الله لها فيؤثرها على سائر الأشياء، ولو زهد فيها الناس. فكل عمل ورد فيه ثناء الله عليه ومحبته له في الكتاب والسنة أحبه ودعا إليه كتحسين التلاوة بالقرآن وغيره. وكذلك مما يحمد في هذا الباب أن يكون تصرف العبد كله لنيل مرضاة الله ومحبته، ولهذا ورد في الحديث: "من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" (رواه أبو داود). ومن كمال محبة الله وثمرتها المحبة في الله، فيحب الرجل أخاه ابتغاء مرضاة الله لا يحبه لأجل نسب أو حسب أو مال أو دنيا، وقد ورد في ذلك فضل عظيم في الآخرة كما في قوله-: «قال الله عز وجل وجبت محبتي للمتاحبين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ» (رواه أحمد). وفي (صحيح مسلم): "إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". فمحبة الرجل الصالح ومودته والقيام بحقه والذب عن عرضه لأجل إيمانه بالله ورسوله مع كونه من الأباعد نسبًا وبلدًا يدل على امتلاء القلب بمحبة الله وتعظيمه وتوقيره وإيثار ما عنده من النعيم على عرض الدنيا الزائل. وسئل المرتعش: بم تنال المحبة. فقال: "بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه". وليس إعطاء الله الدنيا للعبد علامة على محبته له واصطفائه كما يظنه الجهال، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وقد اختار لنبيه-صلى الله عليه وسلم- الفقر ومنع عنه الدنيا، وجاء في الحديث: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء» (رواه الترمذي). فلا ينبغي للغني أن يفرح بها ويظن أنه من أهل الرضا، ولا ينبغي للفقير أن يحزن على فقدها ويظن بربه سوءًا. وإنما علامة المحبة للمؤمن أن يحزن ويغتم لذنوبه وتفريطه، وعلامة محبة الدنيا أن يغتم ويكلف بجمعها. قال حماد الدباسي: "إذا أحب الله عبدًا أكثر همَّه فيما فرط. وإذا أبغض عبدًا أكثر همَّه فيما قسم له". ومن علامة محبة الله لعبده أن ينزل به البلاء ويبتليه بالمحن ويلهمه الصبر والرضا بها كما جاء في الحديث: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (رواه الترمذي). وهذا حال أهل المحبة لله وأصفيائه في هذه الدنيا إذ يعرفون بكثرة البلاء. أما الفجار وأهل الغفلة فيبسط الله لهم الدنيا، ويوسع عليهم، ويتابع عليهم الخيرات استدراجًا وفتنة لهم كما روي في (مسند أحمد): "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله-: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ". ولا يلام العبد أبدًا على محبة العشيرة والوطن والولد والزوجة والمال، ولا تنافي تلك المحبة محبة الله والإيمان به إذا كان ذلك في حدود الشرع، ولم يترتب عليه مفسدة لأنه حب فطري غريزي قد فطر الله الإنسان عليه وأباحه الشرع، ولم ينهَ عنه رسول الله-- بل كان يحب بلده وأهله وعشيرته. ويشترط لتلك المحبة أن تكون تابعة للشرع مقيدة بأحكامه وضوابطه، ولا تنافي مقاصده. أما إذا غلا فيها العبد أو اتخذها إلهًا أو والى وعادى لأجلها، أو شغلته عن اتباع الشرع، وأوقعته في المحاذير فحينئذٍ تكون إثمًا ويؤاخذ عليها في الآخرة، ويلحقه ذم، ويتناوله الوعيد. قال رسول الله-: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يُعطَ سخط، تعس وانتكس وإذا شِيك فلا انتقش» (رواه البخاري). ويشرع للمؤمن سؤال محبة الله، وقد قال النبي- : «أتاني ربي عز وجل- يعني في المنام- فقال يا محمد قل اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك» (رواه الترمذي وصححه). فينبغي للمؤمن أن يلح في دعائه في طلب محبة الله والفوز بمرضاته، والاتصاف بقربه. ومحبة الله منزلة عظيمة لها فضل عظيم وآثار حسنة ومزايا نافعة على من تحلى واتصف بها. قال فتح الموصلي: "المحب لا يجد مع حب الله عز وجل للدنيا لذة، ولا يغفل عن ذكر الله طرفة عين". وقال فرقد السبخي: "قرأت في بعض الكتب من أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من هواه، ومن أحب الدنيا لم يكن عنده شيء آثر من هوى نفسه، والمحب لله تعالى أمير مؤمَّر على الأمراء، زُمرته أول الزُمَر يوم القيامة، ومجلسه أقرب المجالس فيما هنالك، والمحبة منتهى القُربة والاجتهاد، ولن يسأم المحبون من طول اجتهادهم لله عز وجل، يحبونه ويحبون ذكره، ويحببونه إلى خلقه، يمشون بين عباده بالنصائح، ويخافون عليهم من أعمالهم يوم تبدو الفضائح، أولئك أولياء الله وأحباؤه وأهل صفوته، أولئك الذين لا راحة لهم دون لقائه".
كيف تكون محبة الله سبحانه وتعالى
من واجبات الإيمان ومحبة الله توجب الانصياع لأوامر الله والبعد عما نهانا عنه، واتباع هدى النبي محمد-.
محبة الله ورسوله مقدمة على حب العبد ماله وولده ونفسه، وذلك لما ورد عن النبي- - الذي قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". وفي الصحيحين أيضًا أن عمر بن الخطاب- - قال: يا رسول الله: والله لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال له الرسول: "لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال: والله لأنت أحب إليَّ من نفسي، فقال : "الآن يا عمر".
كذلك فإن محبة الله توجب على العبد أن يحب ما افترضه الله عليه، وكره ما حرمه عليه، وقبول ما جاء به النبي-- والسير على هديه.
محبة الله تعالي ورسوله- - من أفضل أعمال القلوب، ومن موجبات محبة الله عز وجل أن تكون محبته سبحانه وتعالى أحب إليه من كل ما سواه، ومحبة الله تقتضي طاعته وترك المعاصي، والتوبة إليه، وحب أوليائه ورسله وكراهة أعدائه وبغضهم في الله عز وجل، ومن يفعل هذا فهو يحب الله، قال تعالى: "فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ". وكذلك الخوف من الله والمواظبة على قيام الليل وتلاوة القرآن والتجرد من الدنيا، وتعهد الصدقة والحرص عليها، والسعي في حاجة الناس وقضاء مصالحهم، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
مظاهر حب الله تعالى
محبة الله هي إيثار محبته على ما سواه عن طريق الالتزام بكل ما أمر به، والابتعاد عن كل ما يغضبه، واجتناب ما نهى عنه، واتباع النبي محمد- - في كل سلوك.
ومن شروط المحبة لله تعالى اتباع الشرع والإحسان في العمل، حيث لا تصح المحبة، ولا تقبل الدعوة إلا بما يوافقها من العمل الصحيح، وإن أعظم ما يمتحن به العبد في باب المحبة لله ما كان يألفه من دواعي النفس، حيث إن النفس أمارة بالسوء، فإن تم تقديمها على محبة الله تعود عليه بالخسارة، بينما إن قدَّم محبة الله عليها، واعتزلها، فقد كان من أهل الفلاح، فمثلًا شارب الخمر يُمتحن بترك الخمر، والزاني يُمتحن بترك الزنا، ولا بد من الإشارة إلى أنه إذا نال العبد محبة الله سدَّد الله بصره، وسمعه، ورجله، ويده، وصانه عن الرذائل، وإذا أحب الله عبدًا من عباده حماه من فتنة الدنيا.
دلائل محبة الله للعبد
1- كثرة الابتلاءات في الدنيا والصبر على المصائب من علامات حب الله للعبد، الله سبحانه وتعالى يبتلي الإنسان على قدر دينه، فالعبد الذي يبتليه الله تبارك وتعالى ويصبر على ذلك ويحمد الله عليه لا جزاء له إلا الجنة، فعن النبي- - أنه قال: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" رواه الترمذي.
2- إذا أحب الله العبد استعمله ويسر له الأعمال الصالحة قبل الموت، كما جاء قي الحديث النبوي أن رسول الله- - قال: "إن الله إذا أحب عبدًا استعمله. قالوا كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت".
3- حب الناس للعبد يأتي نتيجة حب الله له، والرضا عنه، فقد جاء في السنة النبوية أن النبي-- قال: "إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل الأرض، ثم يضع له القبول في الأرض".
الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله
لمن أراد أن يرقى من منزلة المحب لله إلى منزلة المحبوب من الله، أقدم لك هذه الأسباب العشرة التي ذكرها الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى- في كتابه العظيم "مدارج السالكين" مع شرح مختصر لها.
السبب الأول: قراءة القرآن
قراءة القرآن بتدبر وتفهم معانيه، وما أريد به، كتدبير الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه، نعم فمن أحب أن يكلمه الله تعالى فليقرأ كتاب الله، قال الحسن بن علي: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار.
ولهذا فإن رجلًا من أصحاب النبي استجلب محبة الله بتلاوة سورة واحدة وتدبرها ومحبتها، هي سورة الإخلاص التي فيها صفة الرحمن جل وعلا، فظل يرددها في صلاته، فلما سُئل عن ذلك قال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي: (أخبروه بأن الله يحبه).
السبب الثاني: التقرب إلى الله تعالي
التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها موصلة إلى درجة المحبوب بعد المحبة.
قال رسول الله في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه وتعالى: (من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشىء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
يقول ابن رجب الحنبلي، رحمه الله: أولياء الله المقربون قسمان:- ذكر الأول-، ثم قال: الثاني: من تقرَّب إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض بالنوافل، وهم أهل درجة السابقين المقربين؛ لأنهم تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات، وترك دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله كما قال تعالى في الحديث القدسي: (لا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والحظوة عنده.
السبب الثالث: دوام ذكره على كل حال
ويكون ذلك باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر، قال رسول الله: (إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه)، وقال الله تعالى: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" البقرة:152
السبب الرابع: إيثار محابه تعالى على محابك
إيثار محابه تعالى على محابك عند غلبات الهوى، والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.
يقول ابن القيم في شرح هذه العبارة: إيثار رضا الله على رضا غيره، وإن عظمت فيه المحن، وثقلت فيه المؤن، وضعف عنه الطول والبدن.
وقال رحمه الله: إيثار رضا الله عز وجل على غيره، وهو يريد أن يفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق، وهي درجة الإيثار، وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وأعلاها لأولى العزم منهم، وأعلاها لنبينا محمد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله: "يحتاج المسلم إلى أن يخاف الله وينهى النفس عن الهوى، ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه، بل على اتباعه، والعمل به، فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله، وعملًا صالحًا".
السبب الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته
ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله بأسمائه وأفعاله، أحبه لا محالة.
قال ابن القيم، رحمه الله: لا يوصف بالمعرفة إلا من كان عالمًا بالله وبالطريق الموصل إلى الله، وبآفاتها وقواطعها، وله حال مع الله تشهد له بالمعرفة، فالعارف هو من عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم صدق الله في معاملته، ثم أخلص له في قصده ونيته.
السبب السادس: التدبر في آلائه ونعمه الباطنة والظاهرة
مشاهدة برِّه وإحسانه، وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة، فإنها داعية إلى محبته، فالعبد أسير الإحسان، والإنعام والبر واللطف معاني تسترق مشاعره، وتستولي على أحاسيسه، وتدفعه إلى محبة من يسدي إليه النعمة، ويهدي إليه المعروف. ولا منعم على الحقيقة ولا محسن إلا الله، هذه دلالة العقل الصريح والنقل الصحيح، فلا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى، ولا مستحق للمحبة كلها سواه. وإذا عرف الإنسان حق المعرفة، علم أن المحسن إليه هو الله سبحانه وتعالى فقط، وأنواع إحسانه لا يحيط بها حصر: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا أن الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (34) سورة إبراهيم.
السبب السابع: انكسار القلب بين يدي الله تعالي
وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته، بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن المعنى غير الأسماء والعبارات، والانكسار بمعنى الخشوع، وهو الذل والسكون.
قال تعالى: {وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} (108) سورة طـه.
قال ابن القيم: الحق أن الخشوع معنى يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار.
وقد كان للسلف في الخشوع بين يدي الله أحوال عجيبة، تدل على ما كانت عليه قلوبهم من الصفاء والنقاء.
السبب الثامن: الخلوة والمناجاة
الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة، قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (16) سورة السجدة.
إن أصحاب الليل هم بلا شك من أهل المحبة، بل هم من أشرف أهل المحبة؛ لأن قيامهم في الليل بين يدي اللّه تعالى يجمع لهم جل وعلا أسباب المحبة التي سبق ذكرها. ولهذا فلا عجب أن ينزل أمين السماء جبريل عليه السلام على أمين الأرض محمد- - ويقول له: (واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس).
يقول الحسن البصري رحمه اللّه: لم أجد من العبادة شيئًا أشد من الصلاة في جوف الليل، فقيل له: ما بال المجتهدين من أحسن الناس وجوهًا، فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.
السبب التاسع: مجالسة الصالحين
مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك ومنفعة لغيرك.
قال رسول الله: قال الله عز وجل: (وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيَّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيَّ).
فمحبة المسلم أخاه المسلم في الله، ثمرة لصدق الإيمان وحسن الخلق، وهي سياج واقٍ يحفظ الله به قلب العبد، ويشد فيه الإيمان حتى لا يتفلت أو يضعف.
السبب العاشر: التقرب إلى الله تعالي والبعد عما يغضبه تعالي
البعد عن كل ما يحول بين القلب وبين الله تعالي. فالقلب إذا فسد، فلن يجد المرء فائدة من شئون دنياه، ولن يجد نفعًا أو كسبًا في أخراه. قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (88-89) سورة الشعراء.
أسأل الله الكريم، بوجهه العظيم، وسلطانه القديم أن يجعلنا من أهل محبته، وممن يحبهم ويحبونه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عوامل مُعينة على محبة الله تعالى
- إخلاص العبادة لله وحده.
- تلاوة القرآن الكريم والتدبر في معانيه.
- الإكثار من ذكر الله.
- الالتزام بالصلوات الخمس.
- الصدقة في مَرضاته.
- حضور مجالس الإيمان وحلقات العلم.
- الابتعاد عن الفاسقين، وملازمة الصالحين.
- الإحسان إلى الآخرين.
- الصبر والرضا بالقدر.
- التعرُّف على صفات الله، وأسمائه الحسنى.