ظهرت حمرة في الأفق بعد غروب الشمس ببعض الوقت، بدت السماء مكفهرة وبدا الشفق كثوب مصبوغ بينما تهتز قمم الأشجار في تلك الأدغال الوعرة وكأنها شياطين الجحيم، وفي وقت متأخر من تلك الليلة الباردة بينما تتلاعب الرياح بالأغصان الوارفة وبجسد ذلك الشاب الذي كان موثقًا في إحدي الأشجار والوهن يبدو عليه وهو عاري الجذع، تحرك شخص آخر ملثمًا بخفة بين الخيام يحمل بين يديه طفلًا وليدًا في خرقة قديمة بالية، ونظر حوله بينما يرتجف جسده بقوة مقتربًا من الشاب الموثق بالشجرة بعد أن تأكد من بُعد الحراس عنه ونظر له بلوعة وهو يكشفعن وجه الطفل الذي كان ينام بهدوء كالملاك، فاتسعت عيني الشاب حتى كادت تخرج من محجريها بينما يقول بذهول:
"ما هذا!!.. هل...؟"
فقال له الرجل الملثم وهو يبكي كالطفل الرضيع:
"نعم إنه طفلك.. صبي، لقد أتي في شهره السابع ..أتي للحياة في وقت غريب جدًا"
ظهر الانهيار والألم الشديد علي الشاب الموثق وحاول كتمان صيحات ألمه بداخله، فقال متوسلًا إلي الشخص الملثم بانهيار شديد:
قربه " مني أريد أن أقبّله "
وبالفعل قربه الملثم من وجهه، فدفنه في جسد الصغير وهو يقبّل كل إنش منه ليتنعم برائحة صغيره قائلًا بصوت منكسر:
"اعتبره طفلك أرجوك واحميه بحياتك، هيا ارحل ولا تعود هنا أبدًا، عدني.. أرجوك عدني"
تهدلت أكتاف الملثم بضعف شديد وقال للرجل الموثق بصوت متقطع حزين: "أعدك"
ثم أخذ الصبي وابتعد بسرعة وهو يعرف أن الطفل لن يعيش طويلًا؛ فلا يوجد ما يطعمه إياه وهو تائه بتلك الأدغال اللعينة، إنها النهاية لكن كيف يمكنه قول هذا لشخص يحتضر.