صعدت للحافلة العامة، المُكتظة بالبشر بعد يومٍ حافلٍ من العمل، التقطتُ أنفاسي بصعوبة، وأنا أحاول أن أجد مكانًا شاغرًا للوقوف. وها قد وجدت واحدًا. وقفت مُستكينة منتظرة محطتي لأشعُر بيد تُمرر أسفل ظهري، فزعت وانتفضت، لأجدها لرجلٍ طاعنٍ في السن، يقف هائمًا -أو يدعي ذلك-
ويداه تمرُ على جسدي، شعرت كأن شئ يُكبل فمي من الإستغاثة.. نظرتُ حولي ووجدتُ جميع الذكور جالسين بمُنتهى الأريحية ويدعون عدم الرؤية، شعرتُ بالذل والقرف،
وعندما توقفت الحافلة، هرولت خارجةً منها. (بالرغم من أنها لم تكن محطتي) اخترتُ الهروب عن المواجهة.
أجبت على هاتفي، لا بد من أنها أمي
- السلام عليكم.
-وعليكم السلام، كيف حالك يا أمي؟
- بخير يا صغيرتي، أين أنتِ؟
-في طريقي إلى البيت.. لا تقلقي.
- حسنً يا مريم، وداعًا.
- وداعًا.
أنا أكرهني وأكره ذلك الجسد، لمَ أُعامل على أنني خطيئة أو شيء واجب عليه التستر؟ لا أتحدثُ من الجانب الظاهري، فأنا مُحجبة وملابسي فضفاضة بصورة كبيرة، ومع هذا دائمًا أتعرضُ للتحرش اللفظي والجسدي، وحينما أثور وأطالب بحقي يُقال لي:
• “أرتدي حجابك صحيحًا أولًا، اتركِ عملكِ، ليس للمرأة عَمل،
• توقفي عن السير بفمردكٍ ليلًا،
• لا تمشي وحيده أبدًا، أنتن يا بنات حواء من زَرعتن ذلك الشعور الشهواني تجاهكن، بملابسكن الفاضحة وضحكاتن الرنانة، عليكن جميعًا تحمل ذنب الساقطات من بنات جنسكن. “
• ساقطات! تبًا، لقد سئمت من ذلك المجتمع السطحي، الذي يقيس كل شيءٍ وِفقاً لمظهره، حقًا سئمت، انتظرتُ طويلًا، لأجد حافلة فارغة، جلست بجانب النافذة في مقعد مُنفرد أحتضن حقيبتي وأنكمش للداخل
• لا أرغب لأحد أن يلمسني، ولو حتى عن طريق الخطأ،
• وصلت بيتي الحبيب أرغب في الاختباء بين طيات غرفتي أبكي وجعًا، وألعن ضعفي الذي يمنعني من الصراخ بحقي، ولكن وجدت خالتي وابنها سليم، (أخي في الرضاعة) وهو أقرب شخص لي.
- سلام عليكم.
- وعليكم السلام، عزيزتي مريم اشتقت لكِ.
-وأنا أيضًا خالتي، كيف حالك يا سليم؟
نظر لي بحزن استشففته من نظراته، فأومئت برأسي بمعنى ماذا هناك؟ ولكنه أدار وجه. حسنًا، سليم ليس بخير، وأنا يجب عليَّ معرفة ما بهِ، أرتديت عبائة فضفاضة وحجاب وخرجت.
-لا أعلم ما هو سبب إصرارك على ارتداء الحجاب أمام سليم، وهو أخاكي و مِحرمٌ عليكِ!
كيف أوضح لها كرهي لمعالم أنوثتي جميعها؟ وجدت أمي تقول:
-مريم هكذا حتى أنها ترتدي حجاب أمام والدها في أغلب الأحيان.
أوه! حتى امي لاحظت ذلك، ولكن كيف أشرح لهم أسبابي الذي سيرونها ضرب من ضروب الجنون؟ ذهبت أمي وخالتي لتحضير الطعام فذهبت للجلوس بجانب سليم.
-ما بكَ يا أخي؟
لا رد..
- سليم! أجبني ما بك، ألم نعتد على حل مشكلاتنا سويًا؟
نظر لي نظرة يائسة اعلمها جيدًا، سليم ليس مجرد أخ، أو ابنة خالة؛ هو صديقي المُقرب، نتشارك كل شيء معًا، ونتقاسم مشاكلنا أيضًا ونحاول حَلها، وكان سليم إيجابي بشكل كبير لم أرهُ يائسًا هكذا من قبل، لا بد أن الأمر جلل.