جُنُون...
ليل معتم، والْتِحَافِي بِبَذرة يَأس وجمود، أُرَاقِب المَكَان، كُلّ ما حولي يَلُفّه السَّوَاد، وَأَوَّلُهُم قَلبِي. أخْتَنق، أتمزق، وضَرَبَات قَلبِي تُشبِه الْقَرع عَلَى الطُّبُول. فِي دَاخِلِي أَفْكَارٌ سَودَاء، وَعَقلِي لَمْ يَعُد يجاريها! يَستَمِرّ بِالتَّردِيد كَشَرِيط عَلق فِي مِذياع قَدِيم، يُرَدِّد فَقَط بِضع كَلِمَات
لِيَتَوَقَّف كُلّ شَيء.. لِيَتَوَقَّف كُلّ شَيء...
السَّوَاد يكبر، ينتشلني مِن غرقي ليبعثني لعمق أَكبَر، أستَسلم لَهُ؛ فلَا طَاقَةَ للمجابهة. تُلُوح لِي عُلبَة الدَّوَاء فَوق درج مَكتَبِي الْمَهجُور، أركض قَبلَ أَن أُغيرَ رَأيِي وَأَضعف، أَو أَقوَى! لَا يهم، وَلَم يعد يَفرِقُ. أَتحسسهَا بِيَدِي، أَظُنّه عَدَدًا كَافِيًا لِضَمَان تَذكرة الذَّهَاب، أُقربه مِن فَمِي فَأنهَار وَأخِر أَرضًا، تَصِيح مِن جَوْفِي تِلكَ الّتِي كُنت عَلَيهَا يَومًا وَظَنَنتهَا انسحقت:
- أرجوك، أرجوك لَا أُرِيدُ المَوتَ، أَنَا خائفة. لَا شَيءَ يَستَحِق، سنصلح كُلّ شَيء مَعًا، يَدًا بِيَد، وتنهيدة بتنهيدة، سنرمم كُلّ شَيء.
إصراري لَا يَتَلَاشى، وَصَوت بُكَائِهَا يَتَعَالَى، أَظُنّه صَار مَسمُوعًا مِن الجِهَتَين؛ فَأَنَا بَيْنَ العَالَمين الآن: لَست عَلَى قَيدِ أَيّ شَيء، لَا على قيد الْحَيَاة ولَا المَوت ولَا الشعور. بِمَا أنَّنِي خَسِرت كُلُّ مَا تَغَنَّيت بِه وَعَجزت أَن أكونه، لأكن عَلَى قَيدِ المَوتِ عَلَى الأَقَل. نَحِيب الطِّفلَة داخلي يَتَعَالَى، وإصراري يتزايد أكثر فأكثر، وَأَخِيرًا إنَّه النُّعَاس، وَنَوم أَبَدِي.
اسْتَيقَظت، لا أعلم أين أنا؛ فنظري معتم، مغشي عليه بهالة من الدهشة والسواد، هل أَنَا ميتة؟ أَهي ظلمة القَبر أم فراغ العدم؟ فَقَط ظَلَام وَعَجز يكفناني، خِطَابَات وَلوم مِن بعيد، بكاء وهمهمات لا أتبينها، بَينَمَا أَنَا عالقة هُنَا لَا أَدرِي عَلَى قَيدِ ماذا! عالقة فِي شبه مَوت وَكَذَا، ظلام.. ضياع.. ولا وجود...
هناك ماض كبير يمتد قبلي، وشيء سيستمر لا أدري ما هو. لا تستغربوا صدور صوتي من هذا العدم؛ فلست هنا لأحكي عما سيحدث في عالم الجثث، أنا فقط سأخبركم ماذا حدث. اسمي (أَمَل)، وَسَأُخْبِرُكُم كيف اغتال الإنترنت حَيَاتِي.