أتصلت بي، وقالت: أعطتني رقم هاتفك صديقة، وأريد مقابلتك لأمر ضروري وشخصي، رحبت بها، ودعوتها أن تأتي إلي بالعمل، حيث لا يوجد لدي وقت، ولأنها تريد المشورة في أمر تقريبا يتعلق بالأحوال الشخصية كما فهمت من كلامها.
خبرتني المنسقة بوجود فتاة تنتظرني، وكان أول لقاء لي بها في قاعة الإجتماعات بمكتبي بسلطنة عمان. أستقبلتني واقفة ترتدي بنطلون جينز أزرق، و جاكت أبيض من التريكو ومحجبة، بيضاء البشرة متوسطة الطول ورائعة الجمال، فاتنة فعلا.
وما يميزها إبتسامة جميلة مشرقة، وكل من رآها من الزملاء بالمكتب من الرجال سألني عنها. من هي؟
عندما وقعت عيني عليها توقعت أنها دعوى أحوال شخصية، أو فتاة تريد رفع دعوى علي شاب لأنه غرر بها أو تزوجها عرفيا وتريد إثبات الزواج.
ويبدو من مجرد النظر إلي وجهها أنها في السابعة والعشرين من العمر، دخلت القاعة وسلمت عليها وكان بيدها سيجارة، وسألتني هل أنت فعلا المحامية، فقلت لها نعم أنا معك.
فقالت: سمعت عنك ما جعلني أعتقد أنك أكبر سنا من ذلك، أبتسمت ودعوتها للجلوس حول المائدة المستديرة.
وجلست وأنا أكره رائحة السجائر، وسألتني هل السجائر تضايقك؟ أجبت نعم فأطفأتها.
بعد أن عرفتني بنفسها. ومن أين هي ومن التي حدثتها عني.
قالت: أريد أرفع دعوى نفقة شرعية لأولادي الثلاث. حيث أن أبيهم لا ينفق عليهم ولا علي، فقد تزوج بزوجة أخرى ومن جنسية أخرى، وتركنا بلا نفقة وحتي لا يسأل علينا مجرد سؤال.
سألتها عن بعض الأوراق التي أحتاجها في رفع الدعوى، وطلبت منها عمل توكيل للمكتب ويشمل أسمي كمحامية تعمل به.
ثم بدأت تحكي لي مأساتها كوافدة مغتربة في بلد ليس بلدها. وتتعرض لمثل تلك المشاكل والمآسي.
ثم ألتقينا بعد ذلك وبدأت تحكي لي فصول قصتها.
قالت: عندما تخرجت من الجامعة بعد دراستها للفنون الجميلة. والتي كان واضحا في كل ما تريدي أنها درست فنون جميلة فعلا. ورأيت بعيني أن مظهر الدراسين بالفن يبدو واضحا.
قالت: تخرجت بعد انتهاء الدراسة وكذلك تخرج زوجها والذي كانت تربطهما علاقة عاطفية شريفة الغرض منها الزواج.
وتقدم إلي والدها، ووافق والدها الأستاذ الجامعي علي زواجها منه لأنه وجده مناسبا لها.
ونظرا لأن الشاب لم يكن قد تحصل علي عمل في بلده، فقد أتصل والدها بصديق له يعمل في دولة خليجية، وطلب منه أن يبحث لزوج أبنته عن فرصة عمل بدولة من دول الخليج.
وتم الزواج ببلدتها، ثم سافر الزوجان معا وبدأ حياتهما الزوجية خارج الوطن.
وكان كل منهما قريبا للآخر ويجمعهما الود والحب وعاشا سعداء، وأنجبا أربعة أبناء تقر بهم الأعين خلال عشر سنوات من الزواج.
كان الزوج ناجحا طموحا وبدأ عمله محاسبا ثم مديرا لشركة كبرى، وبنجاحه في العمل كبرت الشركة وزاد مرتبه وأصبح دخله مرتفعا، وأصبحت أحوال الأسرة أفضل وأفضل.
وكان مثله مثل أي شاب يحب المظاهر والحياة، فكان يستعمل سيارات الشركة الفارهة بالتبادل، ويخرج بتلك السيارات للتنزه ولشراء مستلزمات الأسرة ولشراء التيك أوي من كافتيريا تعمل بها تلك الفتاة التي قررت أن تتزوج هذا الرجل حيث كانت تعمل نادلة بالكافتريا
يبدو أن الفتاة أغراها المال، أو قررت مثلما تفعل كثيرات من الفتيات عندما تجد الشاب الثري أن توجه تجاهه كل أسهمها وتستعمل كل الأسلحة وتحارب في كل اتجاه حتي تظفر بالعريس.
وكثير من الفتيات تنظر للزواج من وجهه نظرها وأنه الحصول علي رجل من باب تأمين المستقبل وليس أكثر.
المهم لقد اختارت الهدف بعناية وخططت للوصول إليه حت ظفرت به وتزوجها دون علم زوجته الأولى.
وبالتالي تغير سلوك الزوج مع زوجته بعد زواجه الجديد. وكل زوجه لديها حاسة غريبة في القدرة على اكتشاف الخيانة حتى مع ذكاء الزوج وأخذه كل الاحتياطات.
فقامت موكلتي بالسؤال والتقصي حتي علمت بزواجه وواجهته، ولم ينكر.
حدثت مشادات ثم سافرت إلي بلدها وطلبت الطلاق وصممت عليه وتم الطلاق فعلا.
وكان معها الأبناء وكانت مسئولة عنهم وبعد عدة أشهر تدخل أولاد الحلال وحاولوا إقناعها بالرجوع لأن الأولاد بالقرب من أبيهم أفضل لهم ولها.
وفكرت في شعور أولادها وفي شعورها هي وحبها الذي لم يمت، ثم عادت إلي عصمته مرة أخرى لأنها لم تستطع نسانه كما قالت.
وسافرت مرة أخرى إلي الدولة العربية التي شهدت السعادة في زواجها فيها.
وحدث ما لم تكن تتوقعه:
فقد أهملها الزوج وأهمل الأولاد، ولم يسأل عنها ولا عنهم وتركها مع أولاده وحيدة، وظل يرسل لها مصروفات المنزل مع مندوب الشركة. ولا يأتي للسؤال عنها ولا عنهم ولا يحاول الإطمئنان عليهم ولا يقوم بواجباته الشرعية تجاه زوجته.
وشعرت المسكينة أنها أهانت نفسها وقللت من قدر نفسها وعادت لشخص باعها فعلا وباع كل شيء حتي أبسط الحقوق الزوجية لم تكن تحصل عليها ولا حتي بالسؤال عبر الهاتف.
فسألت عن عنوان سكنه مع زوجته الجديدة، وذهبت إليه وقالت له أمام زوجته الجديدة: طلقني وإلا سأقوم بعمل فضيحة لك أمام الجيران.
ونظرا لوضعه الإجتماعي أو الوظيفي، وربما وجد في ذلك الطلب الخلاص دون وجع قلب. فقام بتطليقها في الحين. ورجعت لمنزلها مجروحة ومكسورة الخاطر. ثم تركها بلا أيه نفقة.
كانت تلك قصتها البائسة والتي كانت السبب في تعارفنا. فقد جاءت لرفع دعوى نفقة للأولاد ونفقة عدة لها وبعض الحقوق التي تكون للزوجات حال الطلاق.
ثم تطورت علاقتي بها وأصبحت صديقة، وذلك حال المغتربات يجمعهم ألم الوحدة أو البعد عن الأهل. وكانت أجمل صديقة، رقيقة وفاتنة وكانت تستطيع أن تخترق الحواجز وتدخل القلب.
كنا نلتقي ليس كثيرا ولكنني كنت أحب أن أتحدث معها كانت راقية وحلوة وخفيفة الدم. وذات تعليقات مازحة. وأذكر يوما ضحكنا كثيرا علي ردها علي سؤالي لها عن زوجة طليقها الجديدة.
هل هي جميلة مثلك، فأشارت لي إلي صندوق لجمع القمامة، وقالت هي في حجم هذا الصندوق.
كنت أفكر لماذا يحدث أن ينجرف الرجل إلي أية سيدة تظهر له الحب، سواء أكان صادقا أم كاذبًا، ولا أدري لماذا لا يعطي نفسه مهله لمحاربة ذلك الغزو القادم علي حياته.
فربما لو تريث لحمى نفسه واسرته وأولاده من مستقبل معقد. ولربما لو كان عادلا لما خسر زوجته الأولى.
هذه الفتاة التي كنت أظنها في السابعة والعشرين من العمر وكانت هي في السابعة والثلاثين، لا تستحق أن تكون حزينة بائسة تعاني الإغتراب والوحدة وظلم محب باع الحب وزوج باع العشرة ومسئولية عن أربعة أولاد.