Za7makotab

Share to Social Media

"سَجين عِشْقِهِ"

لا تكن بلا حُب..... كىّ لا تشعُر بأنكَ ميت .
مُتْ فى الحبِ وابقى حياً للأَبد.
سيدى جلال الدين الرومى.


"البوم صور"


مر على فُراقِها عاميين وهو فى مَكانِه لا يتقدم يَجول فى خاطرهِ كل الذكريات التى تجمعهما منذ أن كانا معاً فى نفسِ المدرسه حتى اصبحا سوياً أباً وأماً لطفلين احمد ورنا, أحَبها كثيرا وأحَبتهُ أكثر بكثير .
جالساً فى مقعده المفضل فى زاويه غرفه نومه مرتديا بجامته المفضله له ذات اللون الرمادى والملمس القُطنى والتى قدمتها له فى عيد زواجهما الرابع .
بابا............. بابا صرخات عاليه بصوت طفولى يقطع حبل افكاره وذكرياته. رنا وبنظره طفوليه تحمل بداخلها الرجاء :
_مش هتذاكر معايا بقى وتساعدنى فى الــــــMath.
يسرح محمد بها دون وعى لثوانى حتى يلملم تركيزه المنثور على ذكريات الماضى ثم يبتسم :
_ يلا بينا بس بلاش تتعبينى معاكى وتحفظى بقى جدول الضرب.
تنظر له رنا بعد ان اشْعرها بالخجل فقد استاءت من هذا الوحش الذى يُطاردها وعليها مواجهته فى هذه السنه وهو جدول الضرب .
_ حاضر يابابا هحاول.... بس بشويش بقى ها؟ .
_ مافيش حاجه اسمها هحاول ......... فى حاجه اسمها ان شاء الله هحفظه ماشى؟
_ماشى حاضر بس ماتزوقش ها .
_ طب يلا قُدامى .
تبعها محمد الى الرسيبشن والذى يوجد أمام المطبخ ذو التصميم الامريكى ويحتوى على سفره مستطيله ذات السِت كراسى لونها بنى غامق , خلفها يوجد انتريه على شكل نصف دائره بلون كافيه يتوسطه طاوله صغيره بلون الانتريه موضوع عليها طفايه سجائر كرستاليه , فى مقابل الطاوله يوجد التليفزيون ذو الشاشه المسطحه الــــــــــــــ LCD.
جلست رنا على احد كراسى السفره واضعه كُتبها أمامها على السفره بطريقه مبعثره وقد سحب محمد الكرسى الموضوع بجوارها وجلس عليه ثم بدأ مُهمته معها لكى ينجح فى مساعدها فى حفظ جدول الضرب .
بعد أن انجز محمد مهمته مع رنا لحفظ جدول ضرب 4 نهض متجها لمطبخه لكى يقوم بتجهيز العشاء وبعدها نادى على احمد الماكث فى غرفته ينهى واجباته الدراسيه لتناول العشاء معهم .
بعد إنتهاء العشاء ذهب الاولاد لغرف نومِهما لكى يستعدا للنوم , ثم ذهب محمد كعادته الى غرفه نومه ليستلقى منهمكا على فراشه.
رنـــــــــــــــه مألوفه تدوى بطبله اُذنه , تمضى ثوانى حتى يدرك انها رنه منبهه وأن الساعه اصبحت السادسه والنصف صباحا, لحظات تَمُر وهو يحاول بها جمع أشلائه من ما بقى من جسده المنهك من الآلام الداخليه والخارجيه ,يفتح عينيه ويغلقها مره تلو الاخرى حتى يتخلص من تلك السحابه البيضاء اللى تبقت من نومه ويستعيد رؤيته مره اخرى , خيوط دمويه حمراء منتشره حول حدقه العين تشير لمدى إرهاقه النفسى والبدنى .
ينهض محمد تاركاً السرير بعد أن إرتدى قى قدميه حزائهِ الخفيف او ما يدعى بالشبشب ذو اللون الاسود الموضوع أسفل سريره ,
ثم يذهب ليوقظ اولاده للمدرسه فقد إعتاد على ذلك البرنامج اليومى منذ أن تركته زوجته ورحلت تاركه ورائها كل شىء.
ايقظ الأولاد وساعدهما فى ارتداء اليونيفورم الخاص بمدرستهم وقد جهز لهم السندوتشات.
تسحب رنا حقيبتها لتضعها فوق ظهرها
_طبعا عملتلى السندوتشات اللى انا بحبها.
_لانشون طبعا يا حبيبتى بس تاكليهاكلها.
لتشتعل نيران الغيره الطفوليه بداخل أحمد
_ طبعا مهتم برنا وناسينى انا خالص , وانا بقى فين ساندوتشاتى؟
_ أنا اقدر انسى حبيب بابا طبعا جاهزه ومربى فراوله زى مابتحب كمان .
بس يلا بسرعه قبل ما الباص يجى ويمشى ماهو مش هيستنى طبعا كالعاده أكيد عمو محسن زِهق من تأخيركم.
دقائق وسمع محمد صوت كلاكس عم محسن وهو ينتظر الاولاد.
_ يلا بسرعه احسن تتأخروا أهو الاتوبيس وصل , بس فين بوسه بابا الاول؟!
تضع رنا قبلتها على وجنه محمد ثم يتبعها أحمد وهو يتمتم كلمات بضيق :
_ احنا مش كبرنا بقى على الجو ده ؟
_ إنجز.
فيضع أحمد قبلته هو الأخر ثم ينصرفا.
يذهب محمد الى غرفه نومه بعد أن نظر من أحد الشبابيك ليتأكد من أن أولاده قد صعدا الى الاتوبيس وأنه تحرك متجهاً إلى المدرسه.
فتح دُولابه وهو ينظر بداخله باحثاً عن زيه الرسمى والذى إعتاد على ارتدائه فى عمله وهو البدله السوداء فيمد يده ويسحب واحده من ذلك الصف الملىء بالبدل بالوانهم المختلفه ثم يسحب قميصهِ الابيض من الرف العلوى وربطه العنق التى كان يكرهها منذ أن كانت زوجته تُعلِمهُ كيف يرتديها وتساعده على تقبُلِها.
وضع محمد بذلتهُ على جسده وأمسك فرشاه شعره وغرسها بين بصيلات شعره الاسود القصير ليعدل من صورته, ربط رِباط حزائه الاسود اللامع ووضع ساعته الفضّيه حول معْصمه تلك الساعه التى تعّلق بها منذ أن أعطتها له أروى هديه فى عيد ميلاده الثلاثين فقد كان هو عيد ميلاده قبل الاخير الذى يقضيه معها , أخذ شنطته التى تحتوى على أوراق عمله المليئه بأسماء عملائه وأرقام ودائعهم وحساباتهم واللاب توب الخاص به , ثم خرج من شقتهِ وأغلق خلفهُ الباب.
لجأّ لسُلم عِمارته ينزلق بين درجاتهِ لأسفل فقد كان يقطُن فى الطابق الثالث من تلك العماره الشقه الثالثه من بين اربع شقق فى الطابق الواحد تجدُها فى الترتيب الثالث وأنت تصعد درجات السلم ولكن تصبح فى الترتيب الثانى وأنت تنزل من الطوابق العليا, المصعد الكهربائى معطل منذ شهر ومازال يُحاول بواب العماره جمع المال من سُكان العماره لإصلاحه .
يصل إلى باب العماره ليجد عم عبده البواب يجلس عند مدخل المبنى كعادته ,دائما نجد إسم عبده تابع للبوابين دون النظر بأن هناك إحتمال بأن يكون للإسم باقى فقد كان أسمه الحقيقى عبد الله
ولكن اختصره السكان لسرعه النطق به . يجلس عم عبده على كرسى من البلاستيك لونه اخضر وبين كفيه جريده اليوم يتصفحها ليعرف أخر ما يدور فى البلاد.
_ صباح الخير يا عم عبده.
ينهض عم عبده من مقعده بلجبابه الأبيض وشاله الأبيض الذى يحيط بعنقه وهو يمسك الجريده بيده.
_ صباح الفُل ياأُستاذ محمد , أنا نضفتِلك العربيه زى ما حضرتك طلبت , تؤمُرنى بأى خِدمه تانى .
_ شكراً يا عم عبده دايما تاعبك معايا.
تلك الكلمات تَخرج من لسانه بينما يضع ورقه نقديه فئه العشرين جنيه بين أصابع عَم عبده.
إنصرف محمد لسيارته الفولكس ذات اللون الرمادى والتى إختارها مع زوجته فى بدايه عامهُما الرابع بعد الزواج وباع سيارته 132 الحمراء لتصبح الفولكس سيارته الجديده فى ذلك الوقت.
فتح محمد باب السياره ووضع جسده على مقعد السائق وقد وضع مفتاحه بها بعد ان اغلق باب السياره ليحرك ماتورها متجها بها نحو عمله.
يصل محمد لمكان عمله ويركن سيارته بين تلك الصفوف المتراصه من علب الصاج ذات الالوان والأشكال والتاريخ المختلف , فكالعاده صعب إيجاد مكان لركن السياره فى هذا الوقت حتى وجد مكان أمام شركه للدعايا والإعلان تدعى "لايف" فى الجهه المقابله للبنك الذى يعمل به .
عبر محمد الشارع ليصل للبنك فوجد رجل الأمن المدعو هشام ذو البشره السمراء والعضلات المفتوله وهو يجلس على مكتبه أمام البوابه الالكترونيه ذات الإنذار المزعج.
_صباح الخير يا هشام.
_ صباح الخير يا أستاذ محمد ............ أتفضل ادخل.
اخترق محمد البوابه الالكترونيه بجسده الذى يحمل الكثير من المعادن فيسمع صوت الإنذار يدوى بإذنه .
يمر متجها إلى مكتبه ليجلس على كرسى المكتب ذو اللون الأسود المصنوع من الجلد الموضوع على حلقه دائريه من العجلات الصغيره التى تحتك بالسراميك بلونه الأبيض, ثم يبدأ فى استخراج أوراق عمله من حقيبته وفرزها أمامه.
بعد مرور ساعتين منذ أن بدأ محمد يومه الروتينى فى العمل يسمع طرقات على الباب فيأخذ نظره من بين الأوراق التى أمامه ويوجهه نحو الباب.
_ أتفضل.
ليدخل عم عبد القوى الساعى بخطوات بطيئه يحاول المحافظه على اتزانه وبين يديه الصنيه الموضوع عليها فنجان القهوه ليقدمه لمحمد والذى طلبه منه قبل نصف ساعه , يضع عم عبد القوى الفنجان على مكتب محمد وسط زحمه اوراق العمل وأكواب الفخار التى كان يملآها الكافيين المنتشره على مكتبه ,فقد عشق الكافيين بأنواعه المختلفه منذ وفاه زوجته , فمكتبه ملئ بفناجين القهوه وأكواب الشاى والنسكافيه , ولم يجد النيكوتين من حياته مفر فأصبح من أشد معجبينه وأصبح عاشق للسجائر ورائحتها.
وكأن الكافيين والنيكوتين مسكنات تساعده على تسكين ألامه الداخليه لبضع دقائق.
يجمع عم عبد القوى الأكواب الفارغه من فوق المكتب ويضعها على تلك الصنيه التى يحملها ثم ينظر إلى محمد فى انتظار سماع باقى أمنيات محمد من الطلبات :
_شكرا ياعم عبد القوى ......... دايما تاعبك معايا.
فقد كان عم عبد القوى فى منتصف عقده السادس يبلغ من العمر السادسه والخمسين , جسد هزيل , ولون شاحب لانهماكه فى خدمه موظفين البنك, يرتدى بذلته ذات اللون الأصفر الشاحب الإعتياديه , ويضع على كتفه الفوطه البرتقاليه.
فيجيبه عم عبد القوى قائلا:
_ ولا يهمك يا أستاذ محمد حضرتك تؤمر ......... تؤمرنى بأى خدمه تانيه.
_ شكرا يا عم عبد القوى ............ الأمر لله .
يقاطع حديثه طرقتين على باب المكتب ثم يلتف المقبض لفتحه, فيهم شاب بجسده الممتلىء والذى يظهر بعض من الترهلات حول خصره بالدخول , عادل صديق محمد فى العمل يبلغ عمره الخامس والثلاثين , شعره خفيف متفرق على انحاء جمجمته ,
يضع على عينيه نظاره ذات إطار مستطيلى لونه أسود يتوسط إطارهما عدستان تساعداه فى توضيح الرؤيه.
يقتحم عادل غرفه المكتب ثم يجلس على أحد كرسيين المكتب الذى يرأسه محمد ناظرا لعم عبد القوى :
_ إذيك يا راجل يابركه .....و ازى صحتك ...... عامل إيه.
فيبتسم عبد القوى على نبره عادل الفكاهيه فهو شخصيه تعشق المرح وهو يرد علي كلماته:
_ كويس الحمدلله يا أستاذ عادل .
_ وأخبار البيت والعيال ايه.
_ كلهم بخير الحمدلله يابنى .
_ هما بقوا كام عيل لحد دلوقتى يا عم عبد القوى .
_ ولد وبنتين .
_ طب مش هتخويه بقى ياعم عبد النبى .
فيبتسم عبد النبى :
_ هفكر حاضر فى الموضوع ده .
فيقطع محمد حديثهما لأنه يدرك أن صديقه يعشق جلسات الحكاوى ولا يفرغ منها ابدا:
_ طب ياعم عبد القوى حضرتك ممكن تتفضل دلوقتى.
فينصرف الساعى وبيده الصنيه جاذبا خلفه باب المكتب ليغلقه.
عادل ينظر إلى محمد وهو يضع على شفتيه ابتسامه , تلك
الإبتسامه التى إعتاد محمد عليها فى حاله إحتياج عادل له فقد كانت هذه إبتسامه المصلحه فقد أسماها محمد بهذا الإسم.
_ أخبارك إيه ياعادل.
_ تمام يا حوده ياحبيبى ...... واحشنى والله.
_ باين .. باين.
_ آه والنعمه اللى بتشربها دى واحشنى .
_ تقصد القهوه أكيد؟............... مش السيجاره.
_ ياسيدى اللى أنت عايزه .
_ لا يا راجل ........ ماانت كل يوم شايفنى, لحقت أوحشك؟
_ يا حوده أنت بتوحشنى وانت معايا.
_ اخلص.
_ بص من الآخر كده شوال البطاطا اللى عندى فى البيت رايح لأهله انهارده وانا معزوم فى خروجه حلوه ............ وعايزك تيجى معايا , أهو تغيير جو و تدلع , وانت عارف صاحبك بيعشق الدلع.
فقد إعتاد عادل على تسميه زوجته ب" شوال بطاطا" والتى حصل عليها من جواز الصالونات منذ عشر سنوات وانجب منها ثلاثه أولاد , وصلت علاقتهما الزوجيه لمرحله الشيخوخه الممله التى تنتظر يوم فراق الحياه , لا تنبض بالحياه إلا من أجل الأولاد.
فاستمرار زواجهما من أجل اولادهما لا أكثر .
ادرك محمد كالعاد مايقصده عادل فهو يفهم قاموسه فجمله
خروجه حلوه تفسر فى قاموسه بوجود فتيات. والاتى أعتاد على مقابتهن فى الملهى الليلى المعتاد له والذى يتعرف من خلاله على تلك الفتيات بإختلاف أعمارهن,وحالتهن الاجتماعيه,وكذلك النفسيه, فمنهن المراهقات , الشابات , المطلقات , الأرامل ,العاشقات , وكذلك المخدوعات. مر عليه أنواع كثيره , زهور من مختلف البساتين.
فيجيبه محمد بنبره مشمئزه :
_بتحب الدلع ولا القرف.
_ياسيدى مش هنختلف فى الإسم ............. المهم رأيك إيه.
_أنت عارف رأيى فى الموضوع ده ...... والمشكله انك بردو مصمم تحاول ........... انت ايه ياخى مابتزهقش؟!
_ يعنى انا غلطان يا صاحبى إنى بفكر ادلعك وابسطك .... بدل الوش الخشب اللى أنت دايما لابسه ده.
_آه غلطان وفكك منى بقى ياخى .
_ليه بس ياحوده كده تقفلها فى وشى ..... طب بص فكر تانى يمكن تغيير رأيك ولا حاجه , وأهو تغيير بردو .
_قولتلك فكك منى وشيلنى بقى من دماغك المدوره دى .
_هتفضل طول عمرك فقر يا نكدى, تصدق انت بقيت شبه مراتى.
_والله طيب يلا بقى طير من هنا علشان عندى شغل.
_ هى بقت كده........... طيب يا صاحبى براحتك خلى الشغل ينفعك, كان بودى أدلعك بس مالكش فى الطيب نصيب.
_أحسن بردو.
ينهض عادل متجها نحو باب المكتب ليستعد للمغادره بينما محمد ينظر نحوه مبتسما إبتسامه فكاهيه:
_إطلع بره يا عادل.
_مانا أصلا طالع أهو.
فيخطو عادل للخارج وهو يدندن أغنيه سلام سلام يا صاحبى ويغلق الباب خلفه, يضحك محمد على خفه دم صديقه وعلى حياته التى اعتاد أن يفعل بها مايريد دون أن يهتم بأراء الاخرين بها, فهو يحب العيش دون قيود ,وربما الملل الذى أصاب حياته هو من دفعه للامبالاه فربما ذلك الصخب الذى يسعى خلفه هو الشىء الوحيد الذى يكسر قاعده الملل التى تملئ حياته.
يتذكر محمد زوجته أروى التى لم يرى مثلها فى حياته , لم يعرف فتيات غيرها ولم يحب أحداً مثلما أحبها, وكأن اجتمع بها كل فتيات الأرض, فهى بالنسبه له جميع نساء الكوكب الذى نعيش فوقه ,ثم يذهب بذاكرته إلى ألبوم الصور الذى يجمعهما منذ الطفوله.
فقد أرادت أروى الاحتفاظ بتلك الذكريات التى تمثل كل حياتها وأهم لحظات بها فوضعتها قبل وفاتها بشهور فى ملف على اللاب توب الخاص بمحمد.
يبحث محمد حوله بأركان الغرفه عن حقيبته التى تحمل بداخلها اللاب توب حتى يجدها بجانب المكتب الذى يجلس عليه فيخرج منها كمبيوتره المحمول ويضعه على مكتبه , يضغط على زر تشغيله ثوانٍ تمر حتى يُفعل الويندز نفسه على الجهاز حتى يتم
تشغيله ويصبح الجهاز جاهز للإستخدام.
يحرك محمد أصابعه على الماوس الذى يعمل بـــ"التاتش" فيذهب بالسهم الذى يتحرك بداخل الشاشه لذلك الملف الذى يحتوى على صورهما , ذلك الملف الذى أطلقت عليه أروى إسم "الكنز".
فيفتح محمد الملف بنقرتين عليه ويجول بين الصور وهو يقلب بينهم والتى جمعتهما منذ أن كانا فى نفس المدرسه مروراً بصورهما فى شهر العسل وتلك التى تجمعهما مع رنا و أحمد ليصل إلى أخر صور تجمعهم جميعاً معا والتى كانت قبل وفاتها بشهر.
من بين كل الصور وجد صوره لأروى وهى فى السادسه من عمرها مرتديه فستان قصيرلونه احمر وشعرها البنى اللامع ينسال على جبهتها وقد وضعت بين خصلاتها توكه حمراء بلون الفستان.
فتجذبه الصوره إلى أمواج الذكريات الماضيه والتى تبحر فى عالمه منذ أكثر من 25عاماً .


"الطفوله"


دق رنين الناقوس بين أرجاء فناء المدرسه, فيقف جميع الأطفال
فى طوابير كلاً منهم فى طابوره الخاص بعمرهم وسنتهم الدراسيه.
لحظات ليبدأ عرض طابور الصباح والإذاعه المدرسيه بمحتوياتها من نشيد الصباح ,وحكمه اليوم,و هل تعلم,وفقرات أخرى يملأها الرتابه ,ثم تتبعهم تحيه العلم.
يقف من بين الأطفال طفل قصير القامه ,بشرته بيضاء, شعره أسود ناعم ينزلق على جبينه, ووجنتين ممتلأتين بلونهما الوردى , وعيون بنيه داكنه تميل بلونها للأسود.
يرتدى زى المدرسه ويضع على ظهره حقيبه زرقاء ذات كتفيين
ينظر حوله فى دهشه من كثره تلك الوجوه التى تحيط به ,والتى لم يعرف عنها شىء فكل تلك الوجوه جديده لم تقع عينيه على أحدا منها من قبل, يشعر بخوف داخله عما سواجهه فى ذلك المجتمع الجديد وكيف سيواجهه بدون والدته , فذلك هو يومه الأول فى تلك المدرسه, أول يوم فى حياته يقضيه بعيدا عن أحضان والدته يشعر بإشتياق شديد لها يكفى بأن يغمره فى بكاء لا ينتهى , ولكنه يحاول أن يتماسك وأن يواجهه ذلك التحدى فى البعد عنها .
فكلماتها مازالت تتردد على مسمعه , تلك الكلمات التى قالتها له وهو يقف أمام أبواب المدرسه على وشك الدخول:
_انت كبرت دلوقتى وتقدر تعتمد على نفسك, وأنا هفضل طول الوقت جنبك .
وعلى وجهها ابتسامه مليئه بالحنان تحاول بها إخفاء اللمعه التى تظهر بعينيها حتى تطمأنه:
_اتصاحب على زمايلك فى الفصل والعب معاهم وابقى مبسوط وانا هتنساك علشان تحكيلى كل حاجه عملتها انهارده ............ ماشى؟
فينظر لما بوجهه حزين:
_حاضر.
ثم تضع على جبينه قبله وتتركه ينطلق ليبدأ يومه الدراسى الأول بحياته.
مازال يقف بين زملائه فى طابور الصباح , يستمع لإذاعه المدرسه دون فهم ثم كلمه مدير المدرسه التى لم يستوعب منها شىء سوى أن العام الدراسى الجديد قد بدأ , وهو عامه الدراسى الأول.
دقائق وانتهى طابور المدرسه , وانطلق الأطفال كلا منهم على الفصل الذى يتبعه.
ذهب الطابور الخاص بمحمد على فصله بعد أن أرشدهم الأستاذ صابر مدرس اللغه العربيه على مكانه.
دخل محمد فصله وهو يمر بين المقاعد ليختار احدهم , فيجلس بجوار أحد الأطفال ثم ينزل حقيبته من على ظهره ويضعها أرضا بجواره.
ثم يرفع نظره ويجول به حوله وهو يتنقل بين الوجوه الكثيره التى تحمل نفس نظرات الخوف الذى يحملها ومنهم من يوشك على البكاء ومنهم من يرغب فى اللعب.
يسرح محمد فى أفكاره و وصايا والدته له وهو ناظرا أمامه وفجاءه تتشتت تلك الأفكار فى رأسه وتتلاشى واحده تلو الأخرى بعد أن جذبته تلك الفتاه التى تجلس أمامه وهى تعقد يدييها على الدسك وتضع فوقهما رأسها ووجهها عابس حزين , وشعرها ينسدل على ظهرها على هيئه ديل حصان تعقده بتوكه بيضاء, ذلك الشعر البنى اللامع ذو الملمس الحريرى .
يدخل الأستاذ صابر الفصل بجسده النحيف ونظارته المقعره وشعره الخفيف فوق رأسه يكاد ينعدم, وهو يرتدى بذلته البنيه ذات النصف أكمام, ثم يضع كشكول تحضيره على المكتب ليبدأ الكلام:
_قيام.
فينهض جميع التلاميذ من مقاعدهم ليستعدوا لرد التحيه.
_السلام عليكم.
_وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته.
_ جلوس.
ثم يتابع كلامه:
_طبعا انهارده أول يوم ليكوا فى المدرسه .......... فأحب أعرفكم بنفسى , أنا أستاذ صابر مدرس اللغه العربيه "القراءه " يعنى , هدرسلكم السنه دى بإذن الله, أحب بقى أتعرف عليكم وهنمشى بالترتيب كل واحد يقوم يقولى أسمه وباباه بيشتغل إيه.
فوظيفه الأب تعتبر أهم من الإسم فهى مقياس الإهتمام بالنسبه للمدرس على كل طالب , والتى يندرج تحتها حسن المعامله والإحترام بين المدرس والتلميذ, فالعلاقه بينهم طرديه كلما زاد المنصب زاد الإهتمام, فكثير من الأحيان نلجأ لمبدأ " المصالح بتتصالح".
يقف التلاميذ واحد تلو الأخر ليعرفوا أنفسهم ووظيفه أبائهم ببرائه شديده لا يدرون أهميتها, فتتغير ملامح الأستاذ صابر من تلميذ لأخر , أحياناٍ يبتسم ويتبعها بكلمه "إتفضل", ومرات أخرى يعبس ويتبعها بجمله" طب أقعد اللى بعده" وهم ينظرون له برهبه لا يدرون ما يغضبه وما يسعده.
وصل الدور على تلك الفتاه التى تجلس فى المقعد الذى يقع أمام محمد فتنهض بخجل وخوف ثم تبدأ بالتحدث بصوتها الهادىء.
_ انا أروى فتحى , وبابا بيشتغل فى مصلحه الضرائب.
ثم تجلس لتتبعها الفتاه التى تجلس بجوارها, مرت دقائق حتى أتى دور محمد فينهض محمد وهو ينظر حوله ليجد نظرات جميع التلاميذ تقع عليه فيضع على شفتيه إبتسامه مزيفه يخفى ورائها رهبة الموقف.
_ اسمى محمد سعيد , وبابا متوفى .
_ طب مامتك بتشتغل ولا ست بيت.
فيجيبه محمد:
_ موظفه فى وزاره التربيه والتعليم.
ثم يجلس ويقف من يتبعه.
بعد مرور ثلاث ساعات منذ دخول محمد فصله يدوى جرس ينم على بدأ وقت الفسحه , بعد قضاء ثلاث حصص.
تنهض أروى لتنظر خلفها باحثه عن حقيبتها لتضع بها أدواتها
المدرسيه , فينظر اليها محمد ليرى ملامح تلك الفتاه التى اثارت اتنباهه , فيرى صاحبه الشعر البنى اللامع ذات البشره البيضاء , والعيون الواسعه والقزحيه ذات اللون العسلى , أنفها صغير وكذلك فمها ذو الشفاه الورديه.
فتنظر له وتبتسم ثم تخرج إلى فناء المدرسه.
لحظات وأصبح الفصل شبه فارغ بعد أن خرج منه معظم التلاميذ إلى فناء المدرسه للعب و تناول الساندوتشات التى يحملونها فى حقائبهم , أخذ محمد حقيبته وخرج من فصله متجها للخارج يبحث عن أروى, فوجدها فى الفناء تجلس منفرده بعيدا عن باقى التلاميذ وهى تنظرللأرض واضعه يديها تحت رأسها وبجوارها حقيبتها ووجهها ملىء بالحزن.
تحرك محمد فى اتجاهها لذلك المعزل الذى تجلس به ثم يقف أمامها, فتلاحظ أروى وهى تنظر إلى الأرض حزائه الأسود ذو الرباط, فترفع أروى عينها لتجد محمد يقف أمامها ذلك الولد الذى يجلس خلفها فى الفصل.
_ ممكن أقعد جنبك.
بحزن يملأ صوتها:
_إتفضل.
وهى تمسك بحقيبتها الموضوعه بجوارها لتفسح مكانا له يستطيع أن يجلس فيه وتضعها أرضا .
_أنا إسمى محمد.
_ وأنا أروى.
_مش انت اللى قاعد فى الدسك اللى ورايا؟
_أه ................ أنا , فى الديسك اللى وراكى على طول.
_امممممممممممممم.
_مالك زعلانه كده ليه.
_ ماما وبابا ولعبى وحشونى أوى .................. أنا مش عايزه أجى هنا تانى.
محمد وقد نسى حزنه على فراق والدته ولعبه وابدل حزنه بإهتمامه بأروى وكيف يسعدها.
_تيجى نلعب؟
_نلعب إيه؟
يضع محمد حقيبته على ركبتيه ويهم بفتحها فيخرج منها سياره لعبه صغيره لونها أزرق أهداها له والده فى أخر عيد ميلاد حضره له قبل وفاته وهو عيده الرابع.
_ أنا بحب العربيه دى أوى علشان بابا الله يرحمه جبهالى فى عيد ميلادى من سنتين وباخدها معايا أى مكان بروحه , فأنا أخدتها أنهارده من ورا ماما قولت يمكن أحب ألعب بيها شويه.
شعرت أروى بالسعاده بتلك اللحظات التى تقضيها مع ذلك الطفل الذى ربما يهون عليها بعدها عن والدها ووالدتها والعابها.
_ماشى خلاص يلا نلعب بيها.
تمر الأيام والسنين وأروى ومحمد مازالا معا يكبرا معا يفعلا كل شىء معا ومعظم أوقاتهم تمر وهم معا , يمضيان يومهما الدراسى معا حتى نهايه اليوم الدراسى فتأتى لحظه الفراق , يفترقا ليذهب كلا منهما لمنزله , ينتظران صباح اليوم التالى بفارغ الصبر ليقص كلا منهما للأخر عن أحداث يومه فى المنزل وما مر به.
وبعد مرور خمسه أعوام تجمعهم معا فى هذه المرحله الإبتدائيه تأتى اللحظه الأخيره فى هذه المرحله يوم الإمتحان الأخير لهم فى الفصل الدراسى الثانى للسنه الخامسه.
بعد أن انقضى معظم ساعات الإمتحان خرج محمد من لجنته بعد أن انهى حله للإمتحان وسلم ورقته للمراقب, اتجهه محمد إلى فناء المدرسه وجلس على أحد المقاعد منتظرا خروج أروى من اللجنه الخاصه بها .
لحظات لتخرج أروى من اللجنه فتجد محمد يجلس فى أحد المقاعد وهو يرتدى بنطلون جينز وقميص ذو أكمام, كاروهات بألوان السماء , وهو ينتظرها وعلى وجهه ملامح الحزن والبؤس, فتذهب له أروى بخطواتها المرحه.
_عملتى إيه؟
_الحمدلله حليت كويس أوى .......... وأنت؟
_الحمدلله حليت.
_مش هتفك وشك ده بقى .
_ لا .
_ماأنا قولتلك إنى هحاول لحد ماأقنعه.
_ هتحاولى!
ناظرا لها بإستنكار ثم يتابع كلماته بحده:
_ إنتى لازم تقنعيه, فاهمه؟!
فتبتسم برقه
_إنت مش واثق فيا ولا إيه؟
_ لا طبعا واثق فيكى ............ بس هو أكيد لا.
_خلاص بقى أنا قولتلك ماتقلقش.
_ هحاول.
_ طب مش يلا بينا بقى نروح.
محمد بعد أن إطمأنت نفسه قليلا وأستعاد إبتسامته:
_ يلا بينا يا ستى .................... وقولى للمدرسه باى باى .
ثم يذهبا كلا منهما فى طريقهما للمنزل بعد أن قضوا أخر يوم لهم فى تلك المرحله وتلك المدرسه .




"إثبات شخصيه"


يتأمل محمد الصور التى إستوقفته كثيرا ليسبح فى ذكريات الماضى ومرحله الطفوله التى جمعتهم, والتى كانت بدايه تعلقه بأروى , فأصبحت تمثل له أهم شىء فى حياته, بل كل حياته فهو لا يستطيع العيش بدونها.
صور تمثل له حياه بأكملها بدأت بظهورها بحياته وختمتها بفراقها.
نغمه رنين ترن على هاتفهه المحمول تنم على استقباله لرساله نصيه تقطع حبل ذكرياته وتحدفه على شط الواقع.
فيمسك محمد بهاتفهه الموضوع على المكتب ليقرأ الرساله فينصدم بأن الساعه أصبحت الثالثه مساءاً وأنه تأخر على أولاده.
فيضغط على الرساله مسرعا ليقرأها فيجدها من إبنه أحمد:
"بابا إنت فين"
يضغط محمد على زر الرد ليرسل رساله لإبنه ليخبره أنه قادم فى الطريق.
"أنا فى الطريق أهو, انا أسف إنى أتأخرت"
ثم ينهض مسرعا وهو يجمع أوراقه من على مكتبه ويغلق اللاب توب ويضعهم فى حقيبته ثم يمسك بهاتفهه ومفاتيحه ويخرج.
يصعد محمد سيارته وينطلق مسرعا نحو منزله.
تمر نصف ساعه حتى يصل محمد الى منزله , يصعد محمد درجات السلم وهو فى عجله من امره فيجد أحمد ورنا جالسين على السلم أمام باب شقتهم فى انتظاره.
فيهما مسرعان نحوه.
أحمد بضيق يظهر على وجهه:
_ كنت فين يابابا أتأخرت أوى.
_أسف يا حبيبى إنى أتأخرت عليكوا ........ مش هتتكرر تانى.
فتتبعه رنا بإلحاحها:
_يلا بقى يا بابا إفتح الباب الشنطه تقيله و ضهرى وجعنى ...... وكمان جعانه جدا.
فيخرج محمد مفاتيحه ويفتح باب شقته , فيدخلا كلا من أحمد ورنا مهرولان لغرفتهما ليبدلا ملابسهما , والاستعداد لوجبه الغداء, ثم يتبعهما محمد للداخل. يذهب محمد ليجلس على الانتريه وبين قبضته هاتفهه يبحث عن رقم المطعم والذى أصبح من عملائه المميزين لكثره تعامله معه منذ أن أصبح بدون شريكه حياته لضيق الوقت لديه فــــــــــيومه لن يستطيع تحمل عبأ أعداد الطعام أيضا. لحظات ليجد محمد الرقم ويتصل بهم ويطلب أوردره الشهير"3 بيتزا ميديم", ثم يذهب إلى غرفته لتبديل ملابسه منتظرا وصول الأوردر والذى يستغرق نصف ساعه كالعاده.
مرت النصف ساعه منذ أن طلب محمد الأوردر ,يرن جرس الباب فيهم محمد متجها نحو الباب ليستلم طلبه ودفع ثمنه بالإضافه إلى " البقشيش " طبعا.
ليصبح مايدفعه محمد فى " البقشيش" مقابل كل طلباته من ذلك المطعم فى الشهر هو ميزانيه أسره مكونه من خمس أفراد فى شهر واحد.
يضع محمد البيتزا على السفره ثم ينادى على أحمد ورنا لتناول الطعام.
_بابا أحمد ماغسلش إيده بالصابونه , وهى ترقص حاجبيها لأخيها وتخرج لسانها من فمها.
_والله يابابا غسلتها دى كدابه.
_معلش ياأحمد ممكن تغسلها تانى علشان بس تثبت لرنا إنك نضيف أوى.
_حاضر.
يذهب أحمد لغسل يديه مره أخرى ثم يأتى ليجلس بجوار أخته على السفره ويجلس محمد معهم لتناول الغداء.
بعد تناول الطعام يسرع أحمد ورنا فى مساعده والدهم فى تنظيف ثم يذهبوا إلى غرفهم, فيجد محمد نفسه قد أصبح وحيدا فيبحث عن حقيبه اللاب توب الخاصه به لينجز بعض أعمال المحاسبه الخاصه بالبنك, فيجدها فى غرفه نومه موضوعه على السرير فى مقابل الشرفه التى إعتاد الجلوس بها مع أروى يتسامران ليلا.
يذهب محمد إلى مطبخه لعمل كوبا من النسافيه لنفسه ثم يأخذه لشرفه غرفه نومه ويضعه على طاوله صغيره دائريه تتوسط الشرفه وبجوار كوب النسكافيه طفايه السجائر الزجاجيه وعلبه السجائر الخاصه به وولاعته الفضيه لطالما عشق الفضه من عشق زوجته لها.
يضع محمد اللاب توب أمامه ثم ينهمك فى متاهه عمله لمده ساعتيين ثم يعود بظهره للخلف ليريحه من عناء جلسته الطويله على أعماله على ذلك الجهاز فيعود بذاكرته لذلك الكنز الذى فتحه اليوم,ذلك الملف الذى وضعت به زوجته جميع ذكرياتهم واللحظات التى تجمعهم.فيذهب محمد لذلك الملف ليسرح فى تفاصيله ويأخذ عقله فى رحله للماضى مره اخرى.
الســــــــــــاعه السابعه والنصف صباحا يقف محمد أمام أبواب مدرسته الجديده الإعداديه المشتركه مرتديا بنطال كحلى اللون وقميص مثنى أكمامه للكوعيين ورابطه عنق لونها كحلى, من حين لآخر ينظر إلى تلك الساعه التى يرتديها والتى كانت هديه والدته لنجاحه فى المرحله الابتدائيه وعلى وجهه يظهر القلق فلحظات الإنتظار صعبه وتمر بصعوبه وخصوصا انتظار قرارات وأشخاص قد يغيروا مجرى حياتك بأكملها,ينتظر محمد فى قلق وحماس معرفه هل نجح الأمر معها أم لا. ثم يرفع رأسه للسماء ليناجى ربه ليقف بجانبه ويطمأنه ولا يخيب ظنه وتنجح.
لحظات تمر سريعا على من حوله للالتحاق بأول يوم دراسى وموعد الطابور المدرسى ولكنها بطيئه عليه من صعوبه الإنتظار.
فيجد فتاته تجرى نحوه من بعيد وهى ترفع يدها لتلوح له ووجهها مبتسم . فيبتسم لها محمد والسعاده تغمر قلبه .
أروى بعد ان اتعبها الجرى , ودقات قلبها المتسارعه تعيقها من الكلام , تخرج منها الكلمات بصوت متقطع:
_مش قولتلك هعرف أقنعه.
_وحشتينى.
_وأنت كمان.
_طب يلا بسرعه الطابور هيبدأ.
فقد وجدت أروى صعوبه فى إقناع والدها بفكره المدرسه المشتركه حيث كان والدها مايعرف ب" الصعيدى الأصيل" ترك بلده نجع حمادى منذ أن تزوج من والدتها سميره منذ أكثر من خمسه عشر عاما ليعيش بالقاهره ولكن الجينات الصعيديه مازالت تسيطر عليه حيث أنه كان يرفض فكره المدارس المشتركه وأن الأصح لها أن تدرس فى مدرسه للفتيات فى تلك المرحله العمريه وأن تبتعد عن معرفه الأولاد فى سنها هذا حتى لو كانت تلك المعرفه فى إطار الزماله أو الصداقه فكل هذا نابع من خوفه عليها.حتى أقنعته أروى بمساعده والدتها سميره بتلك المدرسه لتكون بصحبه محمد بحجه أن تلك المدرسه هى الأقرب لها , فأصبح فتحى فى مأزق أمام زوجته وفتاته الوحيده التى دائما يضعف أمام رغباتها , فخضع فتحى لرغبتهما بعد أن أخذ على إبنته وعدا بعدم التحدث مع أى من زملائها الأولاد فى هذه المدرسه.فوعدته أروى بسهوله فهى لم تكن تعتبر محمد زميلا لها فى الدراسه ولكن اعتبرته صديقها وصديقتها فى نفس الوقت والذى تشاركه كل شىء فى حياتها أحزانها وأفراحها منذ طفولتهما سويا. ولهذا محمد لا يندرج تحت قائمه الزماله ولا ينتمى للوعد بالنسبه لها.
لحظات وبدأ طابور الصباح ثم أنتهى ليتجه الطلاب إلى فصولهم فيجد محمد نفسه فى فصل وأروى فى فصل أخر تلك الكارثه الغير متوقعه التى تصدمه , فبعد أن سعى بكل جهده ليحقق هدفه فى أن يكون مع أروى فى هذه المرحله يجد هذه العقبه تواجهه والتى كانت بسبب بعد الألف عن الميم فقد كان توزيع الفصول فى هذه المدرسه طبقا للحروف الأبجديه.
تمر ساعات قليله منذ أن بدأ اليوم الدراسى الأول لهما فى تلك المدرسه ولكن تلك الساعات القليله تمر عليه كانها أيام وشهور لايمل من النظر فى ساعته ليرى حركه العقارب البطيئه ولو بإمكانه أن يسرعها لم يتردد لحظه , تمر الساعات وهو منتظر وقت الفسحه متلهف لرؤيتها كالمدمن الذى ينتظر جرعته من المخدرات ليستعيد الهدوء والاسترخاء فى حياته.
يدق جرس الفسحه فيخرج محمد مسرعا متجها إلى فصل أروى فيجدها تتحدث مع فتاه تجلس بجوارها فى المقعد , فتاه بشعر مموج أصفر وعيون زرقاء وبشره بيضاء ووجه ممتلىء ترتدى تنوره قصيره كحليه وقميص ابيض تظهر من أكمامه مرفقيها وربطه عنق كحليه لم تحسن عقدتها وجسد ثمين بعض الشىء ويظهر هذا فى ساقيها البارزتان من التنوره وقد ارتدت بهما جورب لونه أبيض وحذاء أسود.
تنظر أروى فى أتجاه باب الفصل فتجد محمد يقف فى الخارج فى إنتظارها, فتبتسم له وتلوح له بيدها ثم تنظر لتلك الفتاه مره أخرى وتحدثها بعجله ثم تهم مسرعه بالنهوض متجه إليه.
فتلاحظ أروى وجهه محمد العابس فينطق محمد بنبره حزينه وغاضبه:
_الوضع ده مش هينفع.
_وضع إيه.
_إنى كل واحد فينا فى فصل لوحده........ إحنا جينا هنا علشان نبقى مع بعض مش كل واحد لوحده.
_معلش يا محمد دى مشكله خارجه عن أرادتنا ......... وبعدين إحنا بردو مع بعض.
محمد بغضب وصوت عالى:
_إزاى؟
_ممكن تهدى إنت بس شويه وماتزعلش ...... إحنا هنبقى مع بعض بس مش فى الفصل.
_بمعنى؟
_هنقضى الفسحه كلها مع بعض وممكن كمان تيجى توصلنى لحد البيت ...... مش إنت كان نفسك تعرف عنوانى.
_آه طبعا من زمان...... بس وباباكى؟
يسأل محمد وعلى وجهه ملامح الدهشه والخوف من والد أروى المتعصب وحتى لا يوقعها فى مشكله فيحرم هو منها.
_ماهو إنت مش هتوصلنى لحد البيت أوى يعنى ..... هتسيبنى عند أول الشارع وأنا هكمل لوحدى.
_مقدرش أسيبك لوحدك ....... هخاف عليكى.
_ لا متخافش أنا بميت راجل.
وهى تنظر له مبتسمه دون ادراك لمدى جديه كلمات محمد فهو كان يعنى ماقاله بكل معنى الكلمه , فقد تحول الإهتمام تدريجيا إلى أمور يصعب عليها فهمها دون أن تشعر بها هى أيضا, وكذلك هو لم يكن يعلم بأن اليوم الذى سوف تتطور فيه مشاعره تجاهها إلى هذه المرحله سوف يأتى .
_صحيح مين البنت اللى كنتى بتكلميها دى.
_آه فعلا ..... إنت اللى نستنى أحكيلك على شيماء دى بقى زميلتى فى الديسك وشكلنا كدا هنبقى صحاب.
يعقد محمد حاجبيه:
_مافيش صحاب غيرى ها.
فتخرج من أروى ضحكه بصوت عالى
_ ده أكيد.
وبعد مرور عامان معا فى تلك المرحله يظهر محمد مرتديا بنطال جينز وتيشيرت أسود وقد ظهرت عليه ملامح الرجوله , مرسوم فوق شفته العلويه ظل للشنب بلونه الأسود وبدا على صوته خشونه الرجال , وهو يقف فى محل للفضيات يدعى "سيلفر" وقد أشترى منه سلسله فضه ذات العين المزينه بالحجر الأزرق ووضعها فى علبه زرقاء اللون وحقيبه مخصصه للهدايا.
اتجهه محمد إلى النادى الذى ستقيم فيه أروى عيد ميلادها الثالث عشر, فيجد أروى تقف بين زملائها المدعويين لتلك المناسبه و معظمهم من فصلها ومن بينهم شيماء والتى أصبحت صديقتها المقربه . وقد إرتدت أروى فستان بلون وردى قصير , منعدم الأكمام وقد ظهر عليها بدايات الأنوثه .
فيذهب محمد فى إتجاهها وهو ينادى عليها:
_أروى....... أروى.
فتخطو نحوه مسرعه:
_محمد إتأخرت ليه.
_معلش أنا أسف إنتى عارفه الزحمه بقى ............ أه صحيح كل سنه وإنتى طيبه ...إتفضلى .
وهو يرفع يده حاملا بها تلك الحقيبه التى تحمل هديته لها فتمد أروى يدها لتأخذها منه بسعاده وإبتسامه تظهر بريق أسنانها البيضاء ثم تسرع فى فتحها لتجدها تلك السلسله التى لطالما أرادت شرائها لعشقها الجنونى للفضه.
فتعطيها أروى لمحمد وتلتف طالبه منه أن يضعها حول رقبتها و هى فى غايه السعاده فيضعها محمد ثم تعود له بوجهها وهى مبتسمه.
_عجبتك؟
_أه حلوه أوى ..... دى أحلى هديه جاتلى السنه دى .
فيشعر محمد بفرحه تغمر قلبه بعد أن تأكد من أنه أستطاع أن يسعدها بأن قدم لها شىء تحبه.
_طب أوعى بقى تقلعيها من رقبتك.
_أبدا, وهى تمسك بيديه بسعاده .
لحظات ليأتى زميل أروى فى فصلها ويدعى محمد وهو ينظر لأروى نظره إعجاب لا يفهمها سوى محمد , فأشعرته بغيظ شديد ووقف يتأمل ذلك المستفز.
_إيه الحلاوه دى.
فتبتسم أروى وقد شعرت بخجل شديد:
_شكرا يا مدحت.
_كل سنه وأنتى طيبه . وهو يمد يده لها بتلك الحقيبه التى تحتوى على هديه عيد ميلادها.
_وانت طيب , وهى تلتقط منه الحقيبه ثم تفتحها فتجد دبدوب أصفر اللون.
_الله ده حلو أوى.
_عجبك.
_آه طبعا شكرا أوى يا مدحت.
_بس على فكره انتى أحلى.
فيقطع محمد حديثهما وقد أحمر وجهه من الغضب وهو يرمقه بنظره مليئه بالغيظ:
_شكرا يا مدحت بس ممكن تسيبنا مع بعض شويه ... عايز أقولها على حاجه.
فينظر له مدحت بتعجب من حده كلامه له فيجيبه:
_إتفضل.
ويتحرك منصرفا ليتركهما على إنفراد وهو ينظر لأروى مبتسما وهو يلقى كلماته الاخيره لها:
_هستناكى نطفى الشمع.
فتهز أروى رأسها له بالموافقه ثم تعود بنظرها لمحمد, فتجده فى قمه غيظه ووجهه غاضب.
_ شكلك كده نسيتى وعدك لباباكى.
_ليه بتقول كده.
_انتى إزاى تعزمى زمايلك الولاد على الحفله.
_أولا انا ماعزمتش حد بس شيماء هى اللى عزمتهم وحطيتنى فى الموقف ده.............. ثانيا أنا مش فاهمه انت متعصب ليه.
_انا مش متعصب ولا حاجه ........... وبعدين إيه القرف اللى انتى لابساه ده.
فتنظر أروى الى فستانها بدهشه شديده فهذه المره الأولى له والتى يعلق فيها على أى شىء ترتديه.
_ وماله بقى الفستان.
_أنتى مش شايفه ولا ايه.
_لا أنا شيفاه كويس جدا بس عايزه أعرف إيه اللى أنت شايفه.
_عريان وأوى كمان انتى ازاى تسمحى لنفسك تلبسى حاجه كده.
_ انت عارف انى انهارده عيد ميلادى ........ وانا عجبنى الفستان ده فلبسته وبعدين هو مش عريان.
_انت كمان بتكدبينى لا عريان وانتى عارفه كده كويس ولا انتى لبساه علشان تسمعى كلمتين حلويين من مدحت ؟ آه ماهو قالك إيه الحلاوه دى وياعالم قال إيه تانى مأنا تقريبا جاى أخر واحد.
_تقصد إيه يامحمد.
_ماقصدش.
أروى تنظر له بغضب شديد وقد ضاق صدرها من أقواله فهى لم تتوقع حدوث ذلك منه فى يوم عيد ميلادها.
_إنت بقيت غريب أوى .... و شكلك كده عايز تعمل عليا راجل.
_أنا راجل غصب عنك.
_أنا بجد زهقت من الطريقه دى,
_أنا أصلا ماشى ... إشبعى بقى بعيد الميلاد وأقضيه بقى مع مدحت براحتك......................ســــــــــــــــــــــــــلام.
ثم يدير لها ظهره ويرحل تاركا خلفه أروى والدموع تلمع فى عينيها وهى تحاول منعها حتى لا يلاحظها أحد.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.