تتشكل أخلاقيات وخبرات أبنائنا مِما يستقونه من حكايات وأمثلة نسردها لهم منذ نعومة أظافرهم، وما نعده نحن ضربًا من ضروب التسلية والمتعة لديهم، إنما هو في الحقيقة أحد الأساليب التربوية التي ترسخ في ذاكرتهم - علماً بأن ذاكرة الأطفال والمراهقين متّقدة وتتقبل كل ما يُملى عليها بسلاسة غريبة وحفظ محكم لكل حدث على عِلّته، بغض النظر عن كون ما يستقونه من تلك الخبرات هو سلبي أم إيجابي، هو في النهاية ينعكس بشفافية عجيبة على سلوكهم. وبهذا تتشكل سيكولوجية الأطفال تبعاً للطريقة التي نستخدمها لتعريفهم على الحياة لتشكيل خبراتهم منذ المهد دعماً لمبادئ وقناعات وخبرات تشكلت بها -من قبل- حياتنا وصفاتنا.
إنها الرسالة والأمانة التي نتناقلها جيلًا بعد جيل، والاختيار دائماً يعود لنا - وبمحض إرادتنا - بين الفضيلة أو الانحدار، وهل الرسالة التي نختار وصولها للأجيال من بعدنا هي رسالة خير وقيم ومبادئ، أم إنها رسالة مشوشة مشوهة ظاهرها التشويق والمتّعة وباطنها الهدم لقيم راسخة لا يجب أبداً المساس بها أو توصيلها بصورة مشوهة مهما كان المقصد.
إن سلوكيات الأبناء وتوجهاتهم ما هي إلا انعكاس لجملة الخبرات المكتسبة التي يتأثرون بها ويقتدون بها من خلال تصرفات الآباء وأساليبهم التربوية إيجابية كانت أم سلبية. وهناك جانب آخر ربما لا يقل خطورة عن دور الأسرة في تنشئة الأبناء وتهذيب أخلاقهم، وهو ببساطة أحد الوسائل المهمة التي تستخدمها الأسر في التواصل مع الأبناء لتعليمهم وتهذيبهم، هذا الجانب يتمثل فيما يعرض على الأبناء من قصص بهدف التسلية والعظة والتعلم في آن واحد. وتأثر النشء بالقصص التي يقرؤونها أو التي تروى لهم أو التي يشاهدونها هو أمر بالغ الخطورة من الجانب السلوكي والتربوي وهو ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر حينما نرى العديد من القصص التي تروى بغرض التسلية، لكنها تفتقر للحد الأدنى من الرقابة ودعم القدوة والخلق القويم الذي نطمح أن نربي أبناءنا عليه. الكثير من هذه القصص تحض على الكذب ومنها ما يشجع على أكل المال الحرام واعتباره وكأنه رزق طيب وهبة الله لرجل طيب، ومنها ما يحض على التواكل وانتظار المعجزات متمثلة في فانوس سحري أو خوارق لا وجود لها في الواقع، ومنها ما يروج للفهلوة والاحتيال كوسيلة للوصول لمنصب أو الخلاص من مشكلة أو الفوز بقلب أميرة حسناء.
كل تلك القصص المشوهة هي مجرد أمثلة محزنة لقصص عكفنا على تلقينها لأبنائنا دون أن يكون لدينا أية دراية بمدى خطورة مردودها النفسي والسلوكي على أخلاقيات وثقافات وتوجهات أبنائنا.
في هذه القصة، حاولت جاهدًا أن أعيد روح الفضيلة والخلق القويم والفكر البناء إلى قصص الناشئة معتمدًا وبشكل أساسي على توفيق الله أولًا ثم دراستي للجانب النفسي للأطفال والناشئة والمراهقين، وقد عكفت على إعادة صياغة هذه القصة المشوهة التي نَقُصّها كثيرًا على أبنائنا، تماما كما فعلت في سلاسل أخرى لقصص شهيرة. حاولت بجهد صياغة أحداثها بشكل يتسق بوضوح مع الهدف الأسمى والرسالة الطيبة من وراء سردها مع الاحتفاظ بعنصري الجذب والتشويق طوال أحداثها.
ستجد أن بعض أحداثها يشابه القصة المعروفة "علاء الدين والمصباح السحري" ولكن بتفاصيل مختلفة لا يحل فيها الحرام أو تجعل من الكسل والتواكل والخوارق وسيلة للكسب والنجاح، وحاولت فيها تناول فضيلة وخلق يصل إلى المتلقي بسلاسة ويسر.
وستجدون في نهاية القصة تعقيب يلخص الهدف منها والسلوك المراد معالجته أو تعزيزه مع وضع بعض الحلول الجذرية للسلوكيات المشوهة المشينة، بالوقوف على أسبابها والوصول لطرق حاسمة لعلاجها.
هذه القصة موجهة للنشء والأسرة معًا ولا تخلو من عنصر التشويق لجذب القارئ وتسليته وتعليمه وتهذيبه في آن واحد، وهي أول سلسلة تتناول القصص الشهيرة المشوهة بالنقد والتحليل من خلال إعادة صياغتها وسردها بالشكل الذي يبني لا يهدم، ويعزز الأخلاق القويمة التي تفتقر لها الكثير من القصص الشهيرة والمتداولة.
أتمنى من الله أن تجدوا هذه القصة شيقة، ممتعة ومفيدة للأسرة والأبناء معًا وأن يجد فيها الآباء بعض الرسائل الإرشادية والتربوية المهمة التي تعينهم على تربية نشء يفتخرون به سلوكًا وأخلاقًا.