hindawiorg

Share to Social Media


بَعْدَ أَنْ أَتَمَّتْ شُئُونَ البَيْتِ، إِلَى الْحَدِيقَةِ الْحَبِيبَةِ، لِتُؤَدِّيَ « سَلْمَى » فِي صَباحِ يَوْمٍ نَزَلَتِ الْأمُُّ
لَها ما يَلْزَمُ مِنَ السَّقْيِ وَالتَّنْظِيفِ.
وَلاحَتْ مِنْها نَظْرَةٌ إِلَى عَرِيشٍ صَغِيرٍ لِلْعِنَبِ، أَنْشَأَتْهُ فِي الْحَدِيقَةِ، وَتَعَهَّدَهُ أَهْلُ الْبَيْتِ
كُلُّهُمْ، يَنْتَظِرُونَ أَنْ يَقْطِفُوا مِنْهُ عِنَبًا لَذِيذًا عَنْ قَرِيبٍ.
فَرَحًا شَدِيدًا، لِأنََّها فُوجِئَتْ بِأَنَّ قِطْفًا مِنْ قُطُوفِ الْعِنَبِ النَّاشِئَةِ « سَلْمَى » فَرِحَتِ الْأمُُّ
قَدْ نَضِجَ، وَسَبَقَ جَمِيعَ الْقُطُوفِ الْأخُْرَى، فَأَصْبَحَ لَوْنُهُ مائِلًا إِلَى الصُّفْرَةِ، وَحَبَّاتُهُ شَفَّافَةٌ
رَقِيقَةُ الْقِشْرَةِ.
هَلْ أَتْرُكُ الْعُنْقُودَ النَّاضِجَ فِي عَرِيشِ الْعِنَبِ، حَتَّى يَحْضُرَأَفْرادُ » : وَسَأَلَتِ الْأمُُّ نَفْسَها
«؟ الْأسُْرَةِ، لِيَنْظُرُوا إِلَيهِ، وَلِيَشْتَرِكَ الْجَمِيعُ فِي قَطْفِهِ
تَنْصَرِفُ، صاعِدَةً إِلَى الْبَيْتِ وَتَتْرُكُ الْعُنْقُودَ فِي عَرِيشِ الْعِنَبِ، « سَلْمَى » وَكادَتِ الْأمُُّ
انْتِظارًا لِحُضُورِ أَفْرادِ الْأسُْرَةِ.
سَأَقْطِفُ هَذا الْعُنْقُودَ، وَأفُاجِئُ بِهِ أَهْلَ الْبَيْتِ، » : وَلَكِنَّها فَكَّرَتْ قَلِيلًا، ثُمَّ قالَتْ
«. وَسَيَفْرَحُونَ بِرُؤْيَتِهِ أَشَدَّ الْفَرَحِ
فَغَسَلَتْ عُنْقُودَ الْعِنَبِ غَسْلًا جَيِّدًا، وَوَضَعَتْهُ فِي طَبَقٍ نَظِيفٍ، وَهِيَ ،« سَلْمَى » ذَهَبَتِ الْأمُُّ
تَنْظُرُ مُعْجَبَةً، كَأَنَّها تَنْظُرُ إِلَى عِقْدٍ مِنَ اللُّؤْلُؤِ النَّفِيسِ.
.« أَنِيسَةَ » وَكانَ أَوَّلُ الْحاضِرِينَ إِلَى الْبَيْتِ ابْنَتَها
احْزِرِي … ماذا تَظُنِّينَ » : أَنْ تَكْتُمَ الْخَبَرَ عَنْها، فَقالَتْ لَها « سَلْمَى » فَلَمْ تَسْتَطِعِ الْأمُُّ
«؟ أَنْ أفُاجِئَكَ بِهِ
«؟ إِنَّكِ دائِمًا تُفاجِئِينَنا بِكُلِّ ما يَسُرُّنا، ماذا عِنْدَكِ مِنْشَيْءٍ جَدِيدٍ » :« أَنِيسَةُ » فَقالَتْ
«. لَقَدْ بَدَأَ عَرِيشُ الْعِنَبِ يُعْطِي ثِمارَهُ. الْيَوْمَ نَضِجَ أَوَّلُ عُنْقُودِ عِنَبٍ » : فَقالَتِ الْأمُُّ
الْعُنْقُودَ … « سَلْمَى » وَأَحْضَرَتِ الْأمُُّ
تَراهُ، حَتَّى أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تُقَبِّلُهُ، وَتُشْبِعُ نَظَرَها مِنْهُ، لِأنََّهُ أَوَّلُ ثَمَرَةٍ « أَنِيسَةُ » فَما كادَتْ
طَيِّبَةٍ مِنْ عَرِيشِ الْعِنَبِ.
إِنَّهُ بَيْنَ يَدَيْكِ، فَتَصَرَّفِي فِيهِ كَما تَشائِينَ، وَسَتَنْضُجُ فِي الْأيََّامِ الْقَرِيبَةِ الآتِيَةِ » : وَقالَتِ الْأمُُّ
«. عَناقِيدُ كَثِيرَةٌ، بِإِذْنِ للهِ
.« أَنِيسَةَ » أَخُو « فِكْرِي » بَعْدَ قَلِيلٍ حَضَرَ
وَقَبْلَ أَنْ يَصْعدَ إِلَى الْبَيْتِ دَخَلَ الْحَدِيقَةَ يَجُولُ فِيها جَوْلَةً، وَوَقَفَ أَمامَ عَرِيشِ الْعِنَبِ
يَتَأَمَّلُ، وَظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِهِ الدَّهْشَةُ: لَقَدْ أَدْهَشَهُ أَنَّ عُنْقُودًا مِنْ عَناقِيدِ الْعِنَبِ النَّاشِئَةِ قَدِ
اخْتَفَى … فَأَسْرَعَ بِالصُّعُودِ إِلَى الْبَيْتِ، لِيَعْرِفَسِرَّاخْتِفاءِ الْعُنْقُودِ.
«. سَأفُاجِئُكَ بِشَيْءٍ يَسُرُّكَ » : فَقالَتْ لَهُ بَعْدَ أَنْ حَيَّتْهُ تَحِيَّةً طَيِّبَةً ،« أَنِيسَةُ » وَلَقِيَتْهُ أخُْتُهُ
«؟ قَبْلَ كُلِّشَيْءٍ أرُِيدُ أَنْ أَعْرِفَ: كَيْفَ اخْتَفَى مِنْ عَرِيشِ الْعِنَبِ عُنْقُودٌ » : فَقالَ لَها
«؟ هَلْ أَدْرَكْتَ أَنَّ مَكانَهُ خَالٍ فِي عَرِيشِ الْعِنَبِ » : فَعَجِبَتْ أخُْتُهُ مِنْهُ، وَقالَتْ لَهُ
هَلْ تَظُنِّينَ أَنِّي لا أَعْرِفُ كُلَّ ما يَجْرِي فِي الْحَدِيقَةِ؟! » : فَقالَ لَها
إِنِّي مَشْغُولٌ بِمُلاحَظَةِ عَناقِيدِ الْعِنَبِ النَّاشِئَةِ، أرُاعِيها يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ.
«. وَقَبْلَ صُعُودِي الآنَ لاحَظْتُ اخْتِفاءَ عُنْقُودٍ مِنْ هَذِهِ الْعَناقِيدِ
هَذِهِ هِيَ الْمُفاجَأَةُ الَّتِي كُنْتُ أَنْتَظِرُ أَنْ أفُاجِئَكَ بِها؛ رَأَتْ أمُِّي هَذا » :« أَنِيسَةُ » فَقالَتْ
«. الْعُنْقُودَ قَدْ نَضِجَ، وَهِيَ تَسْقِي الْحَدِيقَةَ فِي الصَّباحِ، فَقَطَفَتْهُ، وَسَأرُِيكَ إيَّاهُ
هَذِهِ أَحْسَنُ بُشْرَى. سَنَأْكُلُ » : وَسُرْعانَ ما أَحْضَرَتْهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَسْرُورًا، وَقالَ
«. هَذا الْعامَ عِنَبًا مِنْ غَرْسِ أَيْدِينا، بِفَضْلِ للهِ
لَقَدْ أَعْطَتْنِي أمُِّي الْعُنْقُودَ لِأتََصَرَّفَفِيهِ كَما أَشاءُ، وَأَنا أحُِبُّ أَنْ أَخُصَّكَ » : فَقالَتِ الْأخُْتُ
«. بِهِ
بَلْ هُوَ لَكِ، لِأنََّكِ أَوَّلُ مَنْ » : عاطِفَتَهَا الْأخََوِيَّةَ الْكَرِيمَةَ، وَقالَ لَها « فِكْرِي » فَشَكَرَ لَها
«. حَضَرَإِلَى الْبَيْتِ، وَتَلَقَّى الْبُشْرَى. وَسَأَنْتَظِرُ الْعُنْقُودَ الَّذِي يُنْضِجُهُ عَرِيشُالْعِنَبِ بَعْدَ ذَلِكَ
«. يَسُرُّنِي أَنْ تَأْكُلَهُ أَنْتَ، وَسَأَنْتَظِرُ أَنا الْعُنْقُودَ التَّالِي » :« أَنِيسَةُ » فَقالَتْ لَهُ
إِذَنْ نَقْسِمَهُ مُنَاصَفَةً بَيْنَنا، نِصْفُ حَبَّاتِهِ لِي، وَالنِّصْفُ الآخَرُ » :« فِكْرِي » فَقالَ لَها
«. لَكِ
«. إِنَّهُ عُنْقُودٌ صَغِيرٌ، وَلا داعِيَ لِقِسْمَتِهِ. لَكَ أَنْ تَأْكُلَهُ هَنِيئًا » :« أَنِيسَةُ » فَقالَتْ
أَنْتِ يا أخُْتِي تَمْلَئِينَ نَفْسِي إِعْزازًا لَكِ بِما تَفْعَلِينَ. وَلَيْسَتْ قِيمَةُ » :« فِكْرِي » فَقالَ لَها
عَمَلِكِ فِي نُزُولِكِ عَنْ عُنْقُودِ الْعِنَبِ لِي، وَلَكِنَّ الْقِيْمَةَ الْكُبْرَى هِيَ صَفاءُ الْأخُُوَّةِ بَيْنَنا، فَإِنَّكِ
«. تُحِبِّينَ أَخاكِ أَكْثَرَ مِمَّا تُحِبِّينَ نَفْسَكِ
أَنَّهُ مَسْرُورٌ بِحُبِّها لَهُ، مُقَدِّرٌ لِعاطِفَتِها نَحْوَهُ. « فِكْرِي » لِأخَِيها « أَنِيسَةُ » فَشَكَرَتْ
«. سَأَتْرُكُ لَكَ الْعَنْقُودَ لِتَتَصَرَّفَ فِيهِ كَما تَشاءُ » : وَقالَتْ لَهُ أَخِيرًا
وَنَفْسُها راضِيَةٌ عَمَّا صَنَعَتْ مَعَ أَخِيها، وَعَمَّا قالَتْهُ لَهُ. « أَنِيسَةُ » وانْصَرَفَتْ
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.