darbovar

Share to Social Media

إهداء...
إلى: جثمان أبي الذي شُيعت جنازته يوم الإثنين في تمام الساعة الوحدة ونصف بعد منتصف الليل، لقد سقط أبي أمامنا مثلما تسقط الورقة من غضن شجرتها، وصعدت روحه الطاهرة مثلما يحلق العصفور في عنان سمائها، لم أرَ في حياتي قط كنور وجه، وهو يغتسل وابتسامته التي لم تغادره ورائحته الجميلة.
ذهب إلى ربه صائمًا، ومكسور الجسد، فيداويك رب الكون بالشفاء ويسقيك من نهر الكوثر يا أبي، وما بال النعش الذى كان يجري، والسماء في عز كحل سوادها كانت تنير.
كنا نجرى كأننا في سباق؛ حتى نصل إلى النعش، ولم نصله.
كانت المئات تشهد جنازتك، في الغد انقلب العزاء فرح من كثرتهم، كنت تحدثنا بنفسك، وتقول: سيأتي اليوم، وترون بأنفسكم عزائي يا أحبتي، وترون حشد الناس.
صدقت يا أبي.. فلا شيء يستحق أن أذكره لهذا العالم سوى أنني ابنة الرجل الصلب، العِصامي، القَائم، المُعافر، المُحب، المُصاحب الذي شق طُرق الهجرة، وشارد بلاد الاطمئنان، وأخرج من الأمان إلى التحكمية، وأتى بلغة الكَبر، وتجاعيد البُن.
‏إليه وهو يحمل في سترته الحب، والخير، رجل لا يدرك في عالمه سوانا، لأضعن الرجال في كفة، وأنت وحدك في الكفة الموازية، وسترى بنفسك بأنك بجميع الرجال يا أبي، فأنا أرى كل عالمي أنت، ولا وجود لغيرك فيه؛ فضحكتك كافية يا أبي، لإسعادي طوال العُمر.
صوتك المميز حين يرن هاتفي، وأرى بأنه أنت يندسُ الفرح مع نبضات قلب معلنة موعد الاستنشاق.
لا تستطيع موازنة الأمور معي حين أسمع من يتحدث عنك دون علمهم بأنني من صلبك، أو أنني أسمع محادثتهم عنك، وعن كيف مريتُ؟ وكيف ذاق قلبك كل معاني الخزي؟ ومتى تبتسم؟ ومتى تحزن؟ وكيف كانت غِيرتُك؟ فأنا مثلك أغار كثوران حد الانبعاث من الماجما؛ حتى الصعود على سطُحه.
يحدثوني بالجفاء الذي كان يحدث في غُربتك، وأنا على يقين بأننا بين ذراعي قلبك مثلما بُدل القلب؛ ليصبح عصامي.
جميعهم يحدثوني، ولكني الآن أنا من أحدثك .. إنك نبض فؤادي ولم يكن بفؤادي سوى النبض بك.
أنت الحياة التي لا أستطيع الابتعاد عنها، متمسكة بها بكل ما أملك من شدة جذبها إلي.
كيف كان حال يومك من غيرنا يا أبي؟
تالله يا ابتي لقد نفذ صبري من تحمل تلك الأيام الثقال؛ فأنا أحبك، ولا سبيل لتذوق الحب غير حبك أنت؛ فأنت رجل لا تعوضه الأيام ولا الزمان، رجل يبكى عليه طوال الدهر.
فصباح الخير كما عودتنا منك بصباح كل يوم.
***
إلى: أمي الصفاء التي كانت ولا زالت الأخت، والصديقة. كانت تحادثني مذ الصغر بأن لا صديق أمين سوى عائلتك؛ فأنت السند، وخانة الأمان؛ فلا ضحكة مثل ضحكاتها، ولا طيبة مثل قلبها، نتوارى بين غشاء وريدها، حتمًا ألا يفتن بها أحد.
لا يأتي يومًا إلا وأنا بين أحضان قلبها، وعيني تلمع؛ لأجلها. تحملتني وأنا مُتعبة كأن هناك شيء بداخلها يمتص الحزن بداخلي، ومعاقبة قلقي بالهدوء، فليحفظك ربي يا سيدة الكون. فهديتكِ قلبي وقصيدة لكاظم (أنتِ امرأة).
***
إلى:إخوتي (هبه، رحاب ، عبدالله) الذين أدركتُ معنى الحب والأمان، وأنا بين ذراعيهم، فهم موطن لا يستطيع أحد فتكه؛ فيحفظكم ربي من كل سوء.

إلى.: الرجل الذي استوطن عالمي قبل أن أراه، إليه أناة الفراشات، ورائحة المطر في عز الشتاء..
إلى الرجل الذي قال لي يومًا: لا أحد في الكون يُشبهكِ، لا الشمس، ولا حتى القمر، الجمال خاتم في إصبعكِ، وأنتِ سُلطانة العقل والروح، إذا كان حُبك ذنبًا يستحق العقوبة، فلتزيديني ذنوبًا؛ إني لا أحيا دونها.
إلى الرجل الذي عانق ظلام أيامي، وضم كسور وجعي..
إلى الرجل الذي أحبني، وجعلني ملكة فؤاده..
إلى الرجل الوحيد الذي ألهو معه، وإليه وأنا النرجسية له، والقوية به..
إلي الرجل الوحيد الذي سمح الزمان لي بمعرفته، إليكَ يا علي..
إليكَ وأنا أبحث عنك اثنتا عشر عامًا، وأنا أكتب، وألقي الورق في خزانة وجعي، كتبتُ جميع صفحات البحث بدموع عيني، أهديكَ أحلامي، وشغفي، وخمول عقارب الساعة في تحريك الزمن؛ للبحث عنكَ، أهديك ثمانية وعشرين حرفًا لكل حرف شكلته في جملة نجاة؛ حتى استوطنت قلبك، أهديك إياها بكل ما مررتُ به.
فأنا ابنة السيد عصام..

المقدمة
رأيتها وهي تحادثه، وفي عينيها ضجيج العالم..
فقالت : خدعوك فقالوا أن العالم بآسره يلتف حولي، وحدك أنت قد اعتسَفَتُ الطريق، تالله أبدًا، بل الجميع من ضل طريقهم للسير إليّ، ووحدك أنت لم تتعثر في الطرقات، ولم تأت لغة الفشل على ملامحك، أنت وحدك قد رميتُ السهم، فجاراه بطريقي بعد اغتمَامك بأنك قد حَضجَتُ.
وها قد أسدل الشتاء ثوبه؛ ليحفنا بذكراه، وآياته الهامسة تصدح حولي؛ لتخبرك كيف حالك، والمسافات قد صُدعت بيننا؟
كل ما في الأمر بأنها فتاة تصرخ بِحُرِقة؛ حتى تنال من قلمها الشفقة، فيبدأ بسرد حالتها، قالت: إنها ليست بحالة لها، وإنما حالة لكم، ولكن مشاعرها قد اندثرت ككحل سوادها لماضي لأحداهما.
إليكِ: يا صاحبة النسمات والهمسات، كاتبة وليدة لموقف حُرج، كاتبة وضعت الجُرح في بداية الخط، وتركت ذكرياتهُ ينهش في جسد صاحبها في جسد من دق بابه الخذلان، من حُكمَ عليهِ بالهجران، من نام باكي، وأصبح بلا رصيد حب وغفران.
إليكِ: أخلع قبعتي دهشة بأنكِ فتاة بعمر لم تكن بعِمُرها.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.