artherconan

Share to Social Media

لا أعتقد أن أيٍّا من مغامراتي مع السيد شيرلوك هولمز بدأت تلك البداية المفاجئة للغاية
والشديدة الدرامية التي ارتبطَت بمغامرة منزل الجمالونات الثلاثة. لم أكن قد رأيت هولمز
لعدَّة أيام ولم يكن لديَّ فكرة عن المنحى الجديد الذي أخذَتْه أنشطته. إلا أنني وجدته
راغبًا في الثرثرة ذلك الصباح؛ إذ أجلسني في المقعد البالي، المنخفضذي الذراعين، على أحد
جانبَي المدفأة، بينما جلس هو ضامٍّا ساقَيه واضعًا غليونه في فمه على المقعد المواجِه لي
حتى جاءنا زائر. ولن أكون مبالغًا إن وصفته بثور هائج حين دخل علينا.
فُتح الباب فجأة واندفع رجلٌ زنجي ضخم البِنية إلى داخل الحجرة. وكان من الممكن
النظر إليه كشخصية هزلية لولا مظهره المُرعب؛ فقد كان يرتدي حُلَّةً رمادية مبهرجة
للغاية ذات نقوشٍمربعة مع رابطة عنق متهدِّلة ذات لون برتقالي شاحب مائل إلى الزهري
الفاتح. هكذا اندفع بوجهه العريض وأنفه المُفلطح وهو يجول بيننا بعينيه الداكنتَين
المتجهمتَين اللتين التمعت فيهما ضغينةٌ متأججة.
«؟ أيُّكما السيد هولمز أيُّها السيدان » : ثم سأل
أجابه هولمز بأن رفع غليونه مُبتسمًا ابتسامة فاترة.
أوه! إنه » : قال الزائر، وقد خطا خطوة غير مرغوب فيها خلسة عند زاوية الطاولة
أنت، أليسكذلك؟ أصغِ إليَّ يا سيد هولمز، فلترفَع يدَيكَ عن شئون الآخرين، واتركهم ليُديروا
«؟ أمورهم. هل فهمت هذا يا سيد هولمز
«. استمِرَّ في الكلام. لا بأس » : قال هولمز
حقٍّا! لا بأس بالنسبة إليك، أليس كذلك؟ لن يظلَّ الأمر » : تذمَّر الرجل الهمجي وقال
كذلك إن أوسعتُكضربًا؛ فقد تعاملت مع أناسٍ على شاكلتك من قبلُ، ولم يكونوا في أفضل
«! حالٍ حين انتهيت منهم. فلتَنظر إلى هذه يا سيد هولمز
مغامرة المنزل ذي الأسقفِ المُحدَّبة الثلاثة
ثم لوَّح بقَبضةٍ ضخمةٍ بها نتوءات إلى أسفل أنفِ صديقي الذي تفحَّصها بتمعُّن
«؟ هل وُلدِتَ هكذا؟ أمصِرت هكذا تدريجيٍّا » : واهتمامٍ شديد، ثم بادره سائلًا
ربما كان ما اتَّسم به سلوك صديقي من برودٍ شديدٍ أو ما سبَّبتُه من ضجة خفيفة
حين التقطتُ قضيب المدفأة. على أيِّ حال، فقد صار سلوك زائرنا أقل حدَّة.
حسنًا، لقد أعطيتُكَ إنذارًا عادلًا. فلديَّ صديق مُهتمٌّ بمسألة طريق » : فأجابه قائلًا
هارو — وأنت تعلَم ما أعنيه — ولا يريد منك أن تتدخل في الموضوع. هل فهمت؟ فأنت لا
«. تُمثِّل القانون ولا أنا أيضًا، فإن تدخَّلت في الأمر ستجدني متصديًا لك. إياك أن تنسىهذا
منذ مدة طويلة وأنا أودُّ مقابلتك. ولن أطلب منك الجلوس؛ فرائحتك لا » : قال هولمز
«؟ تروق لي، لكن ألستَ أنت ستيف ديكسي، الملاكم
«. هذا اسمي يا سيد هولمز، وسوف تلقى مني أغلظ عقابٍ إنْ حدَّثتني بوقاحة »
لا شك أنك لن ترضىبذلك. لكن » : ردَّ هولمز على الزائر وهو يُحدِّق في فمه البشع قائلًا
«؟ ماذا عن مقتل الشاب بيركنز خارج هولبورن بار … ماذا! ألن ترحل
لن أَستمع إلى هذا الحديث. » : تَراجَع الزنجي فجأةً وقد كسا الشحوبُ وجهَه. ثم قال
ما علاقتي بهذا الشخص المدعو بيركنز يا سيد هولمز؟! فقد كنتُ أتدرَّب في منطقة بول
«. رينج في برمنجهام حين أحدقَت بهذا الفتى المتاعب
أجل، فلتُخبِر القاضيبهذا يا ستيف؛ فقد كنتُ أرُاقبُكَ أنت وبارني » : أجابه هولمز قائلًا
«… ستوكديل
«… فليُساعِدْني الرب! سيد هولمز »
«. يكفي هذا. فلتَغرُب عن وجهي. سوف أذهب إليك حين أرُيدك »
«؟ طاب صباحك يا سيد هولمز. أرجو ألا تكون قد تضايَقْتَ من هذه الزيارة »
«. سأصُبح كذلك إن أخبَرتَني من أرسلك »
«. هذا ليسسرٍّا يا سيد هولمز؛ فهو السيد نفسه الذي ذكرتَ اسمه للتوِّ »
«؟ ومن الذي حرَّضه على ذلك »
اذهب لمقابلة السيد هولمز » : يا إلهي! لا أعلم يا سيد هولمز. فهو لم يَقُل لي إلا »
وهذه هي الحقيقة «. يا ستيف، وأخبِرْه أن حياته ستَصير في خطر إن ذهَب إلى طريق هارو
ثم اندفع الزائر إلى خارج الحجرة فجأةً مثلما دخل إليها، دون انتظار المزيد من «. الكاملة
الأسئلة. أفرغ هولمز رماد غليونه ضاحكًا ضحكة صامتة.
يَسرُّني أنك لم تُحطِّم رأسه الأجعد يا واطسون؛ فقد لاحظتُ مُناوراتك مع قضيب »
المدفأة. لكنه شخصغير مؤذٍ حقٍّا؛ فإنما هو طفل ضخم مَفتول العضلات أحمق مُتبجِّح،
لكن يُمكنك إخضاعه بسهولة كما رأيت. إنه أحد أفراد عصابة سبنسر جون، وقد ضَلَع
مؤخرًا في بعض الأعمال المشبوهة التي سأَكشِف عنها حين يُتاح لي الوقت. أما زعيمه
المباشر، بارني، فهو شخص أكثر فِطنة، وقد ضلعوا في حوادث الاعتداء والترهيب وما
«. شابه. ما أريد معرفته الآن هو مَن الذي يُحرِّضهما في هذه الواقعة تحديدًا
«؟ لكن لماذا يُريدون ترهيبك »
الأمر يتعلَّق بقضية هارو ويلد. وهذا يزيد من تصميمي على التمعن في الأمر، فلا بد »
«. أن ثمة شيئًا ما بها، ما دام هناك مَن تجشَّم كلَّ هذا العناء من أجل إيقافي
«؟ لكن ما هو »
كنتُ سأخُبرك قبل أن يداهمنا هذا الفاصل الهزلي. ها هي رسالة السيدة مابيرلي. إن »
«. كنت تود أن تأتي معي سنُرسل لها برقيةً ونذهب في الحال
[قرأتُ] عزيزي السيد شيرلوك هولمز
توالت عليَّ أحداث غريبة لها علاقة بهذا المنزل، وأرى نفسي بحاجة ماسَّة إلى
مشورتك. ستجدني في المنزل في أي وقتٍ غدًا، وهو يقع على مسافة قريبة سيرًا
من محطة ويلد. أعتقد أن زوجي الراحل، مورتيمر مابيرلي، كان أحد عُملائك
القدامى.
المخلصة
ماري مابيرلي
.« منزل الجمالونات الثلاثة، هارو ويلد » كان العنوان
هذا ما في الأمر! والآن، إذا كان لديك متسعٌ من الوقت يا واطسون، دعنا » : قال هولمز
«. نمضِفي سبيلنا
وصلنا إلى المنزل بعد رحلة قصيرة بالقطار ورحلة أقصَرمنها بالعربة، فوجدناه فيلَّا
من القرميد والخشب، مبنية على فدان خاصبها من المروج البِكر. وبدت النتوءات الثلاث
الصغيرة فوق نوافِذِه العلوية في محاولةٍ واهنة لتعليل الاسم الذي يَحمله. وكان يقع خلفه
بُستان مُوحِش، نَمَت فيه أشجار صنوبر غير مكتملة النمو، وساد المكانَ جوٌّ من الفقر
والكآبة. ورغم ذلك وجدنا المنزل مؤثَّثًا جيدًا، وكانت السيدة التي استقبلتنا مُسِنَّةً ذات
شخصيةٍ شديدة الجاذبية، اجتمعت فيها كلُّ سمات الرقيِّ والثقافة.
أتذكَّر زوجكِ جيدًا يا سيدتي، رغم مرور سنواتٍ عدَّة على » : قال هولمز مخاطبًا إياها
«. استعانته بخدماتي في أحد الأمور البسيطة
«. قد يكون اسم ابني دوجلاس مألوفًا أكثر لك »
حينذاك رمَقَها هولمز باهتمام شديد.
يا للهول! أنتِ والدة دوجلاس مابيرلي؟ إنَّ معرفتي به محدودة، لكن لندن بأَسْرِها »
«؟ كانت تعرفه بالطبع. كم كان شخصًا رائعًا! أين هو الآن
لقد تُوفيِّ يا سيد هولمز، تُوفيِّ! فقد كان ملحَقًا في السفارة في روما، ومات بالالتهاب »
«. الرئوي هناك الشهر الماضي
أنا آسف. من الصعب تصوُّر وفاة رجل مثله؛ فلم أقُابل في حياتي رجلًا بمثل نشاطه »
«! وحيويته. لقد عاش حياةً حافلةً؛ بكل ذرة في كيانه
حافلة للغاية يا سيد هولمز، وهذا ما أَودى بحياته. فأنت تتذكره كما كانت طبيعته »
الأصلية؛ لطيفًا ورائعًا، لكنك لم ترَه حين صار شخصًا مُتقلِّب المزاج ونَكِدًا وكئيبًا؛ فقد
تحطَّم قلبه. وفي خلال شهر واحد رأيتُ ابني الهُمام وهو يتحوَّل إلى رجل ناقِم مُنهَك
«. القوى
«؟ هل كان وراء هذا علاقة حبِّ؛ أيِ امرأة »
«. أو شيطان. حسنًا، لم أَطلُب منك الحضور لأتكلم عن فتاي المسكين يا سيد هولمز »
«. أنا والدكتور واطسون في خدمتكِ »
لقد وقَعَت بعضالأحداث الشديدة الغرابة. إنني أقيم في هذا المنزل منذ أكثر من عام، »
ولمَّا كنت أرغب أن أعيش حياةً هادئة، فقد أقللتُ من الاختلاط بجيراني. ومنذ ثلاثة أيام
زارني رجل قال إنه سمسار عقاراتٍ، وإنَّ هذا المنزل يُلائم أحد عملائه، وإننا لن نختلف
على المال إن كنت مُستعدَّةً للتخلي عنه. وقد أثار هذا استغرابي للغاية؛ حيث إنَّ السوق
به عدة منازل خالية تبدو على هذا القدر نفسه من المميزات، لكن ما قاله أثار اهتمامي
بطبيعة الحال. لذا فقد حدَّدتُ مبلغًا يفوق ما دفعته بخمسمائة جنيه. وقد وافق على
السعر في الحال، لكنه أضاف أن العميل يرغب في شراء الأثاث كذلك، لذا عليَّ تحديد سعر
له. وحيث إنني جئتُ ببعضمن هذا الأثاث من منزلي القديم، وهو كما ترى في حالة جيدة
للغاية، فقد حدَّدتُ مبلغًا كبيرًا، وقد وافق عليه على الفور أيضًا. لطالَما أردتُ السفر، ولمَّا
كانت الصفقة مجزية للغاية بدا حقٍّا أنني سأَصير سيدة قراري فيما تبقَّى لي من العمر.
ويوم أمسِ أتى الرجل ومعه العقد مكتوبًا بالكامل. ولحُسن الحظ عرضتُه على السيد
هذه الوثيقة غريبة للغاية. » : سوترو، محاميَّ الخاص، الذي يعيش في هارو، فقال لي
هل تُدركين أنكِ إن وقَّعتِها لن تستطيعي قانونًا أن تأخذي أيَّ شيءٍ من المنزل؛ ولا حتى
وقد أشرتُ إلى هذا الأمر حين عاد إليَّ الرجل مرةً أخرى في المساء، «؟ أغراضكِ الخاصة
وأخبرتُه أنني قصدت بيع الأثاث فحسب.
«. لا، لا، كلُّشيء » : فقال
«؟ لكن ماذا عن ملابسي؟ ومجوهراتي »
حسنًا، حسنًا، قد نتنازل بعضالشيء فيما يخصُّأمتعتكِ الشخصية، لكن لن يخرج »
أيُّ شيءٍ من المنزل دون فحصِه. هذا العميل رجل مُتفتِّح جدٍّا، لكن لديه تقاليع وطريقة
«. خاصة في فعل الأشياء. فهو إما أن يحصل على كلِّشيءٍ أو لاشيء
إذن، فلن يَحصل على أيشيءٍ. وقد انتهى الأمر عند هذا الحد، لكن بدا لي » : فقلت له
«… الأمر برمَّته شديد الغرابة حتى إنني اعتقدت
هنا تعرَّضنا للمُقاطعة على نحوٍ غريب للغاية.
فقد رفع هولمز يده طالبًا منا التزام الصمت. ثم عبَر الحجرة في خطواتٍسريعة، وفتح
الباب، وجذب سيدة ضخمة وهزيلة أمسك بها من منكبَيها. فدخلت الحجرة وهي تقاوم
مقاومةً رعناء مثل دجاجة ضخمة خرقاء تصيح بعد انتزاعها من قفصها.
«؟ اتركني لشأني! ماذا تفعل » : صرخت السيدة قائلة
«؟ ماذا هناك يا سوزان »
حسنًا يا سيدتي، لقد أتيتُ لأسأل إن كان الضيوف سيَمكُثون حتى وقت الغداء حين »
«. انقضَّعليَّ هذا الرجل من الحجرة
كنتُ أسمعها طوال الدقائق الخمس الماضية، لكنني لم أرُِد أن أقاطع روايتكِ المُثيرة »
للاهتمام. إنكِ تُصدِرين صوت أزيزٍ حين تتنفَّسين قليلًا يا سوزان، أليس كذلك؟ فصوتُ
«. تنفُّسك مرتفع بعضالشيء ولا يتناسَب مع هذا النوع من العمل
مَن » : نظرت سوزان بوجهٍ مُندهش رغم تجهُّمه إلى الرجل الذي أمسك بها، ثم قالت
«؟ أنتَ على أي حال، وبأيِّ حق تَجذبني هكذا
كلُّ ما في الأمر أني أردتُ أن أطرح سؤالًا في وجودكِ. هل ذكرتِ يا سيدة مابيرلي لأي »
«؟ شخصٍأنكِ ستبعَثين إليَّ رسالة وتَستشيريني
«. لا يا سيد هولمز، لم أفعل »
«؟ ومَن الذي أرسل خطابك بالبريد »
«. سوزان »
بالتأكيد. والآن يا سوزان، مَن الذي كتبتِ إليه أو أرسلتِ إليه رسالةً لإخباره أن »
«؟ سيدتكِ لجأت إليَّ للمشورة
«. هذا كذب، فلم أبعث أيَّ رسائل »
كما تَعلمين يا سوزان، الأشخاصالذين يصدرُ عنهم أزيزٌ عند التنفُّسقد لا يعيشون »
«؟ طويلًا. والكذب من الآثام. مَن الذي أخبرتِه
سوزان! أعتقد أنكِ امرأة خائنة شرِّيرة. أتذكَّر الآن أني » : هنا صاحت سيدتها قائلة
«. رأيتكِ تتحدَّثين مع شخصٍما عبر سياج الشجيرات
«. كان ذلك أمرًا يَخصُّني » : قالت السيدة عابسةً
«؟ ماذا إن أخبرتكِ أن الرجل الذي كنتِ تتحدَّثينمعه كان بارني ستوكديل » : قال هولمز
«؟ حسنًا، إن كنتَ تعلم فلماذا تسأل »
لم أكن متأكدًا، لكنَّني تأكدتُ الآن. حسنًا يا سوزان، سأعطيكِ عشرة جنيهات إن »
«. أخبرتِني مَن الذي يُحرِّضبارني
«. شخصٌيستطيع أن يدفع ألف جنيه مُقابل كل العشرات التي لديك »
إنه رجلٌ ثري إذن؟ لا؛ لقد ابتسمتِ … إنها سيدة ثرية إذًا؟ والآن لقد قطعنا شوطًا »
«. كبيرًا، فلتُخبريني بالاسم وتَحصُلي على الجنيهات العشرة
«. سأراكَ في الجحيم قبل ذلك »
«! سوزان! انتبهي لألفاظكِ »
سأرحل مِن هنا! فقد نلتُ ما يَكفيني منكم جميعًا. وسوف أرسل في طلب أمتعتي »
ثم انطلقت متجهةً إلى الباب. «. غدًا
ثم «. إلى اللقاء يا سوزان. عليكِ بصبغة الأفيون الكافورية؛ فهي العلاج المناسب »
استطرد قائلًا، وقد تحوَّل فجأةً من الحماس إلى الجدِّية حين انغلق الباب خلف السيدة
هذه العصابة جادَّة فيما تفعله. انظرا إلى السرعة التي » : محتقنة الوجه من الغضب
يتحرَّكون بها؛ فالوقت المسجل بختم البريد على خطابكِ كان العاشرة مساءً، ورغم ذلك
أبلغت سوزان بارني بالخبر. ووجد بارني الوقت للذهاب إلى الشخص الذي كلَّفه بالعمل
ليتلقَّى منه التعليمات؛ فوضع أو وضعت الخطة، وأرجِّح من ابتسامة سوزان، حين ظنَّت
أني أخطأت، أنه امرأة. وهكذا أرسلوا في طلب ستيف الأسود وحذَّرني في الساعة الحادية
«. عشرة من صباح اليوم التالي. هذا أداءٌسريع
«؟ لكن ماذا يريدون »
«؟ أجل، هذا هو السؤال. مَن كان يَمتلُك المنزل قبلكِ »
«. قبطان مُتقاعد يدعى فيرجسون »
«؟ هل شاع عنهشيءٌ جدير بالملاحظة »
«. ليس في حدود ما سمعت »
كنت أتساءل ما إذا كان دفَن شيئًا. بالطبعصار الناسهذه الأيام يَدفنون الكنوز إن »
وُجدَت في صناديق توفير البريد، لكن يظل هناك بعضالمجانين؛ فالعالم سيَصير مُضجِرًا
من دونهم. خطرَ لي في البداية أنه قد تكون ثمة أشياء ثمينة مدفونة. لكن لماذا يُريدون
الأثاث في هذه الحالة؟ هل لديكِ إحدى لوحات رافاييل أو إحدى المطويات الأولى لأعمال
«؟ شكسبير دون أن تعلمي
«. لا، لا أعتقد أني أملك شيئًا نادرًا عدا طقم شاي كراون ديربي »
هذا لا يكفي لتفسير كل هذا الغموض. علاوةً على هذا، لماذا لا يَبوحونصراحةً بما »
يُريدونه؟ إن كانوا يبتغون طقم الشاي خاصتك فبوسعِهم بالتأكيد دفع ثمنه دون شراء
منزلك بكامل محتوياته. لا، حسبما أرى، ثمةشيءٌ لا تَعلمين بحيازتكِ له، ولن تتنازلي عنه
«. إن كنتِ تعرفين بأمره
«. وأنا أيضًا أرى هذا » : حينذاك أردفتُ قائلًا
«. يتفق الدكتور واطسون معي في الرأي، وهذا يحسم الأمر »
«؟ حسنًا يا سيد هولمز، ماذا قد يكون هذا الشيء »
لنرَ إن كنا سنستطيع الوصول إلى استنتاجٍ أدق بالتحليل الذهني المحض. هل مضى »
«؟ عام على إقامتك في هذا المنزل
«. عامان تقريبًا »
هذا أفضل، وخلال هذه المدة الطويلة لم يطلب أحدٌ منكِ شيئًا. وفجأة في خلال ثلاثة »
«؟ أو أربعة أيام جاءتك طلباتٌ ملحَّة. فما الذي تَستنتجينَه من هذا
«. لا يعني هذا سوى أن ذلك الغرض، أيٍّا كان، وصَل إلى المنزل للتوِّ » : فأجبتُ أنا قائلًا
مرةً أخرى نتَّفق في الرأي. والآن، هل وصل إليكِ أيُّ غرضمؤخرًا يا سيدة » : قال هولمز
«؟ مابيرلي
«. كلا، لم أشترِ شيئًا جديدًا هذا العام »
حقٍّا! هذا جدير بالملاحظة؛ حسنًا، أعتقد أن من الأفضل أن نترك الأمور تتطوَّر أكثر »
«؟ قليلًا إلى أن تتوفَّر لنا معلوماتٌ أوضح. هل محاميك الخاصرجلٌ ضليع
«. السيد سوترو ضليعٌ للغاية »
هل لديكِ خادمة أخرى، أم كانت سوزان الجميلة التي صفَقَت بابكِ الخارجي للتوِّ، »
«؟ بمفردها
«. عندي فتاة شابة »
حاولي أن تجعلي سوترو يقضي ليلةً أو اثنتين في المنزل، فعلى الأرجح ستَحتاجين »
«. للحماية
«؟ ممَّن »
مَن يدري؟ فالمسألة يكتنفها الغموض دون شكٍّ. وما دمتُ لا أستطيع أن أعرف »
ما الذي يسعون وراءه فلا بد أن أعالج المسألة من الناحية الأخرى وأحُاول الوصول إلى
«؟ الزعيم. هل أعطاكِ سمسار العقارات أيَّ عنوان
لم يُعطِني إلا بطاقته التي لم يَرِدْ فيها إلا مهنته. هينز جونسون، بائع بالمزادات »
«. ومُثمِّن
لا أعتقد أننا سنجده في الدليل، فرجال الأعمال النُّزهاء لا يُخفون مقرَّات أعمالهم. »
حسنًا، فلتُطلعيني على أي تطوراتٍ جديدة. لقد قَبِلتُ قضيتكِ ويمكنكِ الاطمئنان إلى أنني
«. سأستمر فيها حتى النهاية
وفي أثناء مرورنا بالبهو وقعت عينا هولمز، التي لا يَفوتها شيءٌ، على عدة صناديق
وحقائب مكدَّسة في إحدى الزوايا، وقد وُضِعَتْ عليها ملصقاتٌ.
«. إنها من إيطاليا «. ميلانو، لوسِرن »»
«. إنها أغراضدوجلاس المسكين »
«؟ ألم تُفرغي محتوياتها؟ منذ متى وهي لديك »
«. لقد وصلت الأسبوع الماضي »
لكنكِ قلتِ … مهلًا، بالتأكيد قد تكون هذه هي الحلقة المفقودة. ما الذي يجعلنا »
«؟ نَعتقِد أنها لا تحوي شيئًا ثمينًا داخلها
هذا غير مُمكن يا سيد هولمز. فلم يكن دوجلاس المسكين يَملك سوى راتبه ودخلٍ »
«؟ سنوي زهيد. فما الشيء الثمين الذي قد يملكه
استغرق هولمز في التفكير.
لا تُؤجِّلي الأمر أكثر من هذا يا سيدة مابيرلي. فلتجعلي أحدهم يصعد » : ثم قال أخيرًا
بهذه الأغراض إلى حجرتكِ، وافحصيها بأسرع ما يُمكن وانظري ما بها. وأنا سآتي غدًا
«. لأسمع روايتك
بدا جليٍّا تمامًا أن منزل الجمالونات الثلاثة كان تحت مراقبةٍ مشدَّدة، حيث إننا حين
وصلنا إلى السياج العشبي المرتفع الموجود في نهاية الممر وجدنا الملاكم الزنجي المحترف
واقفًا في الظل. لقد تعثَّرنا فيه فجأة وبدا لنا مُتجهمًا ومتوعِّدًا في هذا المكان المُوحِش. وعند
رؤيته راح هولمز يُربِّت بيده على جيبه.
«؟ هل تبحث عن مسدَّسك يا سيد هولمز »
«. لا، عن زجاجة عطري يا ستيف »
«؟ إنك تتمتَّع بحسِّ الفكاهة يا سيد هولمز، أليس كذلك »
«. لن تجد في الأمر فكاهة إن لاحقتُك يا ستيف، وقد حذَّرتك هذا الصباح »
حسنًا يا سيد هولمز، لقد فكرتُ فيما قلتَه ولا أريد التحدث أكثر من هذا في مسألة »
«. السيد بيركنز. افتَرِضأني أستطيع مساعدتك يا سيد هولمز، وسأفعل
«. حسنًا، لتُخبرني إذن من يُحرِّضك في هذه المهمة »
يا إلهي ساعدني! لقد أخبرتُك بالحقيقة من قبلُ يا سيد هولمز. أنا لا أعلم. فرئيسي، »
«. بارني، هو من يُعطيني الأوامر، وهذا كلُّ ما في الأمر
حسنًا، فلتضع في اعتبارك يا ستيف أن تلك السيدة التي في ذلك المنزل وكل ما يُوجد »
«. تحت ذلك السقف في حمايتي. فلا تنسَ هذا
«. حسنًا يا سيد هولمز. سأتذكر »
استطعتُ أن أثُير خوفه تمامًا يا واطسون. وأعتقد » : حين استأنفنا السير قال هولمز
أنه كان سيبوح باسم الشخصالذي استأجَرَه لو كان يعرف مَن هو؛ فقد حالَفني الحظ
بمعرفة بعض المعلومات عن جماعة سبنسر جون وأن ستيف كان واحدًا منهم. أما الآن
يا واطسون فسوف أذهب للقاء لانجديل بايك، فهذه القضية تقع ضمن دائرة اختصاصه،
«. ربما تتَّضح لي المسألة أكثر حين أعود
لم أرَ هولمز طوال النهار، لكن بوسعي أن أتخيَّل تمامًا كيف قضاه؛ فقد كان لانجديل
بايك بمثابة مرجع بشري لكل ما يتَّصلُ بفضائح المجتمع. كان هذا الشخص العجيب
الخامل يَقضي ساعات يقظته في النافذة الناتئة لأحد ملاهي شارع سانت جيمس، حيث
كان بمثابة جهاز استقبال لكل أحاديث النميمة في العاصمة وجهاز إرسال أيضًا. ويُقال
إنه يَتقاضىدخلًا بالآلافمقابل الفقرات التي يُسهِم في كتابتها أسبوعيٍّا في الصحُفالتافهة
التي تُرضيأذواق الفُضوليِّين من عامة الناس. فمتى نشأت في أعماق حياة لندن العَكِرة أيَّة
دوامات أو تيارات غريبة، كان هو المؤشر البشري الذي يُشير إليها بدقة آلية. وكان هولمز
يساعد لانجديل خُفْية في الحصول على المعلومات، ويتلقَّى مساعدته في المقابل أحيانًا.
حين التقيتُ بصديقي في حجرته في وقتٍ مبكر من صباح اليوم التالي، أدركتُ من
حركاته أن كلَّشيءٍ كان على ما يرام، لكن رغم ذلك كان ثمَّة مفاجأة غير سارة في انتظارنا،
جاءت في شكل البرقية التالية:
احضُرفي الحال أرجوك؛ فقد تعرَّضمنزل عميلتك للسرقة ليلًا. الشرطة تُحكِم
سيطرتها على المكان.
سوترو
لقد تأزَّمَتِ الدراما، وبأسرع مما توقَّعت. ثمة قوة » : هنا أطلق هولمز صافرة، ثم قال
محرِّكة هائلة خلف هذه المسألة يا واطسون، وهذا لا يُدهشني بعد ما سمعته. بالطبع
سوترو هذا هو محاميها الخاص، لكن أخشى أني أخطأت حين لم أَطلُب منك أن تُمضي
الليلة في حراسة المنزل؛ فقد تبيَّن أن هذا الشخص لا يُمكن الاعتماد عليه. حسنًا، لا مفرَّ
«. من الذهاب في رحلةٍ أخرى إلى هارو ويلد
وجدنا منزل الجمالونات الثلاثة في حال مختلفة تمامًا عن ذلك المنزل المنظَّم الذي
رأيناه في اليوم السابق؛ إذ اجتمعت مجموعة صغيرة من المتسكِّعين عند بوابة الحديقة،
بينما كان ثمة شرطيان يتفحَّصان النوافذ وأحواض زهور إبرة الراعي. والتقينا داخل
المنزل بسيدٍ عجوز أشيب قدَّم نفسه بصفته المحامي، ومعه محقِّق نشيط متورِّد الوجه
حيَّا هولمز كأنه صديقٌ قديم.
حسنًا يا سيد هولمز، أخشى أنه لا مكانَ لك في هذه القضية. فهي لا تعدو كونها »
جريمة سطو عادية، باستطاعة قوى الشرطة الهَرِمة الضعيفة تناولها، ولا تحتاج إلى
«. خبراء
أنا متأكِّد من أن القضية في أيدٍ أمينة جدٍّا. أنت تقول إنها جريمة سطو » : أجابه هولمز
«؟ عادية فحسب
بالتأكيد؛ فنحن نعلم جيدًا مَن هم الجناة وأين نجدهم. إنها عصابة بارني ستوكديل، »
«. التي بين أفرادها ذلك الزنجي الضخم؛ فقد شوهدوا في الجوار
«؟ ممتاز! ما الذي أخذوه »
حسنًا، لا يبدو أنهم أخذوا الكثير. فلقد خُدِّرت السيدة مابيرلي والمنزل كان … آه! ها
«. هي السيدة بنفسها
دخلت السيدة صديقتنا التي رأيناها أمس وقد بدا عليها شحوبٌ وإعياءٌ شديدان،
متَّكئة على خادمة صغيرة.
لقد أسديتَ إليَّ نصيحة سديدة يا سيد هولمز، » : قالت السيدة وهي تبتسم في حزن
«. لكنَّني لم أعمل بها للأسف! فلم أشأ أن أزُعِج السيد سوترو، لذا لم أجد مَنْ يحميني
«. لم أسمع بالأمر إلا هذا الصباح » : قال المحامي موضِّحًا
نصحني السيد هولمز باستضافة أحد أصدقائي في المنزل، لكنَّني تجاهلتُ نصيحتَه »
«. ودفعتُ ثمن ذلك
يبدو عليكِ الإعياءُ لدرجة مُؤسِفة. ربما لستِ مستعدَّة لتخبريني بما » : قال هولمز
«. جرى
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.