artherconan

Share to Social Media

ودخل رجل شامخ «. اللورد روبرت سانت سايمون » : قال الخادم وهو يفتح الباب
الأنف، ذو وجهٍ بشوشٍشاحبٍ، له ملامح تدلُّ على الرقيِّ، ويبدو عليه بعضالغضب، وعينٍ
واثقة ثابتة لرجلٍ قدرُه أن يَأمر فيُطاع. كانت حركته رشيقة، ولكن مظهره العام أعطى
انطباعًا ليس في محلِّه بالهرم وتقدُّم السن؛ فكان مُحدَوْدبًا قليلًا، وكانت ركبتاه تنثنيان
حين يمشي. وكان شعره أيضًا، حين خلع عنه قبعته ذات الحافة المحبوكة بشدة، خفيفًا
عند المقدمة ويُكلِّله الشيب على الجانبَين. أما ثيابه، فكانت أنيقة إلى حدِّ الغلو، بمعطفه
الأسود الطويل ذي الياقة العالية، وصدريته البيضاء، والقفاز الأصفر، والحذاء المصنوع
من الجلد الفاخر وغطائه الواقي ذي اللون الفاتح. دخل الغرفة ببطء، مديرًا رأسه من
اليسار إلى اليمين، وهو يُؤرجِح الرباط الذهبي الذي يحمل نظارته في يده.
طاب يومك أيها اللورد سانت سايمون. أرجو » : قال هولمز وهو يَنهض وينحني له
أن تجلس على الكرسيالخيزران. هذا صديقي وزميلي د. واطسون. لتَقترب قليلًا من النار
«. حتى نُناقش الأمر
إنه أمر مؤلم لي للغاية، كما يُمكنك أن تتخيَّل بسهولة يا سيد هولمز. لقد أصابني »
في مقتل. لقد فهمتُ أنك توليتَ التحقيق في العديد من القضايا الشائكة من هذا النوع
«. يا سيدي، وإن كنتُ أعتقد أنها لم تكن خاصة بنفس الطبقة الاجتماعية
«. نعم؛ فأنا أنحدر الآن إلى مستويات أدنى »
«. عذرًا »
«. آخر عميل لهذا النوع من القضايا كان ملكًا »
«؟ حقٍّا! لم أكن أعلم. أي ملك »
«. ملك إسكندنافيا »
«؟ ماذا! هل فقد زوجته »
يُمكنك أن تتفهَّم أنني أحُيط قضايا عملائي بقدرِ السرِّية نفسِه » : قال هولمز بلباقة
«. الذي أتعهد بأن أحيط به قضيتك
بالطبع! معك كل الحق! معك كل الحق! التمِسلي العذر أرجوك. بالنسبة إلى قضيتي، »
«. أنا على استعداد لتزويدك بأي معلومات قد تُعينك في تكوين رأي بشأنها
أشكرك. لديَّ علمٌ بكل ما نُشر في الصحف، لا أكثر من ذلك. أظن أن بوسعي أن »
«. أعتبر هذا المقال، على سبيل المثال، عن اختفاء العروس صحيحًا
أجل، إنه صحيح بقدرِ ما ورَدَ » : ألقى اللورد سانت سايمون نظرة خاطفة عليه وقال
«. فيه
ولكنه يحتاج إلى قدرٍ كبير من التفاصيل حتى يستطيع أي شخصأن يُعطي رأيًا. »
«. أظن أن بإمكاني التوصُّل إلى ما أبغي مِن حقائق مباشرةً باستجوابك
«. أرجوك أن تفعل »
«؟ متى كان أول لقاء لك بالآنسة هاتي دوران »
«. في سان فرانسيسكو قبل عام »
«؟ هل كنتَ في رحلة إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية »
«. أجل »
«؟ هل تمَّتْ خطبتكما آنذاك »
«. كلا »
«؟ ولكن العلاقة بينكما كانت ودية »
«. كنت آنَس برفقتها، وكانت ترى استِمتاعي بذلك »
«؟ هل والدها واسع الثراء »
«. يقال إنه أغنى أغنياء غرب أمريكا »
«؟ وكيف صنَع ثروته »
من التعدين. قبل بضع سنوات لم يكن يَملك شيئًا، ثم عثر على ذهب، واستثمر فيه، »
«. وتحسَّنت أحواله بسرعةٍ بالغة
«؟ الآن، ما انطباعك بشأن شخصية السيدة الشابة، زوجتك »
أخذ النبيل يُؤرجِح نظَّارته على نحوٍ أسرع قليلًا وحدَّق بالأسفل في النار، ثم قال:
حسنًا يا سيد هولمز، كانت زوجتي في العشرين من عمرها قبل هطول الثروة على أبيها. »
خلال تلك الفترة كانت تَنطلِق بحرية في معسكر للتعدين وكانت تجول داخل الغابات أو
الجبال، ومِن ثمَّ كانت الطبيعة هي مصدر ما حصَّلَتْه من تعليم وليس المدرسة. إنها فتاة
مُسترجِلة كما نطلق على من هُنَّ مثلها في إنجلترا، ذات طبيعة قوية، جامحة مُتحرِّرة، لا
تتقيَّد بأي نوع من التقاليد. إنها مُندفعة؛ أعني ثائرة. وهي متسرِّعة في اتخاذ قراراتها
ثم توقف — « ولا تخشى تنفيذها. ولكني لم أكن لأمنحها اسمي الذي أتشرَّف بحمله
لولا ظني بأنها تَحمل بداخلها سمات سيدةٍ نبيلة. فأنا أعتقد أنها قادرة » — وسعل بوقار
على التضحية بنفسها على نحوٍ بطولي، وأن أي شيء غير مُشرِّف سيُقابَل لديها بنفورٍ
«. واشمئزاز
«؟ هل معك صورة لها »
وفتَح قلادة كانت معه ليرينا الوجه الكامل لامرأة غاية في «. لقد أحضرتُ هذه معي »
الجمال. لم تكن صورةً فوتوغرافية، بل كانت رسمًا مصغَّرًا على العاج، استطاع الفنان
الذي نحَتَها أن يجسِّد التأثير الكامل للشعر الأسود اللامع، والعينين الداكنتين الكبيرتَين،
والفم الدقيق الساحر. أخذ هولمز يحدِّق في الرسم طويلًا بتركيز، ثم أغلق القلادة وأعادها
إلى اللورد سانت سايمون.
«؟ ثم حضرت السيدة الشابة إلى لندن، وجدَّدتُما الصلة »
أجل، أحضرها والدها لحضور موسم لندن الأخير، وقابلتُها عدة مرات، وتمَّت »
«؟ خطبتنا، وصارت زوجةً لي الآن
«؟ أظنُّها قد قدمتْ لك مهرًا كبيرًا حسبما فهمت »
«. إنه مهر معقول. ليس أكبر من المتعارَف عليه في عائلتي »
«؟ وبالطبع سيظل بحوزتك، بما أن الزواج قد صار واقعًا لا رجعة فيه »
«. لم أتحرَّ عن هذا الأمر في الواقع »
«؟ بالتأكيد. هل رأيتَ الآنسة دوران في يوم الزفاف »
«. نعم »
«؟ هل كانت في حالة معنوية جيدة »
«. كانت على أفضل ما يُرام. فقد ظلَّت تتحدَّث عما يجب أن نفعله في حياتنا المستقبلية »
«؟ حقٍّا! هذا أمر مُثير للغاية. وماذا عن صباح يوم الزفاف »
«. كانت في قمة التألُّق، على الأقل حتى انتهَت المراسم »
«؟ وهل لاحظت عليها أي تغيُّر حينذاك »
حسنًا، أَصدقك القول، لقد رأيتُ حينها أولى الدلائل التي رأيتها على الإطلاق على أن »
مزاجها حادٌّ قليلًا. ولكن ما حدث كان أتفه من أن يُروى ولا يُمكن أن يكون له أي صلة
«. محتملة بالقضية
«. أرجو أن تسرد لي ما حدَث بكل تفاصيله »
إنه شيء سخيف. لقد أسقطت باقة أزهارها ونحن في طريقنا إلى حجرة مجلس »
الكنيسة. وكانت في ذلك الوقت تمرُّ بالمقعد الأول، ووقعَت الباقة داخل المقعد. حدَث تأخير
بسيط، ولكن السيد الذي كان جالسًا على المقعد أعادها إليها، ولم يحدث أيضرر يُذكر
لباقة الأزهار. ولكني عندما تحدثتُ إليها في هذا الأمر، كان ردُّها مقتضبًا وجافٍّا، وحين كنا
«. في العربة في طريقنا إلى المنزل، بدت مُنفعلة على نحوٍ سخيف بالنسبة لأمرٍ تافه كهذا
حقٍّا! تقول إنه كان ثمة سيدٌ جالس في المقعد. فهل كان من بين الحضور أشخاص »
«؟ من عامة الناس
«. آه، نعم. فمن المستحيل منعهم حين تكون الكنيسة مفتوحة »
«؟ هل كان هذا السيد من أصدقاء زوجتك »
لا، لا؛ إنني أدعوه السيد فقط من باب اللياقة، ولكنه كان شخصًا عاديَّ المظهر، »
«. حتى إنني لاحظتُ وجوده بالكاد. ولكن أعتقد حقٍّا أننا نَبتعد عن الموضوع الأساسي
إذن عادت السيدة سانت سايمون من الزفاف في حالة نفسية أقلَّ بهجة مما كانت »
«؟ عليه عند ذهابها. ماذا فعلتْ عندما عادَت إلى منزل والدها
«؟ رأيتها تتحدَّث مع خادمتها »
«؟ ومن تكون خادمتها »
«. إنها تُدعى أليس، أمريكية وجاءت معها من كاليفورنيا »
«؟ هل هي محلُّ ثقة زوجتك »
على نحو مبالَغ فيه بعض الشيء. كان يبدو لي أن مَخدومتها قد منحَتْها مساحة »
«. حريةٍ كبيرة. ولكن نظرتهم في أمريكا مختلفة بالطبع
«؟ كم استغرقَ حديثها مع أليس هذه »
«. بضع دقائق. لقد كنتُ منشغلًا بالتفكير في أمورٍ أخرى »
«؟ ألم تَسترِق السمع إلى حديثهما »
لقد كانت معتادة .« القفز على امتياز » لقد قالت السيدة سانت سايمون شيئًا عن »
«. على استخدام مثل هذه الألفاظ العامية، ولا أعرف ماذا كانت تعني
أحيانًا ما تكون العامية الأمريكية معبِّرة للغاية. وماذا فعلت زوجتك حين انتهت من »
«؟ الحديث مع خادمتها
«. دخلت إلى غرفة الإفطار »
«؟ وهي متأبطة ذراعك »
لا، بمفردها. لقد كانت مُستقلة جدٍّا في مثل هذه الأمور البسيطة. وبعد أن جلسنا »
لعشردقائق أو نحو ذلك، نهضت فجأة، وغمغمت ببعضكلمات الاعتذار، وغادرَت الغرفة
«. بلا عودة
ولكن هذه الخادمة أليس، كما فهمتُ، شهدَتْ بأنها ذهبت إلى غرفتها، وارتدت معطفًا »
«. واسعًا طويلًا غطَّى ثوب الزفاف، ووضعت قلنسوة على رأسها، وذهبت
هذا ما حدث بالضبط، وشوهدتْ بعد ذلك تسير في هايد بارك برُفقة فلورا ميلر، »
وهي السيدة المُحتجَزة في الوقت الحالي، وهي نفسها السيدة التي أثارت جلبة في منزل
«. السيد دوران في ذلك الصباح
آه، نعم. أودُّ أن أعرف بعض التفاصيل بخصوص هذه السيدة الشابة، وعلاقتك »
«. بها
لقد كانت تربطنا علاقةٌ ودية » : هز اللورد سانت سايمون كتفَيه ورفع حاجبيه وقال
لبضع سنوات؛ أستطيع القول إنها كانت علاقة ودية للغاية. كانت تعمل في الأليجرو. كنتُ
سخيٍّا معها، ولم يكن لديها سبب يستحق أن تشكوني، ولكنك تعرفطبيعة النساء يا سيد
هولمز. كانت فلورا شخصية رقيقة، ولكنهاسريعة الغضب وشديدة التعلُّق بي. لقد كتبت
لي خطاباتٍ مخيفةً حين سمعتْ بأنني على وشك الزواج؛ والحقيقة أن السبب وراء احتفالي
بالزواج في هذا الهدوء الشديد أنني خشيتُ وقوع فضيحة في الكنيسة. ولكنها جاءت إلى
منزل السيد دوران بعد عودتنا مباشرة، وحاولت اقتحامه بالقوة، وأخذت تتلفَّظ بعبارات
في غاية البذاءة تمسُّ زوجتي، بل وصل الأمر إلى تهديدها، ولكنَّني توقَّعتُ احتمال حدوث
شيء كهذا، واستعنت باثنين من أفراد الشرطة بملابس ملكية، سرعان ما قاما بطردها.
«. وقد هدأت عندما لم تجد جدوى من الشجار
«؟ هل سمعتْ زوجتك كل هذا »
«. لا، حمدًا لله لم تسمعه »
«؟ وهل شُوهدت بعد ذلك تسير مع هذه السيدة »
نعم. هذا ما يراه السيد ليستراد، من سكوتلاند يارد، أمرًا في غاية الخطورة. ويعتقد »
«. أن فلورا قد استدرجتْ زوجتي ونصبَت لهاشَركًا
«. حسنًا، افتراضمعقول »
«؟ أتعتقد ذلك أيضًا »
«؟ لم أقل إنه افتراضمُحتمَل. ولكن ألا ترى أنت نفسك أن هذا قد يكون محتملًا »
«. لا أظن أن فلورا تستطيع إيذاء ذبابة »
ولكن الغيرة قادرة على تغيير الشخصيات بشكلٍ غريب. أرجوك أن تُخبرني بنظريتك »
«. بشأن ما حدث
حسنًا، في الحقيقة لقد جئتُ ساعيًا لإيجاد نظرية، لا عرض واحدة. لقد قدمتُ لك »
الحقائق كافة. ولكن بما أنك سألتَني، فيُمكنني أن أقول إنه قد خطر لي أن من المحتمل
أن تكون الأحداث المثيرة التي صاحبت الزفاف، ووعيُ زوجتي بحجم القفزة الاجتماعية
«. الهائلة التي قامت بها، قد تسبَّب في حدوث بعضالاضطراب العصبي لديها
«؟ أي إنك، باختصار، تعتقد أنها قد أصيبت بخلل عقلي مفاجئ »
حسنًا، في الواقع، حين أفكر أنها تخلَّت — لن أقول عني، وإنما عن أشياء كثيرة »
«. تطلعت إليها الكثيرات وفشلنَ في بلوغها — لا أستطيع تفسير الأمر بأي شكل آخر
حسنًا، لا شك أنها فرضية مُمكِنة أيضًا. أظن أنني الآن قد حصلتُ » : قال هولمز مبتسمًا
على كل المعلومات تقريبًا أيها اللورد سانت سايمون. هل لي أن أسأل إن كان موقعكم على
«؟ مائدة الإفطار كان يُمَكِّنكم من النظر إلى الطريق خارج النافذة
«. كان بإمكاننا رُؤية الجانب الآخر من الطريق والمتنزه »
«. حسنًا. إذن لا أظن أنني بحاجة لتعطيلك أكثر من ذلك. سوف أتصل بك »
«. أرجو أن يكون الحظ حليفك بما يكفي لحل هذا اللغز » : نهضعميلنا قائلًا
«. لقد حلَلته بالفعل »
«؟ ها؟ ماذا قلت »
«. أقول إنني قد حللتُه »
«؟ إذن أين زوجتي »
«. سأمُدُّك بهذه المعلومة في أسرع وقت »
أخشى أن يتطلَّب الأمر عقولًا أكثر حكمة » : هز اللورد سانت سايمون رأسه، وقال
ثم انحنى بأسلوب الوقور المحافظ وانصرف. «. مني ومنك
إنه لكرمٌ كبير من اللورد سانت سايمون أن يُعطيَ » : قال شيرلوك هولمز وهو يضحك
عقلي شرف وضعه في مستوًى واحد مع عقله. أظن أنني يجب أن أتناول بعضالويسكي
والصودا مع سيجار بعد هذا الاستجواب. لقد توصلتُ إلى رأي قاطع بشأن القضية قبل
«. دخول عميلنا
«! ماذا تقول يا عزيزي هولمز »
إن لديَّ مذكرات لقضايا عديدة سابقة، وإن لم تكن عاجلة بهذا الشكل، كما أشرتُ »
من قبل. وقد أعانني التحقيق الذي أجريتُه على تحويل تخميني إلى يَقين. أحيانًا ما تكون
الأدلَّة الظرفية مُقنعة للغاية، مثلما يحدث حين تجد سمكة سلمون في الحليب، حسبما قال
«. ثورو
«. ولكنني سمعتُ كل ما سمعتَه »
ولكن دون أن يكون لديك دراية بقضايا سابقة، وهو ما يُفيدُني كثيرًا. كان ثمة »
حادثة مماثلة في أبردين منذ بضع سنوات، وقضية أخرى سارت على نفس الخط إلى حدٍّ
كبير في ميونيخ ووقعت بعد عام من انقضاء الحرب الفرنسية البروسية. وهذه القضية
واحدة من تلك القضايا … ولكن، آه، هذا ليستراد! عمتَ مساءً يا ليستراد! ستجد كأسًا
«. إضافية على نضد المائدة، وثمة سيجارات في هذا الصندوق
كان المفتشيَرتديسترةصوفية قصيرة ورابطة عنق، مما أضفى عليه مظهر البحَّارة،
وكان يَحمل في يده حقيبة سوداء من الكنفا. وبعد إلقاء تحية مقتضبة جلس وأشعل
السيجار الذي قُدِّم إليه.
«. ما الأمر؟ يبدو عليك الاستياء » : قال هولمز وعيناه تلمعان
إنني أشعر بالاستياء بالفعل. إنها هذه القضية اللعينة الخاصة بزواج اللورد سانت »
«. سايمون. فأنا عاجز عن فهم أيشيء فيها
«. حقٍّا! لقد فاجأتني »
هل سمع أحد من قبل بقضية بهذا التعقيد؟ يبدو لي أن جميع الدلائل تتسلَّل من »
«. بين أصابعي. إنني أعمل ليل نهار من أجل حلِّها
«. ويبدو أنها قد بلَّلَتْك تمامًا » : قال هولمز واضعًا يده على كُمِّ السترة الصوفية
«. نعم، لقد كنتُ أبحث في بحيرةسربنتين »
«؟ لماذا بحق السماء »
«. بحثًا عن جثة السيدة سانت سايمون »
اضطجع شيرلوك هولمز في كرسيِّه وضحك بشدة.
«؟ وهل بحثت في حوضنافورة ساحة ترافالجار » : ثم تساءل
«؟ لماذا؟ ماذا تعني »
لأن احتمال العثور على هذه السيدة في أحد هذَين المكانين يعادل احتمال إيجادها في »
«. الآخر
أعتقد أنك تعرف كلشيء عن » : رمق ليستراد رفيقي بنظرة تشعُّ غضبًا وقال غاضبًا
«. هذا الأمر
«. حسنًا، لقد استمعتُ إلى الحقائق للتو، ولكني كوَّنت رأيًا »
«؟ آه، حقٍّا! إذن تظنُّ أن بحيرةسربنتين ليس لها دور في المسألة »
«. أعتقد أنهشيءٌ مُستبعَد تمامًا »
وبينما كان يتحدَّث، فتح «؟ إذن هلا تكرَّمت بأن تُفسِّر لي كيف وجدنا هذه فيها »
حقيبتَه وألقى على الأرض ثوب زفاف من الحرير المموَّج، وحذاءً من الساتان الأبيض،
وإكليل عروس وطرحة، كلها باهتة ومُبلَّلة بشدة. قال وهو يضع خاتم زواج حديث على
«. إليك هذا. ها هي معضلة صغيرة عليك حلُّها يا سيد هولمز » : قمة هذه الكومة
آه، حقٍّا! هل استخرجتَها » : قالصديقي وهو ينفث حلقات من الدخان الأزرق في الهواء
«؟ من بحيرةسربنتين
كلا. لقد وجدها أحد حراس المُتنزه طافية بالقرب من شاطئ البحيرة. وتمَّ التعرُّف »
على الملابس بوصفها تخصالسيدة، وبدا لي أنه إذا كانت الملابس هناك، فلن تكون الجثة
«. بعيدة
بنفس هذا المنطق العبقري، فإن جثَّة كل شخص سوف ستكون إلى جوار دولاب »
«؟ ملابسه. رجاءً، ما الذي أردتَ الوصول إليه من كل هذا
«. أردتُ الوصول إلى دليل يورط فلورا ميلر في اختفاء السيدة »
«. أخشى أنك ستجد صعوبة في ذلك »
أهذا ظنك حقٍّا؟ أخشى يا هولمز أنك » : صاح ليستراد وفي صوته بعض المرارة قائلًا
لست عمليٍّا تمامًا في استنتاجاتك واستدلالاتك. لقد اقترفت خطأين فادحَين في دقائق. إن
«. هذا الثوب بالفعل يُورِّط الآنسة فلورا ميلر
«؟ وكيف هذا »
إن للثوب جيبًا، يُوجد فيه علبة بطاقات، وفي علبة البطاقات رسالة صغيرة. وها هي »
سوف تَرينَني » : أنصت إلى هذا » : ووضعها بعنف على الطاولة أمامه وأضاف «. الرسالة
إنَّ نظريتي تتلخَّص في أن فلورا «. حين يكون كل شيء جاهزًا. تعالَي فورًا. إف إتش إم
ميلر قد استدرجت السيدة سانت سايمون، وأنها مسئولة بلا شك عن اختفائها بمعاونة
شركاء. وهذه الرسالة الموقَّعة بالأحرف الأولى من اسمها هي ذاتها الرسالة التي دُست في
«. يدها عند الباب واستدرجتها حتى وقعت في أيديهم
وأخذ الرسالة في «. رائع يا ليستراد. أنت بارع حقٍّا. دعني أَرَها » : قال هولمز ضاحكًا
«. هذا مهم حقٍّا » : كسل، إلا أن شيئًا بها أسَرَانتباهه في الحال، وأطلق صيحة رضًا، وقال
«؟ ها! أتراها كذلك »
«. بالتأكيد. أهُنئك بحرارة »
يا إلهي! إنك » : وقف ليستراد مزهوٍّا بانتصاره وخفض رأسه ليرى، ثم صاح قائلًا
«! تنظر في الجانب الخطأ
«. بالعكس، هذا هو الجانب الصحيح »
«. الجانب الصحيح؟ أنت مجنون! إن الرسالة مكتوبة بالقلم الرصاص هنا »
وهنا على الجانب الآخر ما يبدو أنه قطعة من فاتورة أحد الفنادق، وهو ما يُثير »
«. اهتمامي بشدة
الرابع من أكتوبر، » . لا يوجد بها شيء مهم. لقد نظرت إليها من قبل » : قال ليستراد
إقامة ٨ شلنات، إفطار شلنان و ٦ بنسات، كوكتيل شلن واحد، غداء شلنان و ٦ بنسات،
«. لا أرى شيئًا ذا أهمية في ذلك « زجاجة نبيذ ٨ بنسات
من غير المرجح أن ترى ذلك مهمٍّا، ولكنه في غاية الأهمية. أما بالنسبة للرسالة، فهي »
«. مهمة أيضًا، على الأقل الأحرف الموقعة بها؛ لذا أهُنئك مجددًا
لقد أضعت ما يكفي من وقتي. أنا أومن بالاجتهاد » : قال ليستراد وهو يهم بالنهوض
والعمل الجاد وليس بالجلوس بجوار المدفأة لنَسجِ نظريات. طاب يومك يا سيد هولمز،
وجمع الثياب، ودسها في الحقيبة، «. وسوف نرى مَن مِنا سيحلُّ لغز هذه القضية أولًا
واتجه صوب الباب.
قال هولمز متشدِّقًا قبل أن ينصرف خصمه: سوف أمنحك تلميحًا يا ليستراد. سوف
أخُبرك بالحل الصحيح للقضية. إن السيدة سانت سايمون أكذوبة. لا يوجد، ولم يوجد من
«. قبل، أي شخصبهذا الاسم
نظر ليستراد في أسًى إلى رفيقي، ثم التفت إليَّ، وخبط على جبهته ثلاث مرات، وهز
رأسه بوقار، ثم هرع منصرفًا.
ثمة شيء » : ولم يكد يُغلق الباب من خلفه حتى نهض هولمز ليرتدي معطفه قائلًا
صحيح فيما يقوله الرجل بشأن العمل خارج الأبواب المُغلَقة؛ لذا أعتقد أنني يجب أن
«. أتركك قليلًا لصحُفِكَ يا واطسون
كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة حين تركني شيرلوك هولمز، ولكن لم أبقَ وحيدًا
كثيرًا؛ ففي غضون ساعة وصل صاحب أحد المطاعم ومعه صندوقٌ مسطَّح ضخم، أفرغ
ما فيه بمعاونة شاب كان قد أحضره معه، وغمرَتْني دهشة كبيرة حين وجدت عشاءً لذيذًا
باردًا قليلًا يُوضع على مائدة منزلنا المُتواضِع الخشبية. كان هناك صحنان كبيران من لحم
الدواجن البارد، وفطيرة معجون كبد الإوز مع مجموعة من زجاجات الشراب المعتق. وبعد
أن انتهيا من وضع كل هذه الأطعمة الفاخرة، انصرفالزائران واختفيا مثل جنِّي المصباح،
دون أي توضيح سوى أن هذه الأشياء دُفع ثمنها وطُلب إرسالها إلى هذا العنوان.
قبل التاسعة بلحظات دخل شيرلوك هولمز بخطواتسريعة إلى الغرفة. كانت ملامحه
جادة، إلا أن عينَيه كان لهما وميضجعلني أفكر أن استنتاجاته لم تخيِّب ظنه.
«. لقد أعدوا العشاء إذن » : قال وهو يفرك يديه
«. يبدو أنك في انتظار صُحبة، فقد أعدوا المائدة لخمسة أشخاص »
أجل، أعتقد أننا قد نحظى ببعضالرفاق. أنا مندهش من عدم وصول اللورد » : قال
«. سانت سايمون حتى الآن. ها! أعتقد أنني أسمع خطواته على السلَّم الآن
وبالفعل كان زائرنا بعد الظهر هو بالفعل من دخل يُهرول وهو يؤرجِح نظارته
بقوة أكبر من المرة السابقة، وقد علا قسماتِه الأرستقراطية قلقٌ واضطرابٌ شديدان.
«؟ هل وصلتك رسالتي » : سأله هولمز
«؟ أجل، وأعترف أن محتواها قد أفزعني إلى أبعد مدًى، هل أنت واثق مما تقول »
«. إلى أبعد حدٍّ ممكن »
هوى اللورد سانت سايمون على أحد المقاعد، وأخذ يُمرِّر يده على جبهته.
ماذا سيقول الدوق حين يسمع أن واحدًا من أفراد عائلته قد تعرَّض » : وتمتم قائلًا
«؟ لمثل هذا القدر من المهانة والإذلال
«. إنها الصدفة البَحتة. لا أعتقد أن هناك أي إذلال »
«. إنك تنظر إلى هذه الأمور بمنظورٍ آخر »
لا أستطيع لوم أي شخص. لا أستطيع أن أرى تصرفًا آخر سوى ما أتت به السيدة، »
وإن كان أسلوبُها الفظُّ في تنفيذ ما فعلت هو ما يَدعو إلى الأسف. ولكنها لم تجد من
«. ينصحها في أزمة كهذه بالنظر إلى كونها يتيمة الأم
لقد كانت إهانة ياسيدي، » : قال اللوردسانتسايمون وهو ينقر بأصابعه على الطاولة
«. وإهانة علنية
لا بد أن تَلتمس العذر لهذه الفتاة المسكينة، التي وجدت نفسها في موقف غير »
«. مسبوق
«. لن ألتمس أي أعذار. أنا غاضبٌ جدٍّا، وتعرَّضتُ للاستغلال على نحوٍ مُخزٍ »
أظن أنني سمعتُ جرس الباب. نعم، هناك صوت خطوات على منبسط » : قال هولمز
الدَّرَج. إذا كنت لم أستطع إقناعك بالنظر إلى الأمر بنظرة رفقٍ أيها اللورد سانت سايمون،
ثم فتح الباب وأشار بالدخول لامرأة ورجل، «. فقد أحضرتُ من قد يُفلح في ذلك أكثر مني
اسمح لي أيها اللورد سانت سايمون أن أقدِّم لك السيد فرانسيس هاي مولتون » : وقال
«. وزوجته. أظن أنك قد قابلت السيدة من قبلُ
وما إن وقعت عيناه على الزائرَيْن الجديدَيْن حتى انتفضمن مقعده ووقف منتصبًا
بشدة، وقد خفضعينيه في الأرضودسَّيده فيصدرية معطفه، فيصورة جسَّدت الكرامة
الجريحة. تقدمت السيدة نحوه بخطوةٍ سريعة ومدَّت يدها إليه، ولكنه ظل رافضًا أن
يرفع عينيه. ولعل إصراره هذا كان للحفاظ على موقفه أمام وجهِها المُتوسِّل الذي كان من
الصعب مقاومته.
«. أعلم أنك غاضب يا روبرت. ولديك كل الحق في ذلك » : قالت السيدة
«. أرجو ألا تُقدِّمي لي أي اعتذار » : قال اللورد سانت سايمون بمرارة
آه، نعم، أعلم أنني قد أسأتُ التعامل معك تمامًا وكان ينبغي أن أتحدث إليك قبل أن »
أرحل؛ ولكنني كنت مُشوَّشة وفاقدةً للاتزان، ومنذ رأيتُ فرانك مرةً أخرى لم أعرف ماذا
«. أفعل أو أقول. بل إنني أتساءل كيف لم أَفقِد وعيي هناك أمام مذبح الكنيسة
«؟ ربما تودِّين مني مغادرة الغرفة أنا وصديقي بينما تشرَحين الأمر يا سيدة مولتون »
إن كان لي أن أبُديَ رأيي، لقد أحَطْنا هذه المسألة بقدرٍ من السرية » : قال السيد الغريب
كان رجلًا «. مبالَغ فيه قليلًا. وأنا أودُّ من جانبي أن تسمع أوروبا وأمريكا كل تفاصيلها
ضئيل الحجم نحيلًا، حليق اللحية، لفَحَتْه سمرة الشمس، ذا وجه حادِّ الملامح وأسلوبٍ
رشيق.
إذن سأروي لك القصة في الحال. لقد التقيتُ فرانك في عام ١٨٨٤ ، في » : قالت السيدة
معسكر كاكواير، بالقرب من جبال روكي، حيث كان أبي ينقِّب عن الذهب. تمَّت خطبتنا
أنا وفرانك، ولكن في أحد الأيام عثر أبي على موقعٍ غنيٍّ بالذهب، وأصبح من الأثرياء، بينما
لم يُسفر بحث فرانك المسكين عن أي شيء. وكلما ازداد أبي ثراءً، ازداد فرانك فقرًا؛ ولم
يَعُد أبي راغبًا في استمرار خطبتنا، وأخذني إلى سان فرانسيسكو. ولكن لم يكن فرانك
ليَستسلِم، وتبعني إلى هناك، وكان يراني دون علم أبي. فلو علم بذلك لجُنَّ جنونه؛ ومن
ثم رتَّبنا كل شيء بأنفسنا. قال فرانك إنه سيذهب ليُكوِّن ثروته هو الآخر، ولن يعود إلى
المُطالبة بي قبل أن يُصبح له من الثروة ما لأبي منها. ووعدتُه أن أنتظره حتى آخر العمر،
إذن لماذا » : وعاهدتُ نفسي بألا أتزوج من أحد غيره ما دام على قيد الحياة. فوجدتُه يقول
درسنا «. لا نتزوَّج الآن؟ حينها سأتأكَّد أنكِ لي، ولن أطالبكِ بحقوقي كزوج لكِ حتى أعود
الأمر معًا، وقام بترتيب كل شيء على نحوٍ جيد تمامًا، وكان الكاهن في انتظارنا، وأتمَمْنا
مراسم الزواج هناك، ثم ذهب فرانك للبحث عن الثروة، وعدتُ أنا إلى أبي.
بعدها سمعت أن فرانك في مونتانا، وأنه ذهب بعد ذلك إلى أريزونا للتنقيب عن الذهب،
ثم جاءتني منه أخبار من نيومكسيكو. بعد ذلك قرأت خبرًا مطولًا في إحدى الصحف عن
مهاجمة هنود الأباتشي لأحد معسكرات التنقيب، وكان اسم حبيبي فرانك بين الضحايا.
سقطتُ فاقدةً للوعي، وظللتُ لشهور بعدها في حالةٍ مَرَضية يُرثى لها. اعتقد أبي أن بي
مرضًا عضالًا، وطاف بي على نصف أطباء سان فرانسيسكو. لم تَصِلني أيُّ أخبار جديدة
لعام وأكثر؛ ومن ثمَّ لم يَعُد لديَّ أي شك في أن فرانك قد مات بالفعل. ثم جاء اللورد سانت
سايمون إلى سان فرانسيسكو، وجئنا نحن إلى لندن، وتم الإعداد للزواج، وكان أبي سعيدًا
للغاية، ولكنني كنت أشعر طوال الوقت أنه لا يوجد رجل على ظهر هذه الأرض سوف
يأخذ في قلبي مكان فرانك العزيز المسكين.
ومع ذلك، لو كنتُ قد تزوجتُ من اللورد سانت سايمون، كنت سأؤدي واجباتي نحوه
كزوج بالطبع. قد لا يُمكننا السيطرة على مشاعر الحب، ولكن بمقدورنا أن نسيطر على
أفعالنا. ذهبتُ معه إلى المذبح وأنا عازمة على أن أكون له نِعمَ الزوجة. ولكن لكم أن تتخيَّلوا
كيف كان شعوري حين وصلت إلى حواجز المذبح، ونظرت إلى الخلف لأرى فرانك واقفًا
وينظر لي من المقعد الأول. ظننتُ في البداية أنه شبحه، ولكن حين عاودتُ النظر وجدته
لا يزال في مكانه، وفي عينَيه تعبير أشبه بتساؤل، وكأنه يسألني إن كنتُ سعيدة لرؤيته
أم حزينة. إنني مُندهشة أنني لم أفقد الوعي حين رأيته. كان كل شيء يدور من حولي،
وكانت كلمات الكاهن تبدو كطنينِ نَحلة في أذني. ولم أدرِ ماذا أفعل. هل أوُقف المراسم
وأثُير فضيحة في الكنيسة؟ نظرتُ إليه مرةً أخرى، وبدا كأنه يعرف ما أفكر فيه؛ إذ وجدته
يرفع إصبعه إلى شفتَيه كأنما يُخبرني بأن أهدأ. بعد ذلك رأيته يكتب شيئًا على قطعة من
الورق، وعرفت أنه يكتب لي رسالة. وعندما مررتُ بمقعده في طريقي للخروج، أوقعت باقة
زهوري فوقه، ودس الرسالة في يدي بينما كان يُعيد إليَّ الزهور. كانت الرسالة عبارة عن
سطر واحد يطلب مني فيه أن ألحق به حين يصدر لي إشارة بذلك. بالطبع لم أشكَّ للحظة
أن واجبي الأول الآن قد أصبح تجاهه، وقررتُ أن أفعل ما يأمُرُني به أيٍّا كان.
حين عدتُ أخبرتُ خادمتي، التي كانت تَعرفه في كاليفورنيا، وطالما كانت صديقة له.
فأمرتُها بألَّا تنبس بشيء مما عرفَتْ، وأن تُجهِّز لي بعضالأغراضومعطفي. أعلم أنه كان
عليَّ أن أتحدث إلى اللورد سانت سايمون، ولكن كان في ذلك صعوبة بالغة في وجود والدته
وكل تلك الشخصيات العظيمة؛ فعقدتُ العزم على الهرب وتوضيح الأمور بعد ذلك. لم
أكن قد جلستُ على مائدة الإفطار أكثر من عشر دقائق حين رأيتُ فرانك من النافذة على
الجانب الآخر من الطريق. فأشار إليَّ ثم بدأ يتوجَّه إلى داخل المتنزَّه؛ فتسللتُ، وارتديت
ثيابي، وتبعتُه. في هذه الأثناء جاءت امرأة تريد التحدث إليَّ في أمرٍ ما، بشأن اللورد سانت
سايمون، وبدا لي مما سمعتُه منها أنه هو الآخر كان لديه سرٌّ صغير قبل الزواج، ولكنَّني
تمكنتُ من الإفلات منها وسرعان ما لحقتُ بفرانك. ركبنا معًا سيارة أجرة، وتوجهنا إلى
مسكنٍ استأجَرَه في ساحة جوردون، وكان ذلك هو زفافي الحقيقي بعد كل سنوات الانتظار.
لقد كان فرانك أسيرًا لدى الأباتشي، ولكنه هرَب وتوجَّه إلى سان فرانسيسكو ووجد أنني
«. قد سلمتُ بموته، فتبعني إلى إنجلترا، وجاءني أخيرًا في صباح يوم زواجي الثاني
رأيتُ الخبر في إحدى الصحف. ولم يَرِد به إلا الاسم والكنيسة » : قال الأمريكي موضحًا
«. المُقام بها الزفاف، دون إشارة إلى المكان الذي تعيش فيه السيدة
بعدها تحدثنا معًا بشأن ما يجب أن نفعله، وكان فرانك يؤيد المصارحة، ولكنَّني »
كنت أشعر بخزي شديد، حتى إنني شعرتُ بأنني يجب أن أختفي تمامًا ولا أرى أيٍّا منهم
مرة أخرى؛ ربما كنتُ سأرسل رسالةً مختصرة إلى أبي لأعُرِّفه أنني على قيد الحياة. كان
التفكير في كل هؤلاء اللوردات والسيدات الجالسين حول مائدة الإفطار في انتظار عودتي
أمرًا مُريعًا؛ لذا أخذ فرانك ثياب زفافي وبقيَّة أشيائي الأخرى وحزمها، حتى لا يتتبع أحد
أثري، ووضعها في مكان بحيث لا يستطيع أحد العثور عليها. كان من المرجح أن نُغادِر
إلى باريس غدًا، لولا أن جاءنا هذا السيد الطيب، السيد هولمز، هذا المساء، وإن كنتُ لا أعلم
كيف عثر علينا، وأوضح لنا بصراحة ولطف شديدَين أنَّني كنتُ مخطئة وأن فرانك كان
على صواب، وأننا بتكتُّمنا هذا نضع أنفسنا موضع اللوم. ثم عرضعلينا أن يَمنحنا فرصة
الحديث مع اللورد سانت سايمون منفردًا، وفي الحال جئنا إلى مسكنه دون تردُّد. والآن
يا روبرت، لقد عرفت القصة بأكملها، وأنا في شدة الأسف إن كنتُ قد تسببتُ لك في أي ألم،
«. وأتمنى ألا يكون رأيك بي سيئًا
لم يُبد اللورد سانت سايمون أي لين في موقفه الصارم بأيِّ حال، ولكنه استمع إلى
تلك الرواية المطوَّلة بعبوس وشفتين مزمومتين.
«. عذرًا، ولكن ليس من عادتي أن أناقش أدقَّ شئوني الخاصة على الملأ هكذا » : قال
«؟ إذن ألن تُسامحني؟ ألن تصافحني قبل أن أذهب »
ومدَّ يده، في برود، مصافحًا يدها التي امتدت إليه. «. بالتأكيد، إذا كان ذلك سيَسرُّك »
«. لكم تمنيتُ أن تنضمَّ إلينا في عشاء ودِّي » : قال هولمز مُقترحًا
أعتقد أنك تطلب أكثر مما ينبغي. قد أكون مضطرٍّا للرضوخ في ظل » : فأجابه اللورد
هذه التطورات الجديدة، ولكن لا يُمكن أن تتوقع مني أن أكون سعيدًا بها. أعتقد أنني
وانحنى لنا جميعًا وغادر الغرفة في شموخ. «. — بعد إذنك — سأتمنَّى لكم ليلة سعيدة
آمُلُ إذن أن تُشرِّفاني بصحبتكما على الأقل. إنه لمن دواعي » : قال شيرلوك هولمز
سروري أن ألتقي مواطنًا أمريكيٍّا يا سيد مولتون؛ كوني واحدًا من أولئك المؤمنين بأن
حماقة ملك وخطأ قس في الماضيلن يمنعا أبناءنا من أن يكونوا، يومًا ما، مواطنين لنفس
«. الدولة العالَمية تحت راية تحمل عَلَم المملكة جنبًا إلى جنب مع العَلَم الأمريكي
لقد كانت قضية مثيرة؛ لأنها تُبيِّن بجلاء شديد كيف » : قال هولمز بعد انصراف الضيوف
يمكن أن يكون تفسير قضية ما في غاية البساطة، رغم ما تبدو عليه من تعقيد للوهلة
الأولى. لا شيء يمكن أن يكون أكثر طبيعية من تسلسل الأحداث التي روَتْها هذه السيدة،
ولا شيء يُمكن أن يكون أكثر غرابة من النتيجة التي توصل إليها السيد ليستراد مفتش
«. سكوتلانديارد على سبيل المثال
«؟ إذن لم تُخطئ في تفسيرها قط »
منذ البداية اتَّضحت لي حقيقتان، الأولى أن السيدة قد أتمَّت مراسم الزفاف برضاها، »
والأخرى أنها ندمت على ذلك في غضون دقائق معدودة من عودتها إلى المنزل. من الواضح
إذن أن شيئًا ما حدث في الصباح دفَعها إلى تغيير رأيها، ماذا عساه أن يكون هذا الشيء؟ لا
يمكن أن تكون قد تحدثت إلى أيِّ شخصحين كانت بالخارج؛ لأنها كانت برفقة العريس.
هل رأت شخصًا ما إذن؟ إذا كان الأمر كذلك، فلا بد أنه شخص من أمريكا؛ لأن الفترة
التي أمضَتْها في هذا البلد كانت أقصرمن أن تسمح لأحد بأن يحظى بهذا التأثير العميق
عليها بما يدفعها إلى تغيير خططها بالكامل لمجرد رؤيته. وهكذا ترى أننا قد توصلنا، من
خلال الاستبعاد، إلى فكرة أنها ربما رأت شخصًا أمريكيٍّا. فمن يكون هذا الأمريكي؟ ولماذا
يُملِك كل هذا التأثير عليها؟ ربما كان حبيبًا، أو لعله زوج. فحسب علمي أنها قد قضت
أنوثتها المبكرة في أجواء عصيبة وتحت ظروف غريبة. كان هذا هو ما توصَّلتُ إليه قبل أن
أسمع رواية اللورد سانت سايمون. وحين أخبرنا عن رجل جالس في مقعد، وعن التغيير
الذي طرأ على سلوك العروس، وعن سقوط باقة الزهور، التي تُعدُّ حيلةً واضحة للحصول
على رسالة، وعن لجوئها إلى خادمتها الخاصة التي تَثِق بها، وعن إشارتها المهمة للغاية
إلى القفز على امتياز — والتي تعني في لغة عمال المناجم الاستحواذَ على امتياز لشيء سبقه
إليه غيره — صار الموقف واضحًا وضوح الشمس. لقد فرَّت مع رجل، وهذا الرجل إما
«. حبيبٌ أو زوجٌ سابق، وإن كنت أرجِّح الأخير
«؟ وكيف عثرتَ عليهما بحق السماء »
ربما كان الأمر صعبًا، ولكن صديقنا ليستراد كان يَملك بين يدَيه معلومات لم يكن »
هو نفسه يُدرك قيمتها. لقد كانت الأحرف الأولى الموقَّعة بها الرسالة على قدر هائل من
الأهمية، بالطبع، ولكن ما هو أكثر قيمة هو معرفة أنه في غضون أسبوع سدَّد فاتورته في
«؟ واحد من أرقى فنادق لندن
«؟ وكيف استنتجت أنه فندق راقٍ »
من أسعار الخدمات. إن تكلفة ثمانية شلنات للإقامة، وثمانية بنسات لزجاجة من »
النبيذ كانت تُشير إلى أنه واحد من أغلى الفنادق. قليل من فنادق لندن هي التي تضع
تلك الأسعار. وفي ثاني فندق زرتُه، وكان في طريق نورثمبرلاند، علمت من خلال فحص
سجلات النزلاء أن فرانسيس إتش مولتون، وهو سيد أمريكي، قد غادَرَ الفندق قبل يومٍ
واحدٍ فقط، وبفحص بنودِ فواتيره، وجدتُ نفس البنود التي رأيتُها في نسخة الفاتورة
التي كانت بحوزة ليستراد. كان العنوان الذي حدَّده لتُرسَل عليه خطاباته هو ٢٢٦ ساحة
جوردون؛ وعليه توجهت إلى هناك، وكنتُ محظوظًا بما يكفي؛ إذ وجدت العاشقَيْن في
المنزل، أقدمتُ على إسدائهما بعضالنصائح الأبوية وتوجيههما إلى أنه من الأفضل كثيرًا أن
يوضِّحا موقفهما أكثر قليلًا للناس عامة، وللورد سانت سايمون خاصة. ودعوتهما للقائه
«. هنا، وكما رأيت، جعلته يأتي في الموعد
«. ولكن بلا نتيجة مُرضية. لقد كان موقفه فظٍّا للغاية بالتأكيد » : قلت
آه يا واطسون، ربما ستكون أنت فظٍّا أيضًا لو وجدت نفسك » : قال هولمز مبتسمًا
في لحظة، بعد كل ما تكبَّدتَه من عناء في التودُّد والخطبة والزفاف، محرومًا من الزوجة
والثروة. أظن أننا يجب أن نترفَّق كثيرًا في حكمنا على اللورد سانت سايمون ونشكر لله
على أنَّ مِن غير المُرجَّح أن نجد أنفسنا في الموقف ذاته. اسحب كرسيَّك وناولني كماني؛
«. فالمشكلة الوحيدة التي لا يزال علينا حلها هي كيف سنَقضيهذه الليالي الخريفية الكئيبة
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.