الصيدلي في مصر أشبه بالبطريق لا حد عارف هو طائر ولا سمكة.. بيعوم ولا بيطير.. بياكل ولا بيرضع.. نفس الوضع بالنسبة للصيدلي فيه اللي شايفه دكتور وفيه اللي شايفه بياع وحالنا بقي يصعب على الكافر.
لو جينا نشوف نظرة المجتمع للصيدلي هنشوف العجب..
البداية مع أفراد الأسرة واللي عمرهم ما بينسوا طفولتك المهزأة وأنت مقضيها في البيت طرزان وأما ربنا يكرم بيلبسوك بامبرز بتقضي فيه فترة من حياتك بتكون سبب في نزول اللعنة على المنطقة لو متغيرش في أسرع وقت، الوالد غالبًا بيكون الصندوق الأسود لكل جرايمك خارج البيت؛ يعني بيكون فاكرلك الجريمة باليوم والساعة والثانية وبيعايرك بيها كل ما يشوف خلقتك مهما كبرت زي إنك تكون كسرت لمبة الجيران أو شباك الجيران أو ولعت في الجيران، وبحكم إنه هو اللي بيعوض أسر الضحايا فالأخبار المنيلة والمصايب بتوصله على وجه السرعة وبالتفصيل الممل. ولا أخوك الكبير اللي ربطك في رجل السرير لما شربت نصيبه من عصير المانجا، ولا أختك اللي حبستك في الحمام زي خروف العيد عشان دلقت زيت الشعر بتاعها.. أما ست الكل والدتك دي بقى كانت بتعتبرك سبب الشرور ومحور القلق والتوتر في العالم كله لإنك مش بتسمع كلامها، وتروح تجيب طلبات البيت من سوبر ماركت أولاد رجب فرع السلوم من سكات، لازم صوتها يعلى عشان تتحرك مع إن أخواتك الكبار موجودين وعاقلين عنك لدرجة إنك كنت بتحس إنك لقيط وأنهم لقيوك جنب جامع، وقالوا يكسبوا فيك ثواب فخدوك يربوك، يعني كلهم ماسكين عليك سيديهات وكأنك مجرم حرب فانسى تعمل عليهم دكتور.
كل الماضي الأليم بيفضل ملازم لخيال الأسرة مدى الحياة وكل مدة يفكروك بيه عشان كده عمرهم مابيقتنعوا إنك بقيت دكتور ملو هدومك، والدليل أنهم بيستعينوا بالأستاذ محمد خريج دبلوم الصنايع اللي واقف في الصيدلية اللي تحت البيت ولا يستعينوا بيك.. وعلى رأي الشاعر المجهول "شاعر القوم لا يسليهم"، وعشان كده بتحاول تهاجر للقطب الشمالي يمكن تلاقي هناك بطريق ولا كلب بحر يعترف بيك..
نيجي للفريق التاني؛ هم قرايبك من بعيد لحد الدرجة العاشرة والمعارف والأصدقاء دول بقى العشم بيكون قاتلهم بيتعاملوا معاك على إنك صيدلي وطبيب وممرضة ومعالج روحاني ودكتور نفسي وبتفك الأعمال وبتفتح المندل وبترد المطلقة.
كل الخدمات دي من غير فلوس طبعًا أو تحت الحساب اللي غالبًا مش بيتسدد مدى الحياة، ولو جيت في يوم وطالبت حد منهم بيعتبرك عاق ومطمرش فيك التربية ولا الصحوبية، ولو اتأخرت في يوم عن واحد منهم فمتو ثانية بيصب عليك اللعنات ويشهر بيك، وكأنك أكلت ورثه غصب واقتدار.
نخش بقى عالفريق التالت وهو فريق المدمنين واللي كتروا أوي مع اختلاف أشكالهم وأهدافهم من الضرب.
الناس دي بتتعامل معاك على إنك البهظ بيه بتاع فيلم الكيف، واهب السعادة، أمير المزاج.. بيعتبروك ديلر بس ابن ناس ومثقف.. يدخل عليك المدمن من دول بابتسامة عريضة وأدب مبالغ فيه وكأنه ملحق ثقافي في السفارة اليابانية، ويحكيلك عن خالته حموئة اللي بتعاني من آلام مبرحة في صباع رجلها الصغيرعشان اتخبط في الكومودينو، وإنها محتاجه ترامادول وإلاهتفيص منه.. ولو قولتله مفيش الابتسامة بتتحول لتكشيرة مرعبة مع نزول نابين بيلمعوا ويروح منقض عليك راشقهم في رقبتك لحد ما يبان لك صاحب، أو ممكن يلخص ويغزك بمطواة قرن حمار وأنت وعمرك بقي.
نيجي بقى لأصحاب المحلات أما تروح تأجر محل عشان ترخصه كصيدلية بيتعامل معاك على إنك نجيب ساويرس وبيضرب الإيجار في أربع أو خمس أضعاف وطبعًا ممنوع النقاش أو الاعتراض.. ولو حبيت تشطب المحل واستعنت بنقاش أو سباك أو كهربائي أو نجار بيتعاملوا معاك على إنك أبو هشيمة وبيحاسبوك بأسعار الاتحاد الأوربي، ولو اعترضت يبتسموا بسماجة ويقولولك يا باشا اللي تشوفه.. وساعتها بتكون جالك عمى مؤقت من كتر الخوازيق اللي مش ملاحق عليها.
وأخيرًا لو حبيت تتقدم لبنت أيًا كان بيئتها، أهلها بيتعاملوا معاك على إنك ثري عربي اكتشفت بير بترول تحت السرير وشادد منه خرطوم للتصدير.. لكن في النهاية إحنا غلابة وبنكح تراب..
وممكن تتخطى المرار الطافح ده كله وتروح تستلم التكليف وتبقى مستوظف قد الدنيا في الحكومة وساعتها يبقى قول على نفسك يا رحمن يا رحيم، غالبًا بتشتغل في صيدلية تأمين صحي وبتتعامل يوميًا مع جمهور أكتر من جمهور ماتش الأهلي والصفاقسي في نهائي أفريقيا 2006، وطبعًا كلهم مستعجلين ومش عايزين بديل وبيشتموك لله في لله وأحيانًا بيتفوا عليك..
ده غير الأستاذ عبد الرحمن اللي كل يوم يقفل عليك لإنك بتتأخر بسبب المواصلات عشان يحول حياتك لصينية كنافة بالجبنة الإسطنبولي.
أخيرًا وبعد فترة من المرار الطافح بيبقى قدامك طريقين؛ إما أنك تمسك السلك العريان وتنتحر أو إنك تسافر بلاد الله الواسعة يمكن الحظ يبتسم لك والدنيا تظبط معاك.