تعريف الإلحاد -
الإلحاد لغة:
الإلحاد لغة مصدر قولهم: ألحد، يلحد، وهو مأخوذ من مادة
(ل ح د) التي تدل على ميل عن الاستقامة، يقال ألحد الرجل: إذا مال عن طريق الحق والإيمان، وسمي اللحد لحدا لأنه مائل في أحد جنبي الجدث (القبر)، والملتحد: الملجأ، سمي بذلك لأن اللاجئ يميل إليه، وقال الراغب: يقال: لحد بلسانه إلى كذا: مال، وقال الجوهري: وألحد فلان: مال عن الحق، وألحد في دين الله: حاد عنه وعدل، ولحد لغة فيه، وألحد الرجل: أي ظلم في الحرم، والتحد مثله، وأصله من قوله تعالى: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم)، والباء في (بإلحاد) زائدة، الملحد: الجائر بمكة، وقال ابن منظور: لحد في الدين يلحد، وألحد مال وعدل، وقيل: لحد مال وجار.
وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: المُلْحِدُ: العَادِلُ عَنِ الحَقِّ المُدْخِلُ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، يُقَالُ: قَدْ أَلْحَدَ فِي الدِّينِ وَلَحَدَ أَيْ حَادَ عَنْهُ، وَرُوِيَ: لَحَدْتُ: مِلْتُ، وَأَلْحَدْتُ: مَارَيْتُ وَجَادَلْتُ وَأَلْحَدَ: مَارَى وَجَادَلَ، وَمَعْنَى الإِلْحَادِ فِي اللُّغَةِ المَيْلُ عَنِ القَصْدِ، وَلَحَدَ عَلَيَّ فِي شَهَادَتِهِ يَلْحَدُ لَحْداً: أَثِمَ، وَلَحَدَ إِلَيْهِ بِلِسَانِهِ: مَالَ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل: 103) قَرَأَهَا حَمْزَةُ مِنْ (لَحَدَ) ثُلاثِيًّا، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِضَمِّ اليَاءِ وَكَسْرِ الحَاءِ مِنْ (أَلْحَدَ) رُبَاعِيًّا، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ: أَلْحَدَ القَبْرَ وَلَحَدَهُ إِذَا أَمَالَ حَفْرَهُ عَنِ الاسْتِقَامَةِ، فَحَفَرَ فِي شِقٍّ مِنْهُ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِكُلِّ إِمَالَةٍ عَنِ الاسْتِقَامَةِ، وَالمَعْنَى: لِسَانُ الرَّجُلِ الَّذِي يُمِيلُونَ قَوْلَهُمْ عَنِ الاسْتِقَامَةِ إِلَيْهِ لِسَانٌ أَعْجَمِيٌّ غَيْرُ بَيِّنٍ.
الإلحاد اصطلاحاً:
قَالَ الكَفَوِيُّ: الإِلْحَادُ هُوَ المَيْلُ عَنِ الحَقِّ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفاً لُغَوِيًّا، وَمِنَ المُمْكِنِ أَنْ نَقْتَبِسَ مِمَّا ذَكَرَهُ المُفَسِّرُونَ تَعْرِيفاً اصْطِلاحِيًّا فَنَقُولُ: الإِلْحَادُ: هُوَ المَيْلُ عَنِ الحَقِّ وَالعُدُولُ عَنْهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى أَوْ بَيْتِهِ الحَرَامِ أَوْ بِآيَاتِهِ الكِرَامِ فِي دَلالَتِهَا أَوْ فِيمَنْ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِ.
ولكن كبادئ ذي بدء دعنا يا صديقي نتساءل:
س1: ما هو الإلحاد؟ وما هي أنواعه؟ وما هو الفرق بين الإلحاد، واللا دين، واللا أدرية؟
الإلحاد Atheism
The denial of or lack of belief in the existence of a god or gods
إنكار أو غياب الإيمان بوجود إله أو الآلهة.
الإلحاد وصف لأي موقف فكري يرفض الإيمان بوجود الآلهة، والإلحاد بالمعنى العريض (أو الصرف) هو عدم الإيمان بوجود الآلهة.
بعض الملحدين ينكرون وجود الله قطعياً وبعض الملحدين يكتفون بعدم الإيمان به.
هو مصطلح عام يستعمل لوصف تيار فكري وفلسفي يتمركز حول فكرة إنكار وجود خالق أعظم، أو أية قوة إلهية بمفهوم الديانات السائدة. وببساطة شديدة فإن الإلحاد يعني إنكار وجود الله لعدم توافر الأدلة على وجوده، فمنطق الإلحاد هو " إنَّ ما لم تثبته التجربة العلمية يكون خاطئًا وتافهًا ومنقوصًا من أساسه، ونحن لا نؤمن إلّا بالعلم وبالمنهج العلمي، فما تراه العين وتسمعه الأذن وتلمسه اليد، وما يمكن أن يُقاس بالمقياس والمكيال والمخبار وما إلى ذلك من أدوات هذا الحق. وأما ما عدا ذلك مما يخرج عن دائرة العلوم التجريبية ومنهجها فلا نصدقه".
هذا مفهوم الإلحاد قديمًا، ثم اكتشف الإنسان أن الحواس البشرية تعجز عن إدراك أمور كثيرة، وليس معنى هذا أن هذه الأمور غير موجودة، فالعين البشرية تقف عاجزة أمام رؤية الكائنات الدقيقة مثل البكتريا أو الأميبا، بينما تنجح في هذا بواسطة الميكروسكوب، وأيضًا تقف عاجزة أمام إدراك ما يدور حولنا من أجرام سماوية بعيدة جدًا، بينما تنجح في هذا بواسطة التلسكوب، وبينما طائر الكناري يرى جميع الألوان فإن العين البشرية تعجز عن هذا، وبينما للصقر قدرة على رؤية أرنب بين الحشائش، وهو يُحلق على ارتفاع نحو ثلاثة كيلومترات، لأنه يُكبّر الصورة ثمانِ مرات، فإن الإنسان يعجز عن هذا، والأذن البشرية تعجز عن التقاط الأصوات التي تلتقطها أذن بعض الحيوانات مثل الكلاب والغزلان، التي تلتقط أصوات الزلزال قبل حدوثه بنحو عشرين دقيقة. بل إن الحواس البشرية قد تخدعنا، فالإنسان التائه في الصحراء ملتمسًا النجاة يرى السراب، والسراب ليس حقيقة، والملعقة في كوب الماء نجدها مكسورة وكذلك المجداف في المياه، وهما ليس كذلك( ).
أنواع الإلحاد:
بسبب ضعف الحجة التي اعتمد عليها الإلحاد قديمًا، وهي عدم إدراك الله بالحواس البشرية، وبعد أن بات العلم الحديث يثبت وجود الله بقوة، وقد تجلَّت القدرة الإلهيَّة في الخلية الحيَّة التي لا تُرى بالعين المجردة، وكذلك بعد التعمق في الفلسفة، حتى أن "فرانسيس بيكون" (1561 – 1626م) قال: "إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد، ولكن التعمق فيها ينتهي بالعقول إلى الإيمان".
ولهذا ظهر "الإلحاد المعاصر" الذي يتجاهل تمامًا وجود الله( ).
اللا دينية secularity
هي اتجاه فكري يرفض مرجعية الدين في حياة الإنسان، ويؤمن بحق الإنسان في رسم حاضره ومستقبله واختيار مصيره بنفسه دون وصاية دين أو الالتزام بشريعة دينية، وترى أن النص الديني هو مجرد نص بشري محض لا ينطوي على قداسة خاصة ولا يعبر عن الحقيقة المطلقة.
الاعتقاد ببشرية الأديان، بغض النظر عن الاعتقاد بفكرة وجود إله أو آلهة أو عدم الاعتقاد بذلك.
استنادا إلى كتاب ثقافة اللا دينية للمؤلفين كابورالي Rocco Caporale وجروميلي Antonio Grumelli التي طبعت في عام 1971، فإن اللا ديني هو شخص لا يملك إيمانا بوجود الخالق الأعظم، وفي نفس الوقت لا يملك قناعة بعدم وجود الخالق الأعظم، بمعنى آخر أنها مرحلة وسطية بين الإيمان والإلحاد، وهناك البعض ممن يُعرّف اللا دينية كإلحاد ضعيف.
واللا دينية ضمن هذا الفهم تختلف عن المفهوم التقليدي للإلحاد الذي يتخذ من قضية إنكار وجود الخالق منطلقا وركيزة أساسية، إذ تُقدم اللا دينية تصورًا أكثر شمولًا واتساعًا للدين، فلا تختزل الدين بمجرد إلهية وإنما تطرح الإلهية باعتبارها جزءًا صغيرا من منظومة فكرية واسعة، ومن هذا المنطلق فإن كل ملحد هو لا ديني ولكن اللا ديني ليس ملحدا بالضرورة، بل تحمل اللا دينية أطيافا متعددة لفهم الإلهية من الإنكار الكامل لها مرورا باللا أدرية أو عدم الاكتراث أصلًا بوجود إله، وانتهاء بإيمان خاص بوجود إله وفق فهم محدود لعلاقته بالإنسان.
باختصار فإنَّ أفكار اللا ديني تنحصر في:
أ – انعدام الإيمان بالأديان، إما لعدم توفر المعلومات، وإما أن يكون بصورة متعمدة.
ب- عدم احترام فكرة اتخاذ الدين كفكرة مركزية لتنظيم حياة الإنسان.
ج- اختيار طريقة وأسلوب في الحياة لا تتماشى مع الدين.
وببساطة شديدة أنّ الإنسان اللا ديني ينكر الأديان جميعها، ويرى أنها لا تصل بالإنسان لله، ويسير حسب هواه لا يتقيد بمبادئ الدين.
اللا أدرية Agnosticsim
توجه فلسفي يقول أن القيمة الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة ولا يمكن لأحد تحديدها، إن قضايا وجود الله أو الذات الإلهية بالنسبة لهم موضوع غامض كلية ولا يمكن تحديده في الحياة الطبيعية للإنسان، أي أن اللا أدري لا ينفي ولا يؤكد وجود الله.
بين الإيمان والإلحاد تقف "اللا أدرية"، ولسان حال الإنسان اللا أدري: لا أدري.. هل الله موجود..؟ هل الله غير موجود..؟ لا أدري ولا أعرف، هل هناك عالم آخر..؟ هل هناك أرواح..؟ هل هناك ثواب وعقاب..؟ لا أدري، فكل معرفة هي معرفة نسبية وليست أكيدة، ولا يمكن الجزم بأمر ما، فما أراه أنا صائبًا يراه غيري خاطئًا، والعكس قد يحدث، بل إنّ حكم الإنسان في أمر ما قد يختلف من وقت لآخر، ومن ظروف لأخرى، ولذلك، فالأفضل أن أقول أنني لا أدري، والإنسان اللا أدري مثل إنسان أعمى تائه لا يدرك طريقه، وكريشة في مهب الرياح تحملها كيفما تشاء، والفكر اللا أدري لا يشبع الإنسان، بل يجرده من شخصيته ويتركه في متاهة، ولن يعفيه من مواجهة المصير المحتوم عندما يقف الإنسان ليعطي حسابًا أمام منبر الديان العادل.
* * *