MazagElkotob

Share to Social Media

اليقين
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)

إنّ من أعظم مفاتيح الدعاء وأقربها للاستجابة هو اليقين، فما من عبد دعا الله بيقين إلا استجاب له. فمتى تأمّلت قول الله -تعالى-: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين" ستجد أنّ الله أمر بالدعاء في قوله: "ادعوني" وأجزم بالإجابة في جواب الشرط "استجب"، فماذا بعد وعد الله حتى تطمئن!
يا رفيقي أودُّ منك أن تتدبّر هذه الآية وتتأمل أكثر وأكثر حتى تصل معي إلى الإجابة عن سؤالٍ سائل: هل تحدَّث الله عن اليقين في الدعاء، وما علاقة اليقين بالدعاء؟
الإجابة: مَن تأمَّل في هذه الآية وجد الله أمر بالدعاء في قوله " ادعوني " وجعل الدعاء عبادة في قوله "إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي " ثم جعل أسمى منازل العبادة (اليقين) حينما قال بسورة الحجر: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين". وكأن الله يقول لك إن مفتاح الاستجابة لأمنياتك المُعلّقة حسن يقينك وتصديقك لوعدي. فمتى آمنت وأيقنت بوعده، نِلت الاستجابة يا صديقي مهما طالت مدة الانتظار.
نتعجّب كثيرًا لشخصٍ يقول: ما دعوتُ الله بدعوة إلا اُستجيبت.
وشخص آخر يقول: أدعو الله كثيرًا ولا يستجيب.
أتعلم ما الفرق بين الحالتين؟
الحالة الأول: يستعين هذا الرجل بمفاتيح الدعاء حتى يفتح الله له أبواب الاستجابة وعلى رأس تلك المفاتيح اليقين، أما الشخص الثاني فيدعو الله وفي قلبه شيء من الشك أنّ الله يستجيب له، فلا يستجيب له.
أعلم أنك تتساءل الآن، كيف أدعو الله بيقين، ومن أين آتي به؟
يا صديقي، إنّ اليقين شعورٌ قلبي يسكن القلب ويسير بالجوارح حينما تعبد الله بصدق وتؤمن به بحقٍ وتصدق وعده، فاليقين ليس بمنّة يمنُّ الله به على من أراد وينزعه عمن أراد! بل هو فعلٌ قلبي نابع عن حبٍّ صادق وحسن عبادة، فإذا أحببت الله بصدقٍ أحسنت عبادته، وإذا أحسنت عبادته أيقنت به.
هيا بنا نُسافر سويًا في رحلة قصيرة نتأمل فيها قصصًا وتجارب واقعية لأناس مع الدعاء:
قصص وردت في الدعاء باليقين:
"سُئل الحسن البصري -عليه رحمة الله-: ما زهدك في الدنيا يا إمام؟
قال: أربعة أشياء؛ علمتُ أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمتُ أن عملي لا يقوم به غيري فانشغلتُ به وحدي، وعلمتُ أن الله مطّلعٌ عليّ فاستحييتُ أن يراني عاصيًا، وعلمتُ أن الموت ينتظرني فأعددتُ الزاد للقاء ربي." فمعنى علمتُ أي أيقنتُ من اليقين، فهكذا يفعل اليقين بأهله..

تأمّل معي موقف أم موسى لمّا أوحى الله إليها أن تُلقى ولدها في الماء ما ترددت ولا تقاعست بل نفّذت أمر الله -سبحانه- لما سكن في قلبها من يقينٍ بوعد الله سبحانه حين قال لها: "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليكِ وجاعلوه من المرسلين".
ثم انظر إلى موقف سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب لمّا قدم سليمان بن عبد الملك مكة حاجًا، فبينما هو يطوف بالبيت إذ وجد سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- في ناحية من المسجد يقرأ القرآن، فلما انتهى الخليفة من طوافه اقترب منه وألقى عليه السلام فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أمير المؤمنين. فمال عليه الخليفة وقال له: يا أبا عمر سلني حاجة أقضيها لك، فسكت سالم حتى كررها الخليفة، فقال سالم: يا أمير المؤمنين أستحي أن أكون في بيت الله وأسأل غيره، فتركه الخليفة وانتظره حتى خرج من المسجد، فلما خرج من المسجد قال له: ها نحن قد خرجنا من بيت الله يا أبا عمر فسلني حاجة أقضيها لك. فقال: يا أمير المؤمنين مِن أمر الدنيا أم مِن أمر الآخرة؟
قال: بل مِن أمر الدنيا، فإن الآخرة لا يملكها إلا الله. فقال: يا أمير المؤمنين، أنا لم أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسأل الدنيا من لا يملكها؟ فقال الخليفة: زادنا الله بكم يقينًا آل الخطاب. ‎
وحينما حدّث رسول الله أصحابه عن الدعاء، قال لهم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة" ولم يكتفِ في نصحه لهم بالدعاء فقط لما من عظيم وأهمية اليقين في الدعاء.
يقول عمر بن الخطاب:
أنا لا أحمل هَم الإجابة ولكن أحمل هَم الدُعاء فإذا أُلهِمت الدعاء فإن الإجابة معه.
تقول سيدة:
ظلمتُ ظلمًا عظيمًا في أمرٍ ما، ومكثتُ أعوامًا أُعاني مِن هذا الظلم، وأجاهد بالدعاء حتى أتى يوم عرفة، دعوتُ الله بيقين في هذا اليوم حتى استجاب بعد تلك الدعوة بخمسة أو ستة أيام تقريبًا، وظهر الحق على مرأى ومسمع الجميع، فالحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
وتقول سيدة أخرى: في عام 2015 كان ابن خالتي مصابًا بالسرطان، فدعونا الله له بالشفاء أعوامًا حتى أقبَل علينا عام 2022 وهو معافى بفضلٍ من الله ومنة.
تقول فتاة: كان والدي مصابًا بقرحة قدم سكري، وظل الجرح مفتوحًا ثمانية أعوام ولم يلتئم، فدعوتُ الله أن يشفيه بكل أملٍ ويقين في الله، فالتأم جرحه وتم شفاؤه، فسررتُ بشدة حيث كان هذا الأمر كل ما أتمنى حينها.

وتقول فتاة أخرى: تزوجت أختي منذ ثمانية أعوام ولم تُنجب طيلة هذه المدة. فدعوتُ الله كثيرًا (بيقين) حتى استجاب الله لي وأنجبت الآن طفلين.

وتقول أُخرى: دعوتُ الله أن يرزقني الزواج حتى بلغتُ من العمر واحدًا وأربعين عامًا، يئس الجميع من أمر زواجي إلا أنا كنتُ أشعر أنه سيستجيب حتى استجاب ورزقني الآن بزوجٍ صالحٍ خير الرجال.

وأقول أنا: التحقت بكلية اللغات والترجمة ودعوت الله من أول عام بها أن أحصل على تقدير امتياز بترتيب الأول على الدفعة، ولكن لم أدعُ الله بصدق ويقين خلال الثلاثة أعوام الأولى، فمضت ثلاثة أعوام من الدراسة دون تحقق تلك الدعوة، وفي العام الرابع دعوت الله بصدق ويقين في الإجابة وها أنا الآن حصلتُ على درجة الامتياز بترتيب الأول على الدفعة وفي انتظار استلام جواب تعييني بالجامعة، مما زادني هذا الأمر يقينًا بالله في كل دعوة.

وفي الختام أقول: هيّا بنا يا رفيقي ندعو الله هذه المرّة بقلوب يسكنها اليقين وتتغمدها السكينة، فالحمد لله على نعمة الدعاء وكفى بالدعاء نعمة.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.