قال لي تيتو: ألم تخجلي من نفسك حينما تكون لك إبنه وتقرأ التفاهات التي تكتبينها؟
قلت له ( بابتسامة ): سأخجل من نفسي فعلاً لو فشلت في تربية إبنتي ومنعتها من ممارسة عادة سيئة كالقراءة.
تيتو ( بإبتسامة هادئة ): جرت العادة أن يلجأ من أدركتهم حرفة الأدب في أعمالهم إلى كبار النقاد والكُتّاب ليقدموا أعمالهم إلى القراء ويزكوها لهم بأن يكتبوا عنها دراسة تبين مواطن الجمال فيها وتصف مدى إنبهارهم وإستمتاعهم بما قرأوه، آملين في أن يشاركهم القارئ بهذا الإنبهار وذاك الإستمتاع.
أنا: أنني فكرت في ذلك فعلاً وكان لدي أكثر من إسم أدخره لمثل هذا الغرض، لكني إكتشفت أنه لن يستطيع أحد أن يجاملني مثلي، ولن يستطيع أحد أن يصف للقارئ مدى إنبهاره وإستمتاعه بما كتبته سواي، وأنا أقدر من غيري على عمل دراسة تبين مواطن الجمال بل ومواطن القبح فيما أكتب.
تيتو ( ممازحاً ): إذاً إلى أي قارئ تتوجهين؟
قلت: إلى أي قارئ يستطيع دفع ثمن هذا الكتاب بدلاً من أن يشتري به شيئا ينفعه أكثر، أو ربما لأنه لن يستطيع بثمن هذا الكتاب شراء شيء ينفعه أكثر، فلن يستطيع بثمنه سوى أن يشتري ساندويتش شاويرما ونصف كومبو ولن يشبع من ذلك، لن يستطيع قطع تذكرة سينما في دار عرض محترمة، أو الجلوس في كوفي شوب هاي كلاس، لن يستطيع مثلاً أن يشتري كتاب لـــ طه حسين أو ديوان لـــ عمرو حسن أو رواية لـــ نجيب محفوظ، ولن يستطيع شراء تيشيرت شيك إلا من وكالة البلح، بالتالي فــشراء هذه الرواية أجدى وأهدى سبيلا، على الأقل إسمه إشترى شيئا يورثه لأولاده لكي يقولوا يوما: أبونا كان مثقف وكان عنده دولاب مليان كتب.
تيتو ( بجدية ): سيبك من الهزار وقولي لي لأي قارئ تحلمي أن يصل ما تكتبينه؟
قلت له: أنا على عكس كثير من الكُتّاب أعرف قارئي جيداً، لأن القارئ الذي أتوجه إليه قارئ شبهي، يحب اللك ويعشق الإستطراد، ليس لديه ما يخسره وليس عنده ما يكسبه، متناقض متناقض، لا يغسل يديه قبل الأكل بل بعده فقط، يؤجل الذهاب إلى الطبيب إلا عند فوات الأوان، يحب تقليب المواجع على نفسه ويموت في السخرية من نفسه الأمارة بالحزن، لا يحب قراءة الدراسات النقدية ولا الأعمال الأولى للكُتّاب، ويفضل مشاهدة فيلم جيد على قراءة كتاب غير مضمون المستوى، قارئ يحب الكُتّاب الذين يضعون في كتابهم صفحات كثيرة تعرفهم بالكاتب وتستعرض إنجازاته ومناصبه وإسهاماته في الحياة.
تيتو: إذاً لماذا تكتبين؟
قلت: لأن أهلي فشلوا في تعليمي صنعة أخرى تمنحني دخلاً أكبر، ولأن مجموعي لم يؤهلني لدراسة هندسة البترول.
قال لي: هذه إجابة عبثية لا تتصورين أنها مضحكة
قلت له: وهكذا هي الحياة أيضاً فلماذا أنت زعلان؟!
هل تريدني أن أقول لك إنني أكتب لأن الكتابة هي البديل عن الجنون، ولأن الكتابة هي السبيل الوحيد للإستمرار في الحياة، ولأن الكتابة تصيب المرء بالسعادة، ولأن الكتابة هي التي تغير الحياة، وما إلى ذلك من الكلام الكبير الذي يقوله الكُتّاب عن كتاباتهم؟!
من الممكن أن أريحك، لكني لا أحب أن أغشك، ولهذا قلت لك الحقيقة، فأنت تعرف أن أغلب الكُتّاب غير أسوياء عقلياً ونفسياً، أي أن الكتابة ليست بديلا عن الجنون بقدر ما هي سبيل إلى الجنون، وأنت تعرف أن الكاتب لا يموت عندما يتوقف عن الكتابة بل يموت عندما تخبطه عربية أو تقع به بلكونة أو يأكل أكل السوق، يعني بإختصار عندما يجي أجله، وأنت تعرف أن الكاتب الحقيقي يحزق في الكتابة حزقاً لا تقوم به سيدة تعسرت ولادتها، وأن عملية الكتابة مؤلمة وليس بها أي قدر من السعادة ولا يمكن أن يكون هناك من يكتب وهو سعيد بأنه يكتب إلا إذا كان كاتباً تافهاً لا قيمة لما يكتبه، وأنت تعرف أن الكتابة لا تغير الحياة لأن الكتابة شغالة على ودنه من يوم بدء الحياة والحياة لا تتغير إلا إلى الأسوأ، إذاً عليك أن تحترم شجاعتي حتى لو لم تعجبك...
عدوي القارئ... أخاطبك هكذا بصراحة لأنني لا أحتاج لنفاقك كما يفعل الكُتّاب الذين يخاطبونك كذباً وزوراً بقولهم: "عزيزي القارئ"، ولست أصفك بالعدو لأني حمقاء أو غاوية جر شكل بل لأنني أجد هذا التوصيف المنطقي والسليم الذي تفرضه العلاقة بين الكاتب والقارئ، فلو كان القارئ عزيزاً لما تشوق الكاتب لمعرفة رد فعله على ما يكتب، وما عاش كل هذا الخوف والقلق وهو ينتظر ردود الأفعال على عمله، هذا الخوف وذاك القلق والترقب لا يصدرون عن الإنسان الطبيعي إلا وهو يتأهب لمواجهة عدو يخافه ويرهبه ويتأهب للقائه.
سيقول لي قائل: لكن الإنسان يشعر بهذه المشاعر وهو يتأهب للقاء محبوبه، وسيظن أنه غلبني بهذه الحجة التي تبدو منطقية، لكن ردي بسيط: ومن قال لك إن المحبوب ليس هو الآخر عدوّاً، ألا يأكل الروح ويحتل الوجدان ويشغل البال ويلخبط الحياة ويجيب عالي النفس واطيها، وهل يفعل العدو ما هو أكثر من ذلك؟!
أرجع مرجوعي لأقول لك إنني آسفة على كل الكلام الذي قلته آنفاً، عزيزي وحبيبي القارئ، فأنا متشوقة لمعرفة رأيك فيما كتبته، وأتمنى أن يكون قد أعجبك، وأن أكون قد رسمت شيئاً ما على أي حتة لديك، فكما تعلم ليس لي بركة إلا أنت.
تستطيع أن تعتبر كل الكلام السابق الذي يفتقر إلى الذوق واللياقة مجرد تخريفة أنت أوسع من أن تكون ضيقاً وتقف عندها طويلا.
ولكي نكون واضحين معاً منذ البداية، أؤكد لك عزيزي وحبيب قلبي القارئ أنني لا أضمن لك شيئا إذا قرأت هذه الرواية، كان بودّي أن أقول لك إن هذه الرواية ستصيبك بالسعادة أو بالنشوة أو بالبهجة، فما يدريني أنك كئيب المزاج أو سوداوي المشاعر أو سيكوباتي النزعة، فما سينتج عن قراءتك لهذه الرواية يتوقف عليك أولا، هل أنت ابن حلال وعايز تنبسط، هل أنت ابن حلال برضو وعايز تطلع القطط الفاطسة فيما تقرأهٌ لكي تشعر أنك أفضل من الكاتبة وأن الشيء الوحيد الذي ينقصك لكي تكون كاتباً هو أن تكون فاضياً زي الكاتبة التي خدمتها الظروف ووجدت وقتاً للكتابة.
وخلينا من البداية نكون متفقين ، أنا بقولك اهو: أنا لا أضمن لك شيئا حينما تشتري هذه الرواية، فلو أصابتك بخيبة الأمل فإنك ستقوم بمراجعة نفسك وإعادة قراءتها مرة أخرى لكي تجد فيها ما يعجبك ويُحلّل ثمنها، فأنا وأنت نعلم أن الإنسان حيوان تبريري بطبعه، وهو يبرر لنفسه دائماً وقوعه في مطب قراءة الأعمال الرديئة ومشاهدة الأفلام البشعة بأنه لابد من خوض مثل هذه التجارب لكي يكون الإنسان مُطّلِعاً على كل شيء حوله، وإذا كنت عزيزي القارئ من هذا النوع الذي يشبهني فقد أرحت ضميري، بل إنك أثلجت صدري كمان لأنني أصبحت متأكدة أنك ستشتري روايتي التالية أيا كان رأيك في هذه ، فأنت ممن يطلق عليه الكُتّاب والناشرون عادةً لفظ "زبون" فأهلاً بك وسهلاً.
أما إذا كنت قد وصلت إلى رأي قاطع وحاسم بأنني كاتبة حقيرة لا تستحق أن تقرأ لها عملا آخر فدعني أقول لك الآن وقبل أن يتم نشر روايتي التالية لأنني لم أكتبها بعد: إنك أضعت فرصة طيبة على نفسك بسبب قرارك العنيد، لأنني متأكدة تمام التأكد أن روايتي التالية ستكون أفضل من هذه، لا تسألني لماذا أنا متأكدة، فالأمر يطول شرحه، أو بمعنى أصح لا يمكن شرحه، عليك أن تقبله أو ترفضه، إذا قبلته فأنت الكسبان، وإذا رفضته فالحق مش عليك، الحق طبعاً عليا إني عملت عقلي بعقلك وكتبت لك رواية زي دي، وها أنت طلعت من اللي ما بيطمرش فيهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.