وذات يوم جاء إلى بوابة رُسوم نهر كوينبو بعضالرجال، ودقُّوا أوتادًا، وحفروا حفرًا،
وشيدوا سدٍّا عظيمًا على النهر على مسافة نصف ميل. ثم شيَّدوا مبنًى أكبر من أي شيء
قد رآه سبيلر الصغير، ووضعوا داخله آلاتٍ عجيبةً، وأقاموا عجلةً ضخمة خارج البناء.
بدا سبيلر الصغير مشدوهًا وهو يشاهدهم يوميٍّا، وجعل الرجال يعاملونه باحترامٍ كبير؛
لأنه في وقتٍ حرجٍ وهم يشيدون العجلة بدا كأن خطأً قد حدث، فسمعوا صوتًا صغيرًا
ففعلوا ذلك، واستقرت العجلة في مكانها على «. أَرْخوا الحبال سريعًا » : يصيح فيهم آمرًا
نحوٍ صحيح. تساءل الرجال كيف استطاع ولد صغير يقف بعيدًا على صخرة أن يصيح
«. مِنَ المؤكد أنه يمتلك الفطنة » : بهذه اللهجة الآمرة التي جعلتهم يثقون به؟! لكنهم قالوا عندما بدأت العجلة الكبيرة تدور وبدأت الآلات في المصنع تصدر هديرًا مخيفًا كان حماس وبهجة سبيلر الصغير أكبر من أن يسعهما جسمه الصغير. قضىساعات كثيرة في المصنع يراقب الآلات وهي تنسج خيوط الصوف محولةً إياها إلى قماش.
وبعد فترة لاحظ سكويدز أن سبيلر الصغيرصامت، ويحلم وهو شارد الذهن، فأصبح
وحث الولد على ،« ضجيج المصنع المقيت هو ما يشوشرأسالصغير » منزعجًا. واستنتج أن
تقليل زياراته إلى هناك، لكن سبيلر الصغير كان يذهب إلى هناك كعادته. وفي النهاية رأى
سكويدز الولد يشغل نفسه نهارًا وليلًا بالمطواة وغيرها من الأدوات الموجودة، وكان مسرورًا
بعمل الصبي رغم أنه لم يفهم ماهية الشيء الغريب الذي كان يشيده سبيلر الصغير. بدا
الولد منهمكًا في عمله، وكان عندما يتناول الطعام تكون عيناه الكبيرتان الحالمتان مثبتتَين
على طبقِهِ فيشرود، لكنه كان ينام نومًا عميقًا، ولم يكن سكويدز منزعجًا كثيرًا.
وعندما رأى سبيلر الصغيرَ يقطع قطع «. إنه يخطط لأمرٍ ما في داخله » : فكَّر سكويدز
الخشب ويشكِّلها ويبْرُدها بطاقةٍ وحماسٍ شديدين، أصبح متأكدًا من نجاح الشيء الذي
يصنعه أيٍّا كان.
ها هو قد » : وذات يوم قال سبيلر الصغير وهو يضع يده على الشيء الذي صنعه
«. اكتمل، وهو على ما يُرام. إنه أفضل مما لديهم في المصنع، بيد أنه خشب فحسب
«؟ ما هذا يا سبيلر الصغير » : سأله سكويدز
«. إنه آلة نسيج »
أنت صنعتَها. جزء منك في هذا الشيء يا سبيلر الصغير، إنها جديرة بالثناء أكثر من »
«. لوحة الرُّسوم أو البوابة
انظر، » : ثم ذهب سكويدز في فرح وأحضر مشرف المصنع. وعندما جاء الرجل قال
«. هذه صُنع سبيلر الصغير. جزء منه فيها، إنها جديرة بالثناء
نظر المشرف ببعضالاهتمام إلى النموذج رغبةً في إرضاء الصبي وسكويدز أكثر من
«. أرِه كيف يعمل » : أي سبب آخر. وقال سكويدز
ففعل سبيلر الصغير ذلك. كان النموذج بدائيٍّا وسيئ التصميم، لكن ما لبث الولد
أن شرح طريقة عمله حتى أصبح المشرف مهتمٍّا، ولمسه بنفسه وعدَّله، وظهر الكثير من
هذا سيُحدِث ثورةً في مصانع » : قطرات العرق على جبينه؛ من فرط اهتمامه. وقال في النهاية
الصوف. هذا الشيء مصمَّم بطريقةٍ خاطئة، لكن الفكرة موجودة. من أين حصلت على
«؟ الفكرة يا سكويدز
أنا! أنا! ليس أنا. إنه من صنع سبيلر الصغير. لقد عكف » : فقال سكويدز متعجبًا
«؟ على تصميمه منذ بناء المصنع. أليس جديرًا بالثناء
«؟ ماذا تريد مقابل ذلك » : وسأله «! الثناء » : فابتسم المشرف قائلًا
«. أريد أن أرى آلة مثلها وهي تُصَنَّع ويجري تشغيلها في المصنع » : قال سبيلر الصغير
«؟ هل ستدعُني أصنعها »
«. آه، ليتك تصنعها » : فقال سبيلر الصغير متوسلًا
«. اكتب ذلك، وأعِدُك بتجهيز هذا المصنع بها، بل آلاف المصانع الأخرى »
بدا سكويدز وسبيلر الصغير مندهشَين من هذا المجد غير المتوقع.
سيضع ما صنعته في مئات من المصانع » : قال سكويدز وهو ينظر للولد نظرة إكبار
«. يا سبيلر الصغير
وحدث ما قاله المشرف؛ فقد أخذ فكرة سبيلر الصغير وتعامل معها على النحو
الصحيح، وصنع الآلات، وحصل على براءات الاختراع؛ ومن ثم أحدث ثورة في مصانع
الصوف التي بدأت تظهر في ذلك الوقت في جميع أنحاءشرق نيو إنجلاند، ونظرًا لأنه كان
قد اكتشف كذلك منجم ذهب على ضفاف نهر كوينبو فقد أصاب ثراءً واسعًا.
ولكن سكويدز وسبيلر الصغير كانا قانعَين؛ فكانا يصعدان إلى المصنع ويشاهدان
الآلة الجديدة وهي تنسج أمتارًا كثيرة من القماش، وكانت البهجة تغمر سبيلر الصغير
هذا أنت يا سبيلر الصغير. هذا من صنعك. إنها ليست » : ويشعر سكويدز بالانبهار ويقول
«. الآلة؛ إنها خشب وحديد فحسب
بعد فترة بدأ ذهن سبيلر الصغير يشرد من جديد، وقضى ساعات كثيرة في مراقبة
لكنه «. إنه يفكِّر في صنعشيءٍ آخر » : نقل الطاقة من ساقية الماء إلى الآلات، فقال سكويدز
التزم الصمت.
وذات يوم سمع سكويدز شخصًا آتيًا على الطريق؛ فذهب وفتح البوابة، فوجد أربعة
رجال أو خمسة يحملون شيئًا ما برفق ووجوههم يعلوها حزنٌ شديد. لم يحاولوا عبور
البوابة، بل دخلوا منزل سكويدز الصغير ووضعوا الحمل على السرير. ثم رأى سكويدز
وجه سبيلر الصغير الشاحب، وخطٍّا أحمر صغيرًا يشق طريقه بقوة على خده الأبيض
قادمًا من جبهته، ووجد عينَيه مغمضتَين، ويديه متدليتين في ارتخاء. وقف سكويدز بلا
حراك، ثم التفت إلى الرجال وقال بصوتٍ هادئ رابط الجأش مُخفيًا عينيه:
«؟ هل كان يُعدِّلها »
كان يُعدِّلها ونسيَ نفسه واقترب أكثر من اللازم من أعمدة الدوران » : فقال أحدهم
«… وهي
هكذا تحدث سكويدز بطريقة ميكانيكية ودون أن تبدو «. نعم، نعم. كان يعدلها »
أي علامة على الفهم في عينيه، ثم اتجه فجأةً نحو السرير بقوة. لقد فتح سبيلر الصغير
عينيه، ورأى سكويدز وعَرَفه.
«. ثيد » : وقال
مال عليه سكويدز لكنه لم يستطع أن يتكلم.
«. ثيد، لن أعدِّلها أبدًا » : همس قائلًا
حول عينيه في اشتياق إلى النموذج القديم الموجود في الغرفة، ثم نظر إلى سكويدز
متوسلًا؛ ففهم حارس البوابة رغباته، وقرَّب النموذج القديم إلى السرير، ثم وضع سبيلر
الصغير يده عليه، ومدَّ يده الأخرى حتى استقرت راحتها برفق على وجه سكويدز، ونظر
لأعلى نظرة سلامٍ مع ابتسامةٍ خافتةٍ خاطفة، ثم انطفأ البريق في عينيه إلى الأبد.
رأى الرجال ما حدث وغادروا بهدوء تاركين سكويدز بمفرده مع سبيلر الصغير.
وفيما بعد، كان سكويدز يجلس بجوار النموذج القديم، يتحدث إليه برفق، ويشغل
سبيلر الصغير هناك. إنه في مئات من المصانع، يمكنكم » : أجزاءه الميكانيكية في حب ويقول
«. أن تسمعوه، لكنني عندما أنظر إلى هذا النموذج أستطيع أن أراه أيضًا