MariamAhmedBekhit

Share to Social Media

(٢)
الأسوأ من أن تعيش وأنت تتمنى الموت هو أن تعيش وأنت تقنع ذاتك أن التفكير في الموت من المحرمات! فتظل تذكر نفسك في كل ليلة أن الليلة هي الأخيرة ومن المرجح أن تموت غدًا، أو تقنع نفسك بأنك ستتوب عن تفكيرك في الغد ويأتي الغد وتُعاد الكَرة!
كأن ترغب في الموت وعندما يحضرك تنازع لأجل العيش، تحاول مئات المرات أن تخرج على وجه الماء ولكن قوة تدفع جسدك لأسفل وكأن الجاذبية أسفل الماء أضعاف تلك التي على اليابسة.. آخر ما تتذكره هو زلة قدمها عن لوح التزلج وسقوطها، تماسك جزيئات الماء كان ضعيفًا جدًا لذلك لم يمر الأمر بالنسبة لها سوى لثوانٍ معدودة كانت وصلت فيها للقاع، كلما حاولت فتح عينيها انجذبت نحو تلك البقعة الصفراء حتى فقدت وعيها لتجد صوتًا يتردد في ذهنها:
" قد أكون غامرت كثيرًا في أشياء ليست من حقي؛ لكنني أحسدكم جميعًا، أحسد كل من يشعر بسلام نفسي وأنا بداخلي براكين مضطربة.. أنا كنت أعمل لأنني لم أجد من يجاورني على الرغم من كثرة معارفي! حتى صاحبي لا زال يحكم علي طبقًا لما شاهده مني في اليوم الأول.
حين تُقرأ تلك الرسالة سأكون أنا في حجرتي الأبدية المظلمة، لا تتركونني وحدي كثيرًا قد أشعر بالخوف من الظلام، لم تكن حياتي كلها خير، بالطبع لدي الكثير من الأخطاء أستغفر الله عليها كل يوم، أكتُبها لأهلي، لإخوتي، لأصدقائي الذين لم ألتقِ بهم بعد، لمن سيعرفني بعد ذلك، أكتُبها للشخصية التي أحببتُها من كل قلبي وغادرت دون كلمة وداع واحدة، إلى عائلتي أرجوكم لا تبكون، سوف نلتقي قريبًا أو آتي أنا إلى أحلامكم، عليكم أن تنتظروني دائمًا. "
لم تكُن البقعة الصفراء في مخيلتها هي آثار انعكاس الشمس على القاع، كان الأمر أكبر من ذلك.
******
في المكتبة
كانت جالسة وأمامها الكتاب تنظر له بينما ألم رأسها هذه المرة كان يتضاعف.. يظهر الكتاب وكأن صفحاته تشع بأنوار بيضاء، كيف يمكنها أن تقرأ ذلك الكتاب الفارغ إلا من بضعة سطور لا توضح أي شيء؟
– في المدخل ابحث عن سبب وجودك.
ضحكت بسخرية وهي تتطلع للجملة، أي هراء هذا! كيف تعلم سبب وجودها بينما هي لا تعلم أين هي من الأساس؟ هزت رأسها بيأس ثم قررت النهوض لتبحث بنفسها في هذا المكان، كانت دومًا شخصيتها مغامرة تحب التطلع لكنها كبحتها بمجرد أن اندمجت في العمل فأغلقت بوابة الرفاهية.
سمعت صوت أقدام خلفها فوجدت شاب معه مجموعة كتب يجلس على الطاولة المقابلة لها ومن ثم بدأ يمر بعينيه على الصفحات ببطء شديد، بعد مدة طويلة لم تستطع إحصاءها كان قد أنهى صفحة من الكتاب بينما هي حتى الآن تشاهد الأوراق الفارغة! اتجهت نحوه ووقفت خلفه فوجدت الصفحات أيضًا بيضاء، صرخت بغضب وهي تمسك الكتاب من بين يديه:
- كيف تقرأ كتابًا فارغًا؟ كتابي لم يهدِني سوى جملة واحدة!!
رفع الشاب يده ما بين عينيه وكأنه يرفع نظارته بينما هي تستعجب فعلته، هل الجميع هنا من المجاذيب أم أن هناك ما لا تراه؟.. التفت نحوها ثم أمسك بالكتاب من بين يديها وهو يقول:
- ألا تستطيعين القراءة؟
هزت رأسها نفيًا بينما تمسك بكتاب المدخل في يدها وتفتحه له، انطفأ العداد ثم بدأ مرة أخرى من الصفر فقال الشاب وهو يأخذ الكتاب من يدها:
- لماذا تضيعين وقتك هنا؟ ينبغي عليك استكشاف المكان أولًا.. البقاع والأشخاص وكل شيء! لا يستطيع المرء القراءة بمجرد وصوله إلى هنا.. وكيف للعجوز أن يعطيك هذا الكتاب الثمين في ليلتك الأولى؟
- ليست ليلتي الأولى.
نهض ثم أشار لها أن تتبعه ودلف بها للقسم التاريخي من المكان، الكتب مزينة ورقم ثلاثين يزخرف الحائط، لم تجد أشخاصًا غيرهم في المكان على الرغم من وجود كتب عديدة على الطاولات، خرج بعدها من المكان بعد أن أعطاها الكتاب في يدها مرة أخرى وهو يقول:
- الطريق من هذه البوابة والعودة من ذاتها، لا تضلي طريقك.
- هلا ساعدتني! لا أعرف أين أنا حقًا.
نظر الشاب ليأسها ثم قرر إعطائها مجموعة أوراق كان يضعها في جيبه وهو يقول:
- لا تضلي الطريق، هذا سيفيدك.. فقط ابحثي عن الأعوان.. وحدهم يستطيعون مساعدتك.
اختفى من جانبها فجأة بينما هي التفتت تبحث عنه، خرجت من البوابة فوجدت نفسها على وشك السقوط في الماء فعادت أدراجها مسرعة، وهي تستعجب كيف أصبح المكان محاط بالماء وقد دلفت بينما هو في صحراء! أغلقت الباب وهي تنظر لغلاف الكتاب الذي بدأ يظهر عليه آثار كلمات خفيف، فتحت تلك الأوراق التي أعطاها لها فوجدت بها رسمة لها أثناء الغرق وكل ما رددته في وقتها.. كانت تشعر بالموت من حولها، رفعت رأسها تنظر للجدران التي تشبه المعابد القديمة بينما تردد في داخلها:
- أيعقل أنني ميتة الآن؟
اتجهت نحو الداخل من نفس الطريق الذي سلكته مع ذلك الشاب وقد قررت استكشاف المكان بمفردها، وجدت العجوز واقفًا في المنتصف ثم هتف بها وهو يمسك بالكتاب:
- لا يجب أن تغادري الحجرة التي تجلسين بها كما شئتِ! إما أن تجلسي أو تخرجي من هذا المكان!
أشارت نحو طاولة الشاب والذي فوقها مجموعة كتب ثم قالت:
- لقد اصطحبن الشاب الذي كان يجلس هنا.
- غير مسموح بدلوف أكثر من شخص إلى هذه المكتبة فكيف اصطحبكِ شاب؟
هل ترى هلاوس مرة أخرى؟ هزت رأسها نفيًا ثم تجاهلت العجوز وانتقلت في أرجاء المكتبة وكأنها تبحث عن شيء ما، ظلت تجوب الطرقات فوجدت طرقة للكتب الدينية وأخرى للتفكير وجدار كامل عن البقاع وأين نحن، وطرقة أخرى بها كتب للتسلية، لا يوجد ركن للتاريخ ولا كتب سياسية ولا للكتب الدينية كالقرآن أو غيره من الكتب السماوية.. فقط الأساسيات الدينية والمعتقدات.
وجدت ورقة معلقة على جدار في نهاية المكتبة مكتوب فوقها بخط عريض استطاعت قراءته
- كل تلك الكتب لا تفيد، العبرة بما ستفعله هنا.. إن تكتشف ذاتك الضائعة أو تضيع ذاتك القديمة عنوة لتجد غيرها! ولست وحدك من أتى بطريقة غريبة، الجميع يأتي إلى هُنا بحسب تفكيره ويخرج تاركًا شيئًا ثمينًا لم يستطع أن يدركه في عالمه الدنيوي فماذا ستترك أنت هذه المرة؟
وجدت أمامها بابًا خشبيًا مرسوم عليه طائرة، وسفينة، وبحر، ومجموعة أشخاص بجانب بعضهم البعض، وشخصًا بمفرده، قلب مفطور وأعين تزينها دموع، ظلت تتأمل الباب حتى وجدت حقيبة بجانبه فحملتها تتفحص محتوياتها.. قنينة بها مادة بيضاء ومجموعة أوراق وقلم مظهره غريب ولوحة بيضاء مرسوم عليها نقطة ويعلوها كلمة المكتبة، بديهيًا إنها خريطة.
- لماذا كل شيء هنا عجيب!
فتحت الباب فوجدت كل ما حولها ماء مرة أخرى باستثناء تلك ممر يكاد يظهر من الأمواج الخفيفة، طريقًا من الصخور ملمسه يشبه الرمال الناعمة في ليلة باردة على الشاطئ! تذكرت عندما كانت تسير برفقة أصدقائها على الشاطئ في الليل ويتسامرون بسعادة.. تُرى أين أصحابها الآن؟ قاطع تفكيرها صوت يقول بضيق وهو يمد يده لتركب في قاربه:
- أخيرًا وصلتِ!
******

قبل خروجها من المكتبة
صوت سريان المياه وارتطامها بأخشاب القارب مع النظر للنجوم اللامعة في السماء يريح القلب فتشعر بأنك تحادث النجوم خفية، وعلى عكس الراحة النفسية التي تصيب المرء.. في قارب صغير كان جالسًا يشاهد النجوم بأعين مليئة بالخوف محاولًا أن يصفي ذهنه عن صرخات الاستغاثة التي تخترقه في كل ليلة، نظر إلى السحب التي تكونت على شكل فتاة ثم تبعثرت وعادت السحب لوضعها العشوائي مرة أخرى.. نهض من مكانه فاختل توازنه وكاد أن يسقط في الماء لكنه تشبث على آخر لحظة وجلس في مكانه ثم تحرك بالقارب.
توجد فئة من الناس تعين الناس فقط لإيجاد طريقهم، حتى لو ضلوا الطريق يظل الأمر بالنسبة لهم كما هو، أن تهدي شخصًا إلى طريقه يعني أنك تكتسب حسنة، وفي كل مكان يذهب له الغرباء باستمرار يجب أن يكون هناك عائلة مالكة تشير له إلى العناوين الرئيسية ولحسن الحظ أو سوئِه بمجرد انتقاله أصبح مرشد يهدي الناس إلى الطريق الصحيح، يصل كل شخص بوجهته الصحيحة على الرغم من أنه دائمًا تائه ولم يصل إلى وجهته على الرغم من مرور ما يقرب من الخمسة عشرة عامًا!
- أخيرًا وجدتك يا سليم!
نظر إلى ذلك الشاب الذي ظهر فجأة في الماء ثم قال:
- ألم أخبرك ألا تكررها؟ لماذا أتيت؟
صعد الشاب إلى القارب ثم جلس أمامه وهو يزيح الماء عن شعره الحريري، أشار نحو كوخ في وسط الماء ثم قال:
- توجد فتاة جديدة بالمكتبة، رأيتها تفتح الباب الخلفي بينما أسبح.
نظر للسماء بعد أن أدرك أن سبب تجمعها على هيئة فتاة هو وجود غريبة جديدة في المكان، أغمض عينيه يتمتم في داخله "أتمنى أن تكون آخر غريبة"، هو يرغب في العودة إلى عائلته مرة أخرى، رائحة خبز والدته و..
قاطع تفكيره صوت الشاب الجالس أمامه يقول:
- ألن تذهب لتجدها؟ أراهن أن العجوز الآن مستشيطًا منها!
قفز الشاب في الماء مرة أخرى بينما هو بدأ التجديف متوجهًا بالقارب نحو المكتبة من الباب الخلفي ليبدأ مهمة جديدة، ظل واقفًا لفترة ينتظر خروجها حتى وجدها تسير على الطريق الصخري، يشعر بأنه قد رآها مسبقًا فنظر لها لثوانٍ ثم قال:
- أخيرًا وصلتِ!
- وصلت؟ أكنت تنتظرني؟ لماذا!
مد يده لها لتركب في القارب معه بينما هو يقول:
- أنا من الأعوان.. لم يخبرك أي شخص عن هوية المكان أليس كذلك؟
هزت رأسها نفيًا بينما هو أولاها ظهره وبدأ القيادة، يجوب طرقات جبلية في الماء فتشاهد النجوم ألمع في كل مرة، لم يسبق لها أن رأت مثل هذا المكان، طريق جبلي وصخور على الجانبين، القارب يحلق فوق الماء وكأنه بساط فلا تشعر بالتموجات ولا انقلبت معدتها بسبب كونهم في البحر.. لم يصِبها الدوار الذي واجهها في رحلتها.
- هذه هي (أرض الغول).. خير البقاع وأجملها هي هذه المنطقة قبل الدلوف إلى قطاع الشمس.
- لماذا لا تأتِ الشمس إلى هذا المكان؟
ضحك الشاب وهو يعطيها ثمرة كانت في حقيبته قائلًا:
- احتفظي بها.. لم يمر سوى بضع دقائق حتى الآن، لم تدركي هذا أليس كذلك؟
نظرت له باستنكار وهي تقول:
- ب.. بضع دقائق!!
وصل إلى البر وخرج من القارب، كان المكان أشبه بحديقة كبيرة يحفها الزهور على الجانبين، لافتة عريضة مكتوب فوقها "منطقة الأكواخ" وقد كانت ألوان الأكواخ تخطف أبصارها بحق، ما بين الزهري والوردي وكوخ أسود وآخر بلون الخشب! ظلت تتأمل المكان حتى وهي تخرج من القارب، سمعت صوت الشاب يقول:
- اسمي "سليم" وأنتِ؟
شعرت بأن هاتفها المعلق حول عنقها يجذب فوضعت يدها تتحسس موضعه لكنها لم تجده، فتحت الحقيبة وأخرجت القنينة منها ثم شربتها دفعة واحدة وهي تشعر بأن أنفاسها تُسحب وهي على وشك فقدان وعيها.
******
7 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.