عائد من الماضي
8:31
من نافذة زجاجية تري فتاة عشرينية بداعليها التوتر، غطي الشحوب ملامحها الجميلة عيناها زرقاء تخالج لون الموج المضطرب تدور بداخلهما كرتان صغيرتان تحدد بهما طريقها تعقص شعرها بعشوائية تنذر بعدم إكتراث للمظهر وربما تخوض أمرا افقدها بعض خصال النساء من حب الجمال والزينة حاملة بين يديها كوب زجاجي يحتوي علي مشروب ساخن تتصاعد ابخرته حتي شفتيها القرمزية، كم هي جذابة ورقيقة استوقفني المشهد للحظات أمعنت النظر فيها كانت تجلس قبالة شاب في مقهي "إيليت" تلك التحفة الفنية من أقدم مقاهي الإسكندرية عروس البحر المتوسط صمم علي الطراز اليوناني الساحرمحتفظا برونقه واختلافه كنقطة محورية في شارع صفية زغلول بالقرق من محطة الرمل، كان الشاب ثلاثيني وسيم يتبادلان أطراف الحديث بروية، ينظر في عينيها الهاربة تارة ويلقي بمقلتيه في الفناء الرحب من حوله تاره أخري كأنه يجمع شتات فكره ويفتش داخله عن رد مقنع يهدء من روعها، يرتدي الشاب قميصا علي بنطال بينما ترتدي الفتاة زيا تقليديا بلا أي مغالاة، بدا صوته مسموعا حين قال بأهتمام:
- ماقولتيه يعد ماضي سحيق لا يمكن أن يعود
- لكنه ما زال عالقا بي
- لا عليك، ربما نسي الأمر تماما وأصبح مجرد ذكرى طريفه
كشفت عن نواجزها قبل أن تغلق فاهها مسرعة:
- كان حادث اليم أقسم لك
- وقع بلا إدراك كنتي طفلة حينها
- أتمنى ذلك عله يطمئن قلبي ويقلع عقلي عن نصب محاكمته اليومية، اصبحت اكره الليل صدقني فكلما دنت الشمس نحو المغيب كلما تذكرته وكأنه قدري الذي لا مفر منه
- بالفعل هو كذلك، انت تبالغين لو حدث التصادم مع أي فتاة أخري لكن الآن نسيا منسيا، مارأيك لو نغير الموضوع؟
- امهلني لحظة أود أن أصرح لك بكل ماحدث تلك الليلة، كانت السماء مقمرة والهوء مستقر خرجت مندفعه نحو الشارع الرئيسي عندما رأني أمامه فجأة ارتبك حاول السيطرة علي دفة القيادة ليتفادي سحقي لكن السيارة خانته واودت به صريع حادث كلفه الكثير من صرخاته علي السيارة من ناحية وعلي ساقة المهشمه من ناحية أخرى سمعت أن الطبيب المعالج أضطر لبتر القدم...
أغلق عينيه ضاغطا شفتاه بأسنانه العلوية ثم قال بتصنع كمن يجمع حبات عقدا انفرط فجأة:
- مقدرا له ذلك، الأطفال دائما علي حق انت الآن شابة جميلة في مقتبل العمر يفضل أن تدفني الماضي في طي النسيان ولا تعودي إليه مجددا
- احاول جاهدة صدقني ومع ذلك اريد أن اصل إليه كي اعوضه عن خسائره وان رفض سوف اطلب منه الصفح علي الاقل اعرف انه بخير.
انتهي الحوار المفتوح حول فاجعتها القديمة التي تمسك بتلابيبها وتقض نومها، نهضت متجه للحمام تاركه خلفها القصة ومستمعها، ظل الشاب جالسا يقلب في قائمة المأكولات يبحث عن طعام خفيف بسعر مناسب لحالته المادية وفجأة أقتحم المقهي رجل أربعيني بعينان حمراون ينشران الرعب في المكان صاح بهم:
- ممنوع الصراخ والحركة لن أوذي أحد
رمق المسؤول عن جمع الأموال خلف حاجزه الخشبي بنظرة واضحة المعنى قابله الآخر بإمائه وهو يخرج المال في هلع، عيناه علي المسدس ويداه تعملان بخفه، حصل علي مايريد اخيرا سوف يصبح من الأغنياء ويحقق جل أمانيه، امسك بالاموال مبتسما وهو يهمس:
ها انتم بعد طول انتظار... ضحكت لي الدنيا واعطت لي وجهها من جديد
عندما هم بالذهاب خرجت الفتاة من الحمام ولم تتمالك نفسها أمام السلاح ألقت حقيبتها بعفوية علي ذراعه فسقط مايخيفهم، انقد عليه الشباب واوسعوه ضربا وعندما وصلت الشرطة سحبوا السارق بقوة نحو السيارة طالعته بفخرالابطال تبخر بغته عندما رأته وهو يجرجر خطواته بعرج، جحظت عيناها علي ساقه اليسري التي تعرفها جيدا ابتلعت ريقها ببطء وهي تتمتم
كأنه هو... كأنه هو …
تأليف : أماني عنان