GilbertKeith

Share to Social Media

كان الأب براون يعرفها بالفعل، ولكن في تلك اللحظة ربما كان سيقول إنه لا يعرفها؛
فقد بدا شحوب وانقباض وجهها مثل قناع المسرحيات التراجيدية؛ كانت تصغر زوجها
كثيرًا، لكنها في تلك اللحظة بدت أكبر سنٍّا من كل شيء في ذلك المنزل والحديقة القديمين.
وتذكَّر القس، بانفعال لا واعٍ، أنها كانت بالفعل أعرق من حيث المكانة والنسب وأنها المالكة
الحقيقية للمكان؛ فقد كان ملكًا لعائلتها الأرستقراطية التي تعرَّضت للإفلاس، قبل أن
تستعيد ثروتها بالزواج من رجل أعمال ناجح. وبينما كانت واقفةً هناك، ربما كانت تمثل
صورة عائلية، أو حتى شبحًا عائليٍّا. كان وجهها الشاحب من ذلك النوع الحاد والبيضاوي
في نفس الوقت، كالذي يُرى في بعض الصور القديمة لماري ملكة الاسكتلنديين، وبدا أن
التعبير المرتسم عليه يكاد يتجاوز الطابع الشاذَّ الطبيعي للموقف، حيث اختفى زوجها مع
اشتباهٍ في انتحاره. تساءل الأب براون، بنفس الحركة اللاواعية للعقل، عمن كانت تتحدث
معه بين الأشجار.
أظنك تعرف كل هذه الأخبار الرهيبة. لا بد أن هوبرت » : قالت بهدوء غير مريح
المسكين قد انهار في ظل كل هذا الاضطهاد الثوري، ودفعه الجنونُ لإنهاء حياته. لا أعرف
ما إذا كان بإمكانك فعلُ أيشيء، أو ما إذا كان من الممكن إثباتُ مسئولية هؤلاء البلاشفة
«. المروعين عن مطاردته حتى الموت
إنني حزين للغاية يا ليدي ساند. ومع ذلك، يجب أن أعترف أنني » : قال الأب براون
في حيرة بعضالشيء. أنتِ تتحدثين عن الاضطهاد، لكن هل تعتقدين أن أي شخصيمكن
«؟ أن يطارده حتى الموت بمجرد تعليق تلك الورقة على الحائط
أظن أن ثمة اضطهاداتٍ أخرى إلى جانب » : أجابت السيدة وقد عقدت حاجبيها
«. الورقة
إنه لأمرٌ يُظهر الأخطاء التي قد يرتكبها المرء. لم أكن لأتصورَ قطُّ » : قال القس بحزن
«. أنه سيكون غير عقلاني هكذا بحيث ينهي حياته من أجل تجنُّب الموت
أعي ذلك، ولم أكن لأصدق ذلك قطُّ، لو لم يكن » : أجابتْ وهي تحدق فيه بجدية
«. مكتوبًا بيده
«؟ ماذا » : صاح الأب براون وقد قفز قفزة صغيرة مثل أرنب أطُلق عليه النار، قائلًا
نعم، لقد ترك اعترافًا بالانتحار؛ لذا أخشى أنه ليس هناك » : قالت الليدي ساند بهدوء
وعبرت المنحدر بمفردها، بكل العزلة التي لا يمكن انتهاكها لشبح العائلة. «. شكٌّ في ذلك
نظرت نظارة الأب براون في تساؤلٍ صامت نحو نظارة السيد هنري ساند. وتحدث
نعم، كما ترى، » : الأخير، بعد لحظة من التردُّد، مرة أخرى بأسلوبه المحير والغامض نوعًا ما
يبدو واضحًا جدٍّا الآن ما فعله. لطالما كان سباحًا متميزًا واعتاد أن ينزل مرتديًا روبه في
كل صباح للسباحة قليلًا في النهر. حسنًا، لقد نزل كالمعتاد وترك الروب على الضفة؛ وهو
لا يزال هناك إلى الآن، لكنه ترك أيضًا رسالةً تفيد بأنه ذاهب لجولة سباحته الأخيرة ثم
«. الموت، أوشيء من هذا القبيل
«؟ أين ترك الرسالة » : سأل الأب براون
لقد حفرها على تلك الشجرة هناك، المتدلية فوق الماء، أعتقد أنها آخر شيء تمسك »
«. به؛ تحت المكان الذي يوجد فيه الروب مباشرة. تعال وانظر بنفسك
ركض الأب براون عبر المنحدر القصير الأخير نحو الشاطئ وتفحَّص المكان تحت
الشجرة المتدلية، التي تنغمس أوراقها تقريبًا في النهر. من المؤكد أنه رأى على اللحاء
جولة سباحة أخيرة ثم الغرق. » : الأملس الكلمات التي حفرها بشكلٍ واضحٍ لا لبس فيه
تحرَّكت نظرة الأب براون ببطءٍ إلى أعلى الضفة حتى استقرت على «. وداعًا. هوبرت ساند
قطعة رائعة من الملابس، لونها أحمر وأصفر وبهاشُرَّابات مذهبة. كان هذا هو الروب وقد
التقطه القس وبدأ في تقليبه. وبينما كان يفعل ذلك، أدرك أن ثمة شخصًا ما قد تحرك
بسرعة عبر مجال رؤيته؛ شخصًا أسمر طويلًا تسلَّل من خلف مجموعة أشجار إلى أخرى،
كما لو كان يتتبع مسار السيدة المتوارية عن الأنظار. كان لديه القليل من الشك في أنه
الرفيق الذي افترقت عنه منذ قليل. كما كان لا يزال لديه شك أقل في أنه سكرتير القتيل،
السيد روبرت راي.
قال الأب براون، دون النظر إلى الأعلى، وقد تركَّزت عيناه على الروب الأحمر والذهبي:
بالطبع، قد يكون تركُ الرسالة فكرة أخيرة جاءت لاحقًا. لقد سمعنا جميعًا عن رسائل »
الحب المنحوتة على الأشجار؛ وأعتقد أنه قد تكون هناك رسائل موت مكتوبة على الأشجار
«. أيضًا
حسنًا، لم يكن لديه أي شيء في جيوب الروب، على ما أظن. » : قال ساند الصغير
وبطبيعة الحال قد يلجأ شخصلحفر رسالته على شجرة إذا لم يكن لديه أقلام أو حبر أو
«. ورق
«. يبدو هذا مثل التمارين الفرنسية، ولكني لم أكن أفكر في ذلك » : قال القس في كآبة
ثم، بعد فترة صمت، قال بصوت مختلفٍ نوعًا ما:
في الحقيقة، كنت أفكر ما إذا كان من الطبيعي أن يحفرَ شخصٌرسالته على شجرة، »
«. حتى لو كان لديه أكوام من الأقلام، وقدر كبير من الحبر، ورزم من الورق
كان هنري ينظر إليه بذهولٍ إلى حد ما، ومالت نظارته على أنفه، ثم سأل بحدة:
«؟ وماذا تقصد بذلك »
حسنًا، لا أقصد بالضبط أن سُعاةَ البريد سيحملون رسائل » : قال الأب براون ببطء
على شكل قطع خشبية، أو أنك سترسل برقية إلى صديق عن طريق وضع طابع بريدي
على شجرة صنوبر. إن الأمر يتطلب نوعًا معينًا من المواقف؛ بل يتطلب نوعًا معينًا من
الأشخاص، الذين يفضلون حقٍّا هذا النوع من المراسلات الشجرية، ولكن، بالنظر إلى
الموقف والشخص، فإنني أكرر ما قلته. كان سيكتب على شجرة، كما تقول الأغنية، لو كان
كل العالم ورقًا وكل البحر حبرًا؛ لو كان ذلك النهر يتدفَّق بحبر لا ينضب أو كانت كل هذه
«. الأشجار غابة من الريشات وأقلام الحبر
كان من الواضح أن ساند قد شعر بشيءٍ مخيفٍ بشأن صور الكاهن الخيالية، إما
لأنه وجدها غير مفهومة وإما لأنه بدأ في الفَهْم.
كما تعلم، ليس متوقعًا » : قال الأب براون، وهو يقلِّب الروب ببطءٍ بينما كان يتحدَّث
من شخصٍأن يكتب بأفضل خط لديه عندما يحفر كلامه على شجرة. وإذا لم يكن الرجل
«! هو الرجل نفسه، إذا كنت قد أوضحت فكرتي؛ مرحى
كان ينظر لأسفل إلى الروب الأحمر، وبدا في هذه اللحظة كما لو أن بعض اللون
الأحمر قد نزل على إصبعه، لكن كلا الوجهين اللذين قُلبا باتجاهه كانا بالفعل أفتح في
درجة اللون.
وللحظةٍ ساد سكون مميت باستثناء أصوات النهر الرخيمة. «! دم » : قال الأب براون
أطلق هنري ساند من كلٍّ من حنجرته وأنفه صوتًا لم يكن رخيمًا بالمرة. ثم قال
«؟ دم من » : بصوتٍ أجشَّ إلى حدٍّ ما
لكنه لم يبتسم. «. أوه، دمي » : قال الأب براون
كان هناك دبوسفي هذا الشيء وقد وخزت إصبعي، لكن لا أعتقد » : ثم قال بعد لحظة
وأخذ يلعق إصبعه مثل طفل. «. أنك تُقدِّر قيمة السن … سن الدبوس. أما أنا، فأقدِّره
انظر، لقد كان الروب مطويٍّا ومثبتًا بدبوس. ولم » : ثم قال بعد فترة صمت أخرى
يكن بإمكان أحدٍ فرْدُه؛ على الأقل دون خدشنفسه. بعبارة واضحة، لم يرتدِ هوبرت ساند
«. هذا الروب قط، مثلما لم يكتب على تلك الشجرة، ومثلما لم يُغرق نفسه في ذلك النهر
سقطت نظارة هنري المائلة على أنفه المتسائل محدثةً صوت طقة، لكنه بخلاف ذلك
كان ثابتًا بلا حراك، كما لو كان قد تجمَّد من المفاجأة.
وهذا ما يُعيدنا إلى وجود شخصٍ ما يميل لكتابة » : تابع الأب براون حديثه بمرح
مراسلاته الخاصة على الأشجار، مثل هايواثا وكتابته المعتمدة على الصور. لقد كان لدى
ساند وقتٌ طويلٌ قبل أن يغرق نفسه. فلماذا لم يترك رسالةً لزوجته مثل أي رجل عاقل؟
أو، هل نقول … لماذا لم يترك الرجل الآخر رسالة للزوجة مثل أي رجل عاقل؟ لأنه كان
سيضطر إلى تزوير خط يد الزوج؛ ودائمًا ما يكون ذلك صعبًا الآن بعد أن أصبح الخبراء
بارعين جدٍّا في اكتشافه، لكن لا يمكن أن يُتوقع من أحد أن يقلد ولو خط يده، فضلًا عن
خط شخص آخر، عندما ينقش حروفًا كبيرة على لحاء شجرة. هذا ليس انتحارًا يا سيد
«. ساند. إذا كان أيشيء على الإطلاق، فهو جريمة قتل
أخذت الشجيرات الصغيرة والنباتات النامية تحت الأشجار تتكسَّر وتطقطق عندما
نهض الشاب الضخم من فوقها مثل وحش لوياثان، ووقف متجهمًا، وقد اشرأب عنقه
العريضإلى الأمام.
أنا لا أجيد إخفاء الأشياء، وقد شككت في شيء من هذا القبيل، ويمكنك القول » : قال
إنني توقعته منذ فترة طويلة. وأصدقك القول، لا يمكنني أن أكون مهذبًا عند التحدث عن
«. الرفيق؛ أو عن أيٍّ منهما، في هذا الشأن
«؟ ماذا تقصد بالضبط » : سأل القس وهو ينظر إلى وجهه بحزم
أقصد أنك أشرت إلى وجود جريمة قتل وأعتقد أنني أستطيع أن » : قال هنري ساند
«. أدلك على القتلة
كان الأب براون صامتًا بينما واصل الآخر كلامه متوترًا إلى حد ما.
لقد قلت إن الناس أحيانًا يكتبون رسائل غرامية على الأشجار. حسنًا، في الحقيقة، »
يوجد بعضها على تلك الشجرة؛ هناك مجموعتان من الحروف المتداخلة معًا هناك تحت
الأوراق؛ أظنك تعرف أن الليدي ساند كانت وريثة هذا المكان قبل فترة طويلة من زواجها،
وكانت تعرف ذلك السكرتير المتأنق اللعين حتى في تلك الأيام. وأظن أنهما كانا يلتقيان
هنا ويكتبان تعهداتهما بالزواج على شجرة العشق. ويبدو أنهما استخدما شجرة العشق
«. لغرضآخر في وقت لاحق. العاطفة، بلا شك، أو المال
«. لا بد أنهما شخصان سيئان للغاية » : قال الأب براون
ألم يكن هناك أشخاصٌمروعون في التاريخ أو » : سأل هنري ساند بشيء من الانفعال
سجلات الشرطة؟ ألم يكن هناك عشاقٌ جعلوا الحب يبدو أكثر فظاعة من الكراهية؟ ألم
«؟ تسمع عن بوثويل وجميع الأساطير الدموية لمثل هؤلاء العشاق
أعرف أسطورة بوثويل. وأعرف أيضًا أن الأمر يبدو خرافيٍّا للغاية، » : أجاب القس
ولكنها حقيقة بالطبع أن الأزواج كان يتم إبعادهم أحيانًا بهذه الطريقة. بالمناسبة، أين
«؟ أبعد؟ أعني، أين أخفيا الجثة
«. أعتقد أنهما أغرقاه، أو ألقيا به في الماء عندما مات » : قال الشاب بازدراء ونفاد صبر
إن النهر مكان جيد لإخفاء جثة خيالية، لكنه » : رمش الأب براون متفكرًا ثم قال
مكان سيئ للغاية لإخفاء جثة حقيقية. أعني أنه من السهل أن يلقي بها أي أحد هناك
ظنٍّا منه أنها قد تنجرف إلى البحر، ولكن إذا كان قد حدث حقٍّا، فاحتمال عدم انجرافها
إلى الشاطئ هو مائة إلى واحد تقريبًا؛ إذ إن فرصطَفْوها ورسوها على الشاطئ في مكانٍ
ما هائلةٌ. أعتقد أنه لا بد أنهما كان لديهما مخططٌ أفضل من ذلك لإخفاء الجثة؛ وإلا لكان
«… قد عثر عليها الآن. وإذا كانت هناك أي آثار عنف
لماذا هذا الاهتمام بأمر إخفاء الجثة؟ أليس لدينا ما » : قال هنري ببعض الانفعال
«؟ يكفي من الشواهد فيما كتباه على شجرتهما الشيطانية
إن الجثة هي الشاهد الرئيسي في كل جريمة قتل. إن إخفاء الجثة، في » : أجاب الآخر
«. تسع مرات من أصل عشرة، هو القضية الفعلية التي يجب حلُّها
ساد الصمت بينما استمر الأب براون في تقليب الروب الأحمر ونشره على العشب
اللامع للشاطئ المشمس، دون أن ينظر إلى أعلى. ولكن، مع مرور بعض الوقت، أدرك أن
المشهد بأكمله قد تغير بالنسبة إليه بوجود طرف ثالث، يقف ساكنًا كتمثال في الحديقة.
بالمناسبة، ما رأيك في ذلك الرجل القصير ذي العينالزجاجية، » : قال وقد خفضصوته
الذي أحضرلعمك المسكين رسالة بالأمس؟ بدا لي أنه قد تغير بالكامل بعد قراءته لها؛ لهذا
لم أتفاجأ بالانتحار، عندما كنت أظن أنه انتحار. هل هذا الرجل هو محقق خاص حقير،
«؟ أم أنني مخطئ تمامًا
تبٍّا، تبٍّا، ربما هو كذلك — إن الأزواج في بعض الأحيان يُشركون » : قال هنري بتردُّد
المحققين في المآسيالعائلية مثل هذه، أليسكذلك؟ أعتقد أنه حصل على أدلةٍ على مؤامرتهما؛
«… ولذا قاما
لا يجب أن أتحدَّث بصوت عالٍ للغاية؛ لأن المحقق الخاص بكم » : قال الأب براون
«. يراقبنا في هذه اللحظة، من على بعد نحو ياردة خلف تلك الشجيرات
نظرا إلى الأعلى، وكان العفريت ذو العين الزجاجية بالفعل ينظر إليهما بثبات بعينه
البغيضة تلك، وقد بدا في غاية التنافر وسط البراعم البيضاء والشمعية الواقف بينها في
الحديقة الكلاسيكية.
نهض هنري ساند مرة أخرى بسرعة بدت شديدة تقطع الأنفاس بالنسبة إلى رجل
في مثل حجمه، وسأل الرجل بغضب شديد وعلى نحو مفاجئ عما كان يفعله، وفي نفس
الوقت أخبره بأن عليه المغادرة في الحال.
إن اللورد ستانز سيكون ممتنٍّا كثيرًا إذا ذهب الأب براون إلى » : قال عفريت الحديقة
«. منزله وتحدث إليه
انصرف هنري ساند بغضب، لكن القسعزا غضبه إلى الكراهية المعروفة القائمة بينه
وبين هذا السيد النبيل. وعندما صعدا المنحدر، توقف الأب براون للحظة كما لو كان يتتبع
أثر النقوش المحفورة على جذع الشجرة الأملس، ونظر إلى أعلى مرة واحدة نحو الرموز
الأكثر قتامة وتواريًا والتي يقال إنها سجل لقصة الحب؛ ثم حدق في الحروف الأعرض
والأكثر اتساعًا للاعتراف، أو الاعتراف المزعوم بالانتحار.
وعندما هزَّ رفيقه العابس رأسه «؟ هل تُذكرك تلك الحروف بأي شيء » : ثم سأل
إنها تذكرني بالكتابة التي كانت على تلك اللافتة التي هدَّدتْه بانتقام » : بالنفي، أضاف
«. المضربين
وذلك بعد «. إنه أصعب لغز وأغرب حكاية واجهتني على الإطلاق » : قال الأب براون
مرور شهر على تلك الأحداث، وهو يجلس قبالة اللورد ستانز في الشقة رقم ١٨٨ والتي
انتهى تأثيثها مؤخرًا، وهي آخر شقة تم الانتهاء منها قبل الفترة الانتقالية للنزاع العمالي
ونقل العمل من النقابة العمالية. كانت الشقة مؤثَّثة على نحوٍ مريح، وكان اللورد ستانز
يتناول الشراب والسيجار، عندما أدلى القس بهذا الاعتراف بعبوس. وقد أصبح اللورد
ستانز ودودًا على نحوٍ مدهشٍ إلى حد ما، وبطريقة لطيفة وعفوية.
أعلم أن هذا يعني الكثير، في ضوء سجلك المهني، ولكن بالتأكيد لا يبدو » : قال ستانز
أن المحققين، بما في ذلك صديقنا الرائع ذو العين الزجاجية، قادرون على رؤية الحل على
«. الإطلاق
ليس الأمر أنهم لا يستطيعون رؤية الحل. » : وضع الأب براون سيجاره وقال بحذر
«. بل إنهم لا يستطيعون رؤية المشكلة
«. في الواقع، ربما لا يمكنني رؤية المشكلة أيضًا » : قال الآخر
إن المشكلة ليست على شاكلة جميع المشاكل الأخرى، لهذا السبب. » : قال الأب براون
يبدو كما لو أن المجرم فعل عمدًا شيئين مختلفين، كان أي منهما ربما ينجح بمفرده؛
ولكن، عندما تم فعلهما معًا، أفشل كلٌّ منهما الآخر. وأنا أفترض، وهو ما أعتقده اعتقادًا
راسخًا، أن القاتل هو من علَّق الإعلان الذي يهدِّد بنوعٍ من القتل البلشفي، وكتب أيضًا
على الشجرة اعترافًا بانتحار تقليدي. الآن يمكنك القول إن من الممكن، في النهاية، أن
الإعلان كان إعلانًا بروليتاريٍّا، وأن بعضالعمال المتطرفين أرادوا قَتْل ربِّ عملِهم، وقتلوه.
حتى إذا كان هذا صحيحًا، فسيظل هناك غموضحول سبب تركهم، أو ترك أي شخص،
لدليل مناقض يشير إلى حدوث انتحار ذاتي، لكنه بالتأكيد ليس صحيحًا. ومع ذلك، لم
يكن أي من هؤلاء العمال ليفعل شيئًا كهذا، مهما كانت درجة المرارة التي يشعر بها
تجاه رب عمله. أنا أعرفهم جيدًا، وأعرف قادتهم جيدًا. إن افتراضأن أشخاصًا مثل توم
بروس أو هوجان سيغتالون شخصًا يمكن أن يشهروا به في الصحف، ويضروه بشتى
الطرق المختلفة، هو شيء في علم النفس يصفه العقلاء بالجنون. لا، كان هناك شخص
ما، وهو ليس عاملًا ساخطًا، لعب دور العامل الساخط في البداية، ثم لعب دور صاحب
العمل المنتحر، لكني أتعجب، لماذا؟ إذا كان يعتقد أنه يمكنه تمرير الأمر بسلاسةٍ باعتباره
انتحارًا، فلماذا أفسد كل ذلك أولًا بنشر تهديد بالقتل؟ قد تقول إنها كانت فكرة لاحقة
طرأت لإصلاح قصة الانتحار؛ كونها أقل استفزازًا من قصة القتل، لكنها لم تكن أقل
استفزازية بعد قصة القتل. لا بد أنه كان يعلم أنه قد حوَّل أفكارنا بالفعل نحو القتل، في
حين كان يجب أن يصبح هدفه كله هو إبعاد أفكارنا عنه. إذا كانت هذه فكرة لاحقة، فهي
فكرة لاحقة لشخصعديم التفكير، لكني أرى أن هذا القاتل شخصٌعميق التفكير للغاية.
«؟ هل يمكنك أن تفهم أيشيء من كل هذا
لا، لكني أفهم ما تقصده بقولك إنني حتى لم أر المشكلة. الأمر ليس » : قال ستانز
متعلقًا فقط بمَن قتل ساند، إنما يتعلق بلماذا يتهم شخصٌ شخصًا آخر بقتل ساند ثم
«. يتهم ساند بقتل نفسه
كان وجه الأب براون عابسًا ويطبق على السيجار بين أسنانه، فتجعدت نهايته وغمق
لونها بشكل إيقاعي مثل إشارة نبضة محترقة في الدماغ. ثم تحدث كما لو كان يتحدث
لنفسه:
علينا أن نتابع عن كثب وبوضوح شديد. إنها مثل فصل خيوط الفكر بعضها عن »
بعض؛ شيء من هذا القبيل. لما كانت تهمة القتل أفسدت حقٍّا تهمة الانتحار، لم يكن
ليختلق تهمة القتل بطبيعة الحال، لكنه فعل؛ إذن فقد كان لديه سببٌ آخر لاختلاقها.
لقد كان سببًا قويٍّا لدرجة أنه ربما دفعه حتى لإضعاف خط دفاعه الآخر؛ أن الأمر كان
انتحارًا. بعبارة أخرى، لم تكن تهمة القتل تهمة قتل بالفعل. أعني أنه لم يكن يستخدمها
كتهمة قتل؛ لم يكن يفعل ذلك لكي يلقي على شخص آخر بذنب القتل؛ بل كان يفعله
لسبب غير عادي آخر خاصبه. كان يجب أن تحتوي خطته على إعلان بأن ساند سيُقتَل؛
سواء ألقى بالشبهات على آخرين أم لا. لقد كان مجرد الإعلان نفسه، بطريقة أو بأخرى،
«؟ ضروريٍّا. لكن لماذا
أخذ يدخِّن وينفث الدخان بالتركيز الشديد نفسه لمدة خمس دقائق قبل أن يعاود
ماذا يمكن أن يفعل إعلان قتل، إلى جانب الإيحاء بأن المضربين هم » . الحديث مرة أخرى
القتلة؟ ماذا فعل؟ ثمة شيء واحد واضح؛ حتمًا فعل عكس ما ورد به. لقد طالب الإعلان
ساند بعدم طرد رجاله من العمل، وربما كان الشيء الوحيد في العالم الذي كان من شأنه
حقٍّا أن يجعله يفعل ذلك. عليك التفكير في طبيعة الرجل والسمعة التي يتحلَّى بها. عندما
يُطلق على رجل لقب الرجل القوي في صحفنا السخيفة المهتمة بالإثارة، وعندما يُنظَر إليه
باعتزاز كرجل رياضي من قِبَل أبرز الحمقى كافة في إنجلترا، فإنه ببساطة لا يستطيع
التراجع لأنه مهدد بمسدس. سيكون الأمر مثل المشيفي مضمار أسكوت وعلى قبعته البيضاء
السخيفة ريشة بيضاء عالقة بها. إن هذا من شأنه أن يكسر ذلك الصنم الداخلي أو المثل
الأعلى للمرء، والذي يفضله كل شخص ليس جبانًا على الحياة. وساند لم يكن جبانًا، بل
كان شجاعًا، ومتهورًا أيضًا. لقد حدث الأمر على الفور مثل السحر؛ إذ صاح ابن أخيه،
الذي اختلط بالعمال بشكل أو بآخر، على الفور بضرورة تحدي التهديد على نحو مطلق
«. وفوري
ثم نظر أحدهما إلى الآخر للحظة، ثم «. نعم، لقد لاحظت ذلك » : قال اللورد ستانز
«… إذن تعتقد أن الشيء الذي كان يريده المجرم هو » : أضاف ستانز بلا مبالاة
الإغلاق! الإضراب أو أيٍّا كان ما تسميه؛ إيقاف العمل، على أي » : صاح القس بحماس
حال. لقد أراد أن يتوقف العمل في الحال، وربما أراد أن يأتي مفسدو الإضراب على الفور،
وأن يذهب العمال النقابيون في الحال. هذا ما أراده حقٍّا؛ لله أعلم لماذا. وأعتقد أنه قد حقق
ذلك دون أن يهتم كثيرًا بشأن تأثيره الآخر على وجود القتلة البلشفيين، ولكن بعد ذلك …
أعتقد أن خطأً ما قد وقع. أنا فقط أخمن وأتلمس الطريق ببطء شديد هنا، لكن التفسير
الوحيد الذي يمكنني التفكير فيه هو أن شيئًا ما قد بدأ يلفت الانتباه إلى الموضع الحقيقي
للمشكلة؛ إلى سبب رغبته، أيٍّا كان، في إيقاف العمل بالمبنى. ثم بشكل متأخر، ويائس،
وغير متسق إلى حد ما، حاول وضع المسار الآخر الذي أدى إلى النهر، ببساطة وفقط لأنه
«. أدى إلى الابتعاد عن المبنى
نظر إلى أعلى من خلال نظارته المستديرة، مستوعبًا نوعية الخلفية والأثاث بالكلية،
والرفاهية المقيدة لرجل محنك هادئ، ومقارنًا إياها بالحقيبتين اللتين وصل بهما مؤخرًا في
باختصار، كان القاتل خائفًا منشيء أو شخص » : شقة جديدة وغير مؤثثة. ثم قال فجأة
ما في المبنى. بالمناسبة، لماذا أتيت للعيش هنا؟ وبالمناسبة أيضًا، أخبرني هنري الصغير أنك
«؟ حددت موعدًا مبكرًا معه عند انتقالك إلى هنا. هل هذا صحيح
ليس صحيحًا على الإطلاق؛ فقد حصلت على المفتاح من عمه في الليلة » : قال ستانز
«. السابقة. وليس لدي أي فكرة عن سبب مجيء هنري إلى هنا ذلك الصباح
آه، إذن أعتقد أن لدي فكرة عن سبب قدومه … أعتقد أنك فاجأته » : قال الأب براون
«. بدخولك لحظة خروجه
ومع ذلك، » : قال ستانز، وهو ينظر وفي عينيه الخضراوين المائلين للون الرمادي بريق
«. أنت تظن أنني لغز أيضًا
أعتقد أنك تمثل لغزين؛ الأول هو لماذا تقاعدت في الأصل عن العمل » : قال الأب براون
في شركة ساند؟ والثاني هو لماذا بعد مرور كل ذلك الوقت عدت للعيش في أحد مباني
«؟ ساند
كان ستانز يدخن متأملًا، ثم نفضرماد سيجاره، ودق جرسًا على الطاولة أمامه. ثم
إذا سمحت لي، سأستدعي اثنين آخرين إلى مجلسنا. جاكسون، المحقق الصغير الذي » : قال
«. تعرفه، سوف يرد على الجرس، وقد طلبت من هنري ساند أن يأتي بعدها بقليل
نهضالأب براون من مقعده، وسار عبر الغرفة ثم نظر بعبوس إلى أسفل في المدفأة.
في هذه الأثناء، لا أمانع في أن أجيب عن سؤاليك. لقد تركتشركة ساند؛ » : تابع ستانز
لأنني كنت متأكدًا من وجود بعض التلاعُب فيها وأن هناك شخصًا ما يختلس كل المال.
ثم عدت إليها، وأخذت هذه الشقة؛ لرغبتي في اكتشاف الحقيقة الفعلية فيما يتعلق بوفاة
«. ساند العجوز في موقع الأحداث
استدار الأب براون عندما دخل المحقق إلى الغرفة، ووقف يحدق في البساط الذي كان
«. في موقع الأحداث » : أمام المدفأة وهو يكرر
سيخبرك السيد جاكسون بأن السير هوبرت قد كلفه بمعرفة اللص » : قال ستانز
الذي كان يسرق الشركة، وقد أحضر مذكرة باكتشافاته في اليوم السابق لاختفاء هوبرت
«. العجوز
«. نعم، وأنا أعلم الآن أين اختفى. أعرف مكان الجثة » : قال الأب براون
«؟… هل تقصد » : صاح مضيفه على عجل قائلًا
إنها هنا. هنا، تحت البساط » : قال الأب براون، وهو يطأ بقوة على بساط المدفأة
«. الفارسيالأنيق في هذه الغرفة الدافئة والمريحة
«؟ يا إلهي، كيف اكتشفت هذا »
«. لقد تذكرت للتو أنني قد اكتشفت الأمر أثناء نومي » : قال الأب براون
ثم أغلق عينيه كما لو كان يحاول تصوُّر حلم، واسترسل بأسلوب حالم قائلًا:
هذه قصة جريمة قتل تقوم على مشكلة كيفية إخفاء الجثة، وقد اكتشفتها في نومي. »
كنت دائمًا أستيقظ كل صباحٍ على أصوات الدق والطرق الصادرة من هذا المبنى. وفي ذلك
الصباح كنت شبه مستيقظ، ثم نمت مرة أخرى واستيقظت مرة أخرى، متوقعًا أن أجد
الوقت قد تأخر، لكنه لم يكن كذلك. لماذا؟ لأنه كان ثمة أصوات دق وطرق في ذلك الصباح،
على الرغم من توقُّف جميع الأعمال المعتادة للبناء، لكنه دق متسارع استمر لمدة قصيرة في
الساعات القليلة فيما قبل الفجر. تلقائيٍّا سيقلق مثل هذا الصوت المألوف نوم أي شخص،
لكنه سيخلد إلى النوم مرة أخرى؛ لأن الصوت المعتاد لم يصدر في الساعة المعتادة له. الآن
لماذا أراد مجرم مجهول ما أن يتوقف كل العمل فجأة ويأتي العمال الجدد فقط؟ لأنه
لو جاء العمال القدامى في اليوم التالي، لوجدوا جزءًا جديدًا من العمل قد أنُجِز في الليل.
لقد كان العمال القدامى يعرفون أين تركوا العمل، وكانوا سيجدون أرضية هذه الغرفة
بالكامل مثبتة بالفعل. وقد كانت مثبتة من قِبَل رجل يعرف كيف يفعل ذلك، بعد أن
«. اختلط كثيرًا مع العمال وتعلم أساليبهم
وبينما كان يتحدث، دُفِع الباب وانفتح وأطل منه رأس بحركة إقحامية؛ رأس صغير
فوق عنق عريضووجه ينظر إليهما من خلال النظارة.
لقد قال لي هنري ساند إنه لا يجيد إخفاء » : قال الأب براون وهو يحدق في السقف
«. الأشياء، لكني أعتقد أنه لم يكن منصفًا في الحكم على نفسه
فاستدار هنري ساند وابتعد بسرعة عبر الردهة.
إنه لم يُخفِسرقاته من الشركة بنجاح تام لسنوات » : استرسل القس في نبرة تنظيرية
«. فحسب، ولكن عندما اكتشفها عمه، أخفى جثة عمه بطريقة جديدة ومبتكرة تمامًا
في اللحظة نفسها دق ستانز الجرس مرة أخرى برنين ثابت طويل حاد، ودُفِع
الرجل القصير ذو العين الزجاجية أو ألقي عبر الردهة في أعقاب الهارب، بشيء من
الحركة الدورانية لشخصية ميكانيكية في لعبة زويتروب. وفي الوقت نفسه، نظر الأب
براون من النافذة، متكئًا على شرفة صغيرة، فرأى خمسة أو ستة رجال ينطلقون من
وراء الشجيرات والأسيجة في الشارع بالأسفل وينتشرون بشكل ميكانيكي مثل مروحة أو
شبكة، ويطاردون الهارب الذي انطلق مثل الرصاصة من الباب الأمامي. لقد رأى الأب
براون مخطط القصة فقط، الذي لم يبتعد قط عن هذه الغرفة؛ حيث قام هنري بخنق
هوبرت وأخفى جثته تحت أرضيتها التي لا يمكن اختراقها، وأوقف العمل بأكمله في المبنى
للقيام بذلك. كان سن الدبوسهو نقطة الانطلاق لشكوكه، ولكن فقط لإخباره أنه قد دُفِع
عبر حلقة طويلة من الكذب. كان سن الدبوس يشير إلى أنها حلقة عبثية.
لقد تخيل أنه فهم ستانز أخيرًا، وكان يحب جمع الأشخاص الغريبي الأطوار الذين
يصعب فهمهم. لقد أدرك أن هذا الرجل المتعب، الذي اتهمه ذات مرة بأن دمه أخضر
اللون، كان لديه بالفعل نوع من اللهب الأخضر البارد من الضمير أو الشرف التقليدي،
جعله أولًا يغادر شركة مشبوهة، ثم يشعر بالخزي من تركها لآخرين، ويعود كمحقق
مجهد ملول، ليعيش في المكان نفسه الذي دُفِنت فيه الجثة؛ حتى إن القاتل، الذي وجده
يتشمَّم بالقرب من الجثة، قام بتقديم الدراما البديلة الخاصة بالروب والرجل الغارق. كل
ذلك كان واضحًا بما فيه الكفاية، ولكن، قبل أن يسحب رأسه من الهواء الليلي والنجوم،
ألقى الأب براون نظرة واحدة إلى الأعلى على الجزء الأسود الشاسع من المبنى العملاق الذي
يصل إلى فضاء الليل، وتذكر مصروبابل، وكل ما هو أزلي وعابر في عمل الإنسان.
كنت على حق فيما قلته في البداية. إن هذه القضية تذكر المرء بإحدى قصائد » : ثم قال
كوبي عن فرعون والهرم. من المفترضأن يكون هذا البناء العالي مائة منزل، ولكنه أصبح
«. في النهاية قبر رجل واحد
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.