بعد وفاة جدتي مريم، عاش جدي وحيدًا في منزله المتواضع الذي يتكون من غرفة، ومجلس صغير، ومطبخ، ودورة مياه، وغرفة صغيرة في زاوية باحة المنزل لطالما صدرت عنها إشاعات مرعبة ، ولا أعلم حقيقتها ، من الإشاعات التي ذكرت عنها بأن جدي كان ساحرا ويمارس الشعوذة وكل الأعمال السفلية في تلك الغرفة .
حاول والدي مرارًا وتكرارًا إقناع جدي بترك منزله للعيش معنا من أجل رعايته والاهتمام به، ولكنه أصر على البقاء في منزله بحجة أنه معتاد على القرية وأهلها. وكان والدي لا يستطيع الانتقال للعيش معه بسبب وظيفته البعيدة. كنت حينها في الصف العاشر، وفي عيد الأضحى، طلب مني والدي أن أساعد جدي في ذبح الأضحية وأن أظل معه في منزله بضعة أيام ثم أعود. كنت خائفًا حقًا بسبب القصص التي سمعتها عن تلك القرية، ولكنني لم أستطع الرفض، فقد كان من المستحيل مواجهة غضب والدي. فذهبت ، استقبلني جدي بحرارة وكان كثير المزاح ويلقي النكات دائمًا. بعد صلاة العيد، وأثناء عودتنا، بدا جدي صامتًا وعابس الوجه. ظننت أن هذا قد يكون بسبب ذكرياته عن جدتي، فتخيّلت أنه يشعر وكأنها تُحادثه وكأنها واقع! حاولت تلطيف الجو قائلاً: "جدي، سمعت أن نساء القرية عندما كنت شابًا كن يتهافتن عليك، هل هذا صحيح؟" نظر إليّ جدي نظرة مخيفة وكأن الحديث لم يعجبه.
قلت: "أعتذر، لم أقصد سوى المزاح."
وفجأة ضحك جدي ضحكةً عاليةً جعلتني أشعر بالخوف.هنا ارتعبت حقًا، حتى قال: "يا ولدي، ليس فقط عندما كنت شابًا، بل حتى الآن."
ثم طلب مني أن أذهب لجاره صالح وأحضر الأضحية.
وأثناء سحبي للأضحية متجهًا إلى منزل جدي، صادفت عجوزًا تجمع الحصى الصغيرة، وكانت تبدو خائفة وربما مجنونة. تجاهلت الأمر حتى وصلت المنزل، وانتهينا من الذبح، ثم تناولنا الغداء وقمنا بأخذ قيلولة سريعة بعد عمل شاق .
وقت العصر كان مملًا جدًا , كان جدي يجلس بجوار الراديو بصمت، ولم يكن لدي هاتف، ولا أعرف أحدًا في القرية، فشعرت بالكآبة واشتقت لأمي وأخوتي.
تخيلت نفسي بجوار عائلتي نشاهد مسرحية ونضحك، وأحيانًا ألعب بألعاب الفيديو مع إخوتي.بدأت الزيارات، وجميعهم كبار السن، وأعترف لكم بأن حديثهم كان مملًا. كانوا يكررون نفس القصص وكأنهم يروونها لأول مرة، وبحماسة زائدة.
حل المساء، وجدي بعد صلاة العشاء ينام.
أما أنا لم أستطع النوم، وذكريات أمي لم تفارق بالي , كنت أشعر بالقلق والخوف.
خرجت إلى باحة المنزل، وكانت إضاءة المصباح الخارجي متقطعة، تارةً تنير وتارةً تنطفئ، مكونةً صوتًا مزعجًا. رأيت أن باب الغرفة في زاوية باحة المنزل كان مفتوحًا. كنت مندهشًا وأنا أقترب بحذر، ولكن شعرت وكأن هناك شيئًا يجذبني نحو ذلك المكان حتى لم يتبقى سوى خطوات قليلة.التفتُّ للخلف لأتأكد من أن جدي لا يراقبني، ولكنني وجدته واقفًا على الباب، حاملاً سكينًا في يده اليمنى، وفي اليسرى رأس حيوان، وكان ينظر إليّ بخبث وابتسامة مخيفة. تجمد جسدي، ولم أستطع أن أقول شيئًا حتى قال بصوت مرعب: "لا تعبث مرة أخرى بأي شيء، لقد حذرتك." ثم أغلق الباب بسرعة، وركضت نحو الباب وضربته بخوف شديد.لم أستطع البقاء في هذه الباحة الموحشة، والقرية بأكملها بدت موحشة أيضًا.
سمعت صوت جدي يتذمر: "من يطرق الباب في هذا الوقت؟ أين هذا الولد؟ لماذا لا يجلس قليلاً؟ ما فائدته؟ عليه أن يرحل، اكتفيت منه!" ثم فتح الباب، وكنت على بعد خطوات منه، مستعدًا لأي حركة مفاجئة من جدي.
قال "غاضبًا": "أين ذهبت في هذا الوقت؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، قفلت الباب وخرجت من الشباك؟ أين عقلك؟ أم تنوي قتلي؟ هذا ما وصاك به أبوك؟ أخبرني!"
قلت: "جدي، أنت من قفل الباب عليّ وقلت لي لا تعبث بأي شيء! ماذا يوجد في تلك الغرفة حتى تمنعني من الدخول؟"
جدي: "أأنت مجنون؟! أدخل بسرعة قبل أن أفقد أعصابي عليك ,ناولني حبة الضغط، سوف تقتلني. لو جاء أخوك بدر لكان خيرًا."
لم أفهم شيء حينها وتخاطرت في عقلي الكثير من التساؤلات ، ولكن الخوف هو من يخيم على كل شيء وقتها وقررت تجاهل الأمر وإلى الآن لا أعلم كيف أستطعت الجلوس في منزل جدي إلى ذلك الوقت..
بقيت مستيقظًا حتى صلاة الفجر، ولم أستطع الاستحمام أيضًا , كان صوت الماء والنداء من دورة المياه تجعلني أغوص في فراشي.
كنت وقتها في المجلس، وجدي في غرفته.
مشيت نحو غرفته لأوقظه للصلاة، وعندما نظرت من طرف الباب، رأيت جدي يتناول بعض اللحم ويتحدث لأحدهم بهمس. وأنا أراقب، شعرت بشيء يلمس رقبتي بسرعة، وكان من المؤكد أنه يد مجعدة بأظافر طويلة ومنحنية. صرخت ولتفتُ، ولكن لم يكن هناك أحد , نادى عليّ جدي ودخلت إلى غرفته، حيث وقف جدي وأقفل الباب وابتلع المفتاح.
حاولت الهروب وطرقت النافذة، ولكن لم أستطع لا أستطيع وصف شعوري آنذاك، كان الخوف يسيطر عليّ تمامًا.تغير لون جدي إلى شدة البياض، وصبغت عيناه بالسواد , كان العرق يتصبب من جسدي كالمطر، وقدماي ترجفان وأشعر ببرد شديد في ظهري. "علمت بعدها عندما أشعر بشيء كهذا، فإنهم بجواري."
اقترب مني جدي قائلاً بصوت مرعب: "جدك قد مات منذ عشرين عامًا..." ثم ضربني على رأسي.
استفقت ببطء، فتحت عيني اليمنى أولاً ببطء شديد، وكانت أمي ممسكة بيدي. فتحت عيني اليسرى بصعوبة، ورأيت أبي وهذا الذي يدعي بأنه جدي ,صرخت: "هذا ليس جدي، جدي قد توفي منذ فترة طويلة."
أبي: "لا بأس، ولدي، استرح، فقد مررت بحادث مروري كبير، والحمد لله الذي أنجاك منه.
"قلت: "حادث! كيف يكون حادثًا، وأنا كنت في بيت هذا وهو من ضربني؟"
أمي: "جدك قال إنك رغبت في العودة إلى المنزل في منتصف الليل، ولكنه رفض، ثم اتصل بأحدهم لكي يأتي في الصباح ليأخذك، ولكنك أصريت على الخروج، حتى أخبرونا أنك في المستشفى بغيبوبة.
"أنا بدهشة: "لا أتذكر كل هذا. يبدو أن هذه قصة اختلقها ذلك الكيان الغريب!"
أمي: "حسنًا، سنرحل أنا ووالدك الآن، وسيتواجد جدك هنا."
أنا: "لا، أمي، أرجوك، أنا بخير، لا أريد جدي، أرجوك، أخبريهم سأعود للمنزل."
أبي (بغضب وحب): "لولا عنادك، لكنت الآن بخير. ماذا أقول، ماذا."
أمي: "لا تقسو عليه هكذا!"
أبي (مقاطعًا أمي): "بسبب دلالك هذا، سوف يرحل منا هذا الولد."
أبي موجهًا حديثه لي (بكل جدية ) "استمع إليّ، سيكون هنا جدك بجوارك شِئت أم أبيت. هل تسمعني؟ وأياك أن تقول له شيئًا يزعجه!"
أمي: "لا تقلق، يا صغيري، سأذهب مع والدك لزيارة أمي في المستشفى الذي في آخر المدينة وسأعود لك. لا تقلق، وهذا جهاز الكمبيوتر المحمول أحضرته لك حتى لا تشعر بالملل.
"رحلوا، وأنا هنا الآن، كتبت هذه القصة بسرعة على جهازي. ذلك "جدي" قد يعود في أي لحظة! إذا استطعت أن أخبركم ماذا حدث لي فيما بعد، فسأكتب مجددًا. انتظروني، وأتمنى أن تصدقوني، فقد كنت ضحية كيان غريب وليس حادثًا مروريًا.