Rashasalem

Share to Social Media

شق الصراخ جوف صباح جديد بعد شروق شمسه وأخذ الصارخ يردد:
"عم"جميل"أتقتل أنجدوني يا ناس " وتخبط الجميع في الحارة الصغيرة ما بين نائم ومن أوشك علي الاستيقاظ؛ كان " مجدي " يصيح بنداءه لأهل الحارة مستنجدا بهم فهو أول من أكتشف مقتل عم "جميل" حيث يخدمه بالصباح هو وحفيده فهو ولد ولم يري أيا من أبويه فوالده "سامح" توفي في حادث أليم حيث انقلاب سيارة العمال التي كان يستقلها فجرا ؛ باحثا علي جنيهات قليلة له ولوالده العجوز وزوجته الحامل "سعيدة" في أبنه أو أبنته قرة عينه ؛ ونزل خبر وفاته كالصاعقة علي الأب والزوجة التي لم تنال من إسمها شيئا طوال حياتها ؛ وجاء "عمرو سامح جميل " الحفيد الأوحد لعم "جميل" فهو كل دنيته والسبب في بقاؤه علي قيد الحياة ؛ وبالرغم أن "عمرو" لم يكن طبيعي فلقد ولد مشوه الوجه و بذراع يمني غير مكتملة النمو ؛ ومشيته تحمل شىء من العرج مما جعله يعاني كثيرا منذ نعومة أظافره ؛ فكان التنمر عليه منذ أن وعي علي الحياة من أطفال الحارة شديد ومهين فتواري عن الأنظار مختبئا من طعنات ألسنتهم الدامية ؛ ونظرا لرقة حال جده "جميل" فهو يهيم في شوارع الحواري الضيقة ليقوم ببيع خضروات علي عربته الخشبية المتهالكة مصدر رزقه هو و الصغير ؛ وكانت نساء الحارة تشفق علي الوليد اليتيم ؛ فأرضعته معظم نساء الحارة ممن رزقن بالولادة حديثا؛ ليصبح نصف الحارة أخوة وأخوات له في الرضاعة ؛وكان "عمرو" هادىء هدوء نسمة صيف الليل اللطيفة فكان حبه يتملك قلوب الكبار لهدوئه ووداعته ؛وكبر "عمرو" بين جدران المنزل المتهالك ومع جده الذي أصبح طاعن في السن عند قتله ؛من قتله لم يملك ذرة إنسانية وهو يقتله بلا رحمة؛فهو لم يكتفي بقتله فقط ولكن شوه جثته بلا رحمة.
"مجدي" هو أول من صدم بالمشهد وكأن من قتل عم "جميل" كان ينتقم منه لسبب مجهول وكأنه قتل للقاتل قتيل هذا الوديع ؛وبين صراخ وعويل تجمد وجه "عمرو" وكأنه نحت من صخروعينيه أمتلأت بدموع ليست كباقي دموع البشر بل انها كانت أشبه بتجمعها علي هيئة من زجاج ؛فهي لم تستجب ان تنهمر لتصبح بكاءا بل أنها تشبثت بسكنة مقلتيه ؛وتدافع أهل الحارة للمواساة وللأتفاق علي كيفية أشتراكهم في رعايته بعد مقتل جده فهو اصبح يتيم من بعده و من بعد وفاة أمه و أبيه ؛ وتباكت نسوة الحارة علي إبنهن في الرضاعة فهو مسكين لا يملك من أمره شيئا؛ لم يحظ من الدنيا بأي نصيب من حظ أو سعادة؛ عندما يحضر له جده قط أو قطة ليقوم بتسليته يستيقظ المنزل علي مشهد لذبح القطة وإلقاءها بالطريق وهي مشوهة ليمزق القلوب بكاء الصغير؛ وأرجع أهل الحارة ذلك الفعل للبلطجي "عتريس" فهو دموي منذ خلق بل أعتقد البعض أنه دموي منذ أن كان في بطن من حملته كأم جنين ؛فهو عنيف عنف لم يراه أحد من البشرية قط ؛ كان يتلذذ بقتل كل ما تطاله أيديه منذ نعومة أظافره الشرسة ؛ فكان يتلذذ بالقتل وتشويه كل ما تطاله أياديه من قطط صغيرة وكلاب وكأنه غراب شرس خسيس يفقع أعينهم قبل تشويههم بقلب لا يعرف للرحمة طريق؛ودار بخلد الجميع أن "عتريس"هو من قام بقتل عم "جميل" بلا رحمة ؛فهو من معتادي الإجرام والشراسة ويفرض إتاوات علي الجميع من يعمل ومن هو عاطل أو حتي مريض؛ مبررا بأنه يحميهم من شر بلطجية الحارات الآخرى ؛ وهو في الحقيقة يقييهم من شر نفسه الدموية القاتلة ؛ وجاءت السلطات الأمنية للتحقيق في حادث مقتل عم "جميل" ورفع البصمات عن الأثاث المتهالك وعن الباب الخشبي المهتريء الذي يصونه هو وحفيده من نسمة هواء باردة في الشتاء أو حرارة الجو بالصيف ولكنها لا تقييهم غدر البشر ؛ وجال الضابط "محسن رؤوف" ضابط المباحث متلقي بلاغ مقتل "جميل" أرجاء الغرفة ؛ فهي غرفة أقل ما يقال عنها أنها آية في التواضع ومثال حي الفقر المدقع ؛وظل "محسن" ينظر بأرجاءها لعله يجد دليل ولكن كل الأدلة كانت تظهر جليا فقر لا يوصف ومنقطع النظير .
وأخذ يحدث نفسه: " يا الله ... الحمد لله علي نعمه الكثيرة ؛ هؤلاء البشر يعيشون حياة أدني من خط الفقر بكثير وراضيين وحامدين وشاكرين" ؛وظل يبحث عن دليل علي تلك الجريمة البشعة ؛فبمعاينة الجثة وجد أنها تم تشويهها بأبشع الطرق وأنه علي مر خدمته وما عاينه من جرائم قتل وحشية إلا أن تلك الجريمة كانت الأبشع علي الإطلاق ؛ ماذا فعل هذا المسن المسكين ليتم تشويه ملامحه وجثته هكذا .
- وتساءل "محسن" قائلا : " يا أمين"طلبة" فين الشهود اللي حاستجوبهم ؟! "
- ليرد الأمين "طلبة" قائلا : " مافيش غير واحد كان بيخدم القتيل اسمه "مجدي" يا باشا".
- واستطرد "محسن" متسائلا :" ومين بيسكن مع القتيل ؟ ".
- أسرع "مجدي"باكيا :"معاه حفيده يا باشا بس ده بتاع ربنا وعنده إيد ورجل عارجة؛يعني وجوده وعدمه واحد لا داري بدنيا ولا حاجة زي ما انت شايف كده يا باشا ؛ والله ما صعبان عليا غير الغلبان ده من بعده حيعيش ازاي ؟ "
- "محسن": " قولي يا "مجدي" مش مجدي بردو مظبوط"
- "مجدي": " مظبوط يا باشا أؤمرني "
- "محسن": "أنتدت شوفت إيه بالظبط ؟ وأكتشفت الجريمة أمتي؟ ؛خلي بالك ياعم "مجدي" كل تفصيلة ولو صغيرة وفاكرها مش مهمة بس ح تبقي مهمة عندي وأقدر بيها أكشف مين قتل"جميل" "
- "مجدي" : " حاضر يا باشا ؛ بس أعذرني لو مش قادر اتلم علي جتتي من اللي شوفته ؛ مين جاله قلب يشرحه كده "
ويبكي مجدي منهارا .
- "مجدي": "بص يا باشا عم"جميل" كان يعتبر مربيني بعد ما أبويا مات و أنا صغير و امي دايما بتوصيني أني أكون في ضله ومش أسيب تلابيب جلابيته ابدا؛ كان له فضل عليا جامد أني كنت حاروح سكة اللي يروح ميرجعش لما شويه عيال شر أتلمت عليا وكانت ح تاكل دماغي ويمشوني معاهم في سكة المخدرات وهو اللي فرملني وحماني من سكة اللي يروح ميرجعش دي"
- "محسن": "كمل يا "مجدي" انا سامعك ؛ وبتخدمه من أمتي "
- "مجدي" :"مكدبش عليك يا باشا ؛أنا مش فاكر من امتي بس لو فضلت عمري كله أخدمه شوية عليه من كتر أفضاله عليا؛ عم"جميل" راجل غلبان أوي بس كان غني بحنيته عليا وعلي كل عيال الحارة؛ كان بيعاملنا كأننا أولاده ؛ كل واحد فالحارة حيحكي لسعادتك تاريخه مع عم "جميل" كل واحد فينا عمل فيه جميل وجميل كبير أوي ؛بص يا باشا انا كنت باجي لعم "جميل" من طلعة الفجر بأجيله أرتب له الخضار علي العربية وأجرها له وأروق له المكان بعد ما أكون جبتلهم الفطار وفطر هو و "عمرو" ويتوكل علي المولي وأشوف طلبات "عمرو" وأتوكل علي الله ؛والنهاردة جيت لقيته سايح في دمه ومقلوب علي وشه ؛ .... وانفجر "مجدي" - في بكاء حار-وأستطرد قائلا .. أفتكرت يا باشا جاتله نوبة السكر فأغمي عليه ووقع علي وشه و"عمرو" لاحول له ولا قوة وكان نايم جامد لأن عم "جميل" الدكتور كتبله حباية صعبة أوي علشان تنيمه فكان ينام للمغرب وساعات للعشا؛ أصل كلام في سرك يا سعادة الباشا هو بتجيله حالات كده اللهم أحفظنا كده كأنه عليه عفريت يصرخ ويتمرمغ في أرضية الأوضة ويطلع صوت يرعب البدن يا باشا وجده الله يرحمه-ويعاود البكاء -وداه الأولياء وكلام بيني وبينك يا باشا عمله زار ووداه لشيوخ ومافيش أي فايدة يا عيني عليك يا عم"جميل" قاسيت كتير ؛ولما لقيته كده يا باشا عدلته لقيت بالمنظر ده وانخرط في عويل وصراخ "
- "محسن":"وحد الله يا عم "مجدي" كده وركز معايا عم"جميل"كان له أعداء أو خصومة مع حد؟ متخانق مع حد أو حد متخانق معاه؟"
- "مجدي":"مكانش فيه أطيب منه يا باشا أعداء منين ... ثم أستغرق "مجدي" في تفكير عميق وسكت فجأة كأنما تذكر شيئا ويخاف ان يفصح عنه"
- "محسن":"إيه يا عم"مجدي" باين عليك أفتكرت حاجة؛ بأفكرك كل تفصيلة صغيرة وهايفة تفتكرها وتقولها ليا حتساعدني اقبض علي اللي قتل عمك "جميل" حبيبك؛مش أنت بردو بتحبه وعاوز اللي قتله بالشكل المتوحش ده يتعاقبة ؛ ولا إيه؟قول متخافش "
- "مجدي":" بص يا باشا وحياة حبيبك النبي محمد حاقولك حاجة بس وحياة ربنا ما تجيب سيرتي؛ أنا غلبان ووحيد أمي ومالهاش حد غيري لو أتقتلت أنا كمان حتعمل إيه المسكينة ؛ أحنا غلابة يا باشا ومالناش قيمة ولا دية "
- "محسن":"متخافش يا"مجدي" اي كلمة حتقولها مش حاسجلها فالتحقيق وحاعتمد عليها فالتحريات وعد شرف مني "
- "مجدي":"وشرفك أغلي وأنضف ما في الدنيا يا باشا وما دمت ادتني الأمان حاقولك كل حاجة ؛ أحنا في الحارة عندنا واحد مؤذي بيبلطج علي خلق الله اسمه "عتريس" مافي نصيبة الا يكون هو وراها؛بيفرض أتاوات علي خلق الله مسابش حد ومن صغره كان يجيب لا مؤاخذة القطط او الكلاب ويقطع في جتتهم يا ولداه فالشارع ويفضل يضحك ويغرق إيديه بدمهم وكذا مرة عم "جميل" كان بيتصدي ليه لكن هو ولا هو هنا ويزيد في بلطجته عالخلق ؛ ومن أسبوع يا باشا عم "جميل" كان عيان ومنزلش يسرح بالخضار كان جتته مولعة نار الله يرحمه واللي ميتسماش"عتريس" معندوش في قلبه رحمة جيه وهدده أنه لو مدفعش الإتاوة ليعمل ويعمل ويبهدله ويدبحه هو والغلبان"عمرو" ويشرب من دمهم بس حيموت "عمرو" الأول علشان يحسره عليه ؛ و اترجاه عم"جميل" يستني عليه بس لما يقدر ينزل ويسرح "
- "محسن":"وبعدين ؟"
- "مجدي": " مقدرش يدفع يا باشا ؛وأترجاه اد اهل الحارة وهو اللي في دماغه في دماغه لحد ما لمينا الإتاوة بس ناقصة ؛أبليس اللعين "عتريس" مرضيش يقبلهم ؛ وهدده قدامنا كلنا ؛بس والنبي يا باشا أنت وعدتني بشرفك الكريم"
- "محسن" : "متخافش يا "مجدي"؛ طيب ملمحتش"عتريس" وانت جاي لعمك "جميل"؟"
- "مجدي":"شوفته بيطوح في آخر الحارة يا باشا "
- "محسن":"تمام يا "مجدي" روح أنت دلوقتي ولما أحتاجك حابعتلك بس اوعدني لو أفتكرت حاجة تيجي لي أوام ؛ إتفقنا؟".
- "مجدي" بخوف وأنكسار:"حاضر يا باشا "
- "محسن" مناديا :"أمين" طلبة " المعمل الجنائي خلص شغله ولا لسه ؟ "
- "طلبة":" خلصوا يا باشا وحناخد الجثة للمشرحة علشان يشوفوا شغلهم "
- "محسن":" فين حفيده أستجوبه؟ "
- "طلبة":" أهوه يا باشا متكوم عالسرير من ساعة ما جينا متحركش أنا خوفت ليكون ميت "
اقترب"محسن"من"عمرو" ليجده يأخذ وضع الجنين مما آثار شفقته وحزنه علي هذا اليتيم ذو العشرون عاما؛كان هزيلا للغاية وضعيف البنية وذراعه الايمن كان غير مكتمل النمو وقصير ؛ ياله من يتيم حاله يمزق القلوب ؛ أقترب منه لعله يجيبه علي الكم الهائل من التساؤلات التي تتصارع داخل عقله ؛ وأقترب منه فوجده يأن كطفل رضيع فقد أمه ويرتجف ؛وربت عليه لعله يطمئنه وبادره بالحديث
- "محسن":"ازيك يا "عمرو" عامل اأيه ؛ أنا أسمي "محسن" ممكن أدردش معاك شوية؟"
نظرات " عمرو " كانت مخيفة جدا وللحظة أعتقد "محسن" أنه يتلبسه شيطان مريد ؛ وسرعان ما طرد"محسن" تلك الافكار التي هي ضد مبادئه و معتقاداته؛كان هناك شىء غريب في هذا الشاب البالغ مزيج عجيب أنتج في ظل فقر مدقع وأعاقة وظروف حياتية لو يري الأغنياء تلك الحياة لظلوا يحمدون الله حتي يوم الدين ؛ وأدرك" محسن" بأنه لا جدوي من أستجوابه الآن؛ ومن الأفضل أن يرجيء الأستجواب فيما بعد ؛يا له من يوم مرهق بدأ مبكرا بجريمة وتمثيل بجثة بطريقة منعدمة الإنسانية؛ مشهد كان يحمل من الرعب ما يكفي لهذا اليوم ؛ وتمم "محسن" علي فريق عمله البحثي وخرج لطرقات الحارة الضيقة ؛ تلاحقه أوجه النسوة والرجال والأطفال يملؤها الرعب بعد أن تم تداول مقتل عم "جميل"كما ينادونه قبل رحيله؛وكما هو حال الشعب المصري يقوم بتسوية أخباره ببهاراته الحارة وما بين حكايات أن شيطان قد فتك به أو أن الجن هو من فعل به ذلك ؛ وأقاويل لا تنتهي تناهي لسمعه من نافذة الغرفة المتهالكة روايات متداولة لأستلهم الأدباء العديد من الروايات المحكمة المتن والدراما ؛ وما بين عويل النساء وهمهمة الرجال مر " محسن " وكأنه يمر بين ممرات غير آمنة أثناء الحروب فالوجوه تحاوطه من كل إتجاه .
وأخيرا عاد "محسن" لمكتبه ليبدأ بهمة في تحديد خطة البحث الجنائي وكان هناك صعوبة لبدء خطة البحث ؛ فلا يوجد سوي شهادة وحيدة ل "مجدي" ؛ دوران الشكوك حول "عتريس" البلطجي ؛ ولكن لن يكتفي بذلك كدليل أتهام ويحاول أن ينهي مهمته في تلك القضية كالبعض ممن يختارون الطرق السهلة لحل القضايا دون تعمق ؛ خصوصا أنها قضية علي الهامش مقتل وتشويه جثة عجوز طاعن في السن لا يشكل للمجتمع أي صدي ولن تتحول إلي قضية رأي عام فهو رجل مجهول للعامة ولن يفتقده سوي أهل الحارة وزبائنه من مشتري الخضروات منه ؛ ولكن "محسن" ضابط كفء دائما كان محط أعجاب وأهتمام رؤساؤه ؛ وظل يفكر "محسن" من أين يبدأ بحثه الجنائي؛ وظل مستيقظا حتي ساعات اليوم التالي الأولي وما بين العديد من فناجين القهوة و اعقاب السجائر المحترقة أختفي معالم مكتبه من كثرتها ؛ أستدعي " كمال " مساعده ليعرض عليه خطة البحث والتي تبدأ بمراقبة "عتريس" والكشف عن صحيفته الجنائية وأستجوابه في مكان تواجده وقت حدوث الجريمة ؛ وأن يتم أعداد تقرير عنه علي وجه السرعة ؛ وتم مراقبة "عتريس" ولأول وهلة كل من يراقبه أو يبحث جنائيا عن سوابقه يتنفس الصعداء لأنه علي يقين أن كل الشبهات تدور حول "عتريس" وهو القاتل بدون شك ؛ ولكن العدالة لا تبني إلا علي اليقين ؛ "عتريس" هذا الرجل عتيد الأجرام مدمن المخدرات بكل أنواعها والتي تسببت في ذهاب عقله وكان يمارس شتي انواع العنف والبلطجة لكي يتمكن من شراء مخدراته ومسكناته ظنا منه انها تذهب بالآلام و بعقله وروحه لبعيد؛ كان شخص كريه من كل من يراه ؛ لم يقترب منه أحد ليري أي مزايا خافية بداخله فالكل اطلق عليه "عتريس الإبليس" فهو يتفوق علي إبليس في شره وتفننه فيه ؛ لا أحد يعلم من جاء به صغيرا للحارة فلم يري أحد له اهل وكأنه فرع خبيث تم إقتطاعه من شجرة خبيثة مثله ؛ وتم إستدعاؤه للتحقيق معه حول مكان تواجده وقت حدوث الجريمة؛ولماذا هدد عم "جميل" العجوز الطاعن في السن الضعيف الذي لا حيلة له ولا يجد من يدافع عنه .
وبدء التحقيق معه كالتالي وكان "محسن" يراقب سير التحقيق من وراء زجاج خافي وكان التحقيق يتم مع الضابط "كمال" ..
- "كمال" لكاتب التحقيقات : " اكتب يا محمد .. وقد مثل المذكور أمامنا في الساعة التاسعة تماما وتم سؤاله بما يلي
- " أسمك وسنك وعنوانك ؟ "
- أنتبه له "عتريس" وآثار المخدرات تسحق ملامحه وتثقل من لسانه ثم أستهل جوابه بضحكة غير طبيعية : " أسمي 😀😀 عتريس لكن متسألنيش يا بيه علي باقي اسمي لانه وقع مني من ساعة ما أتولدت 😀😀😀😀 الدنيا نشلته مني يا بيه وسني أهوه ده اللي معرفوش مكدبش عليك أنا وعنواني أوضة حقيرة وجيراني الفيران والعقارب والتعابين .. بس الشهادة لله يا بيه هما احن عليا من البشر ااه 😂😂😂😂
- "كمال" : " ما تتعدل كده وأحترم التحقيق أنت فاكرني واحد من العيال الصيع اللي تعرفهم أظبط نفسك كده أنت مبلبع ايه ايه ؛ بأقولك أيه يا تلم ليلتك معايا ؛ يا أما أعمل محضر تعاطي ولو زهقتني زيادة أحليه وأخليه أتجار وتتعفن جوا السجن "
- "عتريس" : "لا والنبي يا بيه ؛ حتظبط وكأن المخدرات المتنوعة التي تعاطها توقفت آثارها إذ فجاة ؛ وكأنه قد تبدل وأستطاع أن يتحكم في تأثير المخدرات عليه؛ وأستطرد ..معاك يا بيه أتفضل أسأل وأجاوبك بعون الله "
- " كمال" : " سين .. كنت فين ما بين الساعة اربعة الفجر وخمسة الفجر يوم التلات اللي فات ؟ جيم .. "
- "عتريس" : "حتصدقني يا بيه لو قولتلك مش فاكر "
- "كمال": "ولااا أتعدل معايا لأعدلك و أجيب الصول"توفيق " يعدلك "
- "عتريس" : "سايق عليك النبي يا بيه بلاش الصول "توفيق" حافتكر والله " ؛ واتحول البلطجي "عتريس" وكأنه طفل يخاف العقاب من معلمه او أبيه أو مدير المدرسة لدرجة أن "كمال" لوهلة أعتقد بأنه قد تبدل بشخص اخر .
- "عتريس" : " أنا يا بيه هايم كده فالشوارع أرجع الأوضة ليه واللي الكلب يقرف يعيش فيها ؛ بس الأكيد يا بيه كنت فالشارع و مكانش حد فالشارع وقتها يقدر يشهد كنت فين "
استعجب "كمال" من تحوله العجيب وتبدله وكأن الرزانة أتخذت اليه سبيل ؛ وقال : "طيب يا "عتريس" ح اعدي السؤال ده بس مؤقتا متفرحش انك فلت من السؤال ؛ سين .. ايه علاقتك بالقتيل عم "جميل" وأيه أقوالك حسب ما نسب لأنك أتخانقت معاه خناقة لرب السما وهددته بقتل حفيده قدامه لتعذيبه وبعدين قتله علشان مدفعش الأتاوة وفيه شهود كتير من أهل الحارة علي كده ؟ "
- "عتريس" : "يا بيه كل الحارة انا بأهددها لما حد يجرؤ ميدفعش أتاوتي ؛ بس الشهود دي تشهد شهادة حق أني منفذتش ولا تهديد ولا مسيت حد ولا أذيت حد ؛ يا بيه أنا يمكن ربنا أداني جسم عريض بأخوف بيه الناس علشان بس أعيش من الأتاوات اللي بأخدها منهم ؛ ولما كشيت فيهم واترعبوا حليت اللعبة في عينيا لكن وربنا المعبود عمري ما مديت ايدي علي حد وبعدين عم "جميل" ده حبيبي وعمري ما اذيته والتهديد كان ساعة شيطان ؛ بس حد الله بيني وبين دمه ااااه "
- "كمال" : " أنت ح تنورنا بقي فالزنزانة كده نتأنس بيك وأهوه لما تعاشرنا يمكن تفتكر كنت فين وتتنعنش معاك الذاكرة كده ؛ يا عسكري.. خد الجته دي وأرميه فالزنزانة لحد ما يتعدل كده ويفتكر اللي ناسيه ؛ بس محدش يمد أيده عليه "
- "عتريس":" تشكر يا بيه البهوات كلهم ؛ موشكرين علي الواجب ده أهوه اترحم من القرف اللي برا ؛ خليني عندكم يومين شهر شهرين أنا معاكم وتحت أمركم وخدامكم أنا".
- "كمال" : "يالا يا عسكري أسحب برميل اللماضة ده من قدامي"
ونفث "محسن" دخان سيجارته وهو يحك دقنه مفكرا في خطوة البحث التالية والتي ستتحدد بعد صدور تقرير الطب الشرعي عن الجريمة وكيفية القتل وتشريح الجثة .
وصدر تقرير الطب الشرعي ليبين أن القتيل قد قتل فيما بين الساعة الرابعة فجرا وحتي الخامسة فجرا أي قبل أكتشاف الواقعة مباشرة حيث أن بمباشرة الجثة وجد أنها لم تتيبس تيبس تام مما يدل علي أحتمالية أن القتيل لم يمكث طويلا لحين أكتشاف الواقعة ؛ وأن القتل تم باداة حادة هلالية الشكل أشبه بما يستخدمه الباعة في قطع فاكهة الموز مثلا وقد تم تحديد مواصفاتها طبقا لشكل الجرح القطعي بالرقبة نتيجة نحر الضحية وتلاحظ ان النحر جاء بشكل متعرج علي الرقبة وغير متعمق ما يدل علي أحتمالية أن القاتل غير محترف حيث الدلائل تشير بأنه أثناء النحر كانت يده مرتعشة وجاء النحر مبتدأ من الجهة اليمني من الرقبة ؛ ومن مناظرة الجثة تبين ان القتيل لم تحدث الوفاة فور النحر ولكن تشويه الوجه والجثة جاءت بضربات متتالية حادة تنم علي دافع الانتقام ؛ مما عجل بوفاة المجني عليه نتيجة الهبوط الحاد في الدورة الدموية لتعدد الطعنات في الوجه والجسم ومن الواضح بأن القاتل قد أثير من منظر تدفق الدماء في بداية طعنه له فعاجله بطعنات عنيفة بنفس الأداة المحتمل أستخدامها من قبل القاتل ويتضح ذلك من تناثر دماء القتيل علي زوايا الحجرة "مسرح الجريمة"؛ومن معاينة ملابس القتيل تبين أن القاتل قد قام بكفه علي وجهه حيث أن الملابس من الخلف لم يخلف عليها دماء القتيل ولكن الجهة الأمامية تشبعت بالدماء مما يدل أن القاتل قد قام بذلك وجعل القتيل مستلقي علي وجهه وهذا ما اتضح من اثار تحول الوجه للون الأزرق نتيجة الكدمات بسبب إلقاء الجثة علي وجهها ؛ كما تلاحظ وجود بقعة دم غريبة لا تخص القتيل ؛ وبقايا آثار لجلد بشري أسفل أظافر المجني عليه مما يدل انه قد حاول المقاومة وتسبب القتيل في إصابة القاتل بجروح غير سطحية يحتمل ان تكون بذراع القاتل أو وجهه وهو الأحتمال الأرجح كدليل للتعرف علي القاتل.
وانتهي التقرير علي ذلك
وأصدرت النيابة أوامرها بالتصريح بدفن جثة "جميل سليمان" وذلك بعد إنتهاء مصلحة الطب الشرعي من مناظرة الجثة وإتمام تقريرها حول الجريمة وملابساتها ؛ يتم إستدعاء المدعو "عتريس" لسراي النيابة للتحقيق معه مع مناظرته في مصلحة الطب الشرعي وذلك للكشف عن وجود أي آثار لجروح حديثة علي إحدي الذراعين أو الرقبة أو كلاهما وفحص عينة من دماؤه لبيان مدي مطابقتها مع عينة بقعة الدماء المجهولة والتي وجدت في مسرح الجريمة.
وتم ترحيل "عتريس" لسراي النيابة وأستمر التحقيق معه لقرابة الساعتين دون جدوي وأحيل للطب الشرعي لبيان وجود جروح في تلك الأماكن وأخذ عينة من دماؤه لتحليلها وأستمرار حبسه علي ذمة القضية .
حارة "درب السعادة" والتي لم تلق أي نصيب من إسمها أخذ أهل الحارة يتساءلون فيما بينهم علي من القاتل ولماذا فعل ذلك بعم "جميل" وما مصير حفيده عمرو ومن سيرعاه ؟
وأفاق "مجدي" صارخا :" "عمرو" أحنا نسيناه وأنا نسيته؛ أخص عليا دي الأمانة اللي أمنها المرحوم ليا؛ سامحني يا عم "جميل" ودمك الطاهر ما حنسي وعدي ليك تاني أبدا "
ودخل "مجدي" غرفة عم "جميل" ليتفقد أحوال "عمرو" فوجده نائم كأنه لم ينم من قرون وهو منكمش علي نفسه كوضع الجنين كما كان وضعه بعد أكتشاف الجريمة مستغرق في النوم كالقتيل ؛ فربت علي جسده يحاول إيقاظه دون جدوي وأرجع ذلك للعلاج القوي الذي وصف له حتي لا يتعرض لنوبات الهياج مرة اخري "مسكين يا "عمرو" وأنا دايما أقول لنفسي يا واد يا "مجدي" أنت حظك قليل في الدنيا وأنت يا كبدي عليك مالكش حظ خالص ؛ااايه سبحانه من له الدوام" وجاء صوت نسائي ليستفيق "مجدي" عليه: "يخيبك يا واد يا "مجدي" أنت أتهبشت في نافوخك وبتكلم نفسك "
"مجدي":"خضتيني يا خالة " نبوية " هو بعد اللي شوفته فيا عقل يتهبش بردو ؛ ده أنا بأتحسر عالواد الغلبان ده وعلي مصيره "
"نبوية" : " تصدق يا واد عندك حق يا كبدي عليه الغلبان ده حيعمل إيه من بعد قتل جده "جميل" الراجل كان طيب وفي حاله يجراله كل ده ليه والغلبان ده ذنبه إيه ؛ ااايه له في خلقه شئون يا واد؛هم معايا ساعدني نروق للواد الأوضة ونهويها من خرم الأبرة اللي بيطل علي جزم الناس اللي ماشية فالحارة ؛ والنبي لو عندي مكان له في الحوء اللي عايشين فيه لكنت سكنته جوا رموش عينيا بس أعمل ايه ايه في الجرمء اللي متعلق في رقبتي بس ؛ القصد يالا ايديك في ايدي نروقها ؛ وطير هاتلي خضار الله يرحمك يا عم "جميل" ويبشبش الطوبة اللي تحت دماغك كان كل يوم ياض يا "مجدي" يرجعلي بكيس خضار بواقي ويقولي خدي يا " نبوية " ياختي أكلي عيالك وتختتم حديثها باكية "الله يرحمك" كنت طيب وحنين وعمرك ما أذيت نملة حتي مش مخلوق "
- "مجدي" :"ومين سمعك يا خالة " نبوية " ؛ يالا يا خالة أساعدك وشوفي عاوزة طلبات إيه استئضاها من السوق"
وعكف الأثنان علي تنظيف الحجرة وما آثار إنتباههم هو أستغراق"عمرو" في النوم العميق وكأنه ينام في قبر تحت الارض لا يسمع ولا يحس بوجودهما وأنتهيا من التنظيف وتهوية الغرفة وذهبا كلا لما يشغله؛ ومرت الأيام وأهل الحارة يتناوبون علي خدمة "عمرو" وفاءا بالجميل للمرحوم "جميل" ؛ وأمسك "محسن" بنسخة من تقرير المعمل الجنائي والخاص بفحص "عتريس" وتحليل عينة من دمه وتبين وجود جروح حديثة بمنطقة الذراع والرقبة مما قد يكون هناك أحتمال أن يكون هو القاتل اخذ يفكر " محسن" محدثا نفسه "بس عينة الدم هي الفيصل" ؛ وجد ان هناك عدم تطابق بين عينة الدم الغريبة وبين دم المشتبه فيه ؛ فاستطرد " محسن ":" ااااه يبقي مفضلش غير تحليل عينة من جلده ولو طلعت إيجابية يبقي القضية أتقفلت وأنحلت ؛ بس لا.. أنا حاسس أن القضية فيها حاجة مش مريحاني ؛ أما نشوف عينة الجلد تتطابقت هي كمان ولا إيه؟؟ ! "
- وظل "محسن" في إنتظار صدور قرار النيابة بأخذ عينات من "عتريس" للتأكد بمضاهاتها عن طريق البصمة الوراثية من عدمه لبقايا الجلد المأخوذة من الجثة وتخص القتيل".
- ومرت الأيام ببطء وحانت اللحظة المنتظرة ورود التقرير ليضع حد وإجابة شافية "عتريس" هو القاتل أم مجهول آخر ؟
- وجاء بالتقرير مفاجأة ترجمت علي هيئة صدمة حيث جاء فيه "لم تتطابق العينة المأخوذة من المشتبه فيه وذلك عن طريق تحليل البصمة الوراثية التي أثبتت عدم التطابق مع آثار العينات الموجودة تحت أظافر القتيل .
- و انتهي التقرير
- وأخذ "محسن" يغرق في بحر عاصف من التفكير لعله يهتدي لخيط أو سبيل يعيد فيه تحرياته مرة آخري ففي هذه الحالة سيتم الإفراج عن "عتريس" من سراي النيابة ويحال له الأمر بإستمرار البحث الجنائي لإيجاد القاتل ؛ يالها من ورطة .
لم يلجأ "محسن" لإستدعاء احد من أهل الحارة لمكتبه كما هو معتاد بل عزم أن يجول في أركان الحارة الضيقة ليستجوب كل من كان له صلة بالقتيل ؛ وبدأ ب "مجدي" كدليل له يرشده عن من هم المقربين من عم "جميل" ؛ وألتقاه بالفعل وبدأ أسئلته مع أقرب الجيران لغرفة القتيل "نبوية" أمرأة في العقد الخامس من عمرها تعيش في شقة متواضعة جدا مليئة بأطفال وشباب ونسوة من كافة الأعمار؛وشعر "محسن" كأنه قد أستقل حافلة مزدحمة بالكامل وليس شقة تخص سكن بشر !!.
- وبدء حديثه متسائلا : " كل دول تبعك يا "نبوية" ده انتي بتوع تنظيم الأسرة حيتصرفوا أزاي معاكي جبتيهم امتي دول "
- تضحك "نبوية" لتكشف عن فم غاب عنه مقدمته من أسنان ليشكل طاقة نور ومصدر تهوية لجوفها ولوجه من تتحدث معه : "يحظك يا باشا ؛ والنبي أنت باشا عسل ؛ فضلة خيرك أولادي وأحفادي ؛ 😂😂😂 ؛ أنهي بطن تجيب الجرمء ده كله يا باشا 😂😂😂 تشرب إيه يا باشا ؟ أنا ست علي أد حالي بس نضيفة والله وتشرب من أدي كوباية شاي عسل تحلف بيها ؛ سكرك أيه يا سعادة الباشا ؟ بت يا "هناء" حطي البراد علي البوتاجاز يا بت للباشا وأغسيله وصبنيه كويس هو والكوباية "
- "محسن" : "تسلمي يا ست "نبوية" ؛ وعلي ما "هناء" تصبن البراد والكوباية وتجيب الشاى؛ عاوز أدردش معاكي شوية"
- "نبوية" : " أؤمر يا باشا تحت أمرك "
- "محسن" : "بصي يا "نبوية" عاوزك تركزي أوي معايا علشان تجاوبي علي كل حاجة أسألك فيها علشان أقدر أقبض علي اللي قتله ولا إيه "
- "نبوية" : "من عينيا يا باشا أسأل وأنا أجاوب "
- "محسن" : "قوليلي بقي عم "جميل" محدش كان بيجيله يزوره أبدا ؛ قرايب أو معارف ؛ كان له صحاب ؟"
- "نبوية" : "بص يا باشا الكدب خيبة بس عم "جميل" من بعد موت أبنه "سامح" ومرات أبنه "سعيدة" اللي ماتت وهي يا عيني بتولد الواد "عمرو" وهو قافل عليه بابه ومشوفتش حد جاله نوهائي إلا رجالة من حارتنا أو كده ... وسكتت قليلا كأنما اعترض تفكيرها مشهد جعلها تتوقف عن الكلام "
- "محسن" : "آيه يا "نبوية" سكتي ليه ؟ افتكرتي إيه أشركيني معاكي"
- "نبوية" :"أصلي أفتكرت حاجة كده جت زي طيف كده في نافوخي؛ في مرة يا باشا جيه راجل من الكبارات دول النضاف المستحميين كده دول ولابس بدلة وآخر ألاجاه وروايح إيه ونضافة إيه وسألني علي عم "جميل" شاورت له عالأوضة وكان معاه واحد كده مش بيه يعني مش زي الاولاني ؛ ودخلوا عنده ساعتها كنت أنا طالعة أنشر الغسيل فوق السطح وأنا نازلة عالسلم بعد ما خلصت نيشير سمعت الواد "عمرو" بيصرخ بعزم ما فيه أصله يا ويلداه عنده نوبة كده الشر برا وبعيد يا بيه يهيج ويصرخ وفين علي ما سكت ولقيت البيه ده واللي مش بيه التاني طالعين وبيتلفتوا كده وبيمسحوا عرقهم كانهم خايفين من حاجة ومرعوبين سالت عم "جميل" بعدها فيه إيه مردش وسكت خالص وكان بردو بينشف عرقه وكان فيه تعويرة في إيده كده "
- "محسن" : "تعويرة إزاي يعني يا"نبوية" وكان الموضوع ده من أمتي ؟ "
- وقطعت "هناء" الحديث بدخولها بصينية الشاي وتركتها وخلفتهم يستكملون الحديث.
- "نبوية" :"بص يا باشا تعويرة مكنتش جامدة يعني بس هو طلب مني حبة بن يكبس بيها الجرح ولما سالته بالاوي وصمصمت افهم يا بيه إيه العوبارة لا مؤاخذة قالي اصل ده دكتور رأف بحالي وجيه يكشف علي الواد جاتله النوبة علي مجيته وانا انخبطت في الكرسي وايدي جابت دم أدوله الدوا يهديه وكتبوله علاج وقالي كانه بيأكد عليا أنه دي كل الحكاية "
"محسن" : " أمتي حصل ده يا "نبوية" ؟ "
" نبوية " : " يجي من شهر كده يا باشا ؛ وبعدها لفح عم "جميل " الواد "عمرو" علي عربية الخضار الصغيرة اللي كان بيسرح بيها وغطاه وقولتله رايح فين قالي رايح أكشف عليه ؛ بس الشهادة لله الواد كان كأن ملك النوم حضر عليه مش حاطط منطأ يا باشا ومبيكلمش ورايح في دنيا تانية ولما سألته ماله الواد عامل كده ليه ؟ " قالي : " أبدا أصله واخد العلاج مدروخه شوية قولتله : " مدروخ إيه ده الواد رايح خالص ؛ طب انداهلك الواد "مجدي" طاه " قالي : " لا وهو بيجري وقالي متقوليش لحد حاجة الواد مش ناقص يتريقوا عليه وخباه بملاية قديمة أصل الواد أكمن وشه متشوهه العيال فالحارة بتزفه وأديه بقاله سنين لا بيشوف دنيا ولا بيشم هوا ولا عايش زي اللي في سنه كبدي عليه أتيتم بدري أوي ؛ أشرب يا باشا الشاي حيبرد "
مد "محسن" يده متناولا كوب الشاي ليحتسيه مفكرا و استطرد الحديث معها قائلا: "فيه حد تاني زاره في خلال الشهر ده ؟ "
"نبوية" : " لا يا باشا ... وسكتت أيضا لبعض الوقت ثم أستطردت :"أنا أفتكرت حاجة يا باشا المرحوم جاله قبل الواد "عتريس " البلطجي أشوف فيه يوم مطلعتلهوش شمس وأبقي عايشة كده و أشفي غليلي منه أبن الأبالسة ده ؛ جاله واحد بجلابية كده غريب أول مرة أشوفه وكان صوتهم عالي أوي وكأنهم بيتعاركوا سوا بس اللي سمعته أنه عم "جميل" بيقول له أنت عرفت مكاني إزاي ؟؟ !! وإيه فكرك بيا ؟!! مش كفاية ضنايا مات في عز شبابه ؛ وشوية كملوا عراك وبعدين صرخ وقاله: "حفيدي ده من ريحة المرحوم وحصلت خناقة وكركبة كده بيني وبينك خوفت أطلع أشوف فيه إيه لأن العركة دي كانت حوالي زي ما تقول اتنين الفجر ؛ بس شوية والغريب أبو جلابية ده خرج بس كان وشه متعور "
- ألتمعت أعين " محسن " محدثا : " وكان ده أمتي بالظبط يا "نبوية" والراجل ده لو شوفتيه تعرفيه ؟ "
- " نبوية " : " بص أباشا .. أمتي؟ كان يوم ما أتقتل الف رحمة ونور عليك يا عم "جميل" أيوه يوم الخميس قبب الفجرية بحبة كده وكان صابح الجمعة وهو ياعيني أتقتل الفجر بعدها ؛ بس الراجل شوفته من الشباك وهو بيجري فمتحققتش منه أوي بردك يا باشا "
- "محسن" : "بصي يا " نبوية" الأول أنتي بتعرفي تقري؟ "
- "نبوية" : " الكدب خيبة يا باشا مبعرفش بس البت نوسة بتعرف تعالي يا بت يا نوسة قربي يا بت متخافيش ده الباشا حلو وشربات وسكر قربي يا موكوسة وأنتي طالعة باردة لأمك "
- - "محسن" : "أهلا يا ست "نوسة "- تعلو التكشيرة وجهها بعد ما تم نعتها بالبرود كأمها- أزيك باين عليكي شاطرة أنا حادي لها ورقة يا "نبوية" فيها نمرتي لما تفتكري حاجة يا نبوية تانية تكلميني ؛ وبس حاتعبك معايا في حاجة أنك تيجي معايا مكتبي فالقسم .. وعندها لطمت "نبوية" وجهها قائلة : "يا نصيبتي ليه يا باشا بت يا "هناء" تلاقيكي عملتي الشاي كوبياه وقليتي مزاج الباشا وعاوز يحبسني عنده بسببك يا اللي تنشكي انتي اااه ياني طول عمري متعذبة في تربيتكم والآخر أتسجن بسببكم؟ يا لهوويتي "
- وقطع "محسن" وصلة النواح قائلا : "يا ست "نبوية" مين قال حبس وسجن أنا عاوزك بس توصفي للرسام اللي عندنا أوصاف الراجل ابو بدلة واللي معاه وكمان لو قدرتي تفتكري اوصاف اأبو جلابية تكوني خدمتي العدالة خدمة العمر"
" نبوية" : " دي العدالة دي حتة من قلبي كده اااه يا باشا ده انا أخدمها انا والعيال الناقصة دي عيالي وأحفادي برموش عينينا الجوز" وكانت ضحكتها خير خاتمة بابتلاع هواء الغرفة لجوفها وإطلاق رذاذ مائي من طاقة ثغرها .
ومضي "محسن " في طريقه يسأل أهل الحارة أن كانوا قد شاهدوا احد من الثلاث المجهولين التي روت عنهم "نبوية" في اقوالها؛ووجد رجل من اهل الحارة قد رأي المجهول ذو الجلباب وأكد ما قالته "نبوية" بأنه كان يداري جرح في احد خديه بالفعل وفر هاربا بعدها؛ وتطابق وقت تشاجر هذا المجهول مع القتيل مع رواية " نبوية " حيث يعود الشاهد من عمله قرب الفجر فأستطاع ان يراه وهو يفر هاربا أثناء رجوعه لمنزله.
وتم حضور كل من "نبوية " و "مرسي" الشاهد الثاني ليدلوا بأوصاف المجهول ذو الجلباب ؛ وتدلي "نبوية" منفردة بأوصاف من أدعي القتيل بأنه جاء ومن معه للكشف علي حفيده.
ونظر "محسن" في الصور للمجهولين الثلاثة و امر بالبحث الجنائي والكشف عن هويتهم وتتبعهم ومعرفة صلتهم بالقتيل ؛ وكان البحث شاق ومرير ومرت الأيام دون ان تجيب باي جواب عن من هم المجهولين الثلاثة .
إلي أن جاء يوم رن جرس هاتف "محسن" برقم مجهول لتجيبه "نبوية" : "أيوه يا باشا فاكرني أنا "نبوية" أحنا قبضنا يووووه يقطعني 😂😂😂😂😂أحنا مسكنا الواد اللي مش بيه اللي جيه مع البيه النضيف الأولاني تعال بسرعة يا باشا مسنتظرينك علشان نكمل بعضيشنا وكلنا نخدم العدالة 😂😂😂"
- "محسن" :"جايلك حالا يا "نبوية" مسافة السكة متخلهوش يفلت منكم "
- وأسرع "محسن" مصطحبا قوة من المباحث للقبض علي المشتبه فيه المجهول والتحقيق معه.
نادي أهل الحارة علي "محسن" وأرشاده بالدخول بسيارة القوة الأمنية حتي بداية الحارة نظرا لضيق دروبها بعد ذلك وكان يصيحون " اتفضل يا باشا أحنا و"نبوية" قبضنالك عالمجرم اللي مش بيه يا باشا "
ولم يدري "محسن" كيف يتمالك نفسه ولا ينخرط في الضحك؛ فالشعب المصري يمتلك خفة دم غير طبيعية.
ودخلت القوة لتلقي القبض علي المشتبه فيه ؛ ووجد "نبوية" وعشيرتها قد اجهزت عليه 😂😂😂😂 بما لا يدع للشك بانه سيعترف بضلوعه في القتل حتي وأن كان بريء ؛ يجب أن افكر جديا ان أضم "نبوية" للمخبرين معي 😂😂😂😂 وضحك "محسن" علي حواره الداخلي لنفسه ؛ وبادر بالحديث قائلا :
" سلامو عليكو يا ست "نبوية" تسلموا يا شباب بس نخف عالراجل شوية لحسن يفطس منكم ؛ أنتم قبضتوا عليه ولا اجدعها قوة امنية ؛ سيبهولي بقي "
أستغاث المشتبه المجهول قائلا : "ألحقني يا باشا أنجدني ده تحية الحكومة علي القفا أهون عليا بكتير 😭😭😭😭"
- كتم "محسن" ضحكته بصعوبة فلم يري مشهد كوميدي أكثر أضحاكا من مثل هذا المشهد: "فكوه يا رجالة ومتشكرين للواجب ده وخدمتكم للعدالة كانت خدمة كبيرة ؛ خده يا عسكري علي البوكس "
- وغادر "محسن" مع القوة الأمنية والمشتبه المجهول لمكتبه ليبدأ معه في سلسلة متلاحقة من الأسئلة والتحقيقات لعله يصل للجاني بأسرع وقت ؛ يا له من يوم مرهق يضاف لسنوات خدمته الوظيفية .
- صاح "محسن" مناديا: "يا عسكري دخل الراجل اللي جبناه معانا في البوكس وأعملي كوباية قهوة دوبل بسرعة".
ودخل المشتبه كان شاب في العقد العشرين من عمره ممتلىء الجسم وملامحه تدل علي أنه من الطبقة دون المتوسطة حتي وإن كان يرتدي ملابس قد تكون مرفهة قليلا .
- "محسن" : "سين .. أسمك وسنك وعنوانك "
- اجاب المشتبه المجهول : " أيمن مسعود يا باشا سني ٢٧ سنة عنواني الجيارة مصر القديمة يا باشا "
- "محسن" : " إيه علاقتك بالقتيل؟ وليه زرته أنت وشخص تاني قبل الحادث بشهر تقريبا "
- "أيمن" : "والله يا باشا ما عملت حاجة ولا ليا دعوة هو اللي اسمه "جميل" جالي أتوسط له عند " فوزى" باشا علشان يعالج له الواد حفيده وجيناله علشان كده بس الواد تقولش شاف شيطان قدامه وهاج علينا ولا شمهورش "
- "محسن" : " وإيه حكاية تعويرة القتيل وقت ما كنتم عنده في أيده وفي شهود علي كده فمتحاولش تنكر "
- "أيمن":"بص يا باشا الواد لما هاج علينا حاول جده يهديه أبدا وطاح فيه وفينا وخبطه في حرف ترابيزة خشبها متاكل فعورته ؛ ودي كل القصة يا باشا "
- "محسن" : " و"فوزى" ده بيشتغل أيه بالظبط؟ "
- أرتبك "أيمن" وتصبب عرقا : " وقال ااااا "فوزي" باشا اااه ده راجل بيعمل خير يا باشا وبيعالج حالات زي حالة الواد ده "
- "محسن" : " اللي هو بيعمل خير أزاي بقي ؟!!؛ عاوز أفكرك أنك في تحقيق رسمي مش قعدة في قهوة بلدي تهلفط بأي كلام وفاكر أنه حيخييل عليا الكلام ده ما تنطق بدل ما أعرف أنطقك كويس؛ يا عسكري خلي أمين" فتحي" يعمل للواد ده فيش وتشبيه ويكشف عليه جنائي إلا الواد ده شكله سوابق وحنلاقي بلاوي عليه "
- وفي لحظة أنهار "أيمن" باكيا : "لا والنبي يا باشا ؛ حاقول كل حاجة بس بلاش كشف عليا؛ وحأعترف بكل حاجة "
- "محسن" : "أنصرف أنت ياعسكري أما أشوف حكايته ولو طلع بيكدب حاناديك تاني وأنت فاهم بقي "
- " أيمن " : "وشرفك الغالي يا باشا لحأقول علي كل حاجة ويا روح ما بعدك روح ؛ أنا أتمرمطت في كذا شغلانة لحد ما جاتلي شغلانة وقعت في عبي ان ببقي وسيط أو زي ما تقول كده سمسار"
- "محسن" : "أنت حتصيع عليا يالا سمسار إيه و"فوزي" بيعمل خير وبيعالج ؟!! أنت حصل في مخك حاجة ما تظبط نفسك بدل ما أظبطك "
- "أيمن" : "يا باشا بوراحة عليا انا جايلك فالكلام أهوه بس بشرفك الغالي تديني الأمان وتوعدني أن أسمي مش حيجي في أي ورق رسمي يوديني في داهية الناس اللي ححكيلك عنهم مش يقتلوني دول يشرحوني في مشرحتهم"
- "محسن" : "مش فاهم أزاي يعني ؟ "
- "أيمن" : "حاقولك يا باشا "فوزى" بيه ده له علاقات عليوي أوي بيجيله عيانيين خلصانيين اللي محتاج نقل كبد واللي نقل كلي أو أيتوها عضو يحتاجه وأنا مهمتي أجيب اللي يتاخد منه اللي محتاجة الخلصانيين دول "
- "محسن" : "سمسار أعضاء يعني والأتجار فيها ده أنت بلوتك مسيحة وبعدين إيه جابكم للقتيل وهو محلتهوش مليم يدفعهولك لو حفيده عيان ومحتاج عضو من عندكم"
- "أيمن" : ""جميل" إيه الكحيان ده اللي يحتاج ولا يدفع ده ضلالي وحلال فيه الدبح ؛ ده جالي عن طريق معرفة وطلب أنه عنده جته وعارض أعضاءها للبيع "
- "محسن" : "أيه الكلام الملغفن ده يا واد أنت "جميل" مين اللي يعرض أعضاء ده وهو كبير ومليان أمراض أكيد أنت بتستعبط عليا يالا "
- "أيمن" :"يا باشا "جميل" مين اللي يعرض أعضاؤه ؛ ده رجله كانت والقبر "
- "محسن" : " أومال مين ؟ "
- "أيمن " : "الواد حفيده يا باشا وكان " فوزى بيه " وأنا جايين علشان يعاين الواد علشان لو طلع تمام ؛ يتحول للمعمل اللي تبعنا ونعمله الفحوصات اللازمة أذا نفع نتوكل علي الله ونقسمه علي الخلصانيين "
- "محسن " : "تقسموا مين يالا أنت بتتكلم أزاي ؟ قصدك ياخدوا كلية فص كبد ؟"
- "أيمن" : "يا باشا الضلالي "جميل" كان ناوي يبيع الواد ويتفضي كله حتي عينيه "
- " محسن " : " يا ضلالية "
- " ايمن " : " يا باشا أقسم بالله أن دي الحقيقة وباظت الشغلانة لما الواد كان صاحي وسمع كلامنا فهاج ودور التكسير وعوره وأحنا جرينا عالسلم ومنعرفش طلعنا أزاي من باب الأوضة المشئومة دي ؛ وركبنا الريح وطيرنا برا الحارة الشؤم دي "
- "محسن" : "وبعدين "
- "أيمن" : "حاول اللي ميتسماش يتوسط تاني نعاين الواد بس حلفنا ما نخطي له عتبة باب فاتفق معانا حيجيبه هادي لحد عندنا ناخد العينات للتحاليل ونشوف اعضاؤه تنفع حد من القايمة الطويلة ولا إيه؟ أتاري الواد طلع مرزق وطلع كل اعضاؤه تنفع للخلصانيين اللي عندنا وجيت أبلغه بده بعد ما كلمته يوم الخميس اواخري كده وقالي خلاص حدد لي معاد اجيب الواد وتدوني الفلوس كلها علي داير مليم قبل ما تصفوا اعضاء الواد وتاخدوها ولما عدي فترة كبيرة يا باشا لا جاب الواد وجيه ولا اتصل والخلصانيين واكلين نافوخ " فوزى بيه" قولت أجي بنفسي أشوف أيه اللي حصل ؛ ودي كل الحكاية يا باشا "
- " محسن" : " يا عسكري خد الواد ده من قدامي أرميه فالحبس يالا مش طايق أشوفه؛ يا نهاركم أسود أيه الأجرام ده "
- "أيمن" : "وأحنا مالنا يا بيه ما بين البايع والشاري يفتح الله "
أخذ "محسن" يفكر بأن القضية قد أتخذت أبعاد آخري لم تكن في الحسبان وأن صح ما جاء بأقوال "أيمن" فان القتيل كان وراءه أسرار كثيرة الله أعلم ما هي؛ومن هو المجهول ذو الجلباب فهو المشتبه الآن في جريمة القتل الغامضة .
وكيف تسول له نفسه أن يتاجر في حفيده اليتيم ؛ يا له من شاب مسكين ؛ بدل ما أن يكون القتيل سنده أصبح هو التهديد الأوحد في حياته .
وظل البحث عن المجهول ذو الجلباب الذي لا يوجد له أثر سوي ورقة لصورة تخيلية له نتيجة وصف الشهود لشهور طوال ؛ ولكن تحدي "محسن" في مواصلة البحث دون أنقطاع لأنه يملك أرادة فولاذية لكشف هذا اللغز .
وجاء بلاغ النجدة للجهات الأمنية والصحية بوقوع حادث علي طريق الصعيد ووقوع ضحايا كثر حيث تم توزيع نقلهم للمستشفيات القريبة من الحادث إلا أن نظرا لعظم حجم الكارثة أصدرت أوامر رئاسية بنقل الحالات الحرجة لمستشفيات كبري بالقاهرة ؛ حيث تم نقل حالتين كحالات حرجة ولم يستدل علي هويتهما أحداهما مصاب بكسور متعددة وفاقد للوعي تماما وأحتمالات وجود نزيف بالمخ ونزيف داخلي نتيجة سحقه بعد أصابته في الحادث حيث كان يستقل حافلة متجهة لأسيوط تم دهسها بالكامل من سيارة نقل بمقطورة محملة بأسياخ حديدية ؛والآخر يحتاج الي وضعه علي جهاز تنفس صناعي بسبب أصابته بتهشم في الضلوع مما أثر علي الرئة اليسري وأصبح وضعه خطير ؛ وتم نقل الأثنان بطائرة أسعافية للقاهرة بأحدي المستشفيات الكبري لعلاجهما وفي محاولة لكشف هويتهم عن طريق البصمة الوراثية كانت المفاجأة المدوية حيث أن أحد المصابين وتحديدا الأول الذي يشتبه بأنه يعاني بنزيف داخلي وفي غيبوبة وكسور متعددة تطابق بصمته الوراثية مع نتيجة عينه آثار الجلد تحت أظافر القتيل "عم جميل" ولكن عندما تم أكتشاف ذلك ووصول النبأ للضابط "محسن" كان ذلك بعد مرور أيام من الحادث لأن كانت لازالت النشرة بأوصافه كمشتبه علي أجهزة الحاسب الخاصة بالوزارة لازالت موجودة وعند التطابق تم البلاغ بذلك للضابط المكلف بملف القضية ولكن أستمرار المصاب في الغيبوبة شكل عائق يمنع "محسن" أستجوابه؛ وكانت المفاجاة الكبري بتطابق عينة الدم المتخلفة في مسرح الجريمة والتي كانت مجهولة مع عينة دم المصاب مجهول الهوية؛ لتزداد حيرة "محسن " القضية تتعقد أكثر وطال الوقت وكلما تبين خيط لحلها تلاشي ؛ وكان شغوف وينتظر اللحظة التي سيفيق فيها المصاب المجهول والذي تم التعرف علي أهليته بعد أن تم التوصل لعائلته ؛ وبالتحريات المكثفة في البداية لم يزره أحد وتم تعيين حراسة عليه بعد موافقة النيابة علي طلب "محسن" بذلك كنوع من الحراسة التحفظية لأنه قيد التحقيقات بسبب تطابق عينة الجلد معه والدم مع إيقاف التنفيذ لعدم أفاقته بعد .
ومر أسبوعان لحين ورود أخبارية ل "محسن" ظهور زائر للمشتبه فيه المصاب المجهول يبحث عنه وأنه من أبناء عمومته ؛ فأسرع لمعرفة أي معلومات عن المشتبه فيه.
وعلم "محسن" أن المشتبه المجهول يدعي "هريدي غالب" وأن المصاب جاء من القاهرة قاصدا أسيوط حيث منزله في قرية"الكوردي" مسقط راسه وعن سبب قدومه للقاهرة وبعد ضغط من "محسن" وتهديده بأن قريبه المصاب شبه مؤكد أنه متهم في جريمة قتل وأن كل الأدلة تثبت بأنه القاتل ؛ وعندها علم " محسن " من أبن عمه "مصطفي " أنه كان هناك تار بين عائلة غالب وعائلة أبو المكارم حيث قتل "جميل أبو المكارم " " وهدان غالب " شقيق "هريدي" بسبب الخلاف علي أسبقية الري للمحصول فأراضيهما متجاورة وبعد مقتل " وهدان " فر " جميل " هربا من التار حاملا أبنه " سامح " الصغير وزوجته لبلادا مجهولة وظل "هريدي" يبحث عنه لسنوات طوال ؛ لحين توصل له اثناء بحثه عنه في أحدي حارات القاهرة حيث كان يقوم بزيارة احد الأقارب وتقابل معه وهرب القاتل منه ؛ إلي أن أستطاع " هريدي " التوصل لعنوان غرفته ؛ وتشاحنا معا وحاول "هريدي" تسديد طعنة له بسكين قطع الموز الموجودة بالغرفة علي المنضدة ولكن كان "جميل" داهية وغافله وأشتبك معه في عراك وقام "جميل" بنبش وجه "هريدي" بأظافره الطويلة ؛ كما أن هذا الندل عرض أن يقدم حفيده قربانا ليقتله "هريدي" بدلا منه في أخذ التار ليريحه منه؛ وأنه من سلالته لكنه لا قيمة له وكان يتمني كل لحظة ان يموت هذا المسخ "عمرو" بدلا من أبنه " سامح" خلفه الله من ريحة المرحوم أبنه ليتعذب بوجهه المشوه ونوباته الكريهة مثله تماما طوال عمره وعندما خاف " هريدي " من تجمع اهالي الحارة علي صياح " جميل "؛ فر هاربا خاصة بعدما استل الحفيد السكين الذي سقط من القاتل " جميل" علي الارض ورأي " هريدي " وجهه المشوه كان فعلا كما وصفه "جميل " الندل بالمسخ وأخذ يصرخ في وجهه وهو مستل السكين وفر "هريدي" هاربا .
ونظر "محسن" في الفراغ ان كان "هريدي" قد فر هاربا قبل وقوع الجريمة وكان " جميل " وقتها حي وسليم حسب رواية " نبوية " أنه أخذ يصرخ في حفيده ؛ فمن هو القاتل من بعد هروبه قبل الفجر و قبل مقتله بساعات قليلة .
وفجاة حدق "محسن" مذهولا لما جاء بخاطره وأسرع إلي سراي النيابة لأستصدار الموافقة علي القبض علي القاتل الحقيقي ؛وفي مكتب "محسن" تم مثول القاتل أمامه والذي لم يبدي اي مقاومة وكأنه كان في انتظارهم للقبض عليه ؛ وبنظرات متحدية حدق القاتل في " محسن " وبدء الحوار كالتالي
- "محسن" : " مش عارف انت بتفهم ولا بتسمع ولا أيه حواسك لا تعمل بعد كل تلك السنين "
- اصدر القاتل صوت كفحيح الافعي قائلا : " خايف ليكون المسخ أبكم ولا اصم ؛الكل أفتكر اني علشان اتخلقت مشوه اني لا بأحس ولا باسمع ولا باشوف لاني مثلت عليهم أني تايه ؛ وكنت جوايا مرتاح علشان بيترعبوا مني بعد ما كانوا بيحدفوني بالطوب من صغري ويهزقوني ويتريقوا عليا ؛ و أرتحت في أني أبقي المسخ بجد"
- "محسن" : " قتلته أزاي يا "عمرو" بحالتك دي "
- "عمرو" : " لما عزمت أني أخلص منه وجيه الراجل اللي كان حيقتله علشان التار كان حيخلصني منه لو كان ده حصل لكنه أتراجع وخاف أني أقتله ؛الغبي كنت باناوله السكينة علشان يشفي غليلي منه ويقتله قدام عيني وأتشفي فيه علي كل اللي عمله فيا من اول ما كان بيسويني من الضرب بالخرطوم علشان انه كان نفسه ربنا ياخدني بدل أبويا ولما كان حد بيجيي علشان يلحقني كان بيكدب عليهم ويفهمهم أني بتجيلي نوبات هايج وهو الجد المسكين اللي مستحمل حفيد زي المسخ ومهفوف وعليه جن كمان ؛ وعلي حس كدبه كان بيلم فلوس ويدور يشحت عليا ويرميلي عضم أكله بعد ما ياكل كأني كلب ؛ وجاب أتنين دباحين كان عاوزهم يصفوني وياخدوا كل حته فيا ويبيعني ليهم ويرميني زي أي جيفة في أي أرض فضا بعد ما يكون فضاني من جوايا ؛ مكنش عنده رحمة بيا ؛ لما كنت اربي قطط او كلاب صغيرة تحبني وتلعب معايا من صغري كان يدبحها ويفقع عينها ويرميها قدامي ؛ ولزقها في "عتريس" اكمنه بلطجي وكان بيعمل كده فكان " عتريس " يتصدق عليه انه هو اللي عمل كده مش هو ؛ لما هرب اللي اسمه " هريدي " وفضلت السكينة معايا خبتها وأستنيت " جميل الأبليس " انه يتهد وينام لأنه كان زي التور الهايج ومسمع الجيران ولما هدي و استكان صممت اخلص منه بس دراعي العاجزة مخلتنيش أعرف أدبحه وفضل ينزف وكان لسه صاحي ابن الأبالسة وعلشان كده قررت أتشجع وأقتله وخصوصا لما أفتكرت كل أذيته ليا ومدرتش غير وأنا بأضرب فيه وأشوه وشه زيي اللي كان دايما بيعايرني بخلقتي ويضربني بالخرطوم علي ذنب مش ذنبي وكفيته علي وشه علشان مشوفش وشه اللي باكرهه كره العمي ولقيت حبوب المنوم اللي كان بيحشرها جوا بوءي كل يوم واخدت تلاته منها علشان انام ولما "مجدي" يجيي ويشوفه مقتول أكون أنا نايم مقتول زيه ومحدش يشك فيا .
- قتلته علشان أرحم نفسي منه ؛ وأرحم العالم من ندلته المخفية عن أهل الحارة اللي كان بيصدر لهم وش الطيبة والمسكنة ويداري وش أبليس الحقيقي عنهم ويكشفه بس ليا."
" أعدمني يا بيه خليني أروح لأمي وأبويا اللي مشوفتهمش أكيد ربنا حيسامحني بس البشر عمرهم ما سامحوني علي خلقتي ولا ح يسامحوني دلوقتي ؛ والنبي يا باشا وصيهم يعدموني بسرعة "
وما هي إلا لحظات وتحولت نظرة عيونه الزجاجية للسماء واشرق وجهه ضاحكا وخر ساقطا علي الأرض ليجده "محسن" وقد ردت روحه المعذبة لبارئها ليرحمها وينصفها برحمته وليس بعدله فهو أعلم به وبما عاناه ؛ وتكفل "محسن" بتكريم "عمرو" بعد مماته وقام بدفنه في مقابر الصدقة بعيدا عن مقبرة جده حتي يمنع عنه حتي آذاه بقرب كلا من جثيتهما في نفس المقبرة .
وأسهب "محسن" بالتفكير محدثاً نفسه قائلاً:"
"كان يمشي ببطء، وكأن كل خطوة تزيد من ثقل الظل الذي يرافقه أينما ذهب. ظل طويل أسود يمتد من رأسه إلى الأرض، وكأنه يحمل معه أوزانًا لا تطاق. كان هذا الظل هو ماضيه، هو الجريمة التي ارتكبها في حقّه، وهي التي دفعته في النهاية إلى ارتكاب هذه الفعلة الشنيعة."
وأسدل الستار علي أغرب القضايا التي وكلت إليه بسؤال حائر يدور بداخله من هو القاتل الحقيقي هل "عمرو" الذي نحر جسد جده الأبليس أم هو "جميل" قاتله النفسي والمعنوي ؟
وأن القتل الجسدي أشد؟ أم القتل النفسي والمعنوي؟!!! سؤال يحتاج لإجابة "
" تمت "
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Story Chapters

رواية بلا فصول
Write and publish your own books and novels NOW, From Here.